أسعد الناس بالشفاعة
أبو عبد الله الأنصاري
1433/12/24 - 2012/11/09 03:30AM
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان وأيده بالآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة ومن أعظمها القرآن وأمده بملائكة السماء تقاتل بين يديه مقاتلة الفرسان ونصره بريح الصبا تحارب عنه أهل الزيغ والعدوان كما نصره بالرعب وقذفه في قلوب أعدائه وبينه وبينهم مسيرة شهر من الزمان وأقام له جنودا من المهاجرين والأنصار تقاتل معه بالسيف والسهم والسنان
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين وإله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين الذي أفاض على خلقه النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه ، فله الفضل والمنة أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده وحجته على جميع الإنس والجان أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأبين السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعظيمه والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه ، شرح الله له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وبعثه بالكتاب الهادي والسيف الناصر بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له وجعل رزقه تحت ظل ورمحه وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، أنزل عليه من الكتب أجلها ، ومن الشرائع أكملها ، ومن الأمم أفضلها ، وهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الرحمن ، ثم اختصه من الأخلاق بأزكاها ومن مراتب الكمال بأعلاها وجمع له من المحاسن ما فرقه في نوع الإنسان وآتاه من الخصائص والفضائل والمكارم ما لم يؤت أحداً من العالمين .
ألا وإن من أجل مقامات الاختصاص والتكريم الذي أكرم الله به خليله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم مقام الشفاعة ، وهي المقام المحمود الذي وعده الله أن يبعثه له ويكرمه به ،
حتى روى الترمذي وحسنه الألباني عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ) رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما شأن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( وله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل التى ميزه الله بها على سائر النبيين ومن ذلك المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها فى الصحيحين أحاديث متعددة وفى السنن والمساند ).
ويقول رحمه الله : ( وأوجه الشفعاء وأول شافع يوم القيامة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أحاديث الشفاعة أن الناس يوم القيامة إذا ذهبوا إلى آدم ليشفع لهم يردهم إلى نوح ونوح إلى إبراهيم وإبراهيم إلى موسى وموسى إلى المسيح والمسيح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين فيقول اذهبوا إلى محمد فإنه عبد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( فيأتوني فاذهب إلى ربي فإذا رأيت ربي خررت ساجدا ، وأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن ، وحينئذ فيقول تعالى : أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع ، قال فأقول : أي رب أمتي فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة وكذلك ذكر في الثانية والثالثة ) .
وما من أحد من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا ويطمع أن ينيله الله شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينفعه ويكرمه بها ، وقد الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أسعد الخلق بها وأوفرهم حظاً في نوالها ، وكان أسبق الناس إلى سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك راوية الإسلام وحافظ السنة الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ففي صحيح البخاري عنه رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم مثنياً عليه ( لقد ظننت - يا أبا هريرة - أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، ثم أجابه صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه ) .
وعنه في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".
وصح عن أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرسه أصحابه فافتقدوه فسمعوا صوتا مثل هزيز الرحا فجاء النبى صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الصوت فقال : ( هل تدرون أين كنت وفيم كنت أتانى آت من ربى عز وجل فخيرنى بين أن يدخل نصف أمتى الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة ) . فقالا يا رسول الله ادع الله عز وجل أن يجعلنا فى شفاعتك. فقال : ( أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئا فى شفاعتي ).
وفي السنن عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً" وفي لفظ قال:"ومن لقي الله لا يشرك به شيئاً فهو في شفاعتي ).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتى الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى ، أترونها للمتقين ؟ لا ، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين ) ، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح : { شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي } ، وعن ابن دارة مولى عثمان قال: إنا لبالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم الناس بشفاعة محمدصلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة. قال: فتداك الناس عليه ، فقالوا : إيه يرحمك الله ؟ قال : يقول : ( اللهم اغفر لكل عبد مسلم لقيك مؤمناً بي لا يشرك بك) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى وانصرف إليهم قال لهم: ( لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي ) – فذكر الأربع – ثم قال : ( والخامسة هي ما هي، قيل: لي سل فإن كل نبي قد سأل. فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله ) ، وفي لفظ : ( وقيل لي: سل تعطه. فاختبأتها شفاعة لأمتي ، وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا).
