أغلق الأقصى ... فعسى الله أن يأتي بالفتح

عبدالله البصري
1438/10/25 - 2017/07/19 12:44PM

 

أُغلق الأقصى ... فعسى الله أن يأتي بالفتح   27 / 10 / 1438

 

 

الخطبة الأولى :

 

أمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَبلَ أَن يَكُونَ في الأَرضِ كَنِيسَةٌ أَو بَيعَةٌ ، أَو يُبنَى فِيهَا مَعبَدٌ أَو صَومَعَةٌ ، كَانَت قَوَاعِدُ البَيتِ الحَرَامِ قَد أُرسِيَت ، وَبَعدَ ذَلِكَ بِأَربَعِينَ سَنَةً بُنِيَ بَيتٌ مُقَدَّسٌ آخَرُ بِأَمرٍ مِنَ اللهِ ، فَكَانَ بَيتُ اللهِ الحَرَامُ بِمَكَّةَ هُوَ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ، وَكَانَ المَسجِدُ الأَقصَى في فِلَسطِينَ هُوَ الثَّانيَ ، فَعَن أَبي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ مَسجِدٍ وُضِعَ في الأَرضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : " المَسجِدُ الحَرَامُ " قَالَ : قُلتُ : ثم أَيٌّ ؟ قَالَ : " المَسجِدُ الأَقصَى " قُلتُ : كَم كَانَ بَينَهُمَا ؟ قَالَ : " أَربَعُونَ سَنَةً ... " الحَدِيثَ ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

وَكَمَا تَتَابَعَت عِمَارَةُ المَسجِدِ الحَرَامِ عَلَى مَدَى الدُّهُورِ وَتَوَالِي العُصُورِ ، فَقَد عَمَرَ الأَقصَى المُبَارَكَ كَذَلِكَ عَدَدٌ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَمُلُوكِ الإِسلامِ وَالخُلَفَاءِ ، مِن أَشهَرِهِم إِبرَاهِيمُ الخَلِيلُ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَأَبنَاؤُهُ وَذُرِّيَّتُهُ ، وَعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَبدُالمَلِكِ بنُ مَروَانَ ، وَصَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ وَغَيرُهُم .

