أسوأ الناس سرقة
عايد القزلان التميمي
1444/11/13 - 2023/06/02 06:08AM
الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة قلوب الأخيار، وهي طريق السعادة في دار القرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بادر إلى الصلاة بسكينة ووقار، ووقف بين يدي الله بمحبة وخضوع وانكسار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار،
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
أيها المؤمنون حديثنا اليوم عن أمر خطير يقع فيه كثير من الناس . وهو عن أسوأ الناس سرقة ، جاء ذلك على لسان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث قال: (( إنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلاتِهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلاتِهِ؟ قَالَ: "لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا". أَوْ قَالَ - لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ )) رواه أحمد وصححه الألباني
فعدَّ صلوات الله وسلامه عليه السرقة من الصلاة أسوء وأشد من السرقة من المال .
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أسوَأُ النَّاسِ سَرِقةً"، أي: أشَدُّهم قُبحًا وأعظمُهم جُرمًا في السَّرِقةِ، "الَّذي يَسرِقُ من صَلاتِهِ أي أنه يسرع في صلاته لإنَّه سرَقَ حقَّ نَفسِهِ من الثَّوابِ والحسنات، واستجاب لوسوسة الشيطان.
"قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يَسرِقُ من صَلاتِهِ؟ قال: لا يُتِمُّ رُكوعَها ولا سُجودَها -أو قالَ: لا يُقيمُ صُلبَهُ في الرُّكوعِ والسُّجودِ"،
والمُرادُ كذلك بالسَّرِقةِ من الصَّلاةِ؛ بأنْ يَستَعجِل في الرُّكوع والسُّجود، فلا يَأْتي المُصلِّي بهما على الوَجهِ الأكمَلِ المؤدي للخُشوعِ والطُّمَأنينةِ،
وقد جاءَ في تَمامِ الرُّكوعِ والسُّجودِ ما جاءَ عِندَ ابنِ ماجَهْ:أنه صلى الله عليه وسلم إذا ركَعَ سوَّى ظهْرَه، حتَّى لو صُبَّ عليه الماءُ لاستَقَرَّ"،
عباد الله إن الطمأنينة في الصلاة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها وقد أخذ أهل العلم من هذا الحديث أن من لم يُقِم صلبه في الركوع والسجود فإن صلاته غير مجزئة وعليه إعادتها ، والذي يُخِلُّ بالطمأنينة والسكون ولا يُتم الركوع والسجود على خطر عظيم ، ولقد حَكَم النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة المسيء في صلاته ، الذي لم يطمئن في أركانها حكم على صلاته بالبُطلان كما قال صلى الله عليه وسلم للمُسِيء في صلاته فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: "وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي"، قَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا".
وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فَقَالَ لَهُ: "مُنْذُ كَمْ هَذِهِ صَلاتُكَ؟"، قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ له حذيفة: "مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مُتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ، لَمُتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
فالأمر خطير يا عباد الله وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ)، وفي رواية أخرى: "حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود". وهذا نص عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أن من صلى ولم يُقم ظهره بعد الركوع والسجود كما كان، فصلاته باطلة،
والواجب الطمأنينة وهو أن يستقر كل عضو في موضعه مع ذكر أذكار كل ركن من أركان الصلاة.
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا" (سنن أبي داود: وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
عباد الله إن الواجب على كلِّ مسلم أن يحافظ على صلاته وإقامتها تمام المحافظة في شروطها وأركانها وواجباتها وسننها ، ويأتي بذلك كله على التمام والكمال ؛ فهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ)) أخرجه أبو داود والترمذي صححه الألباني ،
وقال صلى الله عليه وسلم : ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) .
وقال سبحانه (( حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ))
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله، وفَّقَ من شاء لعبادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام وقام بطاعته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد فيا عباد الله
قال ابن القيم رحمه الله :
" للْعَبد بَين يَدي الله موقفان : موقف بَين يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة ، وموقف بَين يَدَيْهِ يَوْم لِقَائِه ، فَمن قَامَ بِحَق الْموقف الأول هوّن عَلَيْهِ الْموقف الآخر ، وَمن استهان بِهَذَا الْموقف وَلم يوفّه حقّه شدّد عَلَيْهِ ذَلِك الْموقف "
" للْعَبد بَين يَدي الله موقفان : موقف بَين يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة ، وموقف بَين يَدَيْهِ يَوْم لِقَائِه ، فَمن قَامَ بِحَق الْموقف الأول هوّن عَلَيْهِ الْموقف الآخر ، وَمن استهان بِهَذَا الْموقف وَلم يوفّه حقّه شدّد عَلَيْهِ ذَلِك الْموقف "
عباد الله فلنتَّق اللهَ في صلاتنا، ولنطمئنَّ فيها, فإنّ الطمأنينةَ في أدائها عنوانُ صدق الإيمان ، (( قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ ))
واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم استجابة لأمر ربكم (( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ((
ثم صلوا وسلموا على خير البرية...
المرفقات
1685675600_خطبة أسوأ الناس سرقة.docx