أفراح المؤمن

الحَمْدُ للهِ رفيعِ الدرجاتِ، فاطرِ الأَرْضِ والسماواتِ، عالمِ السر والخفِياتِ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، باسِطُ الخيراتِ، واسِعُ الرحماتِ، مُجِيبُ الدعواتِ، أهلُ التقوى والمغفرةِ والمكرُماتِ، وأشهدُ أن محمدًا عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، الحنيفيةُ شَرْعُه ودينُه، والقرآن كتابه وبيانه، والحقُّ جلَّ وعلا ناصِرُهُ ومُعينُهُ، صلى الله وسلم وبارك عليهِ، وعلى آله النجوم الزاهرات، وصحابتهِ أولي السبقِ والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ، ما دامت الأرضُ والسماوات، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

إخوة الإيمان والعقيدة ... اتقوا الله في السر والإعلان، واحفَظوا ذخيرة التقوى والإيمان، واعلموا أن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

يومكم هذا يومٌ شريف فضَّله جل وعلا وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفرح به المؤمنون؛ لأن الله وفَّقهم لإكمال الصيام، وأعانهم على العبادةِ والقيام، وتلاوةِ القرآن في شهر رمضان ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

واعلموا -أثابكم الله- أن أفراح المؤمن تترى عليه في دنياه بشارةً له في أخراه، وإنَّ أول أفراحِ الآخرة للمؤمن يوم يأتيه الأجل مصحوبًا بالبشارة من ملائكة الرحمن ]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ[.

ثم تتوالى أفراحُه حين يوسَّد في قبره وحيدًا فريدًا، فتأتيه البشارة بقَوْلُ اللَّهِ U ]يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[ قال  ﷺ (فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ).

فإذا نُفِخ في الصور وصعِقَ من في السماوات ومن في الأرض، اختصَّ ربنا جلَّ وعلا عباده الصالحين بالأمن والأمان ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾.

وحين يُحشر الخلائق في أرض المحشر وتدنو الشمسُ من الرؤوس، فإن فرحَ المؤمن ساعتها في أن يُحشر بكرامةٍ وتكريم ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ قال علي t: أما والله ما يحشرُ الوفدُ على أرجلهم، ولا يساقون سوقًا، ولكنهم يؤتون بنوقٍ لم يرَ الخلائق مثلها، عليها رحال الذهب، وأزمَّتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة.

فإذا تطايرت الصحف، فالفرحة الكبرى حين يأخذ المؤمنُ صحيفتَه بيمينه ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾.

فإذا اشتد بالناس العطشُ، وهُرعوا يبحثون عن شربةِ ماء تُطفئ لهيب ظمئهم، لاح لهم حوضُ النبي ﷺ فهرعوا إليه، والفرحة العظمى لمن يُسقى من يده ﷺ شربةً فإنه لا يظمأ بعدها أبدًا، قال ﷺ (حَوْضِي مَسِيْرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيْحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أَبَدًا).

وبعدها يُحشر الناس في الظلمة على الصراط وهو جسرٌ منصوب على نار جهنَّم، فتنخلع القلوبُ ساعتها إلا المؤمنين، فإنهم يُعطون أنوارهم بين أيديهم وبأيمانهم ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

فإذا ما اجتاز المؤمنون الصراط والقنطرة التي بين النار والجنة، حمدوا الله تعالى أن اجتازوا دار الجحيم، وأقبلوا على دار النعيم يجدون ريحها، فيزدادون شوقًا لها، ويُستقبلون بالتَّرحاب ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾.

وتكتمل أفراحهم عندها باجتماعهم مع أهليهم وذرياتهم الصالحين في دار النعيم ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين﴾.

رزقنا الله وإياكم فردوسه وجنانه، وأكرمنا بمغفرته ورضوانه..

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله كثيرًا، والله أكبر كبيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

معاشر المؤمنين .. التمسوا الأجر في إدخال السرور على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم المسلمين، التمسوا الأجر في صلة الأرحام، والصدقة على الفقراء والإحسان، وإغاثة المنكوبين من المسلمين، هذا اليوم يوم التزاور والتسامح، يوم التراحم والتعاطف، يوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها وتتصافى من أحقادها، تتقارب القلوب وتتصافح الأيدي، وتلتقي الأرواح وتسمو النفوس.

أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح الخير مغاليق للشر

وصلى الله على نبينا محمد ...

المشاهدات 586 | التعليقات 0