أصحابُ النَّارِ

عنان عنان
1436/02/23 - 2014/12/15 14:23PM
( الخُطبةُ الاولى )

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ،ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ اللهُ فهوَ المهتدِ، ومَنْ يضللْ فلنْ تجدَ له ولياً مُرشِداً، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ..........

عِبادَ اللهِ: لقدْ كانتْ مِنْ سنتهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، تعاهدَ أصحابهِ بالموعظةِ، وضبطِ أحوالِهم في الاخرةِ، ففي الصحيحينِ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( اشتكتِ النَّارُ إلى ربِّها فقالتْ: يا ربِّ أكلَ بعضي بعضاً، فأذِنَ لها بِنفسينِ، نفسٍ في الشتاءِ ونفسٍ في الصيفِ، فَهُوَ أشدُّ ما تَجدونَ مِنَ الحرِّ، وأشدُّ ما تَجدونَ مِنَ الزمهريرِ.)) وفي الصحيحينِ أيضاً، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( إذا اشتدَّ الحَرُّ، فأبردوا بالصلاةِ، فإنَّ شدةَ الحرِّ مِنْ فَيْحِ جهنَّمَ. ))

أيُها المسلمونَ: مَصيرٌ أرقَّ عيونَ الصالحينَ، ومُنقلبٌ أوجفَ قلوبَ المتقينَ، ونهايةٌ أظمأ تأوقِّها نهارَ العابدينَ، وأطالَ قيامَ المتهجدينَ، وحُزنٌ أدامَ في قلوبِ الخاشعينَ، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: (( تتجافى جُنُوبُهُم عَنِ المضاجعِ يدعونَ ربَّهم خوفاً وطَمَعَاً ومما رزقناهم يُنفقونَ. )) إنَّها النَّارُ أيُها المسلمونَ، النَّارُ خَلقٌ عظيمٌ مِنْ خلقِ اللهِ، هيَ الدَّارُ التي أعدَّها اللهُ للكافرينَ، هيَ مأوى الظالمينَ، وسِجنُ الكافرينَ، وعُقوبةُ العُصاةِ المخالفينَ، وهيَ الخِزيُ الاكبرُ، والخُسرانُ المبينُ، هيَ الشَّرُّ الذي لا خيرَ فيهِ، والمَورِدُ الذي لا بُدَّ منهُ، قديمةُ النشأةِ، واتقوا النَّارَ التي أُعِدتْ للكافرينَ، فهيَ مُعدِةٌ ومَخلوقةٌ، ولقدْ رآها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كما في الحديثِ المُخرجِ في الصحيحينِ في صلاةِ الكُسوفِ،

