أسراب البعوض

صالح العويد
1432/11/01 - 2011/09/29 15:34PM
خطبة أعجبتني للأخ الفاضل / فيصل الحليبي

قمت ببعض التنسيقات فيها أسأل الله أن ينفع بها


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه. ذوي القدر العلي والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.،

أما بعد اتقوا الله عباد الله، وراقبوه في سركم وجهركم، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70،

أحبتَنا الكرام،: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا

قد يعجب البعض من ضرب الله مثلاً بالبعوضة في القرآن الكريم، تلك الحشرة الصغيرة التي تبحث عن أكثر أماكن الإنسان نورًا لتحطّ رحالها فيه، فتحيل هدوءَه إلى تضجُّر وتبرّم، فتختفي مرة وتبدو مرة أخرى، محاولةً الانقضاض عليه في وقتٍ قد أخلدت جوارحه فيه إلى السكون والراحة، ثم تهبط بخلسة على ذلك الجسد الآمن، وصاحبه لا يشعر بهذا التخطيط، ولا يحسّ بذلك الكيد، ثم تسلّط رمحها البغيض على جسده المستقر، وفي برهة من الزمن ينتبه ذلك المسكين بأنه طعِن غيلة، وسُرق دمه من جسده، فيتلفّت يمنة ويسرة ليرى بأم عينيه أنها البعوضة، تلك الحشرة التي تعيش على الآخرين، تهجم عليهم في غفلاتهم، وتمتصّ منهم دماءهم، فلا يملك حين يراها قد أفلتت طائرةً من بين يديه إلا أن يطلق دعوات ممتزجة بزفرات التظلُّم والقهر بأن لا يحالفها التوفيق، وأن يشفي غيظ قلبه فيها بأن يراها ميتة ودمه يقطر منها.

ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون وأمثال البعوض في زماننا كثيرون خلفها منقادون تقود فئامًا من الناس إلى قذارتها، تنهج بهم سبيلها المظلم القاتم، ساروا خلفها، اتبعوا أثرها، يبنون حياتهم على أذى الآخرين، ويسعدون أنفسَهم على حساب غيرهم، فارتضى بعضهم أن يلوكَ لحمَ أخيه ميتا، فهو لا يشغل وقته إلا بذكر أسوأ أحوال إخوانه المسلمين، يتلذّذ باستنقاصهم، ويستطعم النيلَ منهم، يصفهم بأقبح الأوصاف، ويسمِهم بأشنع السِّمات، يُضحك القومَ بأخبارهم، ويبهج الأعداءَ بشرّ أقدارهم، سلِم من لسانه اليهود والنصارى، ولم يسلم منه إخوانه فيا عجبًا من هؤلاء! كيف وقر الوقر في آذانهم من قول خالقهم: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]؟! أم كيف جهلوا قول نبيهم : ((لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)) رواه أبو داود؟!

يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار من نحاس، هل تريد أن تكون منهم فاتق الله -عبدالله- واتق الله أن تكون ممن ينصت لهؤلاء في طعنهم في أعراض الناس والأكل من لحومهم، لا تتردّد أن تسكتَ ألسنتهم عن هذا الحرام، وكن درعًا لظهر أخيك في الغيب، ليردّ الله عنك النار يوم القيامة؛ فإن رسول الله يقول: ((من ردَّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

أيها المسلمون، وحملت فئة من كتائب البعوض لواءَ السعي بين الناس بالإفساد وإفشاء العداوة بين الأشقاء والأصدقاء، فلا يهدأ لهم بال حتى يرَوا الصديقين الحميمين قد تعاديا، والزوجين الحبيبين قد تفرّقا، والقريبين المتآلفين قد اختلفا، سرى حبّ النميمة مجرى الدم في عروقهم، يحرقهم صفاء الأفئدة، ويغيظهم حب التآلف، مرضت نفوسهم، واسودّت قلوبهم، فأيّ ذمّ نذمهم بعد ذمّ خالقهم لهم حين قال: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11]؟! وأيُّ وعيد يذكر لهم بعد وعيد الرسول حين مرَّ بقبرين فقال: ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) رواه البخاري؟! فإذا كان هذا الحال الموحش لصاحب النميمة في قبره فما حاله يوم يقف بين يدي ربه وأمام خصمه؟!

وتستطيب فئة من أسارى البعوض البحثَ عن عيوب الناس، فيرون القذاةَ في أعين إخوانهم، ولا يرون الجذع في أعينهم، أصبح الاستهزاء لهم طبعًا، والسخرية لهم سمتا، ما إن يعثر أحدهم على عيب لأخيه ليس من كسب يده إلا ضخّموه، وأضافوا إليه الزور والبهتان، وطاروا به يذيعونه في المجالس والبيوت، يضحكون به أقرانهم، ويشفون به مرض نفوسهم، وقد حادوا بذلك عن منهج الله القويم في كتابه الكريم حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11]، يقول الرسول: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) رواه مسلم.

أيها الأحبة ولا تقلّ فئة من هؤلاء أذًى على المسلمين اعتادت أن تترصّد لأفعالهم وأقوالهم، فيستمعون منهم ما يكرهون سماعه، ويتجسّسون على ما يحبون إخفاءه، تناسوا أن لعباد الله أسرارًا وعورات اتبعوها فأفسدوها أوكادوا يفسدونها كماقال الحبيب ((إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) رواه أبو داود بإسناد صحيح. ويضيف هؤلاء على خطيئتهم خطيئة حينما يلحقون هتكهم لأعراض الناس بالشماتة عليهم والفرح بمصائبهم، يقول الرسول: ((لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

اللهم آت أنفسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ـ لعلكم ترحمون. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه غفور رحيم
المشاهدات 2326 | التعليقات 1

الحمد لله جعل المؤمنين إخوة . أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره .وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلّم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، أصحاب الصدور السليمة ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أمابعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن نبينا صلى الله عليه وسلم حرص على أن تستظل أمته بظل الإخاء والترابط، محذّرًا من العوامل التي تنقض عرى ذلك الرباط، ومخوّفًا من إنشاء العداوات وأسبابها فقد قال عليه السلام قولا بليغا جامعا منيعا: ((لا تَحَاسَدُوا، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا)) وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)) رواه مسلم.

والخطر إنما يكمن في كون كثير ممن استمرأ الحياة على حساب الآخرين أن جعل الغيبة عنده تسلية، والنميمة نصيحة، والسخرية مزاحًا، والتجسّس حبّ اطلاع فحسب، والواقع أن العبرةَ إنما هي بالمعاني وليست بالألفاظ والأسامي. لنعلم جميعًا أن كل هذه المحرمات توغر في الصدور الحقدَ والحسد، وتبني في القلوب صروحًا مظلمة من الشحناء والبغضاء، وإن أولها المزاح واللهو، ويكفي أنها تملأ الصحائف لغوًا ينكّس رأس الإنسان بين يدي خالقه يوم القيامة، ويخجله أمام خلقه، بل إنه وسيلة للإفلاس يوم لا سبيل إلى الغنى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)) رواه مسلم . فليتق الإنسان ربه، وليعط إخوانه المسلمين حقوقهم، لتحفظ له حقوقه، فما لا يرضاه لنفسه فيجب أن لا يرضاه لغيره.صلوا ـ بعد ذلك ـ وسلموا على حبيب الله ومصطفاه، كما أمركم ربكم فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على سيّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين .سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم أرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلا وارزقهم اجتنابه ، وانصر بهم دينك ، وأعل بهم كلمتك ، وأعز بهم الإسلام وأهله يا رب العالمين .

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم نور على أهل القبور من المؤمنين قبورهم ،واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم ، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضى المسلمين ،واكتب الصحة والعافية والسلامة والتوفيق والهداية لنا ولكافة المسلمين اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنى والزلازل والمحن ، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه وكرمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون