«أَصَلَّى النَّاسُ؟» 26 / 12/ 1444هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» 26 / 12/ 1444هـ
الحمدلله الولي الحميد ، يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين أما بعد
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون .
أمرٌ ذكره الله في كتابه العزيز مائة مرة ، لهو دلالةٌ على عظمتهِ وبالغِ أهميتِه، فكم نذْكره ونُذكِرُ به في بيوتنا ومجالسنا وعلى منابرنا .. يُجلي أهميةِ هذا الأمرِ في الموقفِ التي سطرته عائشةُ رضي الله عنها في ما شاهدتُه من رسول الله r، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: ثَقُلَ المرضُ بالنَّبِيِّ r فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» فَقُلْنَا لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ r لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ r وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ r وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ " متفق عليه.
عليك سلامُ الله من متيقظٍ ** صبور اذا لم يستطع بشرٌ صبرا
بعد هذا الموقف التشريعي العظيم من هذا الرسول الكريم فلم يترك صلاة الجماعة حتى بذل كل ما يستطيع فكان كلما مشى أغمي عليه ، فلما وجد خفة من مرضه قام للمسجد ، خفة المرض أنه استطاع أن يقوم بين رجلين يتكأ عليهما وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ ..
ولذا بوب البخاري على هذا الحديث فقال "باب حَدُّ المَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ" أي ما هو المرض الذي يترك معه الانسان صلاة الجماعة .
الا ليت هذا الحديث يبلغ رجالاً يتخلفون عن صلاة الجماعة في المسجد من أجل صداعِ أو تكاسلٍ أونومٍ من سهر ..
ألا ليتهم يعلمون بحديث ابن مسعود في صحيح مسلم « وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ»
ألا ليته يبلغهم موقف فاروق الأمةِ عمر بن الخطاب حين طعن واغمي عليه، فلا يعلم الناس أحي هو أم ميت، فجعلوا ينادونه ولا يجيب، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّكُمْ لَنْ تُفْزِعُوهُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِالصَّلَاةِ، فَقالوا: الصلاة الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قالوا: نَعَمْ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لمن تَرَكَ الصَّلَاةَ»، فَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا.
وحدثنا الثقة عن رجل معاصر فاتته صلاة الفجر جماعة فظل يبحث عن مساجد لعله يدركها فلما لم يجد ظل يومه حزينا لايكلم أحدا وجلس في المسجد يومه كله مصليا وذاكرا .. وغيرهم مما لانعرف كثير ..
بهذه الروح وهذه النماذج قام الإسلام وثبت، بهذه الهبة للصلاة اندكت قلاع الوهن في القلوب، وتعلقت بعلام الغيوب ..
بهذه الفزعة للصلاة تحطمت براكين الشهوات في النفوس..
بهذه القوة والحياة تهاوت واندرست كل الأعذار والاوهام في البحث عن عذر يقعد عن الصلاة او يبيح جمعها ..
فزعا للصلاة لا شعورا بأن الله بحاجة لصلواتهم، وإنما يفزعون لها لفقرهم وحاجتهم لربهم وشعورهم بأن الصلاة هي الفلاح والفوز المبين، والنجاة من عذابٍ أليم.
ومن لم تكن الصلاة أكبر همه وأعظم شيء في قلبه فقد مرض قلبه ، ولم يكن من معالم الدين مستمسكا عنده .
ووالله لو رحل الإنسان لشرق البلاد غربها ، وملك كنوز قارون، وهو بغير الصلاة مقيم وعليها محافظ لعاش عيشة ضنكا، ولكان كالبهائم بل أضلُ سعيا ..
أول ما تلاقي به ربك سيسألك عن صلاتك "أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ" أخرجه أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ" أخرجه أهل السنن.
الصلاة أعظم معالم الدين الحنيف، وأعظم شعائره وأنفع ذخائره؛ أعظم أمور الإسلام ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكَدُ مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض، وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة . “رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ” (أخرجه الامام أحمد).
الصلاة طاعة تشرق بالأمل في لجة الظلمات، وتنج المتردّي في دَربِ الضلالات، وتأخذ بيد البائس من قعر بؤسه واليائس من درك يأسه إلى طريق السعادة والنجاة، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ )
الصلاة قرة للعيون ومفزعًا للمحزون؛ كان عليهِ الصلاة وسلّام “إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فزع إلى الصلاة "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِه فِي الصَّلاةِ " وكان ينادي: “يَا بِلالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ".
أكبر وسائل حفظ الأمن والقضاء على الجريمة، وأنجح وسائل التربية على الفضيلة والعفة، إقامة الصلاة (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ "
أفبعد هذا يطيب لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يسمع آيات الله تتلى في المساجد ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ، فاتحاً متجره أثناء إقامة الصلاة ، أو نرى من يرفع عقيرته ويبري قلمه للدفاع عن حطام الدنيا، ويطالب بعدم إغلاق ابواب الأسواق لأجل الصلاة ؟
في صحيح البخاري قالت عائشةُ رضي الله عنها:: كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يكُونُ في مِهْنةِ أهلهِ، ، فإذا حضرَتِ الصلاةُ، خرج إلى الصلاةِ.
قال ابن عباس رضي الله عنه في قول الله تعالى ( رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ) كانوا رجالا يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد فصلوا .
من ظن ان التوقف لأجل الصلاة يعيق التنمية و يجلب الخسائر فقد مرض قلبه ، وخسر نفسه واستعجل العقوبة لمجتمعه .
إنه لا يعيق التنميةَ ولا يجلب للبلدِ الخسائرَ والمثلات ، مثلَ معاملاتِ الربا ، والغشِ في البيعِ والشراءِ ، واستغلالِ حاجةِ الفقراء .
الصلاةِ سبب للرزق والبركةِ والنماء{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ}.
قال حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْخُشُوعُ ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الصَّلَاةُ ، وَلَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً.
أستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إن ربنا لغفور شكور
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين .. ..
المحافظةُ على الصلاةِ عنوانُ صدقِ الإيمان، والتهاون بها خسارةُ وخذلان؛ طريقُها معلومٌ وسبيلُها مرسومٌ، “مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ"
من حافظ على هذه الصلواتِ الخمس “فأَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ؛ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ”.
نفحاتٌ ورَحَماتٌ، وهِباتٌ وبركاتٌ، يقول رسول الهدى r "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ شيء ؟” قَالُوا: لاَ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ شيء، قَالَ: “فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا” (متفق عليه).
هل من تعظيم قدر الصلاة والمحافظة عليها التهاون في الصلاة مع الجماعة أولِ وقتها ، وملاحقة مصليات المتخلفين والكسالى ، ثم نقرها لايذكر الله فيها إلا قليلا
إنَّ من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات؛ التهاون في الصلاة (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)
ولم يثبت عن النبي r أنه ترك الجماعة حتى والحربُ تسقي الأرضَ جاماً أحمرا "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ"
ولما سار النبي r ليلهُ كله في سفرٍ وقرب الفجر لم ينم حتى قال "مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا صَلَاتَنَا؟" أي من يجلس لاينام حتى يوقظنا لصلاة الفجر.
أي قيمة لنا عند ربنا بدون إقامة الصلاة ؟ أي وزن لنا في هذه الحياة إذا تهاونا بأمر الصلاة .
قال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه:"كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الفَجْرِ أَوِ العِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ".
قال الإمام الزهريّ -رحمه الله تعالى-: “دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ فقالَ: لا أَعرفُ شيئاً ممَّا أَدركتُ إلا هذه الصلاةَ، وهذه الصلاةُ قد ضُيِّعتْ،” (أخرجه البخاريُّ).
اللهم أحي قلوبنا بطاعتك واغفر زللنا وإسرافنا في امرنا ، اللهم صل وسلم على عبدك ..
.
المرفقات
1689252354_«أَصَلَّى النَّاسُ؟».pdf
1689253732_«أَصَلَّى النَّاسُ؟».docx