أيُها المسلمونَ: الحديثُ عَنِ النَّارِ، حديثُ صِدقٍ وحقٍّ، فيها جِبالٌ وأوديةٌ وأنهارٌ وشِعابٌ، فيها دركاتٌ ومنازلٌ، وهيَ سوداءُ مظلمةٌ، شعثاءُ موحشةٌ، دهماءُ مُحرقةٌ، لها صوتٌ يُسمعُ مِنْ بعيدٍ، تَشهقُ وتَزفِرُ، تمورُ موراءَ، (( تَرمي بشررٍ كالقصرِ كأنَّهُ جِمالاتٌ صُفرٌ ويلٌ يومئذٍ للمكذبينَ ))، الحُزنُ فيها دائمٌ وطويلٌ، وللنَاسِ فيها صياحٌ وضوضاءُ وعويلٌ، قلوبُ أهلِها مُلئتْ قُنوطاً ويئيساً،
ولا تزيدُهم الايامُ فيها إلَّا شِدةً وبُوساً، فيها مِنَ العذابِ والالامِ، تَعجِزُ عَنْ وصفهِ الالسنُ والاقلامُ، وفيها مِنَ الاهوالِ والاحزانِ، ما تتقاصرُ دونَه الاذهانُ، قالَ اللهُ ربُّ الاكوانِ: (( إنَّها ساءتْ مُستقراً ومُقاماُ ))، خَوَّفَ اللهُ بها ملائكتَهُ المقربينَ، قالَ اللهُ تعالى: (( وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ))
وقالَ لرسولِه الكريمِ: (( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ))
وخَوفَ الرسولُ صحابتَهُ وأُمتَهُ، فأنذرهم النَّارَ، فعنِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يخطُبُ فقالَ:(( أنذرتُكم النَّارَ، أنذرتُكم النَّارَ، أنذرتُكم النَّارَ، فما يزالُ يقولُها حتى لوْ كانَ في مقامي هذا لَسَمِعَهُ أهلُ السوقِ، حتى سقطتْ خميصةٌ كانتْ عليهِ عندَ رجليهِ. رواهُ الدارميُّ واللفظُ لهُ وأحمدٌ والحاكمُ وهو صحيحٌ". )) وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لا تنسوا العظيمتينِ، الجنَّةُ والنَّارُ. رواهُ ابو يعلى". ))، وعَنْ أبي ذرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( إنَّي أرى ما لا تَرونَ، وأسمعُ ما لا تَسمعونَ، أطَّتِ السماءُ وَحُقَّ لها أنْ تَئطَ، والذي نفسي بيدهِ، ما فيها موضعُ أربعةِ أصابعَ إلَّا وملكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجداً للهِ، واللهِ لو تعلمونَ ما أعلمُ، لَضحكتم قليلاً ولَبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنَّساءِ على الفُرُشاتِـ ولَخرجتم إلى الصُّعُداتِ تجأرونَ إلى اللهِ تعالى. قالَ أبو ذرٍ: يا ليتني كنتُ شجرةً تُعضدُ. أي ( تنشأُ وتُستأصلُ وهذا مِنْ كمالِ خوفِهِ لربِّهِ عزَّ وجلَّ ). رواه احمد وابنُ ماجة". ))، فهلْ بعدُ هذا يأمنُ بقيةُ العالمينَ؟ بلِ المقصرينَ؟
قالَ الحسنُّ البصريُّ رحمهُ اللهُ: (( واللهِ ما صدَّقَ عبدٌ بالنَّارِ، إلَّا وضاقتْ عليهِ الارضُ بما رَحُبَتْ، وإنَّ المُنافقَ لو كانتْ النَّارُ خلفَ ظهرِهِ، ما صدَّقَ بِها حتى يتجَّهم في دَرَكِها، واللهِ ما أُنذرَ العبادُ بإدهى منها. )) قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: (( فأنذرتُكم ناراً تلظَّى- لا يصلاها إلَّا الاشقى- الذي كذَّب وتولَّى. )) وقالَ جلَّ وعلا: (( وإنْ منكم إلَّا واردُها كانَ على ربِّكَ حتماً مقضياً. )) فأينَ الخوفُ مِنْ ذلك المورِدِ؟ إنَّ مَنْ خافَ أدلجَ، ومَنْ أدلجَ بلغَ المنزلَ، وواللهِ ما نجا إلَّا المؤمنونَ، قالَ اللهُ الهاديُ إلى الصراطِ المستقيمِ: (( قالوا إنَّا كنَّا قبلُ في أهلِنا مُشفقينَ- فَمنَّ اللهُ علينا ووقانا عذابَ السَمومِ- إنَّا كُنَّا مِنْ قبلُ ندعوهُ إنَّه هُوَ البَرُّ الرحيمُ. )) ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( يُوتى يجهنَّمَ يومئذٍ لها سبعونَ الفَ زِمامٍ، مَعَ كُلِّ زمامٍ سبعونَ الفَ ملكٍ يجرونها. رواهُ مسلمٌ". )) لها صوتٌ رهيبٌ، وتَحطمٌ ووجيبٌ، قالَ ربُّنا الرقيبُ: (( إذا رأتَهم مِنْ مكانٍ بعيدٍ سَمِعوا لها تَغيُظاً وزَفيراً )) وعنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( نارُكم هذهِ التي يوقدُ ابنُ ادمَ، جزءٌ مِنْ سبعينَ جُزءاً مِنْ حرِّ جهنَّمَ، قالوا: واللهِ إنْ كانتْ لَكافيةٌ- يعني نارَ الدنيا- قالَ: فإنَّها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ وستينَ جُزءاً، كُلٌّ مثلُ حَرِّها. رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ". )) (( هذهِ جهنَّمُ التي يُكذِّبُ بها المجرمونَ )) قالَ عمرُو بنُ العاصِ رضيَ اللهُ عنهُ: (( لوْ علمَ أحدُكم حقيقةَ جهنمَ، لَصَرِخَ حتى ينقطعَ صوتُهُ، ولَصلَّى حتى ينكسرَ صُلبُهُ". ))

عِبادَ اللهِ: مَنْ هُمْ أصحابُ النَّارِ؟

الكُفارُ والمنافقونَ، قالَ سبحانه: (( وعدَ اللهُ المنافقينَ والمنافقاتِ والكفارَ نارَ جهنمَ خالدينَ فيها هيَ حسبهم ولعنهمُ اللهُ ولهم عذابٌ مُقيمٌ )).

