أفضل أيام الدنيا ..

عبدالله محمد الطوالة
1435/11/24 - 2014/09/19 07:51AM

عشر ذي الحجة .. أفضل أيام الدنيا ..
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، فالتقوى خيرُ زاد ليوم المعاد، وبها يُصلح الله أمورَ العباد، ((وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً))
عبادَ الله، تمر بنا هذه الأيام مواسمُ عظيمة، وأوقاتٌ فاضلة شريفة، هي للمؤمنين مغنَم وأيّ مغنم، فُرصة لتحصيل الحسناتِ والحَطّ من السيِّئات. إنّها أيّام العشرِ المباركات ، أعظمُ الأيّام عند الله فضلاً وأكثرها أجرًا، وأحبها عملاً .. روى ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((ما مِن أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيّامَ العشر، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله إلاّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء)) رواه البخاري وعند البيهقيّ: ((ما عملٌ أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمَله في عشر الأضحى))، وروى البزّار في مسنده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضلُ أيّام الدّنيا العشر)) يعني عشرَ ذي الحجّة ..
والمسلم يا عباد الله .. يعيش دائماً مباركاً في العمل وفي الزمن،خصوصاً في هذه الأيام المباركة .. وأعظم البركة في العمل الطاعةُ؛ فالطاعة فيها بركة عجيبة : ((مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )) ثم هي بركة متنوعة .. منها بركة القول؛ إذ الكلمة الواحدة من الطاعة بعشر حسنات ويكتب الله له بها رضوانه،ويرفعه بها الدرجات العالية ،والحرف الواحد من تلاوة القرآن بعشر حسنات ؛ وكذلك الصلاة بعشر صلوات كما في الحديث القدسي خمس في العدد وخمسون في الميزان .. وشهر رمضان بعشرة أشهر . ومن بركة الطاعة أنها طُهرة من الذنوب، فالجمعة إلى الجمعة و العمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، والطاعة بركة في التعامل؛ فبالتعامل الحسن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحظى ببيت في أعلى الجنة ..
وأعظم الزمن بركة، عشر ذي الحجة؛ إذ أن لها مكانة عظيمة عند الله تعالى، تدل على محبته لها وتعظيمه لها، فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات، عالية الدرجات، متنوعة الطاعات.
فمن فضائل هذه العشر المباركة : أن الله تعالى أقسم بها فقال: ((وَلَيالٍ عَشْرٍ)) ، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، ومن فضائلها: أن الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، فقد قرنها بالفجر وهو وقت مبارك مشهود ، تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار ، وقرنه بالليل وفيه بركة التنزل الإلهي في الثلث الأخير . ومن فضائل هذه العشر المباركة : أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، ومن فضائلها: أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، وأنها أحب الأيام إلى الله تعالى، وأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من العمل في غيرها، روي عن أنس بن مالك أنه قال: (كان يقال في أيام العشر: كل يوم منها بألف يوم)، وروي عن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في يومٍ من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة. ومن فضائلها: أن فيها يوم عرفة، يوم الحج الأعظم ، فما رئي الشيطان أصغر ولا أحقر منه في يوم عرفة، لما يرى من كثرة تنزل الرحمات ، كما أن صومه تطوعاً لغير الحاج يكفر ذنوب سنتين ، ومن فضائل العشر : أن فيها يوم النحر، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: ((أفضل الأيام يوم النحر))، وفيه معظم أعمال النسك ..
وفضائل العشر كثيرة جداً .. ينبغي للمسلم أن يغتنمها، ويسابق إلى الخيرات فيها .. ومن أفضل الأعمال المشروعة فيها: الذكر، لقوله تعالى (( لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ)) وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) .. وقوله ((فأكثروا))، فيه دليل على أن المسلم مطالب بأن يكون ذاكرا لله في كل حياته، لكنه مطالب في هذه الأيام أن يضاعف جهده ويكثر من الذكر؛ وخصوصاً التهليل والتكبير والتحميد، وقد كان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما إذا دخلت العشر يخرجان إلى السوق يكبران ، فإذا سمعهم الناس كبروا ، والذكر خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات وأحبها إلى الله ، فضائله كثيرة ، وأجوره كبيرة ، قرنه الله بالصلاة فقال ((فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ)) ، وقرنه بالجمعة فقال: ((فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ)) ، وقرنه بالصوم فقال: ((وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ)) ، وقرنه بالحج فقال: ((فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)) ، وقرنه بالجهاد فقال: ((يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ)) ، لا يتقيد بزمان ، مأمور بـه على كل الأحوال (( فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ)) ، يقول ابن القيم: "أفضل أهلِ كلِّ عمل أكثرهم فيه ذكرًا، فأفضل الصُّوَّام أكثرُهم ذكرًا لله في صومِهم، وأفضل المتصدّقين أكثرُهم ذِكرًا لله، وأفضل الحجّاج أكثرهم ذكرًا لله في حجه" ..
ومن أفضل الأعمال المشروعة في هذه العشر المباركة : المحافظة على السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها ، والإكثار من النوافل كصلاة الليل والضحى ، فهي سبب مباشر لنيل محبة الله .. وكذلك الإكثار من الصدقة ، إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان،
ومن أفضل الأعمال المشروعة فيها : الصيام ، فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله به بينه وبين النار سبعين خريفاً ، فكيف بصيام هذه الأيام المباركة ..
ومِن أعظمِ القُرُبات التي يتقرَّب بها المسلمون إلى ربِّهم في خِتام هذه الأيام المباركة الأضاحي، فمَن أراد أن يضحّيَ عن نفسه أو أهلِ بيته ودخل شهرُ ذي الحِجّة فإنّه يحرُم عليه أن يأخذَ مِن شعره وأظفاره أو جِلده حتّى يذبحَ أضحيتَه، لِما روته أمّ سلمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجة وأرادَ أحدكم أن يضحّيَ فلا يأخذ من شعرِه وأظفاره شيئًا حتى يضحّي)) مسلم ، وشأن الأضحية عظيم فقد ثبت في الحديث أن للمضحي بكل شعرة حسنة ، وحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم القادر من تركها فقال : " من وجد سعة ولم يضحي فلا يقربن مصلانا " ..
وأفضل ما يفعل في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام .. قال صلى الله عليه وسلم: ((من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه)) والحديث متفق عليه ، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنّهما ينفيان الفقر والذنوبَ كما ينفي الكير خَبثَ الحديدِ والذّهب والفضَّة، وليس للحجّة المبرورةِ ثوابٌ إلاّ الجنّة)) ..
فدونكم يا عباد الله الفضائل فاغتنموها ، فالحياةُ مغنم، والأيام معدودة، والأعمارُ قصيرة. ولنعلم أن لله جل وعلا في هذه الأيام المباركة نفحات وأي نفحات، فلننتهز الفرصة ، ولنستكثر من الطاعات ، ولنتقرب بالصالحات .. ولنسابق في الخيرات .. ولنسارع ..
((وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ)) ..
بارك الله ......

