أفراحنا ألم وأمل

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1446/02/05 - 2024/08/09 00:12AM

/

الحمد لله، خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها، وبثّ منهما رجالاًكثيراً ونساء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأرض فراشاًوالسماء بناء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسمى البشرية سناًوسناء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، فمن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه.

حينما كان الناس يخافون الله ويتقونه، وحينما كانوا يقدرونه حق قدرهويعظمونه، حينما كان شرع الله حاكماً ومهيمناً على كل تقاليد الناسوسلوكياتهم، يتقبلونه بالرضا والتسليم، وحينما كان مبدأ القوامة ساريالمفعول، وكان الناس يتعاملون بالحكمة والعقول، وحينما كان الناستربيهم المساجد بمواعظها وخطبها، والآيات التي تتلى فيها، حين ذاك،كان كل شيءٍ في الحياة يذكر بالإسلام ،

أما يوم أن ضعفت هيبة الله في النفوس، وقل الخوف من الله، وغرق الناسفي وحل الشهوات، يوم أن أصبحت التقاليد والأعراف مسيطرة علىحركات الناس وسكناتهم يرسفون في أغلالها، يوم أن أصبح الناسيتربون على الغثائية والسطحية، والمظهرية الجوفاء، يستلهمون الأخلاقوالسلوك من منابع العفن ومستنقعات العطن، يوم أن أصبحت الكلمةالنافذة للسفهاء والضعفاء من الصبيان والنساء، وانتزعت الهيبةوالقوامة من الرجال، حينها ظهرت صورٌ من الفصام النكد بين الواقعوالواجب، بين ما نعلمه وما نفعله، ظهرت في المجتمع صورٌ من الخللالأخلاقي، تجلى في مظاهر عديدة من المخالفات الشرعية، يصعبحصرها، وحفلات الزواج مثال عليها

لقد شرع الزواج لتحقيق غايات نبيلة، وأهداف سامية، شرع لتحصينالفروج، وغض الأبصار، وتحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي، وبناءمجتمع إسلامي يعمر الكون، ويعبد الله، لكن الزواج في عصرنا تحولبفعل العادات والتقاليد وحب المظاهر إلى عنت وعناء، بدلا من تحقيقالسعادة والهناء، وأصبح سكّينة بدلا من تحقيق السكينة.

إن الزواج في عصرنا تحكمه عاداتٌ وتقاليد، جعلت منه غاية يصعبالوصول إليها، وجنة لا يصلها الإنسان إلا بدَيْن يورث الهم بالليل، والذلبالنهار.

زواج هذا العصر محفوفٌ بمجموعة من المخالفات الشرعية تتنافى معمقاصده، وغاياته عبر سلسلة من المنكرات، تبتديء بالاختيار ثم التكاليفوالمهور ، وتنتهي بالقصور!.

تبتديء المخالفات بمخالفة ضوابط الشريعة في الاختيار والتي نصها (إذا اتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، واظفر بذات الدين تربت ياك ،فصارت المقاييس المعتبرة كثرة المال وشهرة الوظيفة ولو كان الزوج منأراذل الرجال وصار المقياس هو الجمال ولو كانت الزوجة من خضراء الدمنفكانت النتيجة زواجات فاشلة وبيوتا متفككة وحالات خلع لأتفه الأسبابوأوهنها

وبعد أن يعزم القوم عقدة النكاح تبدأ سلسلة من الاستنزاف الماليوالنفسي والوقتي تحت مسميات متعددة فتلك خطبة ثم ملكة ثم دخلة ثمترحال ونتاجها أموال تهدر وأوقات تضيع ونفقات ترهق الطرفين .. مسميات غزت أعراسنا حينما استلهم القوم ثقافتهم من تعاليم المسرحياتوالأفلام والتلفاز ووسائل التواصل وحسابات المخببين المسمين بالمشاهيروالتي أفسدت كثيرا من أخلاقنا. وأدخلتهم جحر الضب الذي دخله القومالضالون ،

وتحت ذريعة ( ليلة العمر ) وتحت شعار ( ابنتنا ليست بأقل من غيرها )أرهقت الأسر وأولياؤها بنفقات عبثية فعرس النساء في قاعة غلى ثمنهاولأجل ساعات فرح غير أثاثها وجددت ديكوراتها لتذهب بعد الزواج فيالمزابل

بينما شريعتنا تحث على اليسر والتيسير، ففي الحديث: "خير النكاحأيسره مؤونة".