- التاركونَ لصلاةِ، وهم في أدنى دركاتِ النَّار، وهيَ سقرٌ وما أدراك ما سقرُ، لا تُبقي ولا تَذرُ، لواحةٌ لليشرِ، عليها تسعةَ عشرٍ، فويلٌ لهم مِنْ غضبِ الجبارِ عليهم، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: (( ما سلككم في سَقَرٍ- قالوا لم نكُ مِنَ المصلينَ- ولمْ نكُ نُطعمُ المسكينَ- وكنَّا نخوضُ معَ الخائضينَ- حتى أتانا اليقينُ- فما تنفهم شفاعةُ الشافعينَ. )).

- أهلُ الزنا موعودنَ بالنَّارِ، قالَ سبحانهُ: (( والذين لا يدعونَ معِ اللهِ إلهاً آخرَ ولا يقتلونَ النفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلَّا بالحقِّ ولا يزنونَ ومَنْ يفعلْ ذلكَ يلقى أثاماً- يُضاعفْ لهُ العذابُ يومَ القيامةِ ويَخلُدْ فيهِ مُهاناً. ))
وُرويَ في الزَبورِ (( أنَّ الزُناةَ يُعلقونَ بفروجِهم في النَّارِ، فإذا استغاث أحدُهم مِنَ الضربِ، نادتهُ الملائكةُ، وقالتْ له: أينَ كانَ هذا الصوتُ وأنتَ تضحكُ وتفرحُ ولا تُراقبُ اللهَ عزَّ وجلَّ. )).

- الذينَ يقتلونَ النَّفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلَّا بالحقِّ، ويَزهقونَ الارواحَ، ويُذبحونَ النَّاسَ، فهم موعودن في النَّارِ
قالَ سبحانهُ: (( ومَنْ يقتلْ مؤمناً مُتعمداً فجزاوهُ جهنَّمُ خالداً فيها وغَضِبَ اللهُ عليهِ ولعنَهُ وأعدَّ له عذاباً عظيماً. )).

- الذين يأكلونَ أموالَ النَّاسِ بالباطلِ، وهم أهلُ الربا، والذينَ يلعبونَ بالقمارِ، والذين يغشونَ ويَنصبُونَ على النَّاسِ، وكلُّهم موعودن بالنَّارِ قالَ سبحانه: (( يايها الذينَ امنوا لا تأكلوا أموالَكم بينكم بالباطلِ إلَّا أنْ تكونَ تِجارةً عَنْ تراضٍ منكم- ولا تقتلوا أنفسَكم إنَّ اللهَ كانَ بكم رحيماً- ومَنْ يفعلْ ذلكَ عُدواناً وظُلماً فسوفَ نُصليهِ ناراً وكانَ ذلكَ على اللهِ يسيراً. )).

- الذينَ يأكلونَ أموالَ اليتامى، موعودنَ بالنَّارِ، قالَ تعالى: (( إنَّ الذينَ يأكلونَ أموالَ اليتامى ظُلماً إنَّما يأكلونَ في بطونِهم ناراً وسيصلونَ سعيراً. )).

- المتكبرونَ موعودنَ بالنَّارِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: الكبرياءُ ردائي، والعظمةُ إزاري، فَمَنْ نازعني واحداً منهما قَذَفتُهُ في جهنَّمَ. رواهُ مسلمٌ وغيرهُ". )).

- المراءونَ، وهم أولُ مَنْ تُسعَّرُ بهم النَّارُ يومَ القيامةِ، كما جاءَ في الحديثِ الصحيحِ، وقلْ للذين يطلقونَ السنتَهم وأقلامَهم بلا وزنٍ ولا حسابٍ، يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( وهلْ يَكُبُّ النَّاسُ في النَّارِ على وجوهِهم، إلَّا حصائدُ السنتِهم )).

- قاطعُ الرحمِ، والعاقُ لوالديهِ، والديوثُ، ومدمنُ الخمرِ، كلُّهم موعودنَ بالنَّارِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحمٍ )) وقالَ: (( لا يدخلُ الجنةَ عاقٌ )) وقالَ: (( لا يدخلُ الجنةَ مدمنُ خمرٍ )) وقالَ: (( لا يدخلُ الجنةَ ديوث ))
والديوثُ هو الذي يقِرُّ الخُبثَ في أهلهِ، أي الذي لا يغارُ على أهلهِ، والذي يسمحُ لِزوجتهِ أوْ إبنتهِ تخرجُ كاسيةً عاريةً فهوَ ديوثٌ.

