أسرى ومدمنون

عبدالله حمود الحبيشي
1443/02/16 - 2021/09/23 15:48PM

 

أسرى ومدمنون - خطبة الجمعة 17 صفر 1443هـ

الحمد لله الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ، وأشهد ألا إله إلا الله يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، يسره ربه لليسرى، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

عِباد اللَّهِ .. لَا عَجَبَ أَنْ يَقَعَ أُناسٌ فِي الأَسْرِ رَغْمًا عَنْهُمْ .. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَفُكَّ أسَرَ المَأْسُورين مِن المُسْلِمِينَ وَيُعَجَّلَ فَرَجَهُمْ .. وَلَكِنَّ العَجَبَ مِمَّنْ يَأْسِرُ نَفْسَهُ بِيَدِهِ .. وَلَا غَرابَةَ أَنْ يَقَعَ البَعْضُ فِي الإِدْمانِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُدْمِنٌ ، وَلَكِنَّ البَلاءَ فِيمَنْ هوَ مُدْمِنٌ وَلَا يعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ .. اسْرَى بِلَا أَسْوارٍ وَلَيْسُوا خَلْفَ القُضْبَانِ ، إِنَّهُمْ أَسْرَى الأَجْهِزَة الذَّكيَّة ، وَاَلْمُدْمِنونَ عَلَى الجَوّالاتِ وَشَبَكاتِ التَّواصُلِ .

فَهَذَا يَجْلِسُ لِوَحْدِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، فَتَارَةً يَضْحَكُ ، وَتَارَةً يَغْضَبُ ، وَتَارَةً يَحْزَنُ ، وَفِي لَحْظَةٍ تَرَى عَلَى وَجْهِهِ جَميعَ اَلْاِنْفِعالاتِ .

وَهَؤُلَاءِ أَقارِب وَأَصْحاب ، قَدْ اجْتَمَعُوا بَعْدَ طُولِ غِيَابٍ ، يَجْمَعُهُمْ المَكانُ وَكُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ فِي عالَمٍ غَيْرِ عالِمِ الآخَرِ .. تَرَاهم مُطْرِقوا الرُّؤُوسَ عَلَى شَاشة الجَوّالِ .

اسْرَى الجَوّالاتِ .. وَمُدْمِنوا شَبَكاتِ التَّواصُلِ ، يَمْشي أَحَدَهُمْ فِي سَيّاراتِهِ وَحَوْلَهُ مِنْ المَخاطِرِ الكَثيرِ ، وَمَعَ هَذَا لَا يَصْبِرُ عَنْ النَّظَرِ إِلَى جَوّالِهِ لَعَلَّهَا رِسالَةٌ وَصَلَتْ ، أَوْ لَقْطَةٌ عُرِضَتْ .

مِنَ النّاسِ من مَلَكَتْ وَقْتَهُ تِلْكَ الأَجْهِزَةُ حَتَّى أَسَرَتْ عَقَلَهُ ، وَأَشْغَلَتْ فِكّرَهُ ، فَأَلْهَتّهُ عَنْ بَعْضِ مَصالِحِهِ ، بَلْ رُبَّمَا أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ دينَهُ .

كَمْ هُمْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ يَسْهَرونَ عَلَى تِلْكَ الأَجْهِزَةِ سَهَرًا يَعْقُبُهُ نَوْمٌ وَحَسْرَةٌ عَنْ صَلاةِ الفَجْرِ فِي وَقْتِها مَعَ جَماعَةِ المُسْلِمِينَ؟ وَكَمْ هُمْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ أَشْغَلَتْهُمْ تِلْكَ الأَجْهِزَةُ لَا أَقولُ عَنْ أَرْحامِهِمْ ، بَلْ وَالِدِيهم فَضْلًا عَنْ الأَقارِبِ وَالأَرْحَامِ .

