أعياد النصارى

ناصر محمد الأحمد
1438/03/28 - 2016/12/27 02:58AM
أعياد النصارى
1/4/1438ه
د. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: سيشهد العالم نهاية عام ميلادي، ودخول عام جديد، وكما لا يخفى على الجميع أنه سيصحب ذلك عيدان من أعياد النصارى كما هو مقرر في دينهم المحرف الفاسد. وخلال ما سبق من أيام كانت هناك التجهيزات والاستعدادات من قبل النصارى لاستقبال هذه المناسبة سواء كانت في دولهم وبلادهم، أو كانت في المجتمعات والأوساط التي يعشون ويتجمعون فيها خارج بلادهم. ولما كان هناك أمران: الأول: جهل كثير من المسلمين بحقيقة هذه الأعياد وجهلهم بعقيدة النصارى كذلك. والثاني: دخول بعض المسلمين إما جهلاً وإما قصداً معهم في أعيادهم، إما مشاركة أو رضاً أو دنياً من خلال البيع والشراء والاستئجار أو تهنئةً أو غيرها من صور المشاركات كان لابد من كلمة بهذا الصدد توضيحاً للحق.
لقد احتار النصارى أنفسهم في أمر عيسى عليه السلام: فمنهم من قال أنه هو الله، ومنه من قال أنه ابن الله، وقائل أنه ثالث ثلاثة. (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
وإذا كان نصارى اليوم قد نسبوا إلى عيسى عليه السلام القول بألوهيته أو بنوته لله تبارك وتعالى، فإن عيسى عليه السلام سوف يكذبهم ويفضحهم على ملأ من الأشهاد يوم القيامة، حيث يقول الله عز وجل: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). إن الذين يؤلهون عيسى عليهم السلام، أو الذين يدّعون له بنوة لله تبارك وتعالى حاشاه عز وجل، أو يقولون إن الله ثالث ثلاثة، أولئك هم الكفار الفجار الضلال الذين يجب نحن هذه الأمة، أمة التوحيد أن نبرأ منهم، ومن قولهم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
أيها المسلمون: وبعد بيان كفر هؤلاء القوم، المنتسبين إلى نبي الله عيسى عليه السلام زوراً وبهتانا، وبعد وضوح ضلالهم وكفرهم وشركهم بنص كتاب الله عز وجل. ماذا يكون شأن عيدهم. لاشك أنه عيد شرك وكفر وضلال.
والذي يدلكم على كفر هذا العيد وفساده، ما يحصل فيه من منكرات كفرية بدعية واضحة، فمن ذلك أن كل واحدٍ منهم يحضر طبقاً من الطعام ويضعونه بعد ذلك على مائدة طويلة ثم تزاح جميع الأغطية عن تلك الأطعمة لمدة من الزمن تستغرق ساعة أو أقل أو أكثر، فلماذا يزيحون تلك الأغطية عن تلك الأطعمة التي يُحضرونها؟ يقولون حتى يباركها الرب، ومن هو الرب عندهم؟ هو المسيح عليه السلام، يأتي ليبارك لهم طعامهم ذلك في تلك المناسبة الكفرية ثم بعد ذلك يأكلون من تلك اللقمة المقدسة بزعمهم. ومن المنكرات التي تحصل في هذه الأعياد الكفرية، وهذا يحصل في عيد رأس السنة الميلادية، أنهم يملئون كؤوس الخمر ليلة رأس السنة، ويبلغ الانحلال أقصاه كما يقولون في ساعة الصفر، وهي الساعة الثانية عشرة ليلاً حيث تطفأ الأنوار في تلك الساعة، ليتمكن شياطين الإنس من ممارسة ومقارفة معصية الله تبارك وتعالى، ففي تلك اللحظة يستباح المحظور جهراً، وتدب رعشات الرذيلة والوقاحة، حقاً إنها ساعة الصفر من العرض والشرف، إنها لحظة الصفر من البناء الخلقي والدين، إنها لحظة الصفر من الرجولة والحياء. فهل هذا عيد يمكن أن ينسب إلى نبي من أنبياء الله؟.
أيها المسلمون: إن حرص النصارى لإقامة هذه الأعياد الكفرية يعتبر جزءاً من عقيدتهم، لذا فلا تستغرب حرصهم على إقامتها. بل بذل كل ما في وسعهم، لإزالة العقبات التي قد تحول بينهم وبين إقامتها. فهم لا يستغرب منهم أي عمل فليس بعد الكفر ذنب. لكن المصيبة هي مشاركة بعض المسلمين لهؤلاء النصارى في هذه الأعياد الكفرية. وهذه المشاركة أخذت صوراً عدة في زماننا هذا: فمن المسلمين من يشاركهم في حضورها ويحتفل معهم وكأنه والعياذ بالله واحد منهم، تجده يلهو ويلعب ويضحك بملئ فمه معهم. فكيف يرضى مسلم لنفسه أن يقع في مثل هذه الأمور؟ كيف يرضى مسلم لنفسه أن يلوث عقيدته الصافية النقية، عقيدة لا إله إلا الله بعقيدة النصارى الذين يدّعون بأن الله ثالث ثلاثة، تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا؟.
إن مشاركة المسلم مع الكفار النصارى بهذا الشكل أيها الأخوة ليست مسألة إثم ومعصية، وليست مسألة خطأ وزلة، لكنها قد تكون مسألة إيمان وكفر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقوم فهو منهم" قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أقل أحوال هذا الحديث أن يكون منهم" أي كافراً مثلهم. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين). فأي منكر أعظم أخي المسلم أن تشارك النصارى في أعيادهم الكفرية، وبأي وجه تريد أن تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً يوم القيامة، وقد خالفت سنته، وفعلت فعل القوم الكافرين الضالين أعداء الدين.
صورة أخرى من صور المشاركة: التهنئة: وذلك بأن يهنئ المسلم بعض الكفار على أعيادهم. وهذا يقع فيه الكثير من موظفي الشركات التي يعمل فيها عدداً كبيراً من النصارى، فإنك لتسمع تبادل التهاني بل ربما يصل الأمر إلى إرسال بعض المسلمين بطاقات التهنئة لبعض الكفار بمناسبة أعيادهم. وهذا يا عباد الله منكر عظيم وحرام ولا يجوز. قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالإتفاق وذلك مثل أن يهنئهم بأعيادهم فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر، فقد تعرض لمقت الله وسخطه". انتهى ..
ومن صور المشاركة: أن نبيع عليهم كل ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم وأعيادهم: وهذا لا يجوز، وبيعهم هذه الأشياء حرام. فلا يجوز أن يباع لهم أي شيء يستعينون به على إقامة كفرهم وضلالهم وشعائرهم الدينية، فالذي يستورد لهم شجرة الميلاد، والذي يبيع لهم أنوار الزينة، والذي يبيع لهم بطاقات المعايدة والتهنئة، والذي يؤجر لهم الفنادق أو المسارح أو الأحياء المغلقة أو المجمعات السكنية ليقيموا فيها حفلات الميلاد، فعمله هذا حرام، وماله الذي يجنيه من ذلك حرام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"ولا يجوز بيع كل ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم". انتهى ..
كيف نرفعهم وقد أذلهم الله؟ كيف نكرمهم وقد أهانهم الله؟ كيف نتعاون معهم ونهنئهم وقد توعدهم الله؟. (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي، تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل).

بارك الله ..


الخطبة الثانية :
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: من المسلمات أن ما كان أساسه باطل منحرف فهو باطل منحرف، فما هو دين النصارى الحالي الذي يعتقدون؟ وبماذا يؤمنون؟ سأذكر لكم في هذه العجالة طرفاً من دين النصارى لندرك بطلان وكفر هذا العيد وهذه الاحتفالات لأنه يقوم على معتقد شركي باطل.
بعث الله عبده ورسوله وكلمته المسيح ابن مريم فجدد للنصارى الدين بعدما حُرّف، وبين لهم معالمه ودعاهم إلى عبادة الله وحده والتبرئ من تلك الآراء الباطلة، فعادوه النصارى وكذبوه ورموه وأمه بالعظائم وراموا قتله، فنجاه الله منهم ورفعه إليه فلم يصلوا إليه بسوء. وأقام الله تعالى للمسيح أنصاراً دعوا إلى دينه وشريعته حتى ظهر دينه على من خالفه ودخل فيه الملوك وانتشرت دعوته واستقام الأمر على السداد بعده نحو ثلاثمائة سنة، ثم أخذ دين المسيح في التبديل والتغيير حتى تناسخ واضمحل ولم يبق بأيدي النصارى منه شيئ بل ركّبوا ديناً من المسيحية ودين الفلاسفة عباد الأصنام وراموا بذلك أن يتلطفوا للأمم حتى يُدخلوهم في النصرانية. ومع هذا التغيير الذي حصل في دين النصرانية الصحيح الذي أنزله الله بقي مع أمة النصارى بقايا من دين المسيح كالختان والاغتسال من الجنابة وتعظيم السبت وتحريم الخنـزير وتحريم ما حرمته التوراة، ثم تناسخت الشريعة إلى أن استحلوا الخنـزير وأحلوا السبت وعوضوا عنه يوم الأحد وتركوا الختان والاغتسال، وكان المسيح يصلي إلى بيت المقدس فصلوا هم إلى المشرق، ولم يعظم المسيح عليه السلام صليباً قط فعظموا هم الصليب وعبدوه فغيّر بذلك النصارى دينهم وبدلوه وأدخلوا في معتقداته أشياء وأمور فاسدة وألزموا كل نصراني أن يعتقدها.
ومن المتناقضات أن النصارى أنفسهم متفرقون في اعتقاداتهم وليسوا على دين واحد فلو سألت أهل البيت الواحد عن ربهم لأجابك الرجل بجواب وامرأته بجواب وابنه بجواب والخادم بجواب. فما ظنك بمن في عصرنا هذا وهم نخالة الماضين وزبالة الغابرين ونفاية المتحيرين. إنه لمن العجب أنك تجد بعض النصارى قد بلغ في العلوم الدنيوية حداً عظيماً فقد يكون من كبار الأطباء أو المهندسين أو مستشاراً أو خبيراً وقد جمع من العلوم والشهادات كل مجمع ولو سألته عن ربه واعتقاده لوجدته أجهل من حمار أهله. فتتعجب ممن هذا عقله كيف لا يتأمل في دينه أو يفكر في معتقده؟ وكيف يمكن أن يقبل بأن ربه الذي يعبده قد دخل في فرج امرأة بعد ما كان في السماء ثم ولد من جديد؟ فأي عقول هذه؟ المصيبة أن هذه العقول هي التي تمسك بسياسات العالم اليوم، وأن من يحمل هذه الاعتقادات الممجوجة هم الذين يوجهون الدول في الغالب وهم الذين يديرون الدفة وقراراتهم هي التي تنفذ وخططهم هو الذي يطبق.
لا نقاش بأن هذه العقول بهذه التصورات الحقيرة والاعتقادات الباطلة غير مؤهلة لكي تقود نفسها فضلاً عن أن تقود غيرها، وما نكد البشرية وشقائها اليوم إلا لتغلب أمثال هذه العقول على الأمور لسبب أو لآخر. نعم إذا غاب الاسلام الحقيقي عن الساحة فلا عجب ولا غرابة أن يحل محله نفايات الأذهان وخرافات العقول وزبالات الأفكار، إذا تخلى المسلمون عن دورهم في نشر العقيدة الصحيحة الصافية في كل الأرض فمن الطبيعي أن يحل محله العقائد الباطلة، إلى أن يقيض الله لهذه الأمة من يعيد لها مكانتها وقيادتها للبشرية.

اللهم ..
المشاهدات 1165 | التعليقات 0