أعداء الحرمين الشريفين

علي القرني
1437/01/15 - 2015/10/28 19:45PM
فأوصيكم بتقوى اللهِ تعالى والصَّبرِ المتينِ .. فإنهما سلاحُ المؤمنِ ضِدَّ الأعداءِ المُتربِّصينَ .. (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ نظرة تأمُّلٍ لأحوالِ العالَم اليوم تبعث الحيرة، وتثير العجب، وتغرس الأسى، حيث يرى المتأمل أن العالم كله مشتغل بالإسلام وأهله؛ فالاجتماعات الدولية، والمحافل الأمْنِيَّة، والقِمَم العالمية، جُلُّ أعمالها عن الإسلام والمسلمين، تفنُّنٌ في المـــَكْر، وثورةٌ على القِيَم، ، وفرضٌ للعلْمَنة، وتشويهٌ للدِّين، واتِّهامٌ للشخصيات ، وتبجُّحٌ بالحرب على الإرهاب. إنهم مذهولون مذعورون من هيمنة هذا الدين وسلطانه على النفوس والعقول، وسرعة ازدهاره وانتشاره، وإقبال الناس عليه فلماذا تتعرض الأمة الإسلامية في هذه الأيام لهجَمَاتٍ مسعورةٍ يشترك فيها جميع أعداء الإسلام على السواء لماذا تلك الحملات الشعواء التي تشنها صحافة الغرب والشرق على الإسلام ودعاته؟ ولماذا التهم الباطلة التي توجَّهُ للمملكة بين الفينة والأخرى؟ ولماذا ذلك التركيز على نشر الفاحشة والعهر وأسواق الرذيلة في بلاد المسلمين وحينما نود الوقوف للإجابة عن بعض منها يتجلى لنا أن الذي يدفعهم إلى ذلك كله هو الحقد المرير الممتزج بالخوف الرهيب من الإسلام، فقد اتجهت العداوة الصليبية الصهيونية المشتركة بكل عنفها وضراوتها إلى الإسلام؛ حاولوا اقتلاع الإسلام من جذوره بكل ما أوتوا من قوة، بالحروب الطاحنة تارة،كما في الشام وبنشر المسيحية تارة، وبتشويه صورة الإسلام في نفوس المسلمين تارة، وبإفساد الأخلاق تارة، وأخيراً بتربية جيل من النافرين من الإسلام لتسلمه مقاليد الأمور في البلاد ليقوموا بدلا عنها بالقضاء على الإسلام. حقد، وكراهية، ومكر، وخديعة؛ وهذا حال الجاهليات كلها على مَرِّ العصور، وهذا تصديق لما أخبر الله به من شدة العداوة والحقد من الكفار للمؤمنين، (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [وقال تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) , وقال تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [وقال تعالى (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) أيُّها المؤمنونَ .. إن اللهِ تعالى .. أنعمَ اللهُ عزَّ وجلَّ علينا في هذه البلادِ .. من تحكيمِ الشَّرعِ الحكيمِ .. وخدمةِ البيتِ العظيمِ .. وعلماءَ ينشرونَ معالمَ التَّوحيدِ .. وحاكمٍ يمنعُ مظاهرَ الشِّركِ والمعاصي والفساد .. وتعظيمِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ .. وإقامةِ الحدودِ الشَّرعيَّةِ .. وإغاثةِ الملهوفِ .. ونُصرةِ الجارِ .. والإعانةِ على نوائبِ الدَّهرِ .. فإنَّ الدِّفاعَ عن هذا البلدِ .. هو من أعظمِ الجِهادِ .. حفاظاً على دينِه المبينِ .. وعلى أمنِ زوَّارِ البيتينِ .. ولا يُخزي اللهُ تعالى مثلَ هذا البلدِ أبداً ..). وإنَّ ما نُلاحظُه في هذه الأيامِ .. من مُحاولةِ تَهويلِ أخبارِ الأعداءِ .. ونشرِها بينَ الأهلِ والأصدقاءِ لإثارةِ الخوفِ والشُّكوكِ فكيفَ يخافُ أهلُ الحقِّ وهم أحفادُ الذين قال الله فيهم (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) .. فلا يُخيفُ المؤمنين الروس ولا المجوس ولا اليهود .. ولا الخوارج .. كيفَ لا وقد استجبنا لقولِه سُبحانَه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ .. وأن الاعتصامَ بالله عِزةٌ .. واللجوءَ إليه قوةٌ .. فهل يَخافُ مثلَ هؤلاءِ وقد قالَ تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ). من هذه الجزيرةِ خرجَ قُتيبةُ بنُ مسلمٍ الباهليُّ الذي وصلَ في فُتوحاتِه إلى مدينةِ كَاشِغرَ أدنى مدائنِ الصِّينِ .. فجاءَه رَسولُ مَلكِ الصِّينِ يَطلبُ منه أن يُوَجِّهَ إليه وفداً ليَعرفَ خبرَهم فاختارَ قتيبةُ عَشرةَ مِن خِيرةِ رجالِه برئاسةِ هُبيرةَ الكِلابي، فأرسلَهم إلى مَلكِ الصِّينِ .. ودارَ بينَهم حِوارٌ طويلٌ .. ومنه أنَّ مَلكَ الصِّينِ قالَ لهم مُهدِّداً: انصرفوا إلى صاحبِكم، فقولوا له يَنصرفُ فإني قد عَرفتُ حِرصَه وقِلَّةَ أصحابِه، وإلا بَعثتُ عليكم من يُهلِكَكم ويُهلكَه، فردَّ عليه هُبيرةُ في شَجاعةِ المؤمنِ وعزتِه فقالَ له: كيفَ يكونُ قَليلَ الأصحابِ و أولُ خيلِه في بلادِك وآخرُها في مَنابتِ الزَّيتونِ؟، وكيفَ يكونُ حَريصاً من خَلَّفَ الدُّنيا قادراً عليها وغَزاكَ؟، وأما تخويفُك إيَّانا فإنَّ لنا آجالاً إذا حضرتَ فأكرَمَها القَتلُ، فلسنَا نكرَهُه ولا نخافُه. فأعادتْ هذهِ المقالةُ ملكَ الصِّينِ إلى صَوابِه وأَيقنَ أنه أمامَ قومٍ لا يجدي معهم التَّهديدُ ولا الوعيدُ، فاعتدلَ في كلامِه وقالَ لهبيرةَ: فما الذي يُرضي صاحبُكم؟، قالَ: إنه قد حلفَ ألا ينصرفَ حتى يَطأَ أرضَكم، ويَختمَ ملوكَكم، ويُعطى الجزيةُ .. قالَ: فإنا نُخرجُه من يمينِه، نَبعثُ إليه بترابٍ من أرضِنا فيطؤه، ونَبعثُ ببعضِ أبنائِنا فيختِمُهم، ونَبعثُ إليه بجزيةٍ يرضاها، قالَ: فدعا بصحائفَ من ذَهبٍ فيها ترابٌ، وبعثَ بحريرٍ وذهبِ وأربعةِ غِلمانٍ من أبناءِ ملوكِهم، ثُمَّ أجازَهم فأحسنَ جوائزَهم فساروا فقدِموا بما بعثَ به، فَقبلَ قُتيبةُ الجزيةَ وختمَ الغِلمانَ وردَّهم، ووطئَ تُرابَ الصِّينِ. هذه عزَّةُ أهلِ الإيمانِ .. وأما المنافقونَ والذينَ في قلوبِهم مرضٌ فيُصيبُهم شُعورٌ مخيفٌ .. عندما تأتي أخبارُ الجِهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى والقِتالِ والسَّيفِ .. (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) .. ويَظهرُ كُفرُهم وسوءُ ظنِّهم بربِّ العالمينَ .. (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) إن في الشدائدِ يتميَّزُ المؤمنُ عن المنافقِ، والصادقُ عن الكاذبِ، ويقفُ المرءُ على حقيقةِ إيمانِه، ومدى عُمقِه ورُسُوخِه، قالَ سبحانَه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المُنَافِقِين فإذا أسرفَ الظَّالمونَ .. وهدَّدَ الحاقدونَ .. واعتدى المُسرِفونَ .. وتجاوزَ الباغونَ .. فسينقلبُ الحلمُ حَزْماً .... مع وليِّ أمرِنا .. دفاعاً عن دينِنا .. وذَوداً عن وطنِنا .. ونُصرةً لأخوانِنا في كل زمان ومكان . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .


الخطبة الثانية
إن من أوجب الواجبات على كل مسلم أن ينصر ربه وكتابه ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، ويبذل لرفعة المسلمين، ويجتهد لعزة المؤمنين إن التوبة إلى الله، الرجوع إلى دوحة الحق، والاعتصام بالدين، هو الركن الركين، والأساس المتين، الذي منه ترتفع أعلام النصر، وتغرِّد بلابل الحق، وتنطلق بوارق النصر: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [إنه من العار والضياع على أمة الإسلام، وعلى شباب المسلمين على وجه الخصوص، أن تصرف أوقاتهم، وتضيع طاقاتهم في اللهو والضياع والهوى، بينما هنالك أعداء قد أضمروا لهم العداء، وتربصوا بهم الدوائر حيث أن الغرب يوجه كل أسلحته الحربية والعلمية والفكرية والالكترونية والاقتصادية لحرب الإسلام.. يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ»، هِيَ أُمَمٌ، وَلَيْسَتْ أُمَّةً وَاحِدَةً، أُمَمٌ يَدْعُو بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا، أُمَمٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَشُعُوبٌ مُخْتَلِفَةٌ، تَفرَّقَ شَمْلُهُمْ، إِلَّا عَلَى مُحَارَبَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. . عباد الله كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته على كل ولي أمر الحرص على من يعول من كل فكر هدام إِنَّ أَبنَاءَنَا أَمَانَةٌ في أَعنَاقِنَا ، وَمَا لم نَصحَبْهُم وَنَقتَرِبْ مِنهُم ، وَنَحرِصْ عَلَى تربيتهم وَرَبطِهِم بِأَعمَالٍ تَنفَعُهُم وَتَحفَظُ أَوقَاتَهُم ، وَتَحمِيهِم مِن مَخَاطِرِ هَذَا السَّيلِ الجَارِفِ مِنَ الأَجهِزَةِ وَالشَّبَكَاتِ وَالبَرَامِجِ المُوَجَّهَةِ ، فَسَيَصحَبُونَ غَيرَنَا ، وَسَيَقتَرِبُ إِلَيهِم مَن لا يُرِيدُ بِهِم وَلا بِأُمَّتِهِم وَمُجتَمَعِهِم خَيرًا ، وَسَيَختَلُونَ بِمَا يُدَمِّرُ عَقَائِدَهُم وَيُفسِدُ أَخلاقَهُم فنحن كلنا في خندق واحد لابد من التعاون والتكاتف حول ولاة الأمر والعلماء لنصرة الدين ونصرة المسلمين والمحافظة على بلاد الحرمين .
ثم صلوا على رسول الله
المشاهدات 1318 | التعليقات 0