كَمْ هُمْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ تِلْكَ الأَجْهِزَةَ عِنْدَ حُضورِ الصَّلاةِ فِي المَساجِدِ فَيَحْرِمُ نَفْسَهُ الدُّعاءَ وَقِراءَةَ القُرْآنِ وَذِكْر اللَّه ؟ .

مِنَ النّاسِ مِنْ فتنته هَذِهِ الأَجْهِزَةُ فَكَانَتْ مِصْيَدَتَهُ لِلنَّظَرِ لِلْمَفَاتِنِ وَاَلْعَوْراتِ ، وَلِسَماعِ اَلْخَنَى وَالغِنَى ، وَجَرَّتْهُ إِلَى حَيْثُ سِعارُ الجِنْسِ وَثَوْرَةِ الشَّهَواتِ ، وَالسُّقُوط فِي الهَوَى والْحُبِّ والْغَرامِ والْمُراسلاتِ الخانِعَةِ ، فَكَمْ أَفْسَدَتْ تِلْكَ الأَجْهِزَةُ مِنْ قُلوبٍ ، وَأمْرَضَتْ مِنْ نُفُوسٍ، وَأَقْلَقَتْ مِنْ أَعْصابٍ ؟ وَكَمْ فَشَتْ بِسَبَبِ تِلْكَ الأَجْهِزَةِ مِنْ خِيَانَاتٍ زَوْجِيَّةٍ ، وَدَمَّرَتْ حَياةً اَسْريَّة ؟ .

أَرْواحٌ رَاحَتْ ، وَأَنْفُسٌ أُزْهِقَتْ ، وَصِحَّةٌ فُقِدَتْ ، وَأَعْضاءٌ عُطَّلَتْ ، كُلُّها بِسَبَبِ رِسالَةٍ أُرْسِلَتْ أَوْ قُرِئَتْ ، أَوْ لِمَقْطَعٍ صوَرَ أَوْ شُوهِدَ .. غَفَلَ فِي لَحْظَتِها السّائِقُ عَن الطَّريقِ فَكَانَ مَا كَانَ .

 

 

أَحَدُهُمْ لَا يَصْبِرُ عَنْ الجَوّالِ فِي يَدِهِ دَائِمًا يَنْظُرُ إِلَيْهِ كُلَّ ثانيَةٍ .. وَلَنْ أُبالِغَ إِذَا قُلْتُ إنَّ بَعْضَهم وهو في صلاته يفكر فيه ، وَيَتَمَنَّى لَوْ كَانَتْ شاشَةُ الجِهازِ أَمَامَهُ .. وَلِذَا قَبْلَ أَنْ يُنْهيَ التَّسْليمَةَ الثّانيَةَ فَتْحَ جَوّالَهُ ليَنْظُرَ إِلَيْهِ .. أَلَيْسُوا أَسْرَى .. أَلّا يُعَدُّ هَذَا مِنَ الإِدْمانِ .. وَمِمَّا يُذْكَرُ وَيُنَبَّهُ عَلَيْه فِي صَلاةِ الجُمُعَةِ عَدَمُ العَبَثِ بِالْجَوّالِ والِانْشِغالِ بِهِ عَن الخُطْبَةِ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ أَجْرَ الجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ (ومَن مَسَّ الحَصَى فقَدْ لَغا) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ (ومن لَغَا فلا جُمعةَ لهُ) وَالمَعْنَى أَنَّهَا تُكْتَبُ لَهُ ظُهْرًا ، وَيُحْرَمُ ثَوابَ صَلاةِ الجُمُعَةِ .

لَقَدْ أَصْبَحَ وُجودُ هَذِهِ الهَواتِف ضَرورَةً وَإِدْمانًا ، وَبِدُونِهَا يُصْبِحُ المَرْءُ ضَائِعًا حَيْرَانَاً ، يُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ ليُخْرِجَ الجِهازَ ليَنْظُرَ فِيه ، وَقَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ إِلَى جَيْبِهِ ، يُخْرِجُهُ ليَنْظُرَ فِي شاشَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى ، دونَما سَبَبٍ ، وَأَمَّا إِذَا نَساه يَوْمًا فِي بَيْتِهِ ، فَلَا تَسْلْ عَنْ المِزاجِ والْحالِ ، فَهُوَ حَزينٌ وَمَشْغولُ الْبَالِ ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْه سَرِيعًا مَلْهوفًا يُسْتَقْبَلُ بِهِ عِنْدَ الْبَابِ ، فَيَضُمُّهُ بَيْنَ يَدَيه كَأُمٍّ وَجَدَتْ رَضيعَها بَعْدَ ضَياعٍ .

سَاعَاتٌ وَساعاتٌ تُقْضَى يَوْمِيًّا مَعَ هَذِهِ الأَجْهِزَةِ وَفِي مَنَصّاتِ التَّواصُلِ والْإِحْصاءاتُ تَشْهَدُ ، والتَّقاريرُ تُؤَكِّدُ ..

تَقولُ إِحْدَى اَلْعالِماتِ اَلْنَفْسيّاتِ الأَمْريكيّاتِ وَهِيَ مِنْ أَوائِلِ الأَطِبّاءِ اَلَّذِينَ عَكَفُوا عَلَى دِراسَةِ إِدْمان اَلْانْترنت وَهِيَ أَوَّلُ منْ وَضَعَتْ هَذَا التَّوْصيف ، تَقولُ : "إِنَّ اسْتِخْدامَ الإِنْتَرْنِتْ أَكْثَر مِنْ 38 ساعَةً أُسْبُوعِيًّا يُعَدُّ إِدْمانًا عَلَى الإِنْتَرْنِتْ" .. إِذَا كَانَ مُعَدَّلُ الخَمْسِ سَاعَاتٍ يَوْمِيًّا يُعَدُّ إِدْمانًا فَكَيْفَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .

تَذْكُرُ الإِحْصاءاتُ أَنَّ مُتَوَسِّطَ عَدَدِ السّاعاتِ اليَوْميَّةِ لِاسْتِخْدَامِ الأَطْفالِ لِلْأَجْهِزَةِ الذَّكيَّةِ والْأَلْعابِ الإِلِكْتِرونيَّةِ 4 سَاعَاتٍ .. وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِخْدامَ الكِبارِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .

وَكَشَفَتْ دِراسَةٌ صادِرَةٌ مِنْ جامِعَةِ الأمير نايِف لِلْعُلُومِ الأَمْنيَّةِ ، أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشَّبابِ يَسْتَخْدِمُونَ مَواقِعَ التَّواصُلِ أَكْثَرَ مِنْ 3 سَاعَاتٍ يَوْمِيًّا .. فَمَا هوَ مِقْدارُ الِاسْتِخْداماتِ الأُخْرَى لِلْجَوَّالِ .

وَفِي تَقْريرٍ عالَميٍّ سَنَةَ 2018م ، جَاءَ فِيه أَنَّ مُتَوَسِّطَ اسْتِخْدامِ الْإِنْترْنِتِ لِلْمُسْتَخْدِمِ الآنَ حَوَالَيْ 6 سَاعَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَيَحْدُثُ هَذَا مِنْ خِلالِ اسْتِخْدامِ الأَجْهِزَةِ الهَاتِفِيَّةِ وَاَلْلَوْحيَّةِ .

وَفِي دِراسَةٍ تَمَّ إِجْرَاؤُهَا عَلَى إِدْمانِ الهَواتِفِ الذَّكيَّةِ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ شَرِكَةِ تَطْويرِ البَرْمَجِيَّاتِ وَإِدارَةِ الوَقْتِ ، وَنَشْرِ نَتائِجِها مَوْقِعُ " دِيلَى مَيْلْ " البَرِيطَانَى أَنَّ المُسْتَخْدِمِينَ يَتَحَقَّقُونَ مِنْ هَوَاتِفِهِمْ الذَّكيَّةِ 253 مَرَّةً فِي اليَوْمِ، وَهَذَا يُعَادِلُ سَاعَتَيْنِ وَتِسْعِ دَقَائِقَ تَرْكيزٍ عَلَى الهَواتِفِ، وَهُوَ الأَمْرُ الذَّى يُعَدُّ إِدْمانًا لِلْهَاتِفِ الذَّكيِّ واسْتِخْدامِهِ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ.