قال شيخ الإسلام رحمه الله ( وأما الشفاعة يوم القيامة، فمذهب أهل السنة والجماعة - وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم - أن له صلى الله عليه وآله وسلم شفاعات يوم القيامة خاصة وعامة، وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون دون أهل الشرك، ولو كان المشرك محباً له معظمًا له لم تنقذه شفاعته من النار، وإنما ينجيه من النار التوحيد والإيمان به. ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبونه ولم يقروا بالتوحيد الذي جاء به لم يمكن أن يخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها ) .
الخطبة الثانية
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية على بيان أحق الناس وأولاهم بالشفاعة فيقول رحمه الله : ( وأهل التوحيد هم المستحقون للشفاعة يوم القيامة كما ثبت في الصحيح " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه " وتأمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أسعد الناس بشفاعتي : من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه " كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته : تجريد التوحيد عكس ما عند المشركين : أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله فقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما في زعمهم الكاذب وأخبر أن سبب الشفاعة : هو تجريد التوحيد فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع ، ومن جهل المشرك : اعتقاده أن من اتخذه وليا أو شفيعا : أنه يشفع له وينفعه عند الله كما يكون خواص الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله كما قال تعالى : ( من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه ) ، وقال : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) ، وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد واتباع الرسول ، وعن هاتين الكلمتين يسأل الأولين والآخرين كما قال أبو العالية : كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون : ( ماذا كنتم تعبدون ) ، ( وماذا أجبتم المرسلين ) فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها : لا شفاعة إلا بإذنه ، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله ، ولا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله ) ، ( فكلما كان الرجل أتم إخلاصا لله ؛ كان أحق بالشفاعة ،وأما من علق قلبه بأحد من المخلوقين ، يرجوه ويخافه ؛ فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة ) .
قال : ( فالذي تنال به الشفاعة : هي الشهادة بالحق . وهي شهادة أن لا إله إلا الله . لا تنال بتولي غير الله . لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الصالحين . فمن والى أحدا من هؤلاء ودعاه وحج إلى قبره أو موضعه ونذر له وحلف به وقرب له القرابين ليشفع له : لم يغن ذلك عنه من الله شيئا . وكان من أبعد الناس عن شفاعته وشفاعة غيره . فإن الشفاعة إنما تكون : لأهل توحيد الله وإخلاص القلب والدين له . ومن تولى أحدا من دون الله فهو مشرك . فهذا القول والعبادة الذي يقصد به المشركون الشفاعة : يحرم عليهم الشفاعة . فالذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين - ليشفعوا لهم - كانت عبادتهم إياهم وإشراكهم بربهم الذي به طلبوا شفاعتهم : به حرموا شفاعتهم وعوقبوا بنقيض قصدهم . لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) .
قال : ( وكثير من أهل الضلال : يظن أن الشفاعة تنال بهذه الأمور التي فيها شرك أو هي شرك خالص ، ويقولون : من كان أكثر صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحق بالشفاعة من غيره . وكذلك من كان أحسن ظنا بشخص وأكثر تعظيما له : كان أحق بشفاعته . وهذا غلط . بل هذا هو قول المشركين الذين قالوا : نتولى الملائكة ليشفعوا لنا . يظنون أن من أحب أحدا - من الملائكة والأنبياء والصالحين وتولاه - كان ذلك سببا لشفاعته له . وليس الأمر كذلك . بل الشفاعة : سببها توحيد الله وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة . فإن الشفاعة : من الله مبدؤها وعلى الله تمامها فلا يشفع أحد إلا بإذنه . وهو الذي يأذن للشافع . وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له . وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده . وأحق الناس برحمته : هم أهل التوحيد والإخلاص له فكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص " لا إله إلا الله " علما وعقيدة وعملا وبراءة وموالاة ومعاداة : كان أحق بالرحمة ) .