- نساءٌ كاسياتُ عارياتٌ، موعوداتٌ بالنَّارِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ (( صنفانِ مِنْ أُمتي لمْ أرى مثلَهُماـ وذكرَ منهنَّ نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ، رؤوسُهُنَّ كأسنمةِ البُختِ المائلةِ، لا يَدخُلنَ الجنةَ ولا يجدنَ ريحها، وإنَّ ريحَها لَيوجدُ مِنْ مسيرةِ كذا وكذا. رواهُ مسلمٌ". )).

- والنامصاتُ والمتنمصاتُ، والواشماتُ والمتوشماتُ، والمتفلجاتُ والواصلاتُ والمستوصلاتُ والنائحاتُ ، كلُّهنَ موعوداتٌ في النَّارِ إنْ لمْ يَتبنَ إلى اللهِ، والنَّساءُ أكثرُ أهلِ النَّارِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( يا معشرَ النساءِ تصدقنَ وأكثرنَ الاستغفارَ، فإنَّي رأيتُكنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ، فقالتْ إمراةٌ وما لنا أكثرَ أهلِ النَّارِ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: تُكثِرنَ اللعنَ وتُكفِرنَ العشيرَ. والعشيرُ هو الزوجُ." رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ. )).

اعلموا عِبادَ اللهِ، إنَّ أهلَ النَّارِ أكثرَ مِنْ أهلِ الجنةِ، كما قالَ ربُّنا تباركَ وتعالى: (( لأملانَّ جهنَّمَ مِنَ الجنةِ والنَّاسِ أجمعينَ ))
وقالَ: (( ولقدْ ذرأنا لِجهنَّمَ كثيراً مِنَ الجنِّ والانسِ )).

نفعني اللهُ وإياكم بهدي كتابِهِ، وأجارنا مِنْ خِزي عذابِهِ، أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هوَ التوابُ الرحيمُ".

( الخُطبةُ الثانيةُ )

أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ: هذهِ بعضُ صورِ العذابِ، والذينَ يدخلونَ النَّارَ، فهلْ تُساوي شهوةَ ساعةٍ مِنَ الدنيا؟
عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( يُوتى بأنعمِ أهلِ الدنيا يومَ القيامةِ، فيُصبغُ صبغةً واحدةً في النَّار، فيُقالُ له: يا بنَ أدمَ هلْ رأيتَ خيراً قطُّ؟ هلْ مرَّ بكَ نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا واللهِ يا ربِّ". رواهُ مسلمٌ. ))
غمسةٌ واحدةٌ في النَّارِ، ينسى العبدُ كُلَّ نعيمِ الدنيا ومتاعَها ولذائذَها وشهواتِها، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: (( يُبصرونهم يودُّ المجرمُ لوْ يفتدي مِنْ عذابِ يومئذٍ ببنيهِ- وصاحبتيه وأخيهِ- وفصليتهِ التي تئويهِ- ومَنْ في الارضِ ثُمَّ ينجيهِ- كلا إنَّها لظى- نزاعةً للشوى- تدعو مَنْ أدبرَ وتولَّى. )).

