أسبوع من رمضان !

أسبوع من رمضان!

خطبة الجمعة.

الحمد لله الذي شرع الصيام، ويسر ما شرع فيه من الأحكام، وجعل صوم رمضان أحد أركان الإسلام، أحمده سبحانه على ما له من عظيم الجود والإحسان، وأشكره أن بلغنا شهر رمضان.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى وصفات الكمال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير الخلق نهجاً، وأعظمهم خلقاً، وأكرمهم سجية، فأعظم به من نبي حميد الخصال.

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وأكرم آل.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله، واتبعوا هداه، فقد أفلح عبد راقب الله واتقاه، وسارع إلى الفرار من موجبات عضبه، والأخذ بأسباب رضاه، واستجابة لأمره الذي به وصاه، فكان من الموعودين بأنواع التكريم (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة:21-22].

أيها المسلمون: إن شهر رمضان شهر عظيم، ووافد كريم، فهو سيد الشهور، وقد وعد الله المتقين فيه بعظيم الأجور، وقد بلغكم الله إياه، وجعله من موجبات تقواه، وكتب عليكم صيامه، وسن لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم قيامه، فاتجروا فيه بصالح الأعمال، وتزودوا فيه بكريم الخصال. ألا وإن لحظاته منصرمة وأيامه ماضية، فأحسنوا فيه رجاء أن يقال لكم غداً: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:24].

وكونوا ممن وصفهم مولاهم بقوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17].

أيها المسلمون:  إنكم تعيشون رمضان؛ شهر البركة الذي يغشاكم الله فيه برحمته فيغفر الذنوب، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي فيه من حرم رحمة الله عز وجل، وحيل بينه -لإعراضه وسوء عمله- وبين جنة عرضها السماوات والأرض، فصوموا نهاره محتسبين محسنين، وقوموا ليله راهبين راغبين، وأكثروا فيه من الدعاء متضرعين مستكينين.

واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وهما: شهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار. وخصلتان لا غنى لكم عنهما وهما: سؤال الله الجنة، والاستعاذة به من النار.

وتوبوا إلى الله تعالى من أنواع الفسوق والعصيان، واغتنموا فرصة بلوغ هذا الشهر بالاستكثار من أنواع الإحسان: أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، تدخلوا الجنة بسلام، ولا تحتقروا معروفاً ولو قلّ ، وارحموا الضعفاء من اليتامى والنساء والمساكين والمحرومين، فإنَّما تُرزقونَ و تُنصرونَ بضعفائِكُمْ، وأسعفوا المضطرين، وأغيثوا الملهوفين، وواسوا المنكوبين؛ فإن أفضل الصدقة صدقة في رمضان، وأكثروا من تلاوة القرآن، فإن لكم بكل حرف منه عشر حسنات، مضاعفة إلى سبعمائة ضعف، فكيف إذا كان ذلك في رمضان؟ فهنيئاً لكم يا أهل القرآن.

أيها الصائمون: حافظوا على صيامكم باجتناب المفطرات، وما اختلف في تفطيره، فإن اجتنابه من ترك الريبة واتقاء الشبهات، واشغلوا أوقاتكم بأنواع الطاعات وجليل القربات، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم، فذلك شأن أهل المروءات، فلا تسمحوا لأحد أن يخل بصيامكم، فإن من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، لاحظوا أن الصيام اختبار عظيم لكل واحد منا كيف ستكون أخلاقه حال صومه فيظهر على حقيقته ليميز الله الخبيث من الطيب؛ ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، واعلموا أن الله تعالى لا يقبل الصيام من غير المصلين، ولا يرضى لعباده أن يتشبهوا بالمنافقين الذين ذمهم الله في قوله المبين: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:142]. وقوله: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:54].

أيها المسلمون: من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، ولا جناح على الصائم فيما يدخل جوفه من الريق أو غبار الطريق. ومن أصبح جنباً فليبدأ بالسحور، وليؤخر الاغتسال حتى يفرغ من سحوره، ولا شيء عليه.