وخلاصة الأمر أن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي في الموحدين المذنبين من أمته الذين حققوا توحيد الله بالعبادة والطاعة وسلموا من الشرك كله فلا خرافات تعبث بهم ، ولا عقائد فاسدة تستوي عقولهم ، لكنهم مع خالص توحيدهم وإخلاصهم لم يسلموا من الخطايا والذنوب ففي هؤلاء يشفع محمد صلى الله عليه وآله وسلم أما من أتى الله مشركاً به ، داعياً أحداً دونه ، قد علق قلبه ورجاءه بحي أو ميت فلا حظ له في شفاعة أوجه الشفعاء صلى الله عليه وآله وسلم ولا مطمع له فيها بل هو منها محروم بعيد وعن حماها شريد طريد أعاذنا الله وإياكم من الخذلان والحرمان وأنعم علينا بشفاعة سيد ولد عدنان .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين وإله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين الذي أفاض على خلقه النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه ، فله الفضل والمنة أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده وحجته على جميع الإنس والجان أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأبين السبل وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعظيمه والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه ، شرح الله له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وبعثه بالكتاب الهادي والسيف الناصر بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له وجعل رزقه تحت ظل ورمحه وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، أنزل عليه من الكتب أجلها ، ومن الشرائع أكملها ، ومن الأمم أفضلها ، وهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الرحمن ، ثم اختصه من الأخلاق بأزكاها ومن مراتب الكمال بأعلاها وجمع له من المحاسن ما فرقه في نوع الإنسان وآتاه من الخصائص والفضائل والمكارم ما لم يؤت أحداً من العالمين .
ألا وإن من أجل مقامات الاختصاص والتكريم الذي أكرم الله به خليله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم مقام الشفاعة ، وهي المقام المحمود الذي وعده الله أن يبعثه له ويكرمه به ،
حتى روى الترمذي وحسنه الألباني عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ) رواه أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فيما شأن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( وله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل التى ميزه الله بها على سائر النبيين ومن ذلك المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها فى الصحيحين أحاديث متعددة وفى السنن والمساند ).
ويقول رحمه الله : ( وأوجه الشفعاء وأول شافع يوم القيامة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أحاديث الشفاعة أن الناس يوم القيامة إذا ذهبوا إلى آدم ليشفع لهم يردهم إلى نوح ونوح إلى إبراهيم وإبراهيم إلى موسى وموسى إلى المسيح والمسيح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين فيقول اذهبوا إلى محمد فإنه عبد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( فيأتوني فاذهب إلى ربي فإذا رأيت ربي خررت ساجدا ، وأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن ، وحينئذ فيقول تعالى : أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع ، قال فأقول : أي رب أمتي فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة وكذلك ذكر في الثانية والثالثة ) .
وما من أحد من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا ويطمع أن ينيله الله شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينفعه ويكرمه بها ، وقد الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أسعد الخلق بها وأوفرهم حظاً في نوالها ، وكان أسبق الناس إلى سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك راوية الإسلام وحافظ السنة الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ففي صحيح البخاري عنه رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم مثنياً عليه ( لقد ظننت - يا أبا هريرة - أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، ثم أجابه صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه ) .
وعنه في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".
وصح عن أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرسه أصحابه فافتقدوه فسمعوا صوتا مثل هزيز الرحا فجاء النبى صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الصوت فقال : ( هل تدرون أين كنت وفيم كنت أتانى آت من ربى عز وجل فخيرنى بين أن يدخل نصف أمتى الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة ) . فقالا يا رسول الله ادع الله عز وجل أن يجعلنا فى شفاعتك. فقال : ( أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئا فى شفاعتي ).
وفي السنن عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً" وفي لفظ قال:"ومن لقي الله لا يشرك به شيئاً فهو في شفاعتي ).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتى الجنة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى ، أترونها للمتقين ؟ لا ، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين ) ، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح : { شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي } ، وعن ابن دارة مولى عثمان قال: إنا لبالبقيع مع أبي هريرة إذ سمعناه يقول: أنا أعلم الناس بشفاعة محمدصلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة. قال: فتداك الناس عليه ، فقالوا : إيه يرحمك الله ؟ قال : يقول : ( اللهم اغفر لكل عبد مسلم لقيك مؤمناً بي لا يشرك بك) .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى وانصرف إليهم قال لهم: ( لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي ) – فذكر الأربع – ثم قال : ( والخامسة هي ما هي، قيل: لي سل فإن كل نبي قد سأل. فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله ) ، وفي لفظ : ( وقيل لي: سل تعطه. فاختبأتها شفاعة لأمتي ، وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئا).
قال شيخ الإسلام رحمه الله ( وأما الشفاعة يوم القيامة، فمذهب أهل السنة والجماعة - وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم - أن له صلى الله عليه وآله وسلم شفاعات يوم القيامة خاصة وعامة، وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون دون أهل الشرك، ولو كان المشرك محباً له معظمًا له لم تنقذه شفاعته من النار، وإنما ينجيه من النار التوحيد والإيمان به. ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبونه ولم يقروا بالتوحيد الذي جاء به لم يمكن أن يخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها ) .
