أفسام الناس في الآخرة

أَقْسَامُ النَّاسِ فِي الآخِرَةِ
1/7/1432

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ سَرِيعِ الحِسَابِ، شَدِيدِ العِقَابِ، جَزِيلِ العَطَاءِ؛ وَعَدَ المُؤْمِنِينَ جَنَّةً عَرْضُهَا الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَتَوَعَّدَ الكَافِرِينَ بِنَارٍ تَلَظَّى، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، فَلا خَيْرَ إِلاَّ مِنْهُ، وَلا يُدْفَعُ ضُرٌّ إِلاَّ بِهِ؛ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَهَدَانَا وَكَفَانَا، وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَعْطَانَا، وَدَفَعَ عَنَّا مِنَ البَلاءِ مَا عَلِمْنَا وَمَا لَمْ نَعْلَمْ؛ [لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ ٣٥ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي
خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ
وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ
] {يس: 35 - 36}.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اصْطَفَاهُ اللهُ تَعَالَى وَابْتَلاهُ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ وَأَبْقَاهُ، وَأَعْلَى مَقَامَهُ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ، وَآتَاهُ الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، فَقَابَلَ عَطَايَا رَبِّهِ سُبْحَانَهُ بِالشُّكْرِ، وَلَهَجَ لَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ وَالذِّكْرِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ وَهَبُوا نُفُوسَهُمْ للهِ تَعَالَى، وَنَصَبُوا أَرْكَانَهُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَيَمَّمُوا وُجُوهَهُمْ تُجَاهَ الآخِرَةِ، وَلَمْ يَحْفَلُوا بِالدُّنْيَا وَمُتَعِهَا الزَّائِلَةِ؛ /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {الفتح: 29}، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُنْجِيكُمْ فِي الأُخْرَى؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ قُبُورًا فِيهَا ضِيقٌ وَظُلْمَةٌ وَوَحْشَةٌ وَوَحْدَةٌ، وَإِنَّ أَمَامَكُمْ بَعْثًا وَنُشُورًا، وَوُقُوفًا طَوِيلاً، وَحِسَابًا عَسِيرًا، وَلاَ مَنْجَاةَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى؛ /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {الزُّمر: 61}.
أَيُّهَا النَّاسُ: لِلاخْتِبَارِ فِي النَّفْسِ رَهْبَتُهُ، وَلِلسُّؤَالِ عَلَى القَلْبِ وَقْعُهُ، وَلِلْجَوَابِ الصَّحِيحِ حَلاوَتُهُ، وَلِلْإِخْفَاقِ حَسْرَتُهُ، وَعَلَى قَدْرِ أَهَمِّيَّةِ الاخْتِبَارِ يَهْتَمُّ الإِنْسَانُ، وَتَتَوَتَّرُ نَفْسُهُ، وَيَضْطَرِبُ قَلْبُهُ؛ فَلَيْسَ مَنْ يُسْأَلُ فِي مُسَابَقَةٍ تَرْفِيهِيَّةٍ كَمَنْ يُخْتَبَرُ لِنَيْلِ شَهَادَةٍ مَصِيرِيَّةٍ، وَلَيْسَ مَنْ يُسَابِقُ عَلَى وَظِيفَةٍ مَضْمُونَةٍ كَمَنْ يُزَاحِمُ الأُلُوفَ عَلَى وَظِيفَةٍ شِبْهِ مَعْدُومَةٍ!
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّاسِ وَطَلَبِ مَعَاشِهِمْ، وَتَنَافُسِهِمْ عَلَى مَرَاتِبِ دُنْيَاهُمْ، فَكَيْفَ الحَالُ إِذَنْ بِامْتِحَانٍ مَنِ اجْتَازَهُ فَازَ فَوْزًا أَبَدِيًّا، وَمَنْ أَخْفَقَ فِيهِ خَسِرَ خُسْرَانًا نِهَائِيًّا، فَلَيْسَ ثَمَّةَ إِعَادَةٌ وَلاَ تَعْوِيضٌ وَلا فُرَصٌ أُخْرَى، حَيَاةٌ فِي الدُّنْيَا وَاحِدَةٌ، وَفُرْصَةٌ لِلْعَمَلِ فِيهَا وَاحِدَةٌ، وَالجَزَاءُ يَكُونُ عَلَى عَمَلِ الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الفُرْصَةِ، وَأَيُّ جَزَاءٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الجَزَاءِ، الَّذِي أَدْنَاهُ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ فِي الدُّنْيَا وَعَشَرَةِ أَضْعَافِهِ، وَأَعْلاهُ القُرْبُ مِنَ الرَّحْمَنِ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ، فَيَا لَهُ مِنْ فَوْزٍ؟!
وَكَيْفَ إِذَنْ بِامْتِحَانٍ نَتِيجَتُهُ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ، أَوْ شَقَاءٌ أَبَدِيٌّ، نَتِيجَتُهُ نَعِيمٌ مُقِيمٌ لاَ يَحُولُ وَلا يَزُولُ، فِيمَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، أَوْ فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ مُهِينٍ، شَدِيدٍ لا يُخَفَّفُ، وَدِائِمٍ لاَ يَنْقَطِعُ؛ /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ[/font][font=al-quranalkareem][font=times new roman {النساء: 56}.
