أشهر الحج والأشهر الحرم

صالح العويد
1437/11/02 - 2016/08/05 04:54AM
خطبة مجمعة

الحمد لله جعل بيتَه الحرامَ مثابةً للناس وأمنًا، هدانا لأقوم السُّبُل وشرعَ لنا أفضلَ الشرائِعَ فضلاً منه ومنًّا، أحمده تعالى وأشكرُه، وأُثنِي عليه وأستغفرُه، حرَّم الحُرُمات أنفسًا وأشهرًا وبقاعًا، وتابعَ مواسمَ الخيرات علينا تِباعًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه علَّم أمَّتَه العبادات وأوضحَ لهم المناسِك، ودلَّهم على طُرق الخير وأبانَ لهم المسالِك، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: الليالي في سيرهن مسرعات، والأيام في انقضائهن ذاهبات، والأعمار في سيرهن منتهيات، وإلى الله المصير. فجدوا -رحمكم الله-، فأمامنا يوم ثقيل تذهل فيه المرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد. فاتقوا الله تعالى حقَّ تقواه، وسارِعوا إلى مرضاته واستعِدُّوا ليوم لِقاه؛ فإن اليومَ عملٌ ومُهلة، وغدًا حسابٌ وجزاء، وسيلقَى كلُ عاملٍ ما عمِلَ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) ...
أيها الأحبة: من نعم الله –عز وجل- ومنته وكرمه ما يفتح الله –عزّ وجل- على عباده من مواسم الخيرات، تلك الأيام المباركات التي يمن الله بها -جل وعلا- على عباده، فما أن انقضى شهر رمضان في الليلة التي انقضى فيها إلا وبدأ موسم كريم وهو موسم حج بيت الله الحرام. يُقَالُ هَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَنَحنُ في وَسَطِ أَشهُرِه العَظِيمَةِ جَعَلَهَا اللهُ – تَعَالى - مَوَاقِيتَ لِلحَجِّ حِينَ أَوجَبَهُ فَقَالَ : " الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ وهذه الأشهر تبدأ من أول شهر شوال، فهي أشهر الحج أشهر مباركات فيها فرائض من فرائض الله، وركن من أركان الدين، "أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ الحَجَّ هُوَ خَامِسُ أَركَانِ الدِّينِ العَظِيمَةِ ، أَوجَبَهُ اللهُ – تَعَالى - عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا فَقَالَ : " وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنِ العَالَمِينَ "وَقَالَ - تَعَالى - آمِرًا نَبِيَّهُ إِبرَاهِيمَ الخَلِيلَ – عَلَيهِ السَّلامُ - أَن يُؤَذِّنَ بِذَلِكَ : " وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم "وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : بُنِيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَومِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ البَيتِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .وَرَوَى مُسلِمٌ وَغَيرُهُ عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، قَد فَرَضَ اللهُ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا "هَكَذَا جَاءَتِ الأَخبَارُ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ آمِرَةً بِالحَجِّ مُوجِبَةً لَهُ عَلَى مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً ، وَلَقَد تَهَيَّأَ الحَجُّ في هَذِهِ الأَزمِنَةِ لِكَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِينَ وَخَاصَّةً في هَذِهِ البِلادِ ، وَتَيَسَّرَت لَهُمُ السُّبُلُ وَزَالَت عَنهُمُ العَوَائِقُ وَانتَفَتِ المَوَانِعُ ، مِمَّا يُوجِبُ عَلَيهِمُ المُبَادَرَةَ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ اللهِ عَلَيهِم ، وَيَجعَلُهُم آثِمِينَ بِتَأخِيرِهَا أَوِ التَّرَاخِي في أَدَائِهَا ، مُتَعَرِّضِينَ لأَن يَكفُرُوا بِاللهِ القَائِلِ – سُبحَانَهُ - : " وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنِ العَالَمِينَ " وَمَعَ هَذَا تَمُرُّ السَّنَوَاتُ تِلوَ السَّنَوَاتِ ، وَتَبيَضُّ عَوَارِضُ كَثِيرِينَ وَتَشتَعِلُ رُؤُوسُهُم شَيبًا ، وَهُم لم يُفَكِّرُوا في الحَجِّ ولم يَهموا لأَدَائِهِ ، يَظَلُّونَ يَتَبَاطَؤُونَ وَيَتَكَاسَلُونَ وَيَتَشَاغَلُونَ ، وَتَضعُفُ أَجسَادُهُم وَتَذهُبُ قُوَاهُم ، وَتَتَغَيَّرُ عَلَيهِمُ الأَحوَاُل وَتَتَقَلَّبُ بِهِمُ الأَزمِنَةُ ، وَقَد لا يُحِسُّ أَحَدُهُم بِعِظَمِ ذَنبِهِ وَهَولِ مُصِيبَتِهِ ، في حِينِ تَتَقَطَّعُ قُلُوبُ مُسلِمِينَ في دِيَارٍ بَعِيدَةٍ حَسَرَاتٍ ، وَتَنَهَلُّ أَعيُنُهُم بِأَحَرِّ العَبَرَاتِ " حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَدِ اهتَمَّ نَبِيُّكُم – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِالحَجِّ اهتِمَامًا عَظِيمًا ، وَحَثَّ عَلَيهِ حَثًّا كَرِيمًا ، وَمِن ثَمَّ نَرَاهُ قَد نَدَبَ إِلى تَعجِيلِهِ ، وَجَعَلَهُ مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ وَأَحَبِّهَا إِلى اللهِ ، بَل عَدَّهُ جِهَادًا في سَبِيلِ اللهِ ، وَأَخبَرَ أَنَّ الحُجَّاجُ ضُيُوفٌ لِرَبِّهِم ، وَأَنَّهُ بِحَجِّهِم تُكَفَّرُ خَطَايَاهُم وَتُغفَرُ ذُنُوبُهُم ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ ، فَإِنَّهُ قَد يَمرَضُ المَرِيضُ ، وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ ، وَتَعرِضُ الحَاجَةُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .وَعِندَ أَحمَدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " تَعَجَّلُوا إِلى الحَجِّ ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَا يَعرِضُ لَهُ "وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ : أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ " قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : " حَجٌّ مَبرُورٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .وَعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، نُرَى الجِهَادَ أَفضَلَ الأَعمَالِ ، أَفَلا نُجَاهِدُ ؟! فَقَالَ : " لَكُنَّ أَفضَلُ الجِهَادِ حَجٌّ مَبرُورٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ .وَعَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنِّي جَبَانٌ وَإِنِّي ضَعِيفٌ ، فَقَالَ : " هَلُمَّ إِلى جِهَادٍ لا شَوكَةَ فِيهِ الحَجُّ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " الحُجَّاجُ وَالعُمَّارُ وَفدُ اللهِ ، إِنْ دَعَوهُ أَجَابَهُم ، وَإِنِ استَغفَرُوهُ غَفَرَ لَهُم " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا ، وَالحَجُّ المَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : قَالَ " مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ "إِنَّهُ لَعَجَبٌ أَن يَكُونَ في الحَجِّ كُلُّ هَذَا التَّرغِيبِ وَالحَثِّ ، ثم يَرغَبُ عَنهُ أَقوَاٌم مِمَّن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِالصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ وَالأَمنِ وَوَفرَةِ الأَموَالِ ، وَيَنصَرِفُونَ إِلى رَحَلاتٍ وَأَسفَارٍ إِلى سَائِرِ البِلادِ وَالأَمصَارِ ، وَقَد يَكُونُ مِنهَا شَيءٌ إِلى بِلادِ الكُفَّارِ ، يَتَحَمَّلُونَ بِسَبَبِهِ التَّعَبَ وَيَحمِلُونَ الذُّنُوبَ وَالأَوزَارَ ، في حِينِ أَنَّ تَعَبَهُم وَنَفَقَتَهُم في الحَجِّ مَكتُوبَةٌ لَهُم عِندَ رَبِّهِم ، مَحفُوظَةٌ لَدَيهِ في مَوَازِينِ حَسَنَاتِهِم ، وَمَعَ هَذَا يُفَرِّطُونَ فِيهَا ؛ أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَكُنْ عَلَى أَركَانِ دِينِنَا أَحرَصَ مِنَّا عَلَى مَا سِوَاهَا ، فَإِنَّهَا أَحَبُّ شَيءٍ إِلى رَبِّنَا – تَبَارَكَ وَتَعَالى – وَقَد قَالَ - سُبحَانَهُ - في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ : " وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُهُ عَلَيهِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن تَنظِيمَاتِ الجِهَاتِ المَعنِيَّةِ بِشَأنِ الحَجِّ في بِلادِنَا ، أَن جَعَلَت لِلحَجِّ مَسَارًا آلِيًّا ، يَكُونُ التَّسجِيلُ فِيهِ عَن طَرِيقِ الشَّبَكَةِ العَالَمِيَّةِ لِلمَعلُومَاتِ ، في بَوَّابَةٍ حَدَّدَتهَا لِهَذَا الشَّأنِ العَظِيمِ ، وَهَذِهِ هِيَ الخَطوَةُ الأُولى لِمَن أَرَادَ الحَجَّ وَنَوَاهُ ، تَتبَعُهَا خُطُوَاتٌ تَكمِيلِيَّةٌ أُخرَى ، وَمِمَّا قَد يَجهَلُهُ بَعضُ النَّاسِ الَّذِينَ يُسَوِّفُونَ وَيَتَأَخَّرُونَ عَنِ التَّسجِيلِ ، أَنَّ تَأَخُّرَهُم يُفَوِّتُ عَلَيهِمُ المُستَوَى المُنَاسِبَ لَهُم ، ثم لَعَلَّ أَحَدَهُم إِذَا انتَبَهَ وَأَرَادَ الحَجَّ بَعدَ ذَلِكَ ، يُفَاجَأُ بِالبَابِ السَّهلِ وَقَد أُغلِقَ ، وَالحَمَلاتِ المُنَاسِبَةِ لِمُستَوَاهُ قَد اكتَفَت وَأَغلَقَت أبوَابَ الاستِقبَالِ ، فَيُضطَرُّ لِلبَحثِ عَن أَبوَابٍ أُخرَى قَد تَكُونُ مُغلَقَةً أَو مُتَعَسِّرَةً ، أَو غَيرَ مُنَاسِبَةٍ لِوَضعِهِ المَادِيِّ ، فَالبِدَارَ البِدَارَ يَا مَن أَرَدَتَ الحَجَّ ، فبادِروا بالحجِّ -أيها المسلمون-، واغتنِموا أعمارَكم قبل أن يُحالَ بينكم وبين ما تشتَهون فتعجَزون أو تموتون.، تَقَبَّلَ اللهُ مِنَ المُسلِمِينَ صَالِحَ الأَعمَالِ ، وَوَفَّقَهُم لِلتَّزَوُّدِ بِالبَاقِيَاتِ قَبلَ حُلُولِ الآجَالِ ، وَتَجَاوَزَ عَنِ الجَمِيعِ الخَطَأَ وَالزَّلاَّتِ ، وَأَقَالَ عَثَرَاتِهِم وَمَحَا عَنهُمُ السَّيِّئَاتِ . اللهم بارِك لنا في الكتاب والسنة، وانفَعنا بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.



الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأبانَ طريقَ الإيمان، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسانٍ.أما بعد
وتأتي منة الله علينا وفضله مرة أخرى بدخول الأشهر الحرم، والتي تبتدئ من أول ذي القعدة، وفي وصف أشهُركم هذه يقول الله -عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].فبيّن الله –عز وجل- أن عدة الشهور وعددها في داخل السنة اثنا عشر شهرًا.ومنها أربعة أشهرحرم هذه الأشهر الأربعة بيّنها الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: والمخرج في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان".وقوله تعالى : (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) قال ابن عباس: في كلهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم. وقال قتادة : إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. قال ابن كثيرٍ -رحمه الله إن الظلمَ في الأشهُر الحُرم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا من الظلم فيما سواها"." وقال أيضًا:كان الرجلُ يلقَى قاتلَ أبيه في الأشهُر الحرم فلا يمُدُّ إليه يدَه". " فحري بنا معرفة فضل هذه الأشهر، وإعطائها قدرها من التعظيم والإجلال أشد مما كان عليه العرب في جاهليتهم من تعظيم ألا وصلّوا وسلِّموا ـ رحمكم الله ـ على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال عزّ من قائلٍ كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على سيّد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياءِ والمرسلين ورحمةِ الله للعالمين نبيّنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وأزواجه أمّهات المؤمنين، وصحابته الغرّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أعِز الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وديننا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره، واجعل دائرة السوء عليه يارب العالمين. اللهم آمِنّا في أوطاننا وأصلِحْ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة. ، واسلك به سبيل الرشاد،. اللهم احفظ رجال الأمن، اللهم احفظ رجال الأمن وحراس الثغور وانصرهم على من بغى عليهم يارب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يارب العالمين، اللهم اجمعهم على الحق والهدى والكتاب والسنة، اللهم احْقِنْ دماءَهم وآمنهم في ديارهم، وأرغِد عيشهم وأصلح أحوالهم، واكْبِتْ عدوهم.اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين..ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلِّغْنا فيما يرضيك آمالنا. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياءمنهم والأموات عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وفضله يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون


المشاهدات 3940 | التعليقات 0