الحمد لله وكفى ....
واعلموا عباد الله أنَّ العبادةَ أعظمُ كرامةٍ يُكرِم الله بها العابِدين، فبالعبادة تستنير القلوب، وتتهذَّب النفوس، وتتقوّم الأخلاق، وتصُلح الأحوال، وتزكو الأعمال، ولو لم يكن فيها إلا رضى الربّ جل وعلا لكفى بالعبادة شرفاً ..
ومن رحمةِ الله وحكمته وكمالِ علمه أنَّ شرعَ لعبادةَ تلك العباداتِ المتنوِّعة؛ ؛ لتتكامل تربيتهم ، ولتتم طهارتهم وتزكيتهم ، قال تبارك وتعالى: ((مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))
والحجُّ ركنٌ من أعظم أركان الإسلام، جمع الله فيه العبادات القلبية كالإخلاص والخشية والإنابة وغيرها، وجمعَ الله فيه العباداتَ المالية والقوليةَ والفعليةَ. تجتمع فيه شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .. وهي أعظمُ أركان الإسلام، وتجتمعُ فيه الصلاة وإنفاق المال والصيام لمن لم يجد الهدي .. والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر .. والصبرُ والحِلم وجهادُ النفس و اجتنابُ المحرمات .. والشفقة والرحمة .. وحب الخير وتعليم الغير .. وجميع أوجه البر والإحسان ..
والحجُّ آية من آيات الله العظمَى .. يدل على أنَّ مَا جاءَ به محمَّد صلى الله عليه وسلم هو الدِّين الحقّ، فلا تقدِر أيّ قوةٍ في الأرض أن تجمَع الحجَّاج كلَّ عامٍ من أطراف الأرض ومن جميع أجناس البشر .. بقلوبٍ مملوءة بالشوق والمحبة، يتلذَّذون بالمشقَّات .. ويتكبدون مشاق الأسفار .. وينفقون كل ما يملكون بسخاوة نفس وطيب قلب .. ويفرَحونَ بمفارقةِ الأهلِ والأصحابِ والأوطان، ويشعرون أن ساعات الحجّ أسعدُ ساعات العمر، ويعظِّمون مشاعرَ الحجّ، ثم إذا وصلوا رأيت من أحوالهم ما يعجز اللسان عن وصفه والإحاطة به، فلا والله لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل ، وهو القائلُ لخليله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام: ((وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ * لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ))
فالمغبونُ بحق من انصرَف عن طاعة الله .. لاسيّما في هذه الأيام، والمحروم من حُرم رحمةَ الله جلّ وعلا، المأسوفُ عليه من فاتت عليه هذه الفُرَص وفرَّط في هذا الفضل. فيا ويحَ من أدرك هذه الأيامَ ثمّ لم يغتنِمها، والويلُ لمَن أمضاها في سيِّئ الأخلاق فأهلك نفسه وأوبقها ، ويا خسارةَ مَن دعَته دواعي الخير فأعرض عنها ولم يغتنمها ..
قال ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعًا عجيباً .. إن طال الليل فبحديث لا ينفع ، وإن طال النهار فبالنوم، أو في الأسواق، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل، فاللهَ اللهَ في مواسم العمر، والبدار البدار قبل الفوات، فكأنه قد حدا الحادي وناد المنادي فلا ينفع الندم".
وقال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: "ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا ينادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا وتنادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي".
يا عباد الله .. جاء في الحديث الصحيح: ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)) .. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم مائة مرة)) .. فيا من طال عمره وعركته الحياة .. يا من تأمّل أحوال الناس وشهد مصارعهم وشيع جنائزهم وعاش أفراحهم وأتراحهم، يا من رأى الدنيا وتقلبها بأهلها .. إلى متى تؤخر توبتك ؟! لقد سمعت المواعظ، وتلوت القرآن، ورأيت مصارع الآخرين ؟ فوالله لتُصرعن مثلهم .. ووالله إن وراءك يوماً ثقيلاً .. طويلاً عسيراً، فاتقى الله وتزود لذلك اليوم بأفضل مايمكنك اليوم .. ففي الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)) .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .. صلوا عباد الله ...



المشاهدات 2179 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا