أسرار التكبير وفضائل عشر ذي الحجة
راكان المغربي
أما بعد:
كلمة تتردد على مسامعنا، وتنطق بها ألسنتُنا، وتصدح بها مساجدنا..
كلمة ترافقنا في اليوم والليلة، وفي المواسم والمشاهد، وفي التعبدات والشعائر..
إنها كلمة "الله أكبر" التي تتردد في أذاننا حين يصدح في الأرجاء، ونرددها في كل حركة من حركات صلاتنا، بين قيام وركوع، وسجود وجلوس، وشرع لنا ترديدها قبل النوم، وفي دعاء السفر، وفي العيدين ، وهي مشروعة كذلك عند النحر، وعند سماع البشرى، وعند الجمرات، وفي أدبار الصلوات، وغير ذلك من المواضع الكثيرة..
في فضلها هي وأخواتها يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النارِ ؛ قولوا : سبحانَ اللهِ ، و الحمدُ للهِ ، ولَا إلهَ إلَّا اللهِ ، واللهُ أكبرُ ، فإِنَّهنَّ يأتينَ يومَ القيامةِ مُقَدِّمَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ وَمُجَنِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ)..
حين ينطق المسلم كلمة "الله أكبر" بقلبه ولسانه، فإن ذلك يعني التعظيم المطلق لله سبحانه، فالله هو الكبير، وكل الخلق يخضعون لكبريائه، والله هو العظيم وكل ما سواه يذل لعظمته..
حين يقول المسلم "الله أكبر" فإنه يتذكر أن الله أكبر من كل شيء، أكبر من كل شيطان رجيم، وأكبر من كل عدو لدود، وأكبر من كل بلاء ومصيبة، وأكبر من كل هم وحزن، وأكبر من كل شهوة وشبهة، وأكبر من كل الدنيا وزخرفها وزينتها..
حين تقول "الله أكبر" يتصاغر كل شيء أمامك، ليبقى القلب معظما لواحد أحد، لا ند له ولا ولد، عندها يصفو القلب بالتوحيد، وينفض غبار الشرك قليله وكثيره، وينطق بلسان الحال (إِنِّی وَجَّهۡتُ وَجۡهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِیفࣰاۖ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِین)
وحين تقول "الله أكبر" بقلبك ولسانك فإن في ذلك أعظم علاج لداء الكبر والعجب، فالنفس التي تكرر اعترافها لربها بالعظمة والكبرياء في كل يوم وليلة لا يمكن أن يصيبها الكبر ولا العجب، وهي تستحضر أن الله أكبر، وأنها هي أصغر، وأنها ضعيفة فقيرة إليه، لا تستغني عن لطفه ورحمته وكرمه وتوفيقه (یَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17))
قال ابْنِ عُمَر َرضي الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟» قَالَ رَجُلٌ مَنِ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ».
"الله أكبر كبيرًا جلالٌ للهٍ وإجلالٌ لجنابه، وعلوٌ لله وسموٌ لصفاته {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}
اللهُ أَكبَرُ مَا أَحْلَى النِّدَاءَ بِهَا *** كَأَنَّهُ الرِّيُّ فِي الأَرْوَاحِ يُحْيِيْهَا"
عباد الله
نحن الآن في أيام قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم (أفضلُ أيامِ الدنيا أيام العشر) كما قال النبي ﷺ
أيامٌ أقسمَ اللهُ بها في كتابِه.. والله عظيمٌ ولا يقسم إلا بعظيم (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ)
ومن أعظم ما يشرع فيها من الأعمال التكبير وسائر أنواع ذكر الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ)
في صحيح البخاري أن أبا هريرة وابن عمر كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهم .
وكان عمر ابن الخطاب يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا .
قالَ مَيمونُ بنُ مِهْرانَ: أدرَكْتُ الناسَ، وإنَّهمْ لَيُكبِّرونَ في العَشْرِ، حتَّى كنتُ أشبِّهُهُ بالأمواجِ مِن كَثْرَتِها!
وكان ابن عمر يكبر بمنى خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا .
فلنحيي هذه السنة الجليلة، ولنحيي بالتكبير بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا ومساجدنا..
وأما وقت التكبير في هذه الأيام، فالتكبير ينقسم إلى قسمين:
تكبير مطلق: وهو الذي لا يتقيد بشيء ، فيُسن دائماً ، في الصباح والمساء ، في البيت وفي السوق وفي المسجد، وفي كل وقت. فيُسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق.
والنوع الثاني هو التكبير المقيد: وهو الذي يتأكد بالتقيد بأدبار الصلوات، فهو يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام -يعني أيَّامَ العشر-)ِ ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟ قالَ : (ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ)
هذه أيام العمل، فبادروا وجدوا واجتهدوا، وتزودوا من الأعمال الصالحة..
فالعملُ الصالحُ سببٌ عظيمٌ من أسبابِ الثباتِ على الدينِ (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)
والعملُ الصالحُ سببٌ لتكفيرِ السيئاتِ التي تجلبُ لكَ همومَ الدنيا ومصائبَها (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)
والعملُ الصالحُ تنالُ به الحياةَ الطيبةَ السعيدةَ الهنيئة ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وبالعملِ الصالحِ تَكسِبُ محبةَ قلوبِ العبادِ ويوضعُ لكَ القبولُ في الأرض (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)
عباد الله:
إنما هي عشرةُ أيام .. قليلةُ العدد.. كثيرةُ البركة.. لا مثيلَ لها في العام..
هو أعظمُ موسمٍ تستزيدُ فيه من العملِ الصالحِ..
ولتكونَ من الفائزينَ في هذا الموسم، فأنتَ محتاجٌ إلى توفيقِ من اللهِ تستجلبُه بالانطراحِ بين يديه وسؤالِ العونِ والمددِ من لدنْه والتبرؤِ من الحولِ والقوةِ إلا به..
ثم تحتاج إلى الجد والاجتهاد، فاطرحِ الكسلَ واحملْ نفسَك على الصبرِ والمصابرةِ على الطاعة..
وحينها أبشر بالخير العظيم والكرم من الكريم ..
اللهم وفقنا لما تحبُّ وترضى وخذ بناصيتِنا للبرِّ والتقوى..
اللهم وفقنا لطاعتِك وجنبنا معصيتَك..
اللهم أعنا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتك..
اللهم إنا نسألك الغنيمةَ من كلِّ برٍّ والسلامةَ من كل إثمٍ والفوزَ بالجنة والنجاةَ من النار..
المرفقات
1656578232_أسرار التكبير وفضائل عشر ذي الحجة.pdf
1656578232_أسرار التكبير وفضائل عشر ذي الحجة.docx