أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة .. الشيخ محمد بن حسين حداد الجزائري

الفريق العلمي
1439/11/24 - 2018/08/06 11:31AM

 فرض على المستطيع الحجَّ مرّةً واحدة في عمرِهِ، وجعَل موسمَ العشرِ مشتركًا بين السّائرينَ والقاعدين؛ فمَن عجَزَ عن الحجِّ في عامٍ؛ قدَرَ في العشرِ على عملٍ يَعْمَلُهُ في بيتِهِ يكونُ أفضلَ مِن الجهادِ الّذي هو أفضلُ مِن الحجِّ

  

بسم الله والحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبي بعده؛ أمّا بعد.

 

فإنّ ممّا يستوجب على العبد حمد ربِّه، أنْ يمدّ الله له في عمرِه فيبلّغه مواسم الخيرات، ليفتح له أبوابها ويعرض عليه بركاتها، فيجتهد ويسابق في جنّة عرضها كعرض السّموات والأرض، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(1).

 

 وقد حَبانا الله دون كثيرٍ ما بين مُوسَّدٍ الثَّرى، وضالٍّ زاهدٍ في الأخرى، بأنْ بلّغنا شهر ذي الحِجّة الحرام، وأوائل أيّامِه العَشر، الأيّام الّتي وردت النّصوص والآثار والأقوال، في الحديث حول فضائلها وخصائصها وشرفِها.

 

 فهي الأيّام الّتي أقسم الله -سبحانه- بها(2) بقوله: (وَالفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ)(3).

 

وهي أفضل أيّام الدّهر، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيها: "أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ العَشْرِ"(4).

 

وهي الأيّام المعلومات الّتي أشار الله -تعالى- إلى فضلها بقوله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَاللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)(5).

 

 وهي الأيّام الّتي رغّب فيها النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- إلى العمل الصّالح بقوله: "مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"(6).

 

وهي الأيّام الّتي فيها فريضة الحجّ، الّتي هي الرّكن الخامس مِن أركان الإسلام.

 

وهي الأيّام الّتي فيها يوم عَرَفَة، الّذي ورد فيه قول نبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم-: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلاَئِكَةَ. فَيَقُولُ: مَا أَرادَ هَؤُلاَءِ؟"(7).

 

 وهي الأيّام الّتي فيها يوم النّحر، وهو يوم العاشر مِن ذي الحجّة الّذي رُوي فيه قوله -عليه الصّلاة والسّلام: "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ"(8).

 

وهي الأيّام الّتي تجتمع فيها أُمّهات العبادات(9).

 

لكلّ هذا؛ أدرك سلفنا الصّالح ومَن تبعهم بإحسان، قيمة هذه الأيّام، فتنافسوا على الخير والعمل الصّالح فيها تنافُسًا عظيمًا، وكان سعيد بن جبير -رحمه الله- "إذا دخل أيّامُ العَشْرِ اجتهد اجتهادًا شديدًا، حتّى ما يكاد يقدر عليه"(10).

 

 وممّا لا شكّ فيه، أنّ عبادةَ الله -تعالى- والتقرّبَ إليه بالطّاعات القولية والفعلية، مطلوبةٌ مِن المسلم في كلّ وقتٍ وحين، إلاّ أنّها تتأكّد في بعض الأوقات والمناسبات، الّتي منها هذه الأيّام مِن شهر ذي الحجّة، فأحببتُ أن أذكّر نفسي أوّلاً، ثمّ إخواني وأخواتي -جميعا- ثانيًا، بما أشارت إليه بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النّبوية إلى بعض تلك العبادات، على سبيل التّخصيص لبعضها والتّأكيد لأخرى؛ عُمدتي في ذلك أقوال علماء الأمّة.

 

ومِن تلك الأعمال والعبادات ما يلي:

01/ شكر اللهِ على هذه النِّعمة:

 

فقبل كلّ شيء، علينا أن نشكر الله -تعالى- على أنْ بلَّغنا هذه العَشر الّتي هي مِن أفضل أيّام الدّهر؛ فإنّ شكرَه -سبحانه- على نعمه مِن أسباب زيادة الخير والتّوفيق إليه؛ قال -عزّ وجلّ -: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(11).

 

قال الإمام القرطبي: "(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) أي: لئن وحَّدتم وأطعتم لأزيدنّكم ممَا يجب الشّكر عليه، وهي نعمي. وقال الرّبيع: المعنى: لئن شكرتُم إنعامي لأزيدنّكم من فضلي. الحسن: لئن شكرتُم نعمتي لأزيدنّكم من طاعتي. ابن عبّاس: لئن وَحَّدْتُم وأطعتُم لأزيدنَّكم من الثّواب. والمعنى متقارب في هذه الأقوال، والآية نصٌّ في أنَّ الشّكر سببُ المزيد"(12).

 

 02/ التّوبة إلى الله:

كلّنا نُخطئ ونُذنب، ولا شكّ أنّ اللّبيبَ منّا، الحريصَ على طاعة ربّه، والمجتهدَ لمرضاته، يعلم يقينًا أنّ مِن طاعة الله -عزّ وجلّ- اجتناب معاصيه في جميع الأوقات والأحوال، والأشهر الحُرم خاصّة -وذو الحجّة منها- يتأكّد فيها الحذر مِن المعاصي كما يتأكّد الحِرص على الطّاعات، فإنّه كما تُضاعَف الحسنات في مِثل هذه الأيّام، تُضاعف السّيئات أيضا؛ ومعاذ الله أنْ يكون حالنا كمَن خَلطَ عملاً صالحًا وآخر سيّئا؛ قال الله -تعالى -: (إِنّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيّمُ، فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(13).

 

فعلى المسلم استقبال هذه الأيّام بالتّوبة والإقلاع عن جميع الذّنوب والمعاصي، حتّى يترتّب على أعماله المغفرة والرّحمة والتّوفيق، وإذا كانت الطّاع

المشاهدات 894 | التعليقات 0