أصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثاً
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدَ عِبَادِ اَللَّهِ :
اِتَّقَوْا اَللَّهَ تَعَالَى , وَاعْلَمُوا أَنَّ كثيراً من الناسِ في زمانِنا هذا اهتم بالرؤى والأحلامِ، وكثرَ السؤالُ عنها، وهي ظاهرةٌ قديمةٌ تحدث القرآنُ الكريمُ عنها في العديدِ من الآياتِ كما في قولِه تعالى: { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } وقولِه تعالى : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } وقال صلى الله عليه وسلم:( إذا اقتربَ الزمانُ لم تكدْ رؤيا المسلمِ تكذبُ وأصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثاً ورؤيا المسلمِ جزءٌ من خمسةٍ وأربعينَ جزءاً من النبوةِ، والرؤيا ثلاثةٌ: بشرى من اللهِ، ورؤيا تحزينٌ من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرءُ به نفسَهُ فإذا رأى أحدُكم ما يكرهُ فليقمْ فليصلِّ ولا يحدّثْ بها الناسِ) .
عبادَ الله : من علاماتِ الرؤيا الصادقةِ:
أولا : أن يكونَ الرائي معروفاً بالصدقِ في كلامِهِ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( أصدقُكم رؤيا أصدقُكم حديثاً )
ثانيا : وأن يعرفَ أولَها وآخرَها، فلا تكون متقطعةً لا ترابطَ بينَها.
ثالثا : وأن تكونَ تبشيراً بالثوابِ على الطاعةِ، أو تحذيراً من المعصيةِ.
رابعا : وأن تكونَ عندَ اقترابِ الزمانِ.
ويحرمُ الكذبُ في الرؤيا، لقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم:( من تحلَّمَ بحُلْمٍ لم يرَهُ كُلِّفَ أن يعقدَ بين شعيرتين ولن يفعلَ ) وفي لفظٍ آخرَ:( إنّ أعظمَ الفريةِ أن يفتريَ الرجلُ على عينيه، يقولُ: رأيتُ ولم يرَ ).
وأما الحلمُ فله آدابٌ أربعةٌ:
أولا : أن يتعوذَ باللهِ من شرِّهِ ومن الشيطانِ.
ثانيا : وأن يتفلَ عن يسارِهِ.
ثالثا : وألا يذكرَهُ لأحدٍ.
رابعا : وأن يتحولَ عن جنبِهِ.
قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأى ما يكرهُ فليتعوذْ باللهِ من شرِّها ومن شرِّ الشيطانِ، وليتفُلْ عن يسارِهِ ثلاثاً ولا يحدثْ بها أحداً فإنها لن تضرَهُ )
وقال صلى الله عليه وسلم:( إذا رأى أحدُكم الرؤيا يكرهُها فليبصقْ عن يسارِهِ ثلاثاً، وليتحولْ عن جنبِهِ الذي كان عليه )
ولا يعبرُ الرؤيا إلا عالمٌ بأحكامِها، ومدلولاتِها، وقد يصيبُ المعبرُ وقد يخطئُ .
وينبغي ألا تُقصَّ الرؤيا إلا على أهلِ العلمِ والفضلِ والدينِ الذين يعرفونَ التأويلَ، ويحسُنُ أن يكونَ الذي يتولى تأويلَها شفيقاً ناصحاً، لأنه إن عرفَ خيراً قالَهُ، وإن جهِله أو شكَّ فيه سكتَ وأرشدَ صاحبَ الرؤيا إلى ما ينفعُهُ في أمورِ دينِهِ ودنياه. قال صلى الله عليه وسلم:( إن الرؤيا تقعُ على ما تعبرُ بهِ، ومثلُ ذلك مثلُ رجلٍ رفعَ رجلَهُ فهو ينتظرُ متى يضعُها، فإذا رأى أحدُكم رؤيا فلا يحدّثْ بها إلا ناصحاً عالماً )
عبادَ الله: لا يعني كونُ الشخصِ يقرأُ الأدعيةَ والأورادَ عدمَ حصولِ الرؤيا له، لكنّ ذلك بإذنِ اللهِ عاصمٌ له من الشيطانِ، وحافظٌ له منه، شريطةَ أن يوقنَ بأثرِ هذه الأورادِ، وأن يزولَ ما ينافيها من حالِ الشخصِ .
