أُسبُوعٌ مُمْطِرٌ فِي رُبُوعِنَا بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى 1442/4/19هـ
خالد محمد القرعاوي
أُسبُوعٌ مُمْطِرٌ فِي رُبُوعِنَا بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى 1442/4/19هـ
الحمدُ لله واسِعِ الفَضْلِ والعَطَاءِ, سَمِيعٌ قَريبٌ مُجيبُ الدُّعاءِ. أَشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ وَاسِعُ الكَرمِ وَالْجُودِ, وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمداً عبدُ الله ورسولُهُ صاحِبُ الحوضِ المَورودِ, صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى اليومِ الْمَوعُودِ. أَمَّا بعدُ. فَأوصيكم عِبَادَ اللهِ وَنفسي بِتقوى اللهِ تَعالى, فَمَن سَألَ رَبَّهُ منَحَهُ وأَعطَاهُ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . عبادَ اللهِ: إنَّنَا لَنَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى وَنَشكُرُهُ فَنحنُ في نِعَمٍ زَاخرةٍ وخَيراتٍ وَافِرَةٍ, سَمَاؤُنَا تُمطِرُ وشَجَرُنا يُثمِرُ وأَرضُنا تَخْضَرُّ, وَآبَارُنَا تَمتَلئُ, فَحَمْداً لكَ ياربُّ, فَلقد أَنزَلتَ علينا غَيثَاً مُغِيثَاً, عَمَّ الأَرَاضي رِيِّاً, وَلَمْ تَزلْ بِنَا رَؤفاً حَفِيَّاً, فَأصبَحنا وأَمسَينا مُستبَشِرِينَ وبِرَحمَتِكَ ورِزقِكَ فَرِحينَ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ . لقد عمَّتِ الفَرحةُ الجَمِيعَ, فَخرَجَوا لِمَشْهَدِ الأَودِيةِ والشِّعابِ, وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ .فَسُبحَانَ:(مَنْ يَدُهُ مَلأَى لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ سَحَّاءُ الَّليلِ والنَّهَارِ). رَبُّنا: رَحيمٌ حَلِيمٌ, عَظِيمٌ كريمٌ, يُنزِلُ المَطَرَ بِدعوَةٍ صَادِقَةٍ صَالِحَةٍ, أو صَبِيِّ لم تُكتب عليهِ ذُنوبٌ، أو بِرَحمَةِ البَهَائِمِ، وقَدْ قَالَ نبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ). رَواهُ البُخَارِيُّ. إخْوَةَ الإسْلامِ: كُلَّما جَدَّدَ لَكم رَبُّكم نِعَمَاً فَجَدِّدوا لها حَمْدَاً وشُكرَا, وكُلَّما صَرَفَ عنكُم المَكَارِهَ فَقُومُوا بِحقِّ طَاعَتِهِ ثَنَاءً لَهُ وذِكْرا, وَتَذَكَّرُوا قَولَ اللهِ تَعَالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ .عَنْ صُهَيْبٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". رَواهُ مُسْلِمٌ. فَالشُّكْرُ سَبَبٌ لِرِضَى الرَّبِّ: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ .قَالَ عَلِيٌّ رَضيَ اللهُ عَنهُ: (النِّعْمَةُ مَوصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ، وَهمَا مَقْرُونَانِ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ حَتى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ العَبْد)ِ وَقَاَلَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ:( اللهُ لا يُعَذِّبُ شَاكِرًا وَلا مُؤمِنًا ).يَا مُؤمِنُونَ: استَمسِكُوا بِدِينِكُم, وأَقِيمُوا صَلاتَكُم, وأدُّوا زِكَاةَ أموالِكُم, واحفَظُوا جَوَارِحَكُم, واحذَرُوا مُخالَفَةَ رَبِّكم فإنَّ اللهَ تَعَالى يَغَارُ، وَاحذَرُوا مِنْ المُجَاهَرَةِ بالمُنْكَرَاتِ, وتَذَكَّروا أنَّ الفِتَنَ تُدفَعُ بالأَمِرِ بالْمَعرُوفِ والنَّهي عن الْمُنكَرِ, فاللهم اجعلْ ما أَنزَلْتَ مَتَاعاً لنا وبَلاغاً إلى حينٍ. واستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِلمُسلِمِينَ من كلِّ ذَنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ مُسبلِ النِّعمِ علينا عَظُمَ حِلمُه فَستَرَ، وَبَسطَ يَدَهُ بِالعطَاءِ فَأكثَرَ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَن سَارَ على الهُدَى. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: واحْمَدُوا اللهَ على هَذِهِ الأمْطَارِ, وَاسْأَلُوهُ خَيْرَهَا وَبَرَكَتَهَا فَالمَطرُ هُوَ الحَيَاةُ وَكَفى! يَقولُ جلَّ وَعَلا: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
أيَّها المؤمنُ: ولِلمطَرِ سُننٌ قَولِيةٌ وأُخرى فِعلِيَّةٌ, فَقد كانَ رَسُولُ اللهِ إذا رَأى الغَيثَ قالَ: (الَّلهمَّ صَيِّبَاً نَافِعَاً).(مُطرنا بِفضلِ اللهِ وَرَحمَتِهِ). وكانَ إذا اشتَدَّ المَطَرُ وَخَشِيَ الضَّرَرَ قالَ:(اللهمَّ حَوالَينَا ولا عَلَينَا, اللهمَّ على الآكَامِ والظِّرَابِ وبُطُونِ الأَودِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ).وَكَانَ يَكشِفُ بَعضَ بَدِنِهِ لِيصيبَهُ المَطرُ. ويَحَسِرُ ثَوبَهُ، ويَكشِفُ عن عِمَامَتِهِ لِيُصِيبَ المَطَرُ جَسَدَهُ, ويُسَنُّ الدُّعَاءُ حالَ نُزُولِهِ لِقولهِ :( ثِنْتَانِ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ, وَتَحْتَ الْمَطَرِ) حَسَّنَهُ الألبَانِيُّ. مَعاشِرَ الكِرَامِ: وعندَ نُزُولِ الأَمطَارِ هُناكَ تَهَوُّرَاتٌ وأَخطارٌ تَقعُ مِن شَبَابِنا, دَافِعُها التَّفَاخُرُ وحُبُّ المُغَامَرَةِ, كالسُّرعَةِ المُفرَطَةِ, وتَجَاوزاتٍ مُتَهوِرَةٍ, وبعضُهُمْ يُغامِرُ بِدُخُولِ سَيَارِاتِهم إلى الشـِّعابِ والأَودِيَةِ ممَّا يَنتُجُ عنه خُطورة ٌبَالِغَةٌ, فَكيفَ بِمن يُهملُ الأَطفالَ والنِّساءَ ويَسمَحُ لهم بِذَلِكَ؟! فأين حقٌّ الرِّعايَةِ وحُسنُ القَوامَةِ؟! فَخُذوا حِذركم: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ . والمطَرُ عبادَ اللهِ: نِعمةٌ وَرَحْمَةٌ بِالعِبَادِ وَتَخْفِيفٌ عَلَيهِمْ, وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ جَوازَ الجَمْعِ بَينَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ حَالَ نُزُولِ المَطَرِ, وَلَكِنْ لا تُقصَرُ الصَّلاةُ حالَ الإقامَةِ, كَمَا يَجِبُ الحَذَرُ مْنْ خُطُورَةِ التَّساهُلِ والتَّسارُعِ فِي الجَمْعِ, فَقد بيَّنَ العُلماءُ أنَّ الجَمْعَ يَكُونُ, بِوجُودِ مَشقَّةٍ على المُصلينَ, أو وجُودِ وحَلٍ وَطِينٍ, أو مَطَرٍ يَهطِلُ أَثْنَاءَ الصَّلاةِ يَبُلُّ الثِّيابَ, ويُؤذِي المُصلِّينَ. فاللهمَّ اجعلنا لِنِعَمِكَ من الشَّاكِرينَ وَلَكَ من الذَّاكِرينَ, اللهمَّ واجعل مَا أَنزلْتَهُ عَلينا رَحمَةً لَنا وبَلاغَاً إلى حِينٍ, اللهمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عنَّا, اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك من زَوالِ نِعمَتِكَ وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ وَجَميعِ سَخَطِكَ، اللهمَّ لا تَجعلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنَا ولا تَجعلْ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّنَا، واغفر لَنا وارحَمنَا واعفُ عنَّا, لا إلهَ إلاَّ أنتَ سُبحانَكَ إنَّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمينَ لئن لمْ يَرْحمْنَا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرِينَ, اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق