أعظم مواطن الادّكار والاعتبار!- والحديث عن قرارات الملك المباركة 10-4-1436
أحمد بن ناصر الطيار
1436/04/10 - 2015/01/30 05:35AM
الحمد لله المنفردِ بالبقاء, حكم على خلقه بالموت والفناء، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، له الحياة العظمى على الدوام، كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام, وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بيَّن لأمته طريق السعادة والجنان، وحذرهم من الدنيا دارِ الهوان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، عاشوا في الدنيا سعداء ، وماتوا صِدِّيقين وشهداء، رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن سار على نهجهم واقتضى أثرهم وهداهم، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ مواطنَ الْعِبَرِ في هذه الدنيا كثيرةٌ جدًّا, ومن لم يعتبر فيها فَلِقسوة قلبه, وغفلةٍ في نفسه.
وإنّ من أعظم وأشدّ مواطن الاعتبار, وأبلغِ حالات الموعظة والادّكار: تلك الحالةُ التي يستوي فيها الشريفُ والوضيع, والغنيّ والفقير, والْمأمور والأمير.
لا تشفع للملك جُنودُه وألقابُه, ولا للوزير والأمير حُجّابه, ولا للغنيِّ قُصُورُه وأمواله, إنه الموطن الذي يُحْثَى على وجوه هؤلاء التراب, ويَتَخلّى عنهم الأحبابُ والأصحاب.
إنه اليوم الذي يُوضع الناسُ في قبورهم, ويُوسّدوا وَحْدَهم في لُحودهم, لا فرق بين الأغنياء والفقراء, ولا الْمُحتقَرِيْن والوزراء, كلُّهم سيُوسّدون التراب, وينهال عليهم التراب, ويأكلهم الدّود, وتضمّهم اللحود, فلا امْتيازَ لسيّدٍ على مسود.
أتيتُ القبورَ فناديتها ... أين المعظمُ والمحتقرْ
وأين المُدِلُّ بسلطانهِ ... وأين المزكى إِذا ما افتخرْ
تَفَانَوا جميعاً فما مُخْبِرٌ ... وماتوا جميعاً وماتَ الخبرِ
تروحُ وتغدو بناتُ الثرى ... وتُمحى محاسنُ تلكَ الصورْ
فيا سائلي عن أناسِ مضوا ... أمالكَ فيما ترى مُعْتَبَرْ ؟
اسْألُوا غنيَّهم ما بقي من غناه؟ اسْألُوا عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون, اسألوهم عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجسادِ الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟!.
أُكلت الألسن، وشُوّهتِ الوجوه، ومُحِيَتْ المحاسن، وكُسرت الأعضاء، ومزقت الأشلاء, فأين حُجَّابُهُم وخدمهم؟ أين أموالهم وكنوزهم؟
أين الألقابُ التي كانوا يُلقّبون بها, أين المناصب التي كانوا يتفاخرون بها, تنارع الناس مناصبهم بعد موتهم, واقْتسم ورثتُهم أموالهم ولم يتركوا لهم شيئًا, حتى المشلحُ الذي يُغطّيهم أُخذ منهم.
انظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير الْقطنِ والكفن؟
أيّها الوزيرُ والرئيس, أيّها المسؤول والأمير, أيّها العاصي والغافل, إنك تموت وحدك, وتدخل القبر وحدك, وتبعث وحدك, وتحاسب وحدك, فلا تغترّ بمناصبك وشهاداتك, ولا بقصورك وأموالك, ولا بشهواتك ولذّاتك.
تذكّرْ أوّلَ ليلةٍ سَتَسْكنُ فيها قبرَك, لا صديق تُؤانسه, ولا ولد تُلاطفه.
غيَّرتُ موضع مرقدي ... يومًا ففارقني السكون
والقَبْرُ أوَّلُ ليلةٍ ... بالله قل لي ما يكون؟
وتعظم الوحشةُ وتزدادُ الرّهبة, حين يأتيك الْمَلَكان وبِيَدِهِما مِطْرَقةٌ فَيقولان: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولان لَهُ: صَدَقْت، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَنْزِلُك لَوْ كَفَرْت بِرَبِّك، فَأَمَّا إذْ آمَنْت فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَك بِهِ هَذَا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ لَهُ فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْت وَلَا اهْتَدَيْت، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَنْزِلُك لَوْ آمَنَتْ بِرَبِّك، فَأَمَّا إذْ كَفَرْت فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَك بِهِ هَذَا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ، ثُمَّ يَقْمَعُهُ الْمَلَكُ بِالْمِطْرَاقِ, قَمْعَةً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إلَّا الثَّقَلَيْنِ.