أَوْقاتٌ ثَمينَةٌ وَغاليَةٌ وَهِيَ مِنْ أَعْمارِنا وَسَنُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ .. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ) وَالعَجِيبُ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذِهِ الأَجْهِزَةِ فَهِيَ تُضيعُ الأَوْقَات ، وَمِن خِلالِها يَأْخُذُ عِلْمًا نافِعا قَليلا ، وَكَثيرٌ مِنْهُ ضارٌّ ، وَفِيهَا مَضّيَعةٌ لِلْمَالِ ، وَلِهَذِهِ الأَجْهِزَةِ أَضْرارٌ عَلَى الجِسْمِ فِي السَّمْعِ أَوْ البَصَرِ أَوْ القُوَى .

كَمْ جَرَّتْ هَذِهِ الأَجْهِزَةُ مِنْ خَساراتٍ ، وَكَمْ تَسَبَّبَتْ مَنَصّاتُ التَّواصُلِ مِنْ فَضائِحَ ومَخازيٍّ وَوَيْلاتٍ .. مَخاطِرُ فِكْريَّةٌ وَسُلوكيَّةٌ وَأَخْلاقيَّةٌ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ شَرْعيَّةٌ وَعَقَديَّةٌ ..

أَمَّا إِهْمالُ الصِّغارِ مَعَ تِلْكَ الأَجْهِزَةِ ؛ فَإِنَّهَا مَعَ مُرورِ الزَّمَنِ تُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى أَجْسامِهِمْ مِنْ خِلالِ ضَعْفِ البَصَرِ ، وَتَقَوُّسِ الظَّهْرِ ، وَرُبَّمَا أَوْرَثَتْ بَعْضَهُمْ أَمْرَاضًا نَفْسيَّةً عُدْوانيَّةً ، وَأَمْراضًا سُلوكيَّةً مُشينَةً ، وَخَلَلًا فِي الفِكْرِ والتَّدَيُّنِ ، وَضَعْف التَّحْصِيلِ العِلْميِّ وَاَلْدِراسيِّ ، وَرُبَّمَا قَلَّلَتْ الجُلوس مَعَ الوَالِدَيْنِ والْأَهْلِ ، وَنَتَجَ عَنْ ذَلكِ العُزْلَة وَالِانْكِفَاء الشَّخْصيِّ ، وَضَعْفِ القُدْرَةِ عَلَى التَّواصُلِ مَعَ الآخَرِينَ ، هَذَا فَضْلًا عَنْ تَنْميَةِ التَّمَرُّدِ الخُلُقيِّ ، وَظُهورِ الِانْحِرافِ الفِكْريِّ ، والْفَراغِ الرّوحيِّ ، وَرُبَّمَا جَرَّ ذَلِكَ إِلَى مَرْحَلَةِ اَلْإِدْمانِ .

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَنا مِنْ مُضِلَّاتِ الفِتَنِ ، وَيَجْعَلْنا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ القَوْلَ فَيَتْبَعُ أَحْسَنَهُ .. اقْولُ قَوْلِي هَذَا واسْتَغْفَر اللَّه

 

الخطبة الثانية ..

