أسباب انشراح الصدر

أنشر تؤجر
1446/05/19 - 2024/11/21 17:12PM

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي شرح صدر من شاء من عباده للإسلام بفضله ، وأضل من شاء من عباده بعدله ، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله وآله وصحبه أما بعد :

فأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله : نعمة من أعظم النعم ، ومطلب يسعى إليه كل إنسان في هذه الحياة ألا وهو : أن يكون منشرح الصدر ، وأن يعيش حياته في سعادة وطمأنينة ، فهذه من أعظم النعم ، ولذلك امتن الله بها على نبيه ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشرح الناس صدراً مع ما كان يواجهه من ابتلاء وامتحان ، يقول تعالى مذكراً نبيه بهذه النعمة :[ألم نشرح لك صدرك ]

ومن المؤسف أن كثيراً من الناس يبحثون عما يزيل عنهم هذا الضيق بأسباب زادتهم ضيقا إلى ضيقهم ، كالوقوع في الذنوب والسيئات ، وكالتوسع في الماديات كلُ هذا بحثاً عن انشراح الصدر، وقليلٌ منهم الذين أخذوا بالأسباب الحقيقية التي تشرح الصدر .

وإن من هذه الأسباب بل أعظمها :

أولاً : توحيد الله وإخلاص العبادة له ، فالعبد الذي تعلق قلبه بالله معتقداً أن الله هو الخالق المالك المدبر ، وأنه لا يستحق أن يعبد إلا الله فهو لا يريد إلا رضى الله ، فعمله لله وتوكله على الله ورجاؤه بالله فكل عبادة قلبية وقولية وفعلية فهي لله لا يصرفها للمخلوقين ، فهذا العبد هو من أشرح الناس صدراً ، بخلاف المشرك فإنه يعيش الضيق والقلق والخوف ، قال تعالى :( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الأنعام : 162 )

ومن أسباب انشراح الصدر :  كثرة ذكر الله ، كيف لا يكون الذكر من أعظم أسباب انشراح الصدر ؟! والله الذي خلق هذه الصدور العالم بما يؤنسها ويشرحها يقول :( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد : 28 ).

فعلينا أن نحرص على كثرة ذكر الله ، ولنعلم أن الذكر منه ما هو مطلق ومنه ما هو مقيد ، فالمطلق في كل وقت يذكر الإنسان ربه ، وأما المقيد فهو الذي يكون في أزمانٍ وأحوال معينة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يتقيد بما جاء ولا يزيد عليه ، مثل : الأذكار التي تقال بعد الصلوات المفروضة ، وأذكار النوم ، وأذكار الصباح والمساء ، ومن ذلك : قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في كل يوم مائة مرة ، فله تأثير عجيب في انشراح الصدر .

وأعظم الذكر وأشرفه تلاوة كتاب الله ، فالقرآن شفاء لهذه الصدور ، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس : 57 )

ومن أسباب انشراح الصدر : الدعاء بانشراح الصدر ، فهذا موسى عليه السلام يدعو ربه أن يشرح صدره ، قال تعالى :( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) (طه : 25 )

 ومن أسباب انشراح الصدر : أن يتأمل الإنسان في كثرة نعم الله عليه ، قال الله تعالى :( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ).

وأن ينظر الإنسان إلى من دونه في أمور الدنيا ولا ينظر إلى من فوقه ، فالإنسان إذا نظر إلى من هو أقل منه فإنه يرى أنه في نعمة ويقوده هذا إلى الشكر ، وأما إذا نظر إلى من هو فوقه فإنه يحتقر النعمة التي هو فيها ولا يقوم بشكرها ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :(انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم )

ومن أسباب انشراح الصدر : كثرة الأعمال الصالحة فيؤدي الإنسان الفرائض ولا يضيعها ويكثر من النوافل ، قال تعالى :( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (النحل : 97 )

ومن أعظم الفرائض : الصلاة ، فالمحافظة على الصلوات فرضها ونفلها من أسباب انشراح الصدر ، يقول ربنا تبارك وتعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله :( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ).

ومن أسباب انشراح الصدر : الإحسان إلى الناس ، فمن أسعد الناس بالسعي في تفريج كرباتهم وتخفيف مصابهم ، فإن الله يسعده ، قال تعالى :( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه]

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا ، وأن يحيينا حياة طيبة ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي شرح صدر من شاء من عباده للإسلام بفضله ، وأضل من شاء من عباده بعدله ، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله وآله وصحبه ، أما بعد :

ومن أسباب انشراح الصدر : الرضا بقضاء الله وقدره ، وأن يعلم المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، ففي صحيح مسلم من حديث صهيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )

وقال علقمة في قوله تعالى :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (التغابن : 11 ) قال رحمه الله :[ هو الرجل يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ]

ومن أسباب انشراح الصدر : البعد عن الذنوب والمعاصي ، فإنها من أسباب ضيق الصدر ، فلا راحة إلا بتركها يقول تعالى :( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) (طه : 124 ) والضنك هو الضيق ، وكلما كان الإنسان أكثر ذنوباً كلما كان ضيقه أشد ، فعلينا أن نحذر الذنوب والمعاصي وإذا وقع الإنسان في شيء منها فعليه أن يبادر إلى التوبة ، قال تعالى في صفات المتقين :( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (آل عمران : 135 )

ألا فاتقوا الله _ أيها المؤمنون - ولنأخذ بهذه الأسباب وغيرها مما لم أذكر ، لعل الله أن يشرح صدورنا ويحيينا حياة طيبة .

يا مشقي النفس كم تشقى لراحتها – أتعبتَ نفسك فيما فيه خسرانُ

اقبل على الروح واستكمل فضائلها – فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ .

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ .

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل .

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين .

" اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثا مغيثا ، نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل ، تسقي