أَمَّا بَنُو إِسرَائِيلَ فَقَد كَانُوا في فِلَسطِينَ ، ثُمَّ انتَقَلُوا إِلى مِصرَ إِذْ آتَى اللهُ نَبِيَّهُ يُوسُفَ المُلكَ فِيهَا ، ثم عَادَ بِهِم مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - إِلى فِلَسطِينَ لِتَحرِيرِهَا مِن ظُلمِ العَمَالِقَةِ وَتَطهِيرِهَا مِن فَسَادِهِم ، لَكِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ وَهُم أَهلُ العِصيَانِ وَالطُّغيَانِ وَنَقضِ العُهُودِ وَالمَوَاثِيقِ مُذ كَانُوا ، لم يَشكُرُوا اللهَ عَلَى أَن خَلَّصَهُم مِنَ الفَرَاعِنَةِ الظَّالِمِينَ ، بَل عَبَدُوا العِجلَ مِن دُونِ اللهِ ، ثم جَبُنُوا عَن دُخُولِ الأَرضِ المُقَدَّسَةِ وَتَحرِيرِهَا مِنَ الجَبَّارِينَ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ يَا قَومِ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ جَعَلَ فِيكُم أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُلُوكًا وَآتَاكُم مَا لم يُؤتِ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ . يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَسَةَ الَتي كَتَبَ اللهُ لَكُم وَلا تَرتَدُوا عَلَى أَدبَارِكُم فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ . قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَومًا جَبَارِينَ وَإِنَّا لَن نَدخُلَهَا حَتَى يَخرُجُوا مِنهَا فَإِن يَخرُجُوا مِنهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ . قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِمَا ادخُلُوا عَلَيهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلتُمُوهُ فَإِنَّكُم غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ . قَالُـوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " وَقَد آلَم نَبِيَّ اللهِ مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - جُحُودَهُم وَعِصيَانُهُم ، وَنُكُوصُهُم عَنِ الجِهَادِ مَعَهُ لِتَحرِيرِ المَسجِدِ الأَقصَى ، فَدَعَا رَبَّهُ أَن يَفرُقَ بَينَهُ وَبَينَ القَومِ الفَاسِقِينَ ، فَحَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمُ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ ، وَكَتَبَ عَلَيهِمُ التِّيهَ في الأَرضِ ، فَتَاهُوا في سَينَاءَ أَربَعِينَ سَنَةً ، قَالَ – تَعَالى - : " قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَمَةٌ عَلَيهِم أَربَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأَرضِ فَلا تَأسَ عَلَى القَومِ الفَاسِقِينَ " وَلَمَّا انتَهَى التِّيهُ وَقَد مَاتَ هَارُونُ وَمُوسَى - عَلَيهِمَا السَّلامُ - ، بَعَثَ اللهُ يُوشَعَ بنَ نُونٍ – عَلَيهِ السَّلامُ - فَقَادَ جِيلاً جَدِيدًا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ لِتَحرِيرِ الأَقصَى ، وَأَرَاهُمُ اللهُ مَعَهُ مُعجِزَةً عَظِيمَةً لَعَلَّهُم يَصمُدُونَ وَيَصدُقُونَ ، فَعَن‏ ‏أَبي هُرَيرَةَ‏ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - ‏َقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ‏- ‏َصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " ‏إِنَ الشَّمسَ لم تُحبَسْ ‏ ‏لِبَشَرٍ ‏ ‏إِلاَّ ‏ ‏لِيُوشَعَ ‏ ‏لَيَاليَ سَارَ إِلى ‏ ‏بَيتِ المَقدِسِ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَكِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ بَعدَ هَذَا لم يُزَايِلُوا طَبِيعَتَهُم ، وَبَقُوا عَلَى إِصرَارِهِم وَعِصيَانِهِم ، وَظَلُّوا يُخَالِفُونَ وَيَتَنَكَّرُونَ ، وَكَفَرُوا بِنِعمَةِ اللهِ بَدَلاً مِن شُكرِهَا ، قَالَ - تَعَالى - : " وَإِذ قُلنَا ادخُلُوا هَـذِهِ القَريَةَ فَكُلُوا مِنهَا حَيثُ شِئتُم رَغَدًا وَادخُلُوا البَابَ سُجَدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغفِرْ لَكُم خَطَايَاكُم وَسَنَزِيدُ المُحسِنِينَ . فَبَدَّلَ الَذِينَ ظَلَمُوا قَولاً غَيرَ الَذِي قِيلَ لَهُم فَأَنزَلنَا عَلَى الَذِينَ ظَلَمُوا رِجزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ " وَبِعِصيَانِ بَنِي إِسرَائِيلَ وَتَبدِيلِهِم ، سُلِّطَ عَلَيهِمُ الجَبَابِرَةُ مِنَ الكَنعَانِيِّينَ ، فَاحتَلُّوا بَيتَ المَقدِسِ وَنَكَّلُوا بِهِم ، فَضَاعُوا وَتَفَرَّقُوا ، ثم عَمَدُوا إِلى نَبِيٍّ لَهُم لِيُنَصِّبَ عَلَيهِم مَلِكًا يَسُوسُهُم وَيُعِيدُ المُلكَ إِلَيهِم ، فَأُرسِلَ إِلَيهِم طَالُوتُ مَلِكًا ، فَكَانَتِ المَعرَكَةُ العَظِيمَةُ ، وَانتَصَرُوا عَلَى الوَثَنِيِّينَ ، وَقَتَلَ دَاوُدُ - عَلَيهِ السَّلامُ – جالوت ، وَآلَ إِلَيهِ المُلكُ بَعدَ طَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ النُّبُوَّةَ ، وَجَدَّدَ هُوَ وَابنُهُ سُلَيمَانُ بِنَاءَ بَيتِ المَقدِسِ ، لَكِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ عَتَوا عَن أَمرِ رَبِّهِم وَعَصَوا رُسُلَهُ ، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم الفُرسَ فَدَمَّرُوا بِلادَهُم ، وَبَدَّدُوهُم قَتلاً وَأَسرًا وَتَشرِيدًا ، وَخَرَّبُوا بَيتَ المَقدِسِ لِلمَرَّةِ الأُولى ، ثم اقتَضَت حِكمَةُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعدُ أَن يَعُودَ بَنُو إِسرَائِيلَ إِلى الأَرضِ المُقَدَّسَةِ وَيَنشَؤوا نَشأً جَدِيدًا ، وَأَمَدَّهُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلَهُم أَكثَرَ نَفِيرًا ، فَنَسُوا مَا جَرَى عَلَيهِم وَكَفَرُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ " كُلَّمَا جَاءهُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهوَى أَنفُسُهُم فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقتُلُونَ " فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم بَعضَ مُلُوكِ الفُرسِ وَالرُّومِ مَرَّةً أُخرَى وَاحتَلُّوا بِلادَهُم وَأَذَاقُوهُمُ العَذَابَ ، وَخَرَّبُوا بَيتَ المَقدِسِ وَتَبَّرُوا مَا عَلَوا تَتبِيرًا ، ثم بَقِيَ الأَقصَى بِيَدِ النَّصَارَى مِنَ الرُّومِ مِن قَبلِ بِعثَةِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِنَحوِ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ ، حَتَّى أَنقَذَهُ اللهُ مِن أَيدِيهِم عَلَى يَدِ الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - في السَّنَةِ الخَامِسَةَ عَشرَةَ مِنَ الهِجرَةِ ، فَصَارَ المَسجِدُ الأَقصَى بِيَدِ أَهلِهِ وَوَارِثِيهِ بِحَقٍّ وَهُمُ المُسلِمُونَ ، بَل وَصَارَت فِلَسطِينُ بِكَامِلِهَا بِلادًا إِسلامِيَّةً ، وَصَارَ المُسلِمُونَ جَمِيعًا مَعنِيِّينَ بها وَبِمَسجِدِهَا ، مَسؤُولِينَ عَنهُ إِلى يَومِ الدِّينِ ، كَيفَ لا وَهِيَ أَرضٌ مُقَدَّسَةٌ ، لم تُذكَرْ في كِتَابِ اللهِ إِلاَّ مَقرُونَةً بِوَصفِ البَرَكَةِ ؟! قَالَ – تَعَالى - : " سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ " وَقَالَ - تَعَالى - عَلَى لِسَانِ مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - : " يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ " وَقَالَ – تَعَالى - حِكَايَةً عَن إِبرَاهِيمَ - عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالَمِينَ " وَقَاَل - تَعَالى - : " وَأَورَثنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتي بَارَكنَا فِيهَا " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا " وَقَالَ – تَعَالى – عَن أَهلِ سَبَأٍ : " وَجَعَلنَا بَينَهُم وَبَينَ القُرَى الَّتي بَارَكنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد ظَلَّ المَسجِدُ الأَقصَى قِبلَةَ مُعظَمِ الأَنبِيَاءِ ، بَل كَانَ هُوَ القِبلَةَ الأُولَى لِلمُسلِمِينَ أَربَعَةَ عَشَرَ عَامًا ، مُنذ مَبعَثِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – إِلى سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا مِن هِجرَتِهِ . فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا -  قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّةَ نَحوَ بَيتِ المَقدِسِ وَالكَعبَةُ بَينَ يَدَيهِ وَبَعدَ مَا هَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا ، ثُمَّ صُرِفَ إِلى الكَعبَةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ .

وَفي المَسجِدِ الأَقصَى صَلَّى النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – لَيلَةَ الإِسرَاءِ رَكعَتَينِ ، ثم عُرِجَ بِهِ إِلى السَّمَاءِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ في صَحِيحِ مُسلِمٍ . وَكَمَا كَانَ الأَقصَى هُوَ مَبدَأَ مِعرَاجِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – إِلى السَّمَاءِ لَيلَةَ الإِسرَاءِ ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ هُوَ البَابَ إِلَيهَا بَعدَ الحَشرِ إِلَيهِ ، فَعَن مَيمُونَةَ مَولاةِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهَا قَالَت : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَفتِنَا في بَيتِ المَقدِسِ . فَقَالَ : " أَرضُ المَنشَرِ وَالمَحشَرِ " رَوَاهُ أَحمَدُ .

وَمِن فَضَائِلِ المَسجِدِ الأَقصَى – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَنَّهُ ثَالِثُ المَسَاجِدِ الَّتي لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَيهَا ، عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : المَسجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَمَسجِدِ الأَقصَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن أَبي ذَرٍّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : تَذَاكَرنَا وَنَحنُ عِندَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَيُّهُمَا أَفضَلُ : مَسجِدُ رَسُولِ اللهِ أَو بَيتُ المَقدِسِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " صَلاةٌ في مَسجِدِي هَذَا أَفضَلُ مِن أَربَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ ، وَلَنِعمَ المُصَلَّى ، وَلَيُوشِكَنَّ أَن يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرضِ حَيثُ يَرَى مِنهُ بَيتَ المَقدِسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ الدُّنيَا جَمِيعًا " أَو قَالَ : " خَيرٌ لَهُ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا " أَخرَجَهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهبيُّ .

وَفي عَصرِنَا الَّذِي ضَعُفَ فِيهِ شَأنُ المُسلِمِينَ ، عَادَ الصَّهَايِنَةُ الأَنجَاسُ فَاحتَلُّوا الأَقصَى ، وَاستَولَوا عَلَى أَجزَاءٍ مِنهُ ، وَحَوَّلُوا حَائِطَ البُرَاقِ الَّذِي حَولَهُ إِلى حَائِطِ مَبكًى يُدَنِّسُونَهُ صَبَاحًا وَمَسَاءً ، وَشَقُّوا الأَنفَاقَ تَحتَ أَسَاسِهِ حَتَّى تَصَدَّعَت أَجزَاءٌ مِنهُ ، وَمَنَعُوا تَرمِيمَهُ أَو إِعَادَةَ بِنَاءِ مَا تَصَدَّعَ مِنهُ ، وَحَاوَلُوا مُنذُ أَكثَرَ مِن خَمسِينَ عَامًا حَرقَهُ لِطَمسِ مَا يَدُلُّ عَلَى الحَضَارَةِ الإِسلامِيَّةِ فِيهِ ، وَمَا زَالُوا يَعتَدُونَ عَلَى المُصَلِّينَ دَاخِلَهُ ، وَيَستَبِيحُونَ دِمَاءَهُم في سَاحَاتِهِ ، ثم زَادَ كَيدُهُم مَعَ صَمتِ العَالَمِ المُطبِقِ وَضَعفِ المُسلِمِينَ المُستَمِرِّ ، حَتَّى أَقدَمُوا في الجُمُعَةِ المَاضِيَةِ عَلَى إِغلاقِهِ وَمَنعِ المُسلِمِينَ مِن أَدَاءِ صَلاةِ الجُمُعَةِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِيهِ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُطَهِّرَ بَيتَهُ مِن رِجسِ اليَهُودِ ، فَـ" إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "

 

 