والناسُ في الرؤيا على درجاتٍ: ( الأنبياءُ: ورؤياهم وحيٌ وصدقٌ، والصالحون : والأغلبُ على رؤياهم الصدقُ، ومن عداهم : ويقع في رؤياهم الصدقُ والأضغاثُ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدَ عِبَادِ اَللَّهِ :
اِتَّقَوْا اَللَّهُ تَعَالَى , وَاعْلَمُوا أَنَّ كثيراً من الناس قد افتُتِنَ بالرؤى والأحلامِ، وكثُرَ السؤالُ عنها ، وخاصةً في أوساطِ النساءِ ببعضِ المعبرينَ للرؤى، فراحوا يسألونَهم في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ تمَسُّ حياتَهُمُ الشخصيةَ، وهم لا يدرونَ عن حالِ هذا المعبرِ من حيثُ صحةُ معتقدِهِ، وصدقِهِ وكذبِهِ، وعلمِهِ وأمانتِهِ. وهذا فيه خطرٌ شديدٌ على السائلِ، فبعضُ المعبرينَ يستغلونَ سذاجةَ وجهلَ الرائي فيتلاعبونَ بهِ تلاعبَ الصبيانِ بالكرةِ، ويُعلّقونَ قلبَهُ بغيرِ اللهِ، ويستغلونَ أسرارَ البعضِ وخاصةً النساءُ في الإيقاعِ بهم والتحايلِ عليهم وابتزازِهم لأن هذا المعبرَ أو ذاك صاحبُ شبهةٍ أو شهوةٍ.
فلينتبهْ كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ لهذا الأمرِ، ولْيعلموا أن كلَّ شيءٍ في هذا الكونِ لا يكونُ إلا بمرادِ اللهِ وقضائِهِ وقدرِهِ.
ولا يجوزُ لكلِّ شخصٍ أن يعبرَ الرؤى بمجردِ النظرِ في كتبِ تفسيرِ الرؤيا، كما يقعُ الآنَ من بعضِ المعبرين، لأنها تختلفُ باختلافِ الأشخاصِ، والأحوالِ، والأزمانِ، وأوصافِ الرائينِ.
أسأل اللهَ تعالى أن يبصِّرَنا بأمورِ دينِنا ودنيانا، وأن يعلمَنا ما ينفعُنا، وأن ينفعَنا بما علمَنا، وأن يهديَنا وإياكم سواءَ السبيل
اَللَّهُمَّ عِلْمنَا مَا يَنْفَعُنَا وَأَنْفَعنَا بِمَا عَلَّمَتْنَا وَزِدْنَا عِلْمًا وَفْقَهَا فِي دِينكْ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ،
اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ وَآلِه الطيبين الطاهرين .
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَدِمْ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي بِلَادِنَا وَبِلَادِ الْـمُسْلِمِيْنَ، وَاصْرِفْ عَنَّا وَعَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ وَبَلَاءٍ، وَاكْفِنَا وَإِيَّاهُمْ سَائِرَ الْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ .
اَللَّهُمَّ بَلَغَنَا رَمَضَانْ ، اَللَّهُمَّ وَفَّقَنَا لِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي يُرْضِيكَ عَنَّا يَا أَرْحَم اَلرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْا وَأَعِنْهُمْا ، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ يارب العالمين
رَبِّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ .
عِبَادُ اَللَّهِ : اُذْكُرُوا اَللَّهَ يَذْكُرُكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلِذِكْرَ اَللَّهِ أَكْبَرَ وَاَللَّهِ يَعْلَمُ مَا تَص