أشواق بين حبيبين

شايع بن محمد الغبيشي
1445/12/29 - 2024/07/05 00:50AM

أشواق بين حبيبين

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))
عباد الله حديثنا اليوم إلى القلوب التي ترفرف بالحب، فللحب لغته الخاصة، وللصبابة حديث لا يفهمه إلا المحبون، لكنها أشواق تقرب الأزمنة مهما بعدت، هل سمعتم عن حب يعبر القرون؟ هل سمعتم عن محب أحب أناس وتعلق قلبه بهم واشتاق للقياهم رغم أنه لم يرهم؟ أي حب هذا، سأترككم مع المحب يخرج بعض مكنون صدره، يتحدث ورفاقه يحيطون به، رفاقه الذي أحبوه حباً لم يسمع التاريخ بمثله، ومع ذلك أخرج كلمات مصحوبة بزفرة المحب المشتاق حتى استغربوا منه ذلك، فماذا قال؟ قال: «وددت أنا قد رأينا إخواننا» قالوا: أولسنا إخوانك؟ يا رسول الله، قالوها باستغراب كيف لا وقد تمكن حبك من قلوبنا، فأجابهم عليه الصلاة والسلام إجابة عجيبة: «أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، يا الله لمن هذه الأشواق؟! لمن هذا الحب؟! ما أعظمها من عبارة «وددت أنا قد رأينا إخواننا» فمن إخوان رسول الله الذين يهتف قلبه بهم ويتمنى أن يراهم بين ذلك فيقول «ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني» رواه أحمد يا رب اجعلنا من إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دعونا عباد الله ننتقل من هذه الأشواق النبوية نطوي السنين والأعوام لنميط اللثام عن أروع قصص الحب، عن حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نختار بعضها وإن كان الاختيار صعب وأي صعب وصدق الأول:

وَأَبْرَحُ مَا يَكُونُ الشَّوْقُ يَوْمًا ** إِذَا دَنَتِ الْخِيَامُ مِنَ الْخِيَامِ

عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي و إنك لأحب إلي من ولدي و إني لأكون في البيت فأذكرك فما اصبر حتى أتي فأنظر إليك و إذا ذكرت موتي و موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين و أني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه و سلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلم بهذه الآية : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69) رواه الطبراني وصححه الألباني . أي حب هذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصبر حتى يراه وينظر إليه اللهم ارزقنا حب رسولك يا حي يا قيوم.

وهاكم قصة أخرى فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحد، فلما نُعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت: أرنيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل. أي سهلة هينة.رواه الطبري في تاريخه بسنده حسن

فهل سمعتم بحب كهذا الحب، تذل عن ابيها وأخيها وزوجها وتفتش عن حبيب القلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعبر بقلبها قبل لسانها كل مصيبة بعد جلل أي سهلة هينة مدمت حياً يا قرة العين وثمرة الفؤاد، اللهم ارزقنا حب رسولك يا حي يا قيوم.

والقصة الثالثة يرويها ابن اسحاق في السيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني علي ابن النجار وهو مستنتل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فاقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال استقد قال فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير ) رواه ابن اسحاق والطبراني وحسنه الألباني

هذا بعض قصص حب الصحابة لرسول الله وغيرها كثير، ولكن الأعجب من ذلك الحوار الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي عبيدة رضي الله عنه، فماذا دار بينها؟ في الخطبة الثانية نستمع للحوار العجيب الغريب.

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد:
عباد الله يا من أمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، يا من تنبض قلوبهم بمحبته يا من تتأسون بسنته خذوا هذا البشارة  قال أبو جمعة رضي الله عنه: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا، أسلمنا معك، وجاهدنا معك؟ قال: «نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني» رواه أحمد وصححه الألباني.

وهاكم عباد الله خبر عجيب جدُ عجيب، يا من تؤمن برسول الله، الرسول يشتاق إليك فيقول: " وددت أني لقيت إخواني " النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليك بين صحابته، فما مقدار حبك له وشوقك إليه، وحبك لسنته وهديه والتأسي والاقتداء به اسمع إليه يحدث عمن يحبه على الحقيقة يا رب يا رب يا رب اجعلنا منهم بمنك وكرمك، اسمع إليه صلى الله عليه وسلم يقول: «من أشد أمتي لي حباً، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله» رواه مسلم. اللهم اجعلنا منهم يا حي يا قيوم

عباد الله علينا أن نقبل على هدي النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نتعرف على سيرته علينا أن نحرك قلوبنا بالشوق إليه والمحبة له  :

لأنت النور طاف بكل أرض   قلوب الخلق تقبسُ من سناك
فـداك قرابتي وجـميع أهلي   وأبـذل مهجتي دومـاً فـداك
تدوم سعادتي ونعيم روحي    إذا بذلت حياتي في رضاك
حبيب القلب عذراً لا تلمني     فحبي لا يحلق في سماك
ذنوبي أقعدتني عن علو     وأطمح أن أُقرّب من علاك
لعل محبتي تسمو بروحي    فتجبر ما تصدع من هواك

اللهم ارزقنا حب محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعله أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا بمنّك وكرمك، اللهم اجعلنا ممن يرد حوضه ويشرب منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً.

المرفقات

1720129814_أشواق بين حبيبين.pdf

1720129818_أشواق بين حبيبين.docx

المشاهدات 230 | التعليقات 0