ذَلِكُمْ يَا عِبَادَ اللهِ امْتِحَانُ الآخِرَةِ وَسُؤُالُهَا، وَجَزَاءُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَعْمَالِ العِبَادِ فِيهَا، فَيَا لَكَيَاسَةَ مَنِ اعْتَبَرَ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا لِلآخِرَةِ، وَتَزَوَّدَ مِنَ الفَانِيَةِ لِلْبَاقِيَةِ، وَيَا لَسَعَادَةَ مَنْ قَدِمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَقَدْ بَلَغَ دَرَجَةَ السَّابِقِينَ، وَيَا لَشَقْوَةَ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى بِأَعْمَالِ الظَّالِمِينَ!
فِي يَوْمِ القِيَامَةِ حِينَ يَجِيءُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لِفَصْلِ القَضَاءِ، وَالمَلائِكَةُ صُفُوفٌ فِي ذَلِكَ المَقَامِ العَظِيمِ، سَيُرْفَعُ أُنَاسٌ وَيُدْنَوْنَ مِنَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ؛ كَرَامَةً لَهُمْ عَلَى سَبْقِهِمْ فِي الدُّنْيَا، تَرْقُصُ قُلُوبُهُمْ طَرَبًا مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ سَبْقِهِمْ وَكَرَامَةِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، وَدُونَهُمْ فَائِزُونَ آخَرُونَ يُقَالُ لَهُمْ: أَصْحَابُ اليَمِينِ، قَدْ أَسْفَرَتْ وُجُوهُهُمْ، وَفَرِحَتْ بِالفَوْزِ قُلُوبُهُمْ، وَآخَرُونَ خَاسِرُونَ يَقِفُونَ بِوُجُوهٍ مُظْلِمَةٍ، وَحَالٍ مُحْزِنَةٍ، وَبِقُلُوبٍ قَدْ مَلَأَهَا الهَمُّ وَالغَمُّ، وَتَقَطَّعَتْ بِالحَسْرَةِ وَالنَّدَمِ، /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ ٢٣ وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَةٞ ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ[/font][font=al-quranalkareem][font=times new roman {القيامة: 22-25}، /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ ٣٩ وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَةٞ ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {عبس: 38-41}.
أَقْسَامٌ ثَلاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فِي أَحَدِهَا، وَهِيَ المَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجٗا ثَلَٰثَةٗ ٧ فَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ٨ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ ٩ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ[/font][font=al-quranalkareem][font=times new roman {الواقعة: 8-10}.
وَهُمُ المَذْكُورُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ
ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم
مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ
ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ
] {فاطر: 32}.
فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْثَرُهُمْ نَعِيمًا، وَأَحَضُّهُمْ بِالقُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، ونَيْلِ رِضْوَانِهِ، وَالفَوْزِ بِرُؤْيَتِهِ سُبْحَانَهُ - فِئَةُ السَّابِقِينَ، الَّذِينَ سَبَقُوا غَيْرَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَمْضَوْا حَيَاتَهُمْ لَا يَرَوْنَ مَيْدَانًا فِيهِ رِضَا الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ إِلاَّ سَبَقُوا إِلَيْهِ، وَنَافَسُوا النَّاسَ عَلَيْهِ، وَتَرَكُوا الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَعْضًا مِنْ نَعِيمِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ؛ لِإِغْرَاءِ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَحَثِّ قُرَّاءِ القُرْآنِ عَلَى التَّنَافُسِ لِبُلُوغِ مَنْزِلَتِهِمْ، وَالاسْتِبَاقِ إِلَى أَعْمَالِهِمْ؛ [وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ١٢ ثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣ وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ ١٤ عَلَىٰ سُرُرٖ مَّوۡضُونَةٖ ١٥ مُّتَّكِ‍ِٔينَ عَلَيۡهَا مُتَقَٰبِلِينَ ١٦

يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكۡوَابٖ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٖ مِّن مَّعِينٖ ١٨ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ ١٩ وَفَٰكِهَةٖ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحۡمِ طَيۡرٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ ٢١ وَحُورٌ عِينٞ ٢٢ كَأَمۡثَٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ ٢٣ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ لَا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا تَأۡثِيمًا ٢٥ إِلَّا قِيلٗا سَلَٰمٗا سَلَٰمٗا
] {الواقعة: 10-26}، وَلَهُمْ عَيْنُ التَّسْنِيمِ خَاصَّةً خَالِصَةً، بَيْنَمَا تُمْزَجُ لِغَيْرِهِمْ بِغَيْرِهَا؛ /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ ٢٧ عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {المطففين: 28}.
يَعْلَمُونَ بِفَوْزِهِمْ وَبِرِضَا الرَّحْمَنِ عَنْهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ؛ /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٨٨ فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {الوَاقِعَة: 88-89}، تِلْكَ بُشْرَاهُمْ، وَهَذَا مَآلُهُمْ، جَعَلَنَا اللهُ وَوَالِدِينَا وَذُرِّيَّاتِنَا مِنْهُمْ.
وَلِلسَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ أَوْصَافٌ مَذْكُورَةٌ فِي القُرْآنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا فَيَكُونَ مِنْهُمْ: [إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧ وَٱلَّذِينَ هُم
بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ ٥٩

وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ ٦٠
أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ
] {المؤمنون: 57-61}.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّانِي مِنَ النَّاسِ فَيَلِي السَّابِقِينَ فِي المَنْزِلَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ اليَمِينِ، أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الوَصْفُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَصْلِ الخَلْقِ كَانُوا عَنْ يَمِينِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَيْمَانِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلاَمَةَ فَوْزِهِمْ، وَهُمْ مَيَامِينُ مُبَارَكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوا رَبَّهُمْ فَدَخَلُوا الجَنَّةَ، وَاليُمْنُ هُوَ البَرَكَةُ، وَمِنْ بَرَكَتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا دَعْوَتُهُمْ لَهُمْ إِلَى الخَيْرِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَمِنْ بَرَكَتِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ شَفَاعَتُهُمْ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ مِنْ قَرَابَتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ نَعِيمِهِمْ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ تَعَالَى: [وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَٰبُ
ٱلۡيَمِينِ ٢٧ فِي سِدۡرٖ مَّخۡضُودٖ ٢٨ وَطَلۡحٖ مَّنضُودٖ ٢٩ وَظِلّٖ مَّمۡدُودٖ
٣٠ وَمَآءٖ مَّسۡكُوبٖ ٣١ وَفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ ٣٢ لَّا مَقۡطُوعَةٖ وَلَا مَمۡنُوعَةٖ
٣٣ وَفُرُشٖ مَّرۡفُوعَةٍ ٣٤ إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآءٗ ٣٥ فَجَعَلۡنَٰهُنَّ أَبۡكَارًا
٣٦ عُرُبًا أَتۡرَابٗا ٣٧ لِّأَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ
] {الواقعة: 27-38}.
وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ: [فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ أَوۡ إِطۡعَٰمٞ فِي يَوۡمٖ ذِي مَسۡغَبَةٖ ١٤ يَتِيمٗا ذَا مَقۡرَبَةٍ ١٥ أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ ١٦ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ
بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ ١٧ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ
] {البلد: 13-18}.
وَيَعْلَمٌونَ بِسَلامَتِهِم حَالَ احْتِضَارِهِم [وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ
ٱلۡيَمِينِ ٩٠ فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ
] {الواقعة: 90-91}.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّالِثُ: فَأَصْحَابُ الشِّمَالِ - أَعَاذَنَا اللهُ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ - سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَنْ شِمَالِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِي أَصْلِ الخَلْقِ، وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشَمَائِلِهِمْ، وَهُمْ شُؤْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى مَنِ اقْتَرَنَ بِهِمْ فَوَافَقَهُمْ فِي أَفْعَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا النَّارَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالعَرَبُ تُسَمِّي الشِّمَالَ شُؤْمًا، كَمَا تُسَمِّي اليَمِينَ يُمْنًا، وَهُمُ المُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ عَذَابِهِمْ فِي الآخِرَةِ؛ فَقَالَ تَعَالَى /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَأَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ ٤١ فِي سَمُومٖ وَحَمِيمٖ ٤٢ وَظِلّٖ مِّن[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs][font=times new roman] [/font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]يَحۡمُومٖ ٤٣ لَّا بَارِدٖ وَلَا كَرِيمٍ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {الواقعة: 41-44}، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى كُفْرَهُمْ، وَعَاقِبَةَ كُفْرِهِمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ تَعَالَى /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ ١٩ عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {البلد: 19-20}.
وَيَعْلَمُونَ بِمَصِيرِهِمُ المَشْؤُمِ عِنْدَ مَوتِهِمْ [وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ
ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ ٩٢ فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ ٩٣ وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ
] {الواقعة: 92-94} وَلَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَقْسَامِ الثَّلاَثَةِ قِسْمٌ رَابِعٌ، فَقِسْمَانِ فِي الجَنَّةِ، وَقِسْمٌ فِي النَّارِ، فَلْيَخْتَرِ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ مَا يُرِيدُ مِنْهَا، وَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِ أَهْلِهِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَكْدَارَهَا وَسُرْعَةَ زَوَالِهَا وَكَثْرَةَ مَوْتِ النَّاسِ فِيهَا؛ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا، وَلَمْ يُقَدِّمْهَا عَلَى الآخِرَةِ؛ /font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ[/font][font=times new roman][font=al-quranalkareem {فاطر: 5}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ....