فهل من عقلائنا وصلحائنا من يتبنى زواجا ذا مواصفات نبوية؟

وتتوالى سلسلة أخرى من المنكرات والتجاوزات، فباسم الزواج والأفراح كلشيء مباحٌ، فمع الأفراح يكثر الخروج إلى الأسواق ومنها إلى المشاغلالنسائية، حيث صور من المنكرات والمخالفات

ومظاهر أخرى مؤلمة، من منكرات أفراحنا، وهي تلك الصور المؤلمة للتبذيروالإسراف، والتي تجاوزت الحدود، مما ينذر بعقاب إلهي لإخوانالشياطين، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا

مظاهر من الإسراف والبذخ تبدأ في شراء الملابس الباهظة الثمن، وتنتهيبمأكولات ومشروبات لاتجد من ينظر إليها، مرورا باستئجار قصور أفراحتزيد أجرتها على مهر شاب يصارع طوفان الشهوة، ومرارة التباهيوالتفاخر الممقوت، هذا مع ما يبذل لأجل اللهو والطرب، وما يدفع لبطاقاتالدعوة باهظة الثمن، وما يدفع كهدايا ونحو ذلك.

وفي ليلة الزواج تبدأ مخالفات أخرى باستئجار قاعة لاجتماع أهلالعريس بضيافتها وتكاليفها ، وتنطلق من عندها مسيرة فوضويةيتخللها إزعاج للناس وإعاقة للحركة وأصوات منكرة وصراخ وضجيجوتلويث للبيئة وتعرض للحوادث

وفي صالات الأفراح والقصور تنبعث روائح السفه والتفاهات والقصور،وحبّ الظهور يقصم الظهور ، حيث تبدأ المخالفات بأصوات من السياراتمزعجة ودخان ينبعث من عوادمها ، ثم الإغراق والمبالغة في التصويرحيث يصور من يريد ومن لايريد ، واجتماع على العريس وتصوير معهيورث إرهاقا له وامتهانا لمن معه حينما يولي المصورون أدبارهم لكباروشيوخ وأعيان .. ويستمر مسلسل المخالفات والمنكرات في أفراحنا، لنصلإلى سلبيّة فرضها الواقع المألوف، وكان نتيجتها ضياع دين ودنيا، ذلكمهو السهر إلى الهزيع الأخير،

فهل من عقلائنا من يقول: أنا لها ويتبنى زواجا مختصرا هادئا ممتعامبهجا في فقراته ، يسيرا في نفقاته منضبطا بالشرع في فعالياته موافقالموازين الشرع في مواصفاته ليسنّ بذلك سنّة حسنة له أجرها وأجر منعمل بها إلى يوم القيامة، وليقضي بذلك على عادات تأصلت وفرضتنفسها، أضاعت علينا ديننا ودنيانا وإنّا لمنتظرون، فمن يعلق الجرس؟.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم

 


الخطبة الثانية: أمّا بعد:

فمن صالات النساء بدأت تظهر آثار الانفتاح والتأثر بالمسلسلات ووسائلالتواصل والتي علمتنا أنّه لا بدّ من الاستسلام للفساد، إذا فشا وسادفسمعنا عن منكرات ومخالفات في حفلات الزواج، لم نكن نسمع بها منقبل.

علّمتنا تلك المسلسلات والمواقع أنّ الحبّ قبل الزواج ضرورة، وأنّ خروجالمرأة مع خطيبها في غاية الأهمية، وأنّه لا بأس بظهورها في الأعراسكاسية عارية بملابس فاضحه.

إنّه نتيجة لهذه الوسائل المفسدة، فقد نشأت سلوكيات في زواجاتنا،تنبيك عن خلل أخلاقيّ في المجتمع، وتنذرك بانهيار في المبادئ والقيم، لقدسمعنا عن زواجات اختلط فيها الرجال بالنساء، وجلس الزوج مع زوجتهأمام النساء، وتمّ التصوير، سمعنا عن زواجات مورست فيها شعائرنصرانية، من إطفاء للأنوار، وإضاءة للشموع، وزفة للعروسين، سمعنا عنتصوير للنساء ينشر في السنابات بحجة أنها خاصة وسرعان ماتنتشر .. في ظلّ هذا التحول الأخلاقي عاد إلى الأعراس انحرافها، باستقدامالمغنيات والمطربات.

إنّه لا بأس بإعلان النكاح باللهو المباح، بضرب الدفوف أو إنشاد الجواريالصغار، بأشعار مباحة، أمّا الواقع فهو كلام محظور، وغناء ساقط،ومعازف إبليسية، ورفع للأصوات.

إنّ شعور التبعية النفسية، والإحساس بالنقص، والانخراط في بوتقةالتقليد الأعمى، هو الذي يحمل النساء غير الواعيات أن ينسقن بحكمعواطفهنّ وأهوائهنّ في هذا التيار الجارف من أزياء فاضحة، وممارساتهابطه، ولست أدري كيف ترضى المرأة المسلمة أن تنقاد وراء ذلك التيارالآسن، الذي يسلبها خصائصها وأصالتها، ويحيلها إلى مسْخ شامل،باسم الرقي والتحضر والتقدم؟. وهنا يأتي دوركم أيها الرجال القوامونعلى النساء

يوم أن ترى زوجتك أو ابنتك وقد اكتست ليلة زواجها بملابس لا ترضي الله،حينها تجرد من عواطفك ومشاعرك، وتذكر أنّ بكاءهم ودموعهم حينتمنعهم منها أهون من بكائهم في يوم يفرّ فيه المرء من أخيه، وأمّه وأبيه،وصاحبته وبنيه، قارن بين بكائهم حينها وتذكر قول الحقّ (وَهُمْيَصْطَرِخُونَ فِيهَا) وقرِّر، وأنتَ الحكم، ما يمليه عليك دينك وعقلك لا هواك،قاطع كلّ زواج تعلم أنّ فيه منكرا من القول وزورا، ولو فعلنا ذلك لقلتالمنكرات بل وتلاشت، ولكن المجاملات قد طغت علينا!.

تلك -أيّها المسلمون- دعوة لأن تكون أفراحنا إسلامية، تقام وفق الضوابطالشرعية، والآداب المرعية، و تكوّن منها بيوت إسلامية تعمر الكون بطاعةالله، وإنّ زواجا أوّله معصية للخالق لحريّ أن تنزع بركته، وأن يسلب أهلهالتوفيق والوئام، وما كثرة حالات الطلاق إلا نذير بذلك!.ولنعلم أنه كلماصعب الحلال وصار متعسرا هان الحرام وأصبح متيسرا

هذه دعوة إلى تصحيح الحال، والرضا بشريعة ربّ العزة والجلال، أوجّههاإلى كلّ من يشعر بانتمائه لهذا الدين، ومن يخشى لقاء ربّ العالمين ، فهلمن سامع للدعوة؟ وهل من ملبّ للنداء؟ هذا هو المؤمل والمنتظر من خير أمةومعشر، مَن إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم قالوا سمعنا وأطعنا،وأولئك هم المفلحون.

وأخيرا، فإنّ النفس تقف إعجابا وإكبارا لتلك الأسر المسلمة المتحضرةالواعية، تلك التي أحالت زواجها إلى أفراح إسلامية يتخللها الكلمةالطيبة، واللهو البريء، والإنفاق المعتدل، أسر جعلت زواجها فياستراحات، وقصرت الدعوة على الأقرباء والقريبات ، أسر نزهت أفراحهاعن اللغو والفسوق ومنكرات الأفعال والأقوال، فلهذه الأسر تهدى التحايا،ومثلها جدير أن توفق وتسدد.

فيارب وفق أبناءنا وبناتنا ويسر لهم سبيل الحلال يارب العزة والجلال

اللهم صل وسلم ...

 

 

المشاهدات 425 | التعليقات 0