الحَمْدُ لِلهِ العَليمِ الخَبير ، وَأَشْهَدُ أَلّا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ السَّميع البَصير ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْده وَرَسوله ، صَلَّ اللَّه وَسَلَّمَ وَبارَكَ عَلَيْه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ : عِباد اللَّه .. لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَأْسورٍ يَبْحَثُ عَنْ الحُرّيَّةِ ، وَكُلَّ مُدْمِنٍ يَنْشُدُ العافيَةَ ، وَمِن أَعْظَمِ العِلَاجَاتِ لِيَنْفَكَ المُسْلِمُ العاقِلُ مِنْ أَسْرِ هَذِهِ الأَجْهِزَةِ ، وَيَتَعافَى مِنْ إِدْمانِها أَنْ يَعْرِفَ ضَرَرَها ، وَمَخاطِرَها ، وَيَعْرِفَ أَهَمّيَّةَ الوَقْتِ اَلَّذِي يَضيعُ بِسَبَبِهَا ، وَأَنَّهُ مُحاسِبٌ عَنْهُ ، وَإِذَا خَسِرَهُ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ إِدْراكُهُ وَتَعْويضُهُ فِيمَا بَعْدُ، قَالَ عَلَيْه الصَّلاةُ والسَّلامُ (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ) هَذِهِ أُمورٌ قَدْ لَا تَدُومُ طَوِيلًا ، فَاغْتِنامُها مَطْلوبٌ، وَاسْتِغْلَالُهَا فِيمَا يَنْفَعُ فَلاحٌ وَنَجاحٌ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ .

وَمِن اَلْحُلولِ أَنْ يَعْرِفَ الإِنْسانُ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْه ، وَأَنَّهُ سَيُحاسبُهُ عَنْ كُلِّ نَظْرَةٍ ، وَكُلِّ سَماعٍ (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وَقَالَ تَعَالَى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .

وَكَذَلِكَ مِنْ الوَسائِلِ المُفِيدَةِ التَّقْليلُ مِن اسْتِخْدامِ الجَوّالِ شَيْئا فَشَيْئًا ، وَأَنْ لا يَكون فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَأَنْ يَعْتادَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ عَلَى تَرْكِهِ سَواءٌ كَانَ لِوَحْدِهِ أَوْ مَعَ النّاسِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ جَيْبِهِ إِلَّا وَقْتَ الحاجَةِ.

وَمِن العِلاجِ أَنْ يَجْعَلَ اَلْجَوّالَ فِي غُرْفَةٍ أُخْرَى بَعِيدًا عَنْ مَكانِ الجُلوسِ ، وَخَاصَّةً وَقْتَ النَّوْمِ ، كَذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ أَفْرادُ الأُسْرَةِ الأَجْهِزَةَ عِنْدَ جُلوسِهِمْ مَعَ بَعْضِهِمْ البَعْضِ .

وَيُحاوِلُ الإِنْسانُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ وَقْتًا يُغْلَقُ فِيه هَذِهِ الأَجْهِزَةَ سَاعَاتٍ مُحَدَّدَةٍ يَوْمِيًّا .. وَيَعْزِمُ عَلَى تَرْكِهِ فِي الشَّهْرِ يَوْمَاً أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.

هَذِهِ بَعْضُ الوَسائِلِ يَحْرِصُ المُسْلِمُ العاقِلُ الحَريصُ عَلَيْهَا حِفَاظًا عَلَى نَفْسِهِ وَوَقْتِهِ وَصِحَّتِهِ .. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يوَفِّقَنا لِما يَنْفَعُنا وَيَحْفَظنا مِنْ الشُّرُورِ والْآثامِ .

 

المرفقات

1632498814_أسرى ومدمنون.docx

1632498815_أسرى ومدمنون.pdf

المشاهدات 1155 | التعليقات 5

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم ونفع بكم.

لو أرفقت ملفين وورد وبي دي إف للخطبة لكان أجمل وأكمل.


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

 

رأي سديد وبإذن الله يتم العمل به وجزاك الله خيرا على الاقتراح 


جزاك الله خيرا


لله دركم خطبة عن الف خطبة مؤثرة


االحمد لله على فضله وتوفيقه ونسأل الله أن ينفع بها قائلها وسامعها