الخطبة الثانية
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية على بيان أحق الناس وأولاهم بالشفاعة فيقول رحمه الله : ( وأهل التوحيد هم المستحقون للشفاعة يوم القيامة كما ثبت في الصحيح " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه " وتأمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أسعد الناس بشفاعتي : من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه " كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته : تجريد التوحيد عكس ما عند المشركين : أن الشفاعة تنال باتخاذهم أولياءهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله فقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما في زعمهم الكاذب وأخبر أن سبب الشفاعة : هو تجريد التوحيد فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع ، ومن جهل المشرك : اعتقاده أن من اتخذه وليا أو شفيعا : أنه يشفع له وينفعه عند الله كما يكون خواص الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله كما قال تعالى : ( من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه ) ، وقال : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) ، وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد واتباع الرسول ، وعن هاتين الكلمتين يسأل الأولين والآخرين كما قال أبو العالية : كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون : ( ماذا كنتم تعبدون ) ، ( وماذا أجبتم المرسلين ) فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها : لا شفاعة إلا بإذنه ، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله ، ولا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله ) ، ( فكلما كان الرجل أتم إخلاصا لله ؛ كان أحق بالشفاعة ،وأما من علق قلبه بأحد من المخلوقين ، يرجوه ويخافه ؛ فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة ) .
قال : ( فالذي تنال به الشفاعة : هي الشهادة بالحق . وهي شهادة أن لا إله إلا الله . لا تنال بتولي غير الله . لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الصالحين . فمن والى أحدا من هؤلاء ودعاه وحج إلى قبره أو موضعه ونذر له وحلف به وقرب له القرابين ليشفع له : لم يغن ذلك عنه من الله شيئا . وكان من أبعد الناس عن شفاعته وشفاعة غيره . فإن الشفاعة إنما تكون : لأهل توحيد الله وإخلاص القلب والدين له . ومن تولى أحدا من دون الله فهو مشرك . فهذا القول والعبادة الذي يقصد به المشركون الشفاعة : يحرم عليهم الشفاعة . فالذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين - ليشفعوا لهم - كانت عبادتهم إياهم وإشراكهم بربهم الذي به طلبوا شفاعتهم : به حرموا شفاعتهم وعوقبوا بنقيض قصدهم . لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) .
قال : ( وكثير من أهل الضلال : يظن أن الشفاعة تنال بهذه الأمور التي فيها شرك أو هي شرك خالص ، ويقولون : من كان أكثر صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحق بالشفاعة من غيره . وكذلك من كان أحسن ظنا بشخص وأكثر تعظيما له : كان أحق بشفاعته . وهذا غلط . بل هذا هو قول المشركين الذين قالوا : نتولى الملائكة ليشفعوا لنا . يظنون أن من أحب أحدا - من الملائكة والأنبياء والصالحين وتولاه - كان ذلك سببا لشفاعته له . وليس الأمر كذلك . بل الشفاعة : سببها توحيد الله وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة . فإن الشفاعة : من الله مبدؤها وعلى الله تمامها فلا يشفع أحد إلا بإذنه . وهو الذي يأذن للشافع . وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له . وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده . وأحق الناس برحمته : هم أهل التوحيد والإخلاص له فكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص " لا إله إلا الله " علما وعقيدة وعملا وبراءة وموالاة ومعاداة : كان أحق بالرحمة ) .
وخلاصة الأمر أن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي في الموحدين المذنبين من أمته الذين حققوا توحيد الله بالعبادة والطاعة وسلموا من الشرك كله فلا خرافات تعبث بهم ، ولا عقائد فاسدة تستوي عقولهم ، لكنهم مع خالص توحيدهم وإخلاصهم لم يسلموا من الخطايا والذنوب ففي هؤلاء يشفع محمد صلى الله عليه وآله وسلم أما من أتى الله مشركاً به ، داعياً أحداً دونه ، قد علق قلبه ورجاءه بحي أو ميت فلا حظ له في شفاعة أوجه الشفعاء صلى الله عليه وآله وسلم ولا مطمع له فيها بل هو منها محروم بعيد وعن حماها شريد طريد أعاذنا الله وإياكم من الخذلان والحرمان وأنعم علينا بشفاعة سيد ولد عدنان .