وذلك من لطف الحليم الغفور، ومن تعمد القيء - أي إخراج ما فيه بطنه من الطعام- من افقد أفطر، ومن غلبه القيء فلا شيء عليه.

أيها المسلمون!

احتاطوا لدينكم عند السؤال ؛ وخذوا العلم من أهله من العلماء الربانيين فإن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فتوبوا إليه واستغفروه وادعوه وارجوه.

الخطبة الثانية.

الحمد لله الذي جعل الصّيامَ جُنّة، أحمده سبحانه وأشكره على ما هدى ويسّر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله وسلام عليه وعلى آله وأصحابِه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أَمَّا بعد!

أَيُّهَا الصَّائِمُونَ! :كل واحد منا يمني النفس بأن تكون له عمرة في رمضان لينال بذلك أجر حجة وفي أفضل الشهور على الإطلاق ولكن ليس الكل يستطيع ذلك فكل له ظروفه وأحواله! ولكن من عظيم فضل الله عز وجل علينا أن يسر لنا عملا إذا عملناه فإن نحوز على أجر العمرة ونحن في مكاننا بإذن الله تعالى وهو ما رواه الترمذي (586) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تامة تامة تامة ) حسنه الألباني.

أي: ثم صلى بعد أن ترتفع الشمس قدر رمح حتى يخرج وقت الكراهة، وهذه الصلاة تسمى صلاة الإشراق، وهي أول الضحى فتصلي الفجر في جماعة ثم تجلس في مصلاك تذكر الله وتتلو كتابه حتى تشرق الشمس وتنتظر ارتفاعها قيد رمح أي عشر دقائق تقريبا ثم تصلي فتحصل على أجر عمرة وحجة تامة بإذن الله تعالى!

فهذا فضل عظيم يسير من الكريم اللطيف جل جلاله!

وهناك كذلك جمعيات الدعوة الرسمية في بلادنا المباركة يوجد فيها مشاريع كفالة المعتمرين فمبلغ بسيط تستطيع أن تكفل معتمر فتأخذ مثل أجر عمرته وصلاته وتلاوته وأنت في مكانك فالله أكبر ما أكرم الله وما أبخلنا على أنفسنا!

وأُذَكِّرُ -نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ- بِأَنَّ لِكُلِّ صَائِمٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، تُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ الْإِجَابَةِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ». فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الدَّعَوَاتِ الطَّيِّبَاتِ، لاسيما فِي أَوْقَاتِ السَّحَرِ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَفِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ عصر كُلِّ جُمُعَةٍ.. وَعِنْدَ الْإِفْطَارِ ادْعُوا لِأَنْفُسِكُمْ

هذا واعلموا ان الله قد أمركم بأمرٍ بدأ نفسه، وثَنى به ملائكته المسبحة بقُدسه، وثَلّثَ بكم أيها المؤمنون من جِنّه وإنسه، فقال

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم ارزقنا صدق الصائمين ، وإقبال القائمين وخصال المتقين ، واحشرنا يوم النشور في زمره المنعمين ، وبلغنا بفضلك ورحمتك درجات المقربين.

اللهم كما بلغتنا بفضلك رمضان فبارك لنا فيه وبلغنا آخره واجعل أوقاتنا فيه عامرة وأعنا وقونا واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتنا على دينك!

اللهم طهّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تُخْفِي الصدور اللهم زيّنا بزينة القرآن واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيّئها لا يصرف سيّئها عنا إلا أنت!

اللهم اغفر لوالدينا واجزهم عنا خير الجزاء

اللهم ارزقنا فرحة دخول الجنات بلا عذاب ولا سابق حساب برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين ووفق اللهم ولي أمرنا خادم الحرمين وولي عهده لكل خير وأعلي بهم كلمة الحق والدين وأدم على بلادنا نعمة الدين والإيمان والأمن والأمان وعُم بها جميع أوطان المسلمين.

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

 وصَلِّ اللهم على نبينا محمد.

المرفقات

1741294413_أسبوع من رمضان!.pdf

المشاهدات 2345 | التعليقات 0