الخطبة الثانية 

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ المَسجِدَ الأَقصَى حَقٌّ لِلمُسلِمِينَ ؛ لأَنَّهُم وَرَثَةُ الرِّسَالاتِ ، وَرِسَالَتُهُم هِيَ خَاتِمَتُهَا ، وَكِتَابُهُم هُوَ المُصَدِّقُ لِمَا قَبلَهُ وَالمُهَيمِنُ عَلَيهِ ، قَالَ - تَعَالى - : " وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ " وَإِنَّمَا كَتَبَ اللهُ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ لِبَنِي إِسرَائِيلَ في أَوقَاتِ أَنبِيَائِهِم ؛ لأَنَّهُم كَانُوا إِذ ذَاكَ أَحَقَّ مَن في الأَرضِ بِهَا ؛ لِمَا هُم عَلَيهِ مِن إِيمَانٍ وَصَلاحٍ وَشَرِيعَةٍ قَائِمَةٍ ، وَاللهُ – تَعَالى - يَقُولُ : " وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " وَأَمَّا وَقَد نَزَعَ اللهُ مِنهُمُ الحَقَّ لأَنَّهُم لم يَكُونُوا لَهُ أَهلاً ، وَنَسَخَ الشَّرَائِعَ بِالإِسلامِ وَجَعَلَهُ عَلَيهَا مُهَيمِنًا ، فَلا وَاللهِ يَسُودُ الأَرضَ سَلامٌ وَهُم يُحَاوِلُونَ اغتِصَابَ الأَقصَى مِن أَهلِهِ ، وَلا وَاللهِ يَتَحَقَّقُ أَمنٌ إِلاَّ بِعَودَتِهِ إِلى المُسلِمِينَ ، وَلا يَأسَ وَلا قُنُوطَ مِن ذَلِكَ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - فَقَدِ احتَلَّ النَّصَارَى المَسجِدَ الأَقصَى مِن قَبلُ ، وَتَوَقَّفَتِ الصَّلاةُ فِيهِ تَسعِينَ عَامًا ، حَوَّلُوهُ فِيهَا إِلى إِصطَبلٍ لِخُيُولِهِم ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ بِقُوَّتِهِ ، قَيَّضَ لَهُ صَلاحَ الدِّينِ فَطَهَّرَهُ مِن رِجسِهِم ، وَلَئِن تَوَلَّى مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ مَن تَوَلَّى أَو ضَعُفَ مِنهُم مَن ضَعُفَ ؛ لأَنَّهُمُ استَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنيَا عَلَى الآخِرَةِ ، فَلَيَجعَلَنَّ اللهُ الفَتح يَومًا مَا عَلَى أَيدِي قَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ ، يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَن يُستَعَادَ الأَقصَى بِمُؤتَمَرَاتٍ وَلا اجتِمَاعَاتٍ وَلا اتِّفَاقِيَّاتٍ ، وَلا عَلَى أَيدِي مَن يَلعَنُونَ عُمَرَ مِنَ الرِّافِضَةِ البَاطِنِيَّةِ ، وَلَكِنَّ فَاتِحِيهِ بِإِذنِ اللهِ هُمُ الطَّائِفَةُ المَنصُورَةُ ، الَّتي هِيَ عَلَى نَهجِ الفَاتِحِ الأَوَّلِ في الإِسلامِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ ، أَلا فَلْيُرَاجِعِ المُسلِمُونَ أَنفُسَهُم ، وَلْيُقَوُّوا عِلاقَتَهُم بِرَبِّهِم ، فَإِنَّهُ وَمُنذُ عَهدِ صَلاحِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللهُ - قَبلَ مِئَاتِ السِّنِينَ ، لم يُصِبِ الأَقصَى هَوَانٌ كَاليَومِ ، فَللهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمَن بَعدُ ، وَلَكِنْ مَتَى عَادَ المُسلِمُونَ إِلى رَبِّهِم - وَسَيَعُودُونَ يَومًا مَا وَلا شَكَّ - فَسَيَكُونُ كُلُّ شَيءٍ في الأَرضِ مَعَهُم عَلَى اليَهُودِ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ ، حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسلِمُ ، يَا عَبدَاللهِ ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلْهُ ... " رَوَاهُ مُسلِمٌ .

المرفقات

الأقصى-فمتى-يفتح-؟؟

الأقصى-فمتى-يفتح-؟؟-2

الأقصى-فعسى-الله-أن-يأتي-بالفتح

الأقصى-فعسى-الله-أن-يأتي-بالفتح

الأقصى-فعسى-الله-أن-يأتي-بالفتح-2

الأقصى-فعسى-الله-أن-يأتي-بالفتح-2

المشاهدات 2835 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا