أصلى الناس ؟
أنشر تؤجر
الحَمْدُ للهِ عَمَرَ قُلُوبَ عِبادِهِ بِالإيمَانِ ، وَغَمَرَ صُدُورَهُمْ بِالإحْسَانِ , أَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ بَشَّرَ الذين أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى وَزِيَادَة ، وأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ وَأصحَابِه أُولِي الفَضْلِ والرِّيادَةِ ، وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ وَإيمانٍ إلى يومِ القِيَامَةِ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ وَلا تَعْصُوهُ فَهُوَ القَائِلُ :( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ).
عِبَادَ اللهِ : أمرٌ ذكرهُ اللهُ في كتابهِ العزيزِ أكثرَ من مائةِ مرة ، وهذه دِلالةٌ على عَظَمَتِهِ وبالغِ أهميتِه ، فكم نذْكُرُهُ ونُذكِرُ به في بيوتنا ومجالسنا وعلى منابرنا ؛ وتَظهرُ أهميةُ هذا الأمرِ في الموقفِ الذي سطرته عائشةُ رضي الله عنها في ما شاهدتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : ثَقُلَ المرضُ بالنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ :« أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا : لَا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ :« ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ » فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ :« أَصَلَّى النَّاسُ؟ » قُلْنَا لَا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ :« ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ » فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ :« أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا لَا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ :« ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ » فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : « أَصَلَّى النَّاسُ؟» فَقُلْنَا لَا ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَتْ عائشة رضي الله عنها : وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ " متفق عليه .
إنها الصلاة – يا عباد الله - وبهذه الروح والحرص عليها قام الإسلام وثبت ، وبهذه الهمة للصلاة اندكت قلاع الوهن في القلوب ، وتعلقت بعلام الغيوب .
رجال فزعوا للصلاة لا شعورا بأن الله بحاجة لصلواتهم ، وإنما يفزعون لها لفقرهم وحاجتهم لربهم وشعورهم بأن الصلاة هي الفلاح والفوز المبين ، والنجاة من عذابٍ أليم .
ومن لم تكن الصلاة أكبر همه وأعظم شيء في قلبه فقد مرض قلبه ؛ ووالله لو رحل الإنسان لشرق البلاد وغربها ، وملك كنوز قارون ، وهو بغير الصلاة مقيم وعليها محافظ لعاش عيشة ضنكا ، ولكان كالبهائم بل أضلُ سعيا .
وأعلم أيها الأخ المبارك ، أن أولَ ما تلاقي ربك سيسألك عن صلاتك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ " أخرجه أهل السنن .
فالصلاة آكَدُ مفروضٍ ، وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة ؛ ففي الحديث :" رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ " (أخرجه الامام أحمد).
والصلاةُ طاعةُ تُشرقُ بالأمل في لجة الظلمات ، وتأخذ بيد اليائس والبائس من قعر بؤسه إلى طريق السعادة والنجاة ، كما قال تعالى :( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ).
وهي قرة للعيون ومفزعًا للمحزون ؛ كان عليهِ الصلاة وسلّام :" إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فزع إلى الصلاة " وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِه فِي الصَّلاةِ " وكان ينادي :"يَا بِلالُ ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ ".
أفبعد هذا يطيب لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يسمع آيات الله تتلى في المساجد ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها ، فاتحاً متجره أثناء إقامة الصلاة ، أو يتنقل في جواله بين البرامج أو غير ذلك .
جاء في صحيح البخاري أن عائشةَ رضي الله عنها قالت : كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يكُونُ في مِهْنةِ أهلهِ ، فإذا حضرَتِ الصلاةُ ، خرج إلى الصلاةِ .
وقال ابن عباس رضي الله عنه في قول الله تعالى :( رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ) كانوا رجالا يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون ، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد فصلوا .
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى , أقولُ ما سَمِعتُم واستَغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ من كلِّ ذَنبِّ وخَطِيئَةٍ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ .
الخطبة الثانية :
الحَمدُ للهِ شَرَحَ صُدُورَ الْمُؤمِنِينَ لِطَاعَتِهِ ، وَسَهَّل لَهُم سُبُلَ الخَيرِ وَحُسْنَ عِبَادَتِهِ ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أولوهِيَّتِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيرُ بَرِيَّتِهِ ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ وَلا تَعْصُوهُ ؛ واعلموا أن المحافظةَ على الصلاةِ عنوانُ صدقِ الإيمان ، والتهاون بها خسارةُ وخذلان ؛ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث عن الصلاة :" مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ".
ولما سار النبي صلى الله عليه وسلم ليلهُ كله في سفرٍ وقرب الفجر ، لم ينم حتى قال :" مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْنَا صَلَاتَنَا ؟" أي من يجلس لا ينام حتى يوقظنا لصلاة الفجر.
قال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه :" كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الفَجْرِ أَوِ العِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ ".
وقال الإمام الزهريّ - رحمه الله تعالى- :" دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَبْكِي ، فَقُلْتُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فقالَ : لا أَعرفُ شيئاً ممَّا أَدركتُ إلا هذه الصلاةَ ، وهذه الصلاةُ قد ضُيِّعتْ ". (أخرجه البخاريُّ).
فيا سعادةَ مَن حافظَ على صلاتِه ، وجعلها أوّلَ أولويّاتِه ، وأغلى شيءٍ في حياتِه ، فبها تَنشرحُ الصّدورُ وتتيسّرُ الأمور، وتُرفعُ الدّرجات ، وتُغفرُ السّيئاتُ ؛ ويا خسارةِ تاركِ الصّلاةِ والمتهاونِ في أدائِها ، كم يفوتُه من الخيراتِ ورفعةِ الدّراجاتِ وتكفيرِ الذّنوبِ والسّيئات .
قالَ النبي عليه الصّلاةُ والسّلام :" أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مرّات ، هل يَبقى من دَرَنِه شيء ، قَالُوا : لاَ يَبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيء ، قَالَ : فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الخَطَايَا ".
ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ الله ، تَعَاهَدُوا أَهْلِيكُمْ ومَنْ تَحتَ أيْدِيكُم ؛ بالمُحَافَظَةِ علَى الصَّلوَات ، عَلِّمُوهُمْ أركَانَها وشُرُوطَها وصفتها ، وعظم مكانتها وقدرها !
ثم صلّوا وسلِّموا رحمكم الله : على نبيّكم محمّدٍ رسولِ الله ، فقد أمركم بذلك ربُّكم جل وعلا فقال :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ ، وعلى آله وصحابتِهِ أجمعين ، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداءَ الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلاد المسلمين .
اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلحْ أئمَّتَنَا وولاةَ أمورنا ، وأيِّدْ بالحقِّ والتوفيق إمامَنا ووليَّ أمرنا .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنتَ خيرُ مَن زكَّاها ، أنت وليها ومولاها ؛ اللهم إنا نسألك الهُدى والتُّقى ، والعفَافَ والغِنى .
(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النار).
عِبادَ الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .
المرفقات
1738240743_أصلى الناس ؟.docx