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، [وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ
لِلۡكَٰفِرِينَ ١٣١ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ
] {آل عمران: 132}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ حَالَ الفَائِزِينَ فِي دِرَاسَةٍ أَوْ مُسَابَقَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ أَيِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا - أَبْصَرَ مَا هُمَ فِيهِ مِنَ الفَرَح وَالسُّرُورِ، وَمَا يَجِدُونَهُ مِن اللَّذَّةِ وَالحُبُورِ، وَهُوَ فَوْزٌ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مَهْمَا عَظُمَ، وَرُبَّمَا خُبِّئَ لَهُمْ فِي القَدَرِ حُزْنٌ يَعْقُبُ هَذَا الفَرَحَ، وَمُصِيبَةٌ تَلِي هَذَا الرِّبْحَ، وَهُوَ فَوْزٌ زَائِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَذَّتُهُ فِي لَحْظَتِهِ ثُمَّ تَضْمَحِلُّ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ مَنْ أَخْفَقُوا فِي دِرَاسَةٍ أَوْ مُسَابَقَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ أَيِّ أَمْرٍ آخَرَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا - أَبْصَرَ الظُّلْمَةَ تَعْلُوهُمْ، وَرَأَى الحَسْرَةَ تَكْسُوهُمْ، وَلَوْ تَجَلَّدُوا وَكَتَمُوا وَتَصَنَّعُوا، وَهُوَ إِخْفَاقٌ يُمْكِنُ تَعْوِيضُهُ، وَخَسَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ سَرْعَانَ مَا يَزُولُ أَلَمُهَا وَحَسْرَتُهَا.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِفَوْزِ الآخِرَةِ وَخَسَارَتِهَا، ذَلِكَ الفَوْزُ الأَبَدِيُّ وَالخَسَارَةُ الأَبَدِيَّةُ.
وَلِلْفَوْزِ مَيَادِينُهُ، وَلِلْمُسَابَقَةِ أَعْمَالُهَا، وَلِمَنَازِلِ السَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ رِجَالُهَا وَنِسَاؤُهَا؛ مِنْهُمْ مَنْ يُسَابِقُ فِي كُلِّ طَاعَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، كَمَا كَانَ عُمَرُ يُسَابِقُ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - إِلَى الطَّاعَاتِ، فَكَانَ الصِّدِّيقُ يَسْبِقُهُ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «واللهِ مَا سَابَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلاَّ سَبَقَنِي»، وَهَذَا فِي النَّاسِ قَلِيلٌ؛ وَلِذَا يُدْعَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ كُلِّ أَبْوَابِ الجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ إِلَى طَاعَاتِ تِلْكَ الأَبْوَابِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَلْزَمُ طَاعَةً يَسْبِقُ غَيْرَهُ فِيهَا، وَيَأْخُذُ بِحَظٍّ مِنَ الطَّاعَاتِ الأُخْرَى، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لاَ سَبْقَ لَهُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ اللَّهْوَ وَالغَفْلَةَ!
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ أَنْ جَعَلَ مَيَادِينَ المُسَابِقَةِ لَهُمْ فِي الخَيْرِ كَثِيرَةً، وَأَعْمَالَهَا وَفِيرَةً فِي أَزْمَانِهَا وَأَمَاكِنِهَا وَأَنْوَاعِهَا؛ حَتَّى إِذَا عَجَزَ العَبْدُ عَنْ بَعْضِهَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْ كُلِّهَا، وَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا أَدْرَكَ عَمَلاً غَيْرَهُ.
وَهِيَ مَيَادِينُ يَوْمِيَّةٌ وَأُسْبُوعِيَّةٌ، وَشَهْرِيَّةٌ وَحَوْلِيَّةٌ:
فَمِنَ اليَّوْمِيَّةِ: الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ؛ فَمَنْ سَابَقَ عَلَى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلَ سَبَقَ، وَمَنْ تَأَخَّرَ إِلَى إِقَامَةِ الصَّلاةِ فَقَدْ فَرَّطَ، وَمَنْ تَرَكَهَا بِالكُلِّيَّةِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَبَخَسَ حَظَّهُ!
وَمِنَ المَيَادِينِ الأُسْبُوعِيَّةِ: صِيَامُ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، وَالتَّبْكِيرُ لِلْجُمُعَةِ وَالْتِزَامُ سُنَنِهَا وَآدَابِهَا.
وَمِنَ المَيَادِينِ الشَّهْرِيَّةِ: صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.
وَمِنَ المَيَادِينِ الحَوْلِيَّةِ: الإِكْثَارُ مِنْ صِيَامِ شَعْبَانَ، وَاغْتِنَامُ رَمَضَانَ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، وَكَمْ فِي هَذِهِ المَيَادِينِ مِنْ مُسَابِقٍ! وَكَمْ فِيهَا مِنْ مُقْتَصِدٍ! وَكَمْ فِيهَا مِنْ ظَالِمٍ لِنَفْسِهِ! مُضَيِّعٍ لِفُرَصِ عُمُرِهِ!
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَيَجْعَلُهُ يَفِرُّ مِنْ أَسْوَاقِ الآخِرَةِ، وَمَيَادِينِ التَّنَافُسِ فِي الطَّاعَةِ، كَمَا يُدْبِرُ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضِرَاطٌ إِذَا سَمِعَ الأَذَانَ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُضَيِّعُونَ المَوَاسِمَ الحَوْلِيَّةَ؛ كَرَمَضَانَ وَالحَجِّ فِي أَسْفَارٍ مُحَرَّمَةٍ، أوِ انْكِبَابٍ عَلَى الشَّهَوَاتِ، فَأَيْنَ أُولَئِكَ مِنَ التَّنَافُسِ فِي الطَّاعَاتِ وَاسْتِبَاقِ الخَيْرَاتِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ فِي الآخِرَةِ فَائِزِينَ وَخَاسِرِينَ، وَلِلْفَائِزِينَ دَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةً بِحَسْبِ سَبْقِهِمْ فِي الدُّنْيَا؛ [كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ
فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا
ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ
] {آل عمران: 185}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا....
المشاهدات 4784 | التعليقات 7