في ظلمة القبر لا أمٌّ هناك ولا ... أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت ... مِن هول مطلع ما قد كان أدهشني
مِن منكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهم ... إذ هالني منهما ما كان أفزعني
هذه أوّل ليلةٍ سَتقضيها يا عبد الله, فأعدّ لهذه الأسئلة جوابًا, ولهذه الأجوبة صوابًا, اسْتعدّ للقاءِ هذين الْملكين العظيمين, فإن أجبت بصوابٍ, وإلا ضُربتَ بهذه الْمطرقة ضربةً تتهشّم منها عظامُك, وتَتَجرَّع الأسى منها طول بقائك.
والله لو عاش الفتى من عمره ... ألفاً من الأعوام مالكَ أمره
متلذذاً فيها بكل نفيسةٍ ... متنعماً فيها بِنُعْمَى عصره
لا يعتريه الهمّ طُول حياته ... أبداً ولا تجري الهموم بباله
ما كان ذلك كلُّه في أنْ يفي ... بمبيت أوَّلِ ليلةٍ في قبره
إنّ أعظم حسرةٍ ينالها العاصي في قبره, يوم أنْ يُريه الْمَلَك مقعده من الجنة ويقول: هذا مكانُك لو كنت مُؤْمنًا مُوحّدًا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه.
فتب إلى الله يا عبد الله, تب إلى الله يا من فرّطت في طاعة ربّك ومولاك, قبل أنْ تُوسّد في قبرك, وتَنْقَلبَ تلك الشهواتُ إلى نارٍ تُحرق جسدك, وتتحوّلُ تلك اللذاتُ إلى عذابٍ تُقطّع أمعاءك, الأمر جِدٌّ ليس بالهزْل, والشّأنُ خطيرٌ ليس ممّا يُتساهل به.
شيَّع الحسنُ البصريّ رحمه الله جنازةً, فجلس على شفير القبر فقال : «إنَّ أمراً هذا آخره لحقيقٌ أنْ يُزْهَدَ في أوَّلِه ، وإنَّ أمراً هذا أوَّلُه لحقيقٌ أنْ يُخَافَ آخره».
فالقبورُ مستودَعُ الأعمال، ونهايةُ الأعمار والآجال، وهي رياضٌ من رياض الجنة، أو حُفَرٌ من حفر النيران.
فيا أصحاب القبور: اسْألوا من زاركم من أصحابنا وأغنيائنا ومُلوكنا: أين أموالكم التي كنتم تتفاخرون بها, أين جنودكم الذي يحوطون بكم, أين قصوركم التي تتباهون بها!
أما إنهم لو نطقوا لقالوا:
كُنَّا وكانت لنا الدُّنيا بلذَّتِها ... فما اعْتَبَرْنا وما كنا لنَنْزَجِرا
حتى رمَاَنا الرَّدَى منه بِأّسْهُمِه ... فلم يُبْقِ لَنَا عَيْنًا ولا أَثَرًا
فظواهر القبور تراب ، وبواطنها حسراتٌ وعذاب, ظواهرُها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويَحِقُّ لها وقد حيل بينها وبين أمانيها.
انظررْ لنفسِكَ يا مسكينُ في مَهَلٍ ... ما دامَ ينفعُكَ التفكيرُ والنظرُ
قِفْ بالمقابرِ وانظرْ إِنْ وقفتَ بها ... للّهِ دَرُّكَ ماذا تسترُ الحفرُ
ففيهمُ لكَ يا مغرورُ موعظةٌ ... وفيهمُ لكَ يا مغترُّ معتبرُ
اللهم نجنا من عذاب القبر, اللهم ارحم وحشتنا في القبور, وآنس روعتنا يوم فراق الأهل والأحباب, إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله فارجِ الكربات, ومُجيبِ الدّعوات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: لقد اسْتمعنا بالأمس للأوامر الملكيّة المباركة, من الملك العادل المبارك, سلّمانَ سلّمه الله تعالى, من عزلٍ وفصلٍ لبعض الوزراء, وتَعْيينِ الْمخلصين والأُمناء, ودعمٍ للجهات الخيريّة ونحوها, وبذلٍ وسخاءٍ وعطاء, وعفوٍ وتسامحٍ وإحسان, هو والله فتحٌ وتمكينٌ لهذه الدولة المباركة أوّلاً, ثم لأهل الحق والدين ثانيًا.
لقد بلغ إجماليُّ ما قرَّر الملك حفظه الله تعالى صرفَه لشعبه ومُواطنيه: ما يزيد على مائةِ مليار ريال.
لقد أثلجتْ قرارتُه صدور أهل الغيرة على هذا البلد المبارك, وأفرحت قلوب المؤمنين, وأغاضت قلوب الْفاجرين والمنافقين, والعلمانييّن المفسدين.
كيف لا, وقد أعادت وزراء مُخلصين, وعلماءَ صادقين.
فاللهم لك الحمد وحدك, كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, سبحانك ما كان هذه إلا بلطفك وإحسانِك, تباركت ربّنا ما أعظم حكمتك في عبادك, تبتليهم حتى تُخرجَ المؤمن من المنافق, والصادقَ من الكاذب, ثم تُعقب ذلك الفرَجَ بعد الشدّة, والسرور بعد الكربة.
إنّ الدعواتِ التي كنّا ندعو الله تعالى بها كّل صلاةٍ, بأنْ يُولّيَ علينا خيارنا, ويصرفَ عنّا شرارنا, لم تذهب سُدى, بل إنّ الله تعالى قد يُجيب الدعاءَ ولو بعد حين, فلا ينبغي لنا أنْ نقنطَ أو نيأس, ولْنكثرْ من الدعاء, ولو لم نر ما يدعو إلى الأمل والتفاؤل, فالله تعالى بيده مقليد السماوات والأرض, يحكم كيف يشاء, ويُغيّر الحال متى شاء.
ما بين غمضةِ عينٍ وانْتِبَاهَتِها ... يُغيِّرُ اللهُ مِنْ حالٍ إلى حال
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ سلمانَ, اللهم احفظه بحفظك, واكْلأه برعايتك, اللهم جازه عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.
اللهم حبّبه إلى شعبِه, وحبّب شعبه له.
اللهم وفق هؤلاء الوزراء لما تحبّه وترضاه, اللهم انْفع به وأعنهم يا حيّ يا قيّوم.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ مواطنَ الْعِبَرِ في هذه الدنيا كثيرةٌ جدًّا, ومن لم يعتبر فيها فَلِقسوة قلبه, وغفلةٍ في نفسه.
وإنّ من أعظم وأشدّ مواطن الاعتبار, وأبلغِ حالات الموعظة والادّكار: تلك الحالةُ التي يستوي فيها الشريفُ والوضيع, والغنيّ والفقير, والْمأمور والأمير.
لا تشفع للملك جُنودُه وألقابُه, ولا للوزير والأمير حُجّابه, ولا للغنيِّ قُصُورُه وأمواله, إنه الموطن الذي يُحْثَى على وجوه هؤلاء التراب, ويَتَخلّى عنهم الأحبابُ والأصحاب.
إنه اليوم الذي يُوضع الناسُ في قبورهم, ويُوسّدوا وَحْدَهم في لُحودهم, لا فرق بين الأغنياء والفقراء, ولا الْمُحتقَرِيْن والوزراء, كلُّهم سيُوسّدون التراب, وينهال عليهم التراب, ويأكلهم الدّود, وتضمّهم اللحود, فلا امْتيازَ لسيّدٍ على مسود.
أتيتُ القبورَ فناديتها ... أين المعظمُ والمحتقرْ
وأين المُدِلُّ بسلطانهِ ... وأين المزكى إِذا ما افتخرْ
تَفَانَوا جميعاً فما مُخْبِرٌ ... وماتوا جميعاً وماتَ الخبرِ
تروحُ وتغدو بناتُ الثرى ... وتُمحى محاسنُ تلكَ الصورْ
فيا سائلي عن أناسِ مضوا ... أمالكَ فيما ترى مُعْتَبَرْ ؟
اسْألُوا غنيَّهم ما بقي من غناه؟ اسْألُوا عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون, اسألوهم عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجسادِ الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟!.
أُكلت الألسن، وشُوّهتِ الوجوه، ومُحِيَتْ المحاسن، وكُسرت الأعضاء، ومزقت الأشلاء, فأين حُجَّابُهُم وخدمهم؟ أين أموالهم وكنوزهم؟
أين الألقابُ التي كانوا يُلقّبون بها, أين المناصب التي كانوا يتفاخرون بها, تنارع الناس مناصبهم بعد موتهم, واقْتسم ورثتُهم أموالهم ولم يتركوا لهم شيئًا, حتى المشلحُ الذي يُغطّيهم أُخذ منهم.
انظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير الْقطنِ والكفن؟
أيّها الوزيرُ والرئيس, أيّها المسؤول والأمير, أيّها العاصي والغافل, إنك تموت وحدك, وتدخل القبر وحدك, وتبعث وحدك, وتحاسب وحدك, فلا تغترّ بمناصبك وشهاداتك, ولا بقصورك وأموالك, ولا بشهواتك ولذّاتك.
تذكّرْ أوّلَ ليلةٍ سَتَسْكنُ فيها قبرَك, لا صديق تُؤانسه, ولا ولد تُلاطفه.
غيَّرتُ موضع مرقدي ... يومًا ففارقني السكون
والقَبْرُ أوَّلُ ليلةٍ ... بالله قل لي ما يكون؟
وتعظم الوحشةُ وتزدادُ الرّهبة, حين يأتيك الْمَلَكان وبِيَدِهِما مِطْرَقةٌ فَيقولان: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولان لَهُ: صَدَقْت، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَنْزِلُك لَوْ كَفَرْت بِرَبِّك، فَأَمَّا إذْ آمَنْت فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَك بِهِ هَذَا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ لَهُ فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْت وَلَا اهْتَدَيْت، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَنْزِلُك لَوْ آمَنَتْ بِرَبِّك، فَأَمَّا إذْ كَفَرْت فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَك بِهِ هَذَا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ، ثُمَّ يَقْمَعُهُ الْمَلَكُ بِالْمِطْرَاقِ, قَمْعَةً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إلَّا الثَّقَلَيْنِ.
في ظلمة القبر لا أمٌّ هناك ولا ... أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت ... مِن هول مطلع ما قد كان أدهشني
مِن منكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهم ... إذ هالني منهما ما كان أفزعني
هذه أوّل ليلةٍ سَتقضيها يا عبد الله, فأعدّ لهذه الأسئلة جوابًا, ولهذه الأجوبة صوابًا, اسْتعدّ للقاءِ هذين الْملكين العظيمين, فإن أجبت بصوابٍ, وإلا ضُربتَ بهذه الْمطرقة ضربةً تتهشّم منها عظامُك, وتَتَجرَّع الأسى منها طول بقائك.
والله لو عاش الفتى من عمره ... ألفاً من الأعوام مالكَ أمره
متلذذاً فيها بكل نفيسةٍ ... متنعماً فيها بِنُعْمَى عصره
لا يعتريه الهمّ طُول حياته ... أبداً ولا تجري الهموم بباله
ما كان ذلك كلُّه في أنْ يفي ... بمبيت أوَّلِ ليلةٍ في قبره
إنّ أعظم حسرةٍ ينالها العاصي في قبره, يوم أنْ يُريه الْمَلَك مقعده من الجنة ويقول: هذا مكانُك لو كنت مُؤْمنًا مُوحّدًا.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه.
فتب إلى الله يا عبد الله, تب إلى الله يا من فرّطت في طاعة ربّك ومولاك, قبل أنْ تُوسّد في قبرك, وتَنْقَلبَ تلك الشهواتُ إلى نارٍ تُحرق جسدك, وتتحوّلُ تلك اللذاتُ إلى عذابٍ تُقطّع أمعاءك, الأمر جِدٌّ ليس بالهزْل, والشّأنُ خطيرٌ ليس ممّا يُتساهل به.
شيَّع الحسنُ البصريّ رحمه الله جنازةً, فجلس على شفير القبر فقال : «إنَّ أمراً هذا آخره لحقيقٌ أنْ يُزْهَدَ في أوَّلِه ، وإنَّ أمراً هذا أوَّلُه لحقيقٌ أنْ يُخَافَ آخره».
فالقبورُ مستودَعُ الأعمال، ونهايةُ الأعمار والآجال، وهي رياضٌ من رياض الجنة، أو حُفَرٌ من حفر النيران.
فيا أصحاب القبور: اسْألوا من زاركم من أصحابنا وأغنيائنا ومُلوكنا: أين أموالكم التي كنتم تتفاخرون بها, أين جنودكم الذي يحوطون بكم, أين قصوركم التي تتباهون بها!
أما إنهم لو نطقوا لقالوا:
كُنَّا وكانت لنا الدُّنيا بلذَّتِها ... فما اعْتَبَرْنا وما كنا لنَنْزَجِرا
حتى رمَاَنا الرَّدَى منه بِأّسْهُمِه ... فلم يُبْقِ لَنَا عَيْنًا ولا أَثَرًا
فظواهر القبور تراب ، وبواطنها حسراتٌ وعذاب, ظواهرُها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويَحِقُّ لها وقد حيل بينها وبين أمانيها.
انظررْ لنفسِكَ يا مسكينُ في مَهَلٍ ... ما دامَ ينفعُكَ التفكيرُ والنظرُ
قِفْ بالمقابرِ وانظرْ إِنْ وقفتَ بها ... للّهِ دَرُّكَ ماذا تسترُ الحفرُ
ففيهمُ لكَ يا مغرورُ موعظةٌ ... وفيهمُ لكَ يا مغترُّ معتبرُ
اللهم نجنا من عذاب القبر, اللهم ارحم وحشتنا في القبور, وآنس روعتنا يوم فراق الأهل والأحباب, إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله فارجِ الكربات, ومُجيبِ الدّعوات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: لقد اسْتمعنا بالأمس للأوامر الملكيّة المباركة, من الملك العادل المبارك, سلّمانَ سلّمه الله تعالى, من عزلٍ وفصلٍ لبعض الوزراء, وتَعْيينِ الْمخلصين والأُمناء, ودعمٍ للجهات الخيريّة ونحوها, وبذلٍ وسخاءٍ وعطاء, وعفوٍ وتسامحٍ وإحسان, هو والله فتحٌ وتمكينٌ لهذه الدولة المباركة أوّلاً, ثم لأهل الحق والدين ثانيًا.
لقد بلغ إجماليُّ ما قرَّر الملك حفظه الله تعالى صرفَه لشعبه ومُواطنيه: ما يزيد على مائةِ مليار ريال.
لقد أثلجتْ قرارتُه صدور أهل الغيرة على هذا البلد المبارك, وأفرحت قلوب المؤمنين, وأغاضت قلوب الْفاجرين والمنافقين, والعلمانييّن المفسدين.
كيف لا, وقد أعادت وزراء مُخلصين, وعلماءَ صادقين.
فاللهم لك الحمد وحدك, كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, سبحانك ما كان هذه إلا بلطفك وإحسانِك, تباركت ربّنا ما أعظم حكمتك في عبادك, تبتليهم حتى تُخرجَ المؤمن من المنافق, والصادقَ من الكاذب, ثم تُعقب ذلك الفرَجَ بعد الشدّة, والسرور بعد الكربة.
إنّ الدعواتِ التي كنّا ندعو الله تعالى بها كّل صلاةٍ, بأنْ يُولّيَ علينا خيارنا, ويصرفَ عنّا شرارنا, لم تذهب سُدى, بل إنّ الله تعالى قد يُجيب الدعاءَ ولو بعد حين, فلا ينبغي لنا أنْ نقنطَ أو نيأس, ولْنكثرْ من الدعاء, ولو لم نر ما يدعو إلى الأمل والتفاؤل, فالله تعالى بيده مقليد السماوات والأرض, يحكم كيف يشاء, ويُغيّر الحال متى شاء.
ما بين غمضةِ عينٍ وانْتِبَاهَتِها ... يُغيِّرُ اللهُ مِنْ حالٍ إلى حال
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ سلمانَ, اللهم احفظه بحفظك, واكْلأه برعايتك, اللهم جازه عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.
اللهم حبّبه إلى شعبِه, وحبّب شعبه له.
اللهم وفق هؤلاء الوزراء لما تحبّه وترضاه, اللهم انْفع به وأعنهم يا حيّ يا قيّوم.
المشاهدات 2648 | التعليقات 4
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
الوقفة الأخيره وهي عدم الشماتة بأي شخص أو مسئول قد تم إعفآءه أو التعرض له في عرضه أو نفسه بغيبة أو ظلم بل الإكتفاء بحمد الله وشكره والدعاء لولاة الأمر .
(هذه إضافة صغيره لمن رغب بها )
ولا فوك شيخ راشد الناصر, وشكر الله لك هذه الدعاوت الصادقة, والثناء الجميل, والشكر موصول للشيخ شبيب.
راشد الناصر
لافض فوك ولاعدمك محبوك
خطبة جامعه نافعه ومختصره في مجالها
بارك الله في الجهود ياشيخ
تعديل التعليق