عِبادَ اللهِ: وإذا طالَ البلاءُ على أهلِ النَّارِ، وبلغَ منهمُ العذابُ كُلَّ مبلغٍ، وكَثُرتْ حسراتُهم وندماتُهم، طلبوا الخروجَ والمثابَ،
قالَ اللهُ عنهم: (( وهم يصطرخونَ فيها ربَّنا أخرجنا نعملْ صالحاً غيرَ الذي كنَّا نعملْ )). ويعترفونَ بذنوبِهم (( قالوا ربَّنا غلبتْ علينا شِقوتُنا وكنَّا قوماً ضالينَ- ربَّنا أخرجنا منها فإنْ عُدنا فإنَّا ظالمونَ )). فيُجابونَ بعدَ زمانٍ، (( اخسؤوا فيها ولا تُكلمونَ )).
ثم يطلبونَ مِنْ خازنِ النَّارِ لِيشفعَ لهم عندَ اللهِ، ولِيُميِتَهم حتى يتخلصونَ مِنَ العذابِ، (( ونادوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربُّكَ قالَ إنَّكم ماكثون )). ومالكٌ هوَ خازنُ النَّارِ، ولغةُ أهلِ النَّار محجوبةٌ عَنْ هذا الملكِ، حتى لا يدخُلُ على قلبهِ الرحمةُ بِهم،
وهلْ تعلمونَ لماذا لا ينظرُ اللهُ إلى أهلِ النَّار؟ قالَ ابو عِمرانَ الجُوني رحمَهُ اللهُ: (( لمْ ينظرِ اللهُ إلى أحدٍ قطُّ، إلَّا رحمَهُ ولوْ نظرَ إلى أهلِ النَّار لَرحِمَهم، ولكنَّهُ قضى أنَّهُ لا ينظرُ إليهم. )) قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( ثُمَّ يُوتى بالموتِ، على صورةِ كبشٍ فيُذبحُ على صورٍ بين الجنَّةِ والنَّارِ، فيُقالَ يا أهلَ الجنةِ خلودٌ بلا موتٍ، ويا أهلَ النَّارِ خلودٌ بلا موتٍ. رواهُ البخاريُّ )). هنالكَ يشتدُّ نحيبُ أهلِ النَّارِـ ويعظُمُ حزنُهُم، فيبكونَ حتى تنقطعَ دموعُهم، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( إنَّ أهلَ النارِ ليبكونَ، حتى لوْ أُجرِيَتْ السفنُ في دموعِهم لَجرتْ، وإنَّهم ليبكونَ الدَّمَ- يعني مكانَ الدمعِ-". رواهُ الحاكمُ )) ولن ينفعَهم النَّدمُ.

يا عبد الله، يا من تعدى الحدودَ، وغابَ عنِ الصوابِ: بادرْ بالمتابِ واغسلْ دنسَ الذنوبِ، وأنقذْ نفسَكَ مِنَ النَّارِ؛ عَنْ عُديٍ بن حاتمٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( ما منكم مِنْ أحدٍ إلا سيكلمُهُ ربُّهُ ليسَ بينهُ وبينهُ ترجمانٌ، فينظرُ أيمنَ منهُ فلا يرى إلا ما قدَّمَ مِنْ عملِهِ، وينظرُ أشأمَ منهُ فلا يرى إلا ما قدَّمَ، وينظرُ بينَ يديهِ فلا يرى إلا النَّارَ تلقاءَ وجههِ، فاتقوا النَّارَ ولو بشق تمرةٍ ولوْ بكلمةٍ طيبةٍ". أخرجهُ البخاريُّ. )).

أيها المسلمونَ: أنقذوا أنفسَكم وأزواجَكم وأولادَكم ومِنْ تحتِ ولايتِكم مِنَ النَّارِ، واعلموا أنَّ إضاعةَ الصلواتِ والتشبهَ بالكافرين والكافراتِ، والفاجرينَ والفاجراتِ، والنظرَ إلى المحرماتِ، والتبرجَ والسفورَ، وشربَ الخمورِ، كُلُّها مِنْ عملِ أهلِ النَّارِ، وكُلُّ معصية للهِ ورسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فهيَ مِنْ عملِ أهلِ النَّارِ، فاتقوا النَّارَ: ((وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)).

أيها المسلمونَ: كلامُ اللهِ الحقُّ، (( فَمنْ زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وأُدخِلَ الجنَّةَ فقدْ فازَ ))، والايمانُ والعملُ الصالحُ، هوَ واللهِ طريقُ الفوزِ والفلاحِ، ووعدُ اللهِ ووعدُ رسولِهِ صِدقٌ، (( فلنْ يلجَ النَّارَ رجلٌ بكى مِنْ خشيةِ اللهِ، حتى يعودَ اللبنُ في الضِّرعِ، وعينانِ لا تمسُهُما النَّارُ، عينٌ بكتْ مِنْ خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتتْ تحرُسُ في سبيلِ اللهِ ))، والتقوى منزلةٌ عظيمةٌ، قالَ اللهُ سبحانهُ: (( ولِمنْ خافَ مقامَ ربِّهِ جنتانِ ))، والدُّعاءُ والاستعاذةُ باللهِ، بابٌ عظيمٌ للنجاةِ، عَنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( ما سألَ أحدٌ اللهَ الجنةَ ثلاثاً، إلَّا قالتْ الجنَّةُ: اللهمَّ أدخلْهُ الجنَّةَ، وما استجارَ مُسلمٌ مِنَ اللهِ مِنَ النَّارِ ثلاثاً، إلَّا قالتْ النَّارُ: اللهمَّ اجرهُ مِنَ النَّارِ". رواهُ أحمدٌ وغيرُهُ وَهُوَ صحيحٌ. )).

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ".
المشاهدات 2374 | التعليقات 0