موضوع موفق جدآ

شكر الله لك ياشيخ ابراهيم فقد أفدت وأجدت000


موضوع موفق ومناسب لأيام الامتحانات ، فجزى الله الشيخ إبراهيم خيرًا وأثابه ، وأستأذنه ـ وفقه الله وسدده ـ في نشر هذه الإعادة للخطبة بنقص وزيادة وتصرف ، وله الأجر إن شاء الله :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ ، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الدُّنيَا بمَا يُنجِيكُم في الأُخرَى ؛ فَإِنَّ مِن وَرَائِكُم مَوتًا وَقُبُورًا ، ثم إِنَّ أَمَامَكُم بَعثًا وَنُشُورًا " وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُم يَحزَنُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في فَترَةِ الامتِحَانَاتِ وَأَيَّامِ الاختِبَارَاتِ ، يَتَهَيَّأُ عَدَدٌ مِنَ النَّاسِ وَيَستَعِدُّونَ ، وَتَرَى بَعضَ البُيُوتِ تُغلَقُ وَالزِّيَارَاتِ تُقطَعُ ، وَتَفزَعُ نُفُوسٌ وَتَضطَرِبُ قُلُوبٌ ، وَقَد تَتَغَيَّرُ لِذَلِكَ خَوَاطِرُ وَتَضِيقُ صُدُورٌ ، ذَلِكُم أَنَّ لِلاختِبَارِ في النَّفسِ رَهبَتَهُ ، وَلِلسُّؤَالِ عَلَى القَلبِ شِدَّتَهُ ، وَلِلجَوَابِ الصَّحِيحِ حَلاوَةً وَلِلإِخفَاقِ حَسرَةً ، وَعَلى قَدرِ أَهَمِّيَّةِ الاختِبَارِ يَهتَمُّ الإِنسَانُ وَيَخَافُ ، فَلَيسَ مَن يُسأَلُ في مُسَابَقَةٍ تَرفِيهِيَّةٍ قَد لا يَنَالُ عَلَيهَا إِلاَّ جَائِزَةً صَغِيرَةً ، كَمَن يُختَبَرُ لِنَيلِ شَهَادَةٍ مَصِيرِيَّةٍ يُحَصِّلُ بها وَظِيفًَ كَبِيرَةً . وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ في طَلَبِ النَّاسِ مَعَاشَهُم وَتَنَافُسِهِم عَلَى مَرَاتِبِ دُنيَاهُم ، فَكَيفَ بِامتِحَانٍ مَنِ اجتَازَهُ فَازَ فَوزًا عَظِيمًا ، وَمَن أَخفَقَ فِيهِ خَسِرَ خُسرَانًا مُبِينًا ؟ امتِحَانٌ لا إِعَادَةَ لَهُ وَلاَ تَعوِيضَ لِخَسَارَتِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ فُرصَةٌ وَاحِدَةٌ لا تَتَكَرَّرُ ، مَدرَسَتُهُ هِيَ الحَيَاةُ ، وَزَادُهُ حَسَنَاتٌ أَو سَيِّئَاتٌ ، وَطُلاَّبُهُ إِمَّا نَاجُونَ مِنَ السَّابِقِينَ أَو مِن أَصحَابِ اليَمِينِ ، أَو خَاسِرُونَ مِن أَصحَابِ الشِّمَالِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَكُنتُم أَزوَاجًا ثَلاثَةً . فَأَصحَابُ المَيمَنَةِ مَا أَصحَابُ المَيمَنَةِ . وَأَصحَابُ المَشأَمَةِ مَا أَصحَابُ المَشأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ " فَالسَّابِقُونَ هُمُ الأَعلَى مَنزِلَةً وَالأَكثَرُ نَعِيمًا ، وَالأَحَضُّ بِالقُربِ مِنَ اللهِ ونَيلِ رِضوَانِهِ وَالفَوزِ بِرُؤيَتِهِ ، ذَلِكَ أَنَّهُم سَبَقُوا إِلى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَأَمضَوا حَيَاتَهُم في المُنَافَسَةِ في الطَّاعَاتِ وَاستِبَاقِ الخَيرَاتِ ، فَكَانَ جَزَاؤُهُم عِندَ اللهِ عَظِيمًا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ . في جَنَّاتِ النَّعِيمِ . ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ . وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ . عَلى سُرُرٍ مَوضُونَةٍ . مُتَّكِئِينَ عَلَيهَا مُتَقَابِلِينَ . يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأسٍ مِن مَعِينٍ . لا يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلا يُنزِفُونَ . وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ . وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُونَ . وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمثَالِ اللُّؤلُؤِ المَكنُونِ . جَزَاءً بما كَانُوا يَعمَلُونَ . لا يَسمَعُونَ فِيهَا لَغوًا وَلا تَأثِيمًا . إِلاَّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعرِفُ في وُجُوهِهِم نَضرَةَ النَّعِيمِ . يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ مَختُومٍ . خِتَامُهُ مِسكٌ وَفي ذَلِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ . وَمِزَاجُهُ مِن تَسنِيمٍ . عَينًا يَشرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ " وَمِن تَمَامِ نِعمَةِ اللهِ عَلَى أُولَئِكَ السَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ أَنَّهُم يُبَشَّرُونَ عِندَ مَوتِهِم بما يَسُرُّهُم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ . فَرَوحٌ وَرَيحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ " وَأَمَّا القِسمُ الثَّاني الَّذِي يَلِي السَّابِقِينَ في المَنزِلَةِ ، فَهُم أَصحَابُ اليَمِينِ ، سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنَّهُم يُعطَونَ كُتُبَهُم يَومَ القِيَامَةِ بِأَيمَانِهِم ، أَو لأَنَّهُم صَارُوا مَيَامِينَ مُبَارَكِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِطَاعَتِهِم ، وَعَلَى غَيرِهِم بِدَعوَتِهِم إِلى الخَيرِ وَنَهيِهِم عَنِ الشَّرِّ في الدُّنيَا ، وَشَفَاعَتِهِم لِمَن يَستَحِقُّ الشَّفَاعَةَ مِن قَرَابَتِهِم وَمَعَارِفِهِم في الآخِرَةِ ، وَقَد ذَكَرَ ـ تَعَالى ـ جُملَةً مِن نَعِيمِهِم في الآخِرَةِ فَقَالَ : " وَأَصحَابُ اليَمِينِ مَا أَصحَابُ اليَمِينِ . في سِدرٍ مَخضُودٍ . وَطَلحٍ مَنضُودٍ . وَظِلٍّ مَمدُودٍ . وَمَاءٍ مَسكُوبٍ . وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لا مَقطُوعَةٍ وَلا مَمنُوعَةٍ . وَفُرُشٍ مَرفُوعَةٍ . إِنَّا أَنشَأنَاهُنَّ إِنشَاءً . فَجَعَلنَاهُنَّ أَبكَارًا . عُرُبًا أَترَابًا . لأَصحَابِ اليَمِينِ " وَمِن نِعمَةِ اللهِ عَلَيهِم أَنَّهُم يَعلَمُونَ بِسَلامَتِهِم حَالَ احتِضَارِهِم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَمَّا إِن كَانَ مِن أَصحَابِ اليَمِينِ . فَسَلامٌ لَكَ مِن أَصحَابِ اليَمِينِ " وَأَمَّا القِسمُ الثَّالِثُ فَهم أَصحَابُ الشِّمَالِ ـ أَعَاذَنَا اللهُ مِن حَالِهِم وَمَآلِهِم ـ سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنَّهُم يُعطَونَ كُتُبَهُم يَومَ القِيَامَةِ بِشَمَائِلِهِم ، أَو لأَنَّهُم شُؤمٌ عَلَى أَنفُسِهِم وَعَلَى مَنِ اقتَرَنَ بِهِم فَوَافَقَهُم في أَفعَالِهِم وَصَارَ إِلى مَآلِهِم ، وَقَد ذَكَرَ ـ تَعَالى ـ شَيئًا مِن عَذَابِهِم في الآخِرَةِ فَقَالَ : " وَأَصحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصحَابُ الشِّمَالِ . في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِن يَحمُومٍ . لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ " وَقَالَ : " ثُمَّ إِنَّكُم أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ . لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِن زَقُّومٍ . فَمَالِئُونَ مِنهَا البُطُونَ . فَشَارِبُونَ عَلَيهِ مِنَ الحَمِيمِ . فَشَارِبُونَ شُربَ الهِيمِ . هَذَا نُزُلُهُم يَومَ الدِّين " وَمِن شُؤمِ هَؤُلاءِ أَنَّهُم يَعلَمُونَ بِمَصِيرِهِمُ المَشؤُومِ عِندَ مَوتِهِم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنُزُلٌ مِن حَمِيمٍ . وَتَصلِيَةُ جَحِيمٍ " وَلَيسَ بَعدَ هَذِهِ الأَقسَامِ الثَّلاَثَةِ قِسمٌ رَابِعٌ ، فَقِسمَانِ في الجَنَّةِ مُنَعَّمُونَ ، وَقِسمٌ في النَّارِ مُعَذَّبٌ مَغبُونٌ ، فَأَينَ طُلاَّبُ الآخِرَةِ فَلْيَستَعِدُّوا بِصَالِحِ الأَعمَالِ ، فَإِنَّ الدُّنيَا سَرِيعَةُ الفَنَاءِ قَرِيبَةُ الزَّوَالِ ، وَقَد بَيَّنَ اللهُ ـ تَعَالى ـ في كِتَابِهِ صِفَاتِ السَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ ، وَعَدَّدَ أَعمَالَ أَهلِ اليَمِينِ ، لِيَقتَدِيَ بهمُ المُوَفَّقُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِم يُؤمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لَهَا سَابِقُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ . وَمَا أَدرَاكَ مَا العَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَو إِطعَامٌ في يَومٍ ذِي مَسغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقرَبَةٍ . أَو مِسكِينًا ذَا مَترَبَةٍ . ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ وَتَوَاصَوا بِالمَرحَمَةِ . أُولَئِكَ أَصحَابُ المَيمَنَة " وَفي مُقَابِلِ ذَلِكَ فَقَد جَلَّى اللهُ ـ تَعَالى ـ لِعِبَادِهِ أَعمَالَ أَصحَابِ الشِّمَالِ لِيَحذَرُوهَا وَيَتَجَنَّبُوهَا ، فَقَالَ :" إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُترَفِينَ . وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلى الحِنثِ العَظِيمِ . وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبعُوثُونَ . أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ " وَقَالَ : " وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُم أَصحَابُ المَشأَمَةِ . عَلَيهِم نَارٌ مُؤصَدَةٌ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ . إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ . الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبِيرٌ "
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ " وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ . وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ ـ تَعَالى ـ بِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ أَن جَعَلَ مَيَادِينَ المُسَابِقَةِ لَهُم في الخَيرِ كَثِيرَةً ، وَجَعَلَ أَعمَالَهَا مُتَنَوِّعَةً وَفِيرَةً ، حَتَّى إِذَا عَجَزَ العَبدُ عَن بَعضِهَا أَمكَنَهُ سَائِرُهَا ، وَإِن فَاتَهُ شَيءٌ مِنهَا في وَقتٍ أَدرَكَ غَيرَهُ في وَقتٍ آخَرَ . فَثَمَّةَ الصَّلَوَاتُ الخَمسُ وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ ؛ وَالتَّبكِيرُ لِلجُمُعَةِ وَالتِزَامُ سُنَنِهَا وَآدَابِهَا ، وَثَمَّةَ الزَّكَاةُ والصَّدَقَاتُ ، وَهُنَاكَ صِيَامُ رَمَضَانَ وَصِيَامُ الاثنَينِ وَالخَمِيسِ وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ ، وَاغتِنَامُ رَمَضَانَ بِأَنوَاعِ الطَّاعَاتِ ، وَثَمَّةَ الحَجُّ وَالعُمرَةُ وَالأَيَّامُ الفَاضِلاتُ ، وَقِرَاءَةُ القُرآنِ وَذِكرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ ، وَالدَّعوَةُ إِلى سَبِيلِهِ وَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ ، وَتَعَلُّمُ العِلمِ وَتَعلِيمُهُ ، كُلُّ هَذِهِ مَيَادِينُ مَفتُوحَةٌ ، كَم فِيهَا مِن مُوَفَّقٍ مُسَارِعٍ مُسَابِقٍ ! وَكَم فِيهَا مِن مَهدِيٍّ مُقتَصِدٍ ! وَكَم فِيهَا مِن ظَالِمٍ لِنَفسِهِ مُضَيِّعٍ لِفُرَصِ عُمُرِهِ ! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَابتَدِرُوا أَعمَارَكُم قَبلَ انقِضَاءِ آجَالِكُم ، فَإِنَّكُم إِلى اللهِ صَائِرُونَ ، وَبَينَ يَدَيهِ مَوقُوفُونَ ، وَعَمَّا عَمِلتُم مَسؤُولُونَ " فَلَنَسأَلَنَّ الَّذِينَ أُرسِلَ إِلَيهِم وَلَنَسأَلَنَّ المُرسَلِينَ . فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيهِم بِعِلمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ . وَالوَزنُ يَومَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بما كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظلِمُونَ " " كُلُّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ " فَاللهَ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَالجِدَّ الجِدَّ تُفلِحُوا ، خُذُوا الكِتَابَ بِقُوَّةٍ ، وَادخُلُوا في السِّلمِ كَافَّةً ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ .


إبراهيم بن محمد الحقيل;7207 wrote:
أَقْسَامٌ ثَلاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فِي أَحَدِهَا، وَهِيَ المَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:/font][/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجٗا ثَلَٰثَةٗ ٧ فَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ٨ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ ٩ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ[/font][font=al-quranalkareem][font=times new roman{الواقعة: 8-10}.


وَهُمُ المَذْكُورُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:[ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ
ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم
مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ
ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ]{فاطر: 32}.
....

وددت لو أعاد الشيخ الكريم ـ وفقه الله وسدده ـ النظر في الاستدلال بآية (فاطر) على التقسيم المذكور في سورة (الواقعة) .
وأنقل هنا شيئًا من تفسير ابن كثير ـ رحمه الله ـ لآية سورة فاطر حيث يقول :
(( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ))
يقول ـ تعالى ـ : ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ، المصدق لما بين يديه من الكتب ، الذين اصطفينا من عبادنا ، وهم هذه الأمة ، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع ، فقال : (( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ )) وهو : المفرط في فعل بعض الواجبات ، المرتكب لبعض المحرمات . (( وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ )) وهو : المؤدي للواجبات ، التارك للمحرمات ، وقد يترك بعض المستحبات ، ويفعل بعض المكروهات . (( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ )) وهو : الفاعل للواجبات والمستحبات ، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا )) قال : هم أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَرَّثهم الله كل كتاب أنزله ، فظالمهم يُغْفَر له ، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرًا ، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب ...

إلى أن قال : والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة ، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية .


قلت :
وقد أطال ابن جرير ـ رحمه الله ـ النفس في الكلام على هذه الآية إلى أن قال :
وإذ كان ذلك كذلك ، فَبَيِّنٌ أن المصطفين من عباده هم مؤمنو أمته ، وأما الظالم لنفسه فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك عندي أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق أو الكافر ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ ذكره أتبع هذه الآية قوله : (( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا )) فعم بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة .
فإن قال قائل :
فإن قوله : (( يَدْخُلُونَهَا )) إنما عنى به المقتصد والسابق !
قيل له : وما برهانك على أن ذلك كذلك من خبر أو عقل ؟ فإن قال : قيام الحجة أن الظالم من هذه الأمة سيدخل النار ، ولو لم يدخل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد ؟
قيل : إنه ليس في الآية خبر أنهم لا يدخلون النار ، وإنما فيها إخبار من الله ـ تعالى ـ ذكره أنهم يدخلون جنات عدن ، وجائز أن يدخلها الظالم لنفسه بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه التي أصابها في الدنيا ، وظلمه نفسه فيها بالنار أو بما شاء من عقابه ، ثم يدخله الجنة ، فيكون ممن عمه خبر الله ـ جل ثناؤه ـ بقوله : (( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ))


إلى الأخوين الكريمين فهد مصلح وعبد الله البصري: جزاكما الله تعالى خيرا على مروركما وتعليقكما وشكر لكما..
وأشكر لك يا شيخ عبد الله إعادة الخطبة بطريقة أخرى كما أشكر لك حرصك واهتمامك.. وأما ما ذكرته من أن آية فاطر في المؤمنين فهو محتمل وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما نقل الطبري وابن كثير، ونقل عن ابن عباس أيضا كما في سنن سعيد بن منصور وعن مجاهد إمام التفسير في زمن التابعين وعن غيرهما ولا يحضرني الآن أن آية فاطر مثل آية الواقعة..
فيحتمل نقل القولين عن ابن عباس رضي الله عنهما..
وبعد تأملي للسياق يظهر لي ترجح أنها في المؤمنين خاصة كما هو قول الطبري وابن كثير؛ لأن الله تعالى قال (اصطفينا من عبادنا) وهؤلاء هم المؤمنون قطعا، ثم بعَّض سبحانه هؤلاء المصطفين إلى الأقسام المذكورة..وبناء عليه سأزيلها من الأصل بإذن الله تعالى..
وأكرر شكري لك على تعقبك..


بارك الله فيك ياشيخ على الخطبة الرائعه


مشائخنا الكرام ..أحسن الله إليكما وجزاكما خيرا .. فقد كان صلب خطبتي منكما .


البتار وحسام شكر الله تعالى لكما وجزاكما عني خيرا