أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ (تعميم)
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عبادَ اللهِ : خُتِمَتِ النُّبوَّةُ بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يَبْقَ مِن آثارِها إلَّا البُشرَياتُ الَّتي يُبشِّرُ اللهُ تعالَى بها المُؤمِنَ في الرُّؤيا، فيُبشِّرُه اللهُ بخَيرٍ، أو يُحذِّرُه مِن شَرٍّ، وكلَّما كان المرءُ أكثَرَ إيمانًا وتَقْوى كانَتْ رُؤْياه أكثرَ صِدقًا وتَحقُّقًا ، يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : "إذا اقترب الزمانُ لم تكدْ رؤيا المؤمنِ أن تكذبَ، وأصدقُهم رؤيا أصدقُهم حديثًا، والرؤيا ثلاثٌ : فالرؤيا الصالحةُ بشرى من اللهِ، والرؤيا تحزينٌ من الشيطانِ، ورؤيا مما يحدِّثُ به المرءُ نفسَه، فإذا رأى أحدُكم ما يكره فلْيقمْ فلْيصلِّ ولا يحدِّثُ بها الناسَ ، قال : وأحبُّ القيدَ وأكرهُ الغلَّ، والقيدُ ثباتٌ في الدِّينِ".
عبادَ اللهِ : يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه «إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ» ومعناه قِصَرُ زَمانِ الأعمارِ وقِلَّةُ البركةِ فيها ، وقيل: هو دنُوُّ زمانِ القيامةِ ، وقيل: هو قِصَرُ مُدَّةِ الأيَّامِ واللَّيالي كمَا فِي الَحديثِ : «لا تقومُ السَّاعةُ حتى يتقارَبَ الزَّمانُ، فتكونُ السَّنَةُ كالشَّهرِ، ويكونُ الشَّهرُ كالجُمُعةِ، وتكونُ الجُمُعةُ كاليومِ، ويكونُ اليَومُ كالسَّاعةِ، وتكونُ السَّاعةُ كاحتراقِ السَّعَفةِ الخوصةِ»، فإذا كان ذلك كانتْ رُؤيا المؤمِن -وهو ما يراه الإنسانُ حالَ نَوْمِه- صادقةً لا تكادُ تَكذِبُ، أي: أنها تقَعُ غالِبًا على الوَجهِ المرئيِّ لا تحتاجُ إلى التعبيرِ، فلا يدخُلُها الكَذِبُ، والِحكمةُ في اختصاصِ ذلك بآخِرِ الزَّمانِ: أنَّ المُؤمِنَ في ذلك الوَقتِ يكونُ غريبًا، كما في الحَديثِ: «بدأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا» ، فيَقِلُّ أُنْسُ المُؤمِن ومُعِينُه في ذلك الوَقتِ، فيُكرَمُ بالرُّؤيا الصَّادقةِ، ورُؤيا المُؤمِنِ جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وأربعينَ جُزْءًا مِن عِلمِ النُّبُوَّةِ، والنُّبوَّةُ غيرُ باقيةٍ؛ فقدِ انقَطَعتْ بمَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّ عِلمَها باقٍ، والجُزءُ: النَّصيبُ والقِطعةُ منَ الشَّيءِ، ورُؤيا المُؤمِن جَعَلها اللهُ تعالى بُشْرى لِصاحبِها في الدُّنْيا والآخِرةِ، أو تَحذيرًا له، ففيها اطِّلاعٌ على أمرٍ غَيبيٍّ؛ لذلك كانت جزءًا من أجزاءِ النبُوَّةِ، وهي علامةٌ على صلاحِ العَبدِ، وما كان مِنَ أجزاءِ عِلمِ النبوَّةِ فإنَّه لا يَكذِبُ، بلْ يكونُ صادقًا.
عبادَ اللهِ : وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : «وكان يُقالُ» : الرُّؤْيا على ثلاثةِ أنواعٍ: الأوَّلُ منها: «حَدِيثُ النَّفْس»، وهو ما كان في اليَقَظَةِ في خَيَالِ الشخصِ، فيَرَى ما يَتعلَّقُ به عندَ المَنام، والثَّاني: «تَخويفُ الشَّيطانِ» وهو الحُلمُ ورُؤيةُ ما يَكرَهُ، والثَّالِثُ: «بُشْرَى مِن اللهِ» وهي المُبَشِّراتُ، والتعبيرُ بِالمبشِّراتِ خَرَجَ لِلأَغْلَبِ؛ فإنَّ مِنَ الرُّؤيا ما تكونُ مُنذِرةً وهي صادقةٌ، يُريها اللهُ لِلمُؤمِنِ؛ رِفقًا به لِيَستعدَّ لِمَا يقَعُ قبْلَ وُقوعِه ، «فمَن رأَى» في مَنامِه «شيئًا يَكرَهُه فلا يَقُصَّه على أحدٍ» بل يُسِرُّه في نَفْسِه ويحتَفِظُ به في قَلْبِه، «وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ»، وفي روايةٍ: «فلْيَبصُقْ عن يسارِه ثلاثًا، وليَستَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ ثلاثًا، وليتحَوَّلْ عن جَنْبِه الذي كان عليه» فيكونُ القَصدُ مِنَ الصَّلاةِ هو التوجُّهُ إلى اللهِ والدعاءُ فيها والاستعاذُة باللهِ مِنَ الشَّيطانِ حتى يرتَفِعَ ما في نَفْسِه من الخَوفِ.
الخطبة الثانية
عبادَ اللهِ : شُغِلَ النَّاسُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِرُؤَاِهُمْ وَأحْلَاَمِهِمْ، وَاِقْتَطَعُوا مِنْ أَوْقَاتِهِمِ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ، بَحْثًا عَنْ تَعْبِيرٍ، وَتَلَمَّسَاً لتأويل، وَفِي الْمُقَابِلِ أَشَغَلَ الْمُعَبِّرُونَ النَّاسَ بِالتَّعْبِيرِ، وَتَنَوَّعَتْ وَسَائِلُ إيصَالِ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ بَيْنَ الصُّحُفِ، وَالْجَوَّالَاتِ، وَالْفَضَائِيَاتِ، فَأَشْغَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ يَبْحَثُ عَنِ الْآخَرِ، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، فَالْبَاحِثُونَ عَنِ التَّعْبِيرِ أَقْلَقَهُمْ مَا يَرَوُنَّهُ فِي مَنَامِهِمْ، وَسَبَحُوا فِي فَضَاءِ التَّأَمُّلَاتِ وَالْأَمَانِي، وَتَلَقَّاهُمِ الْمُعَبِّرُونَ، وَأَشْهَرَهُمْ صِنْفَانِ:
الأول : مُعَبِّرُونَ تُجَّارٌ، سَحَبُوا مَا فِي جُيُوبِ الْحَالِمِينَ مِنْ أَمْوَالٍ، مُقَابِلَ التَّعْبِيرِ.
الثاني : بَاحِثُونَ عَنِ الشَّهْرَةِ ، وَمِنْ تَأَمَّلِ حَالِ الطُّرْفَيْنِ عَلِمَ مَدَى السُّوءِ الَّذِي وَصَلَتْ لَهُ الْأُمُورُ، مِنْ تَضْيِيعٍ لِلْأَوْقَاتِ، وَتَعَلَّقٍ بِأَوْهَامٍ وَخَيَالَاتٍ، وَاِتِّكَاءٍ عَلَى الْمَنَامَاتِ مَعَ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فِي الْيَقِظَةِ.
المرفقات
1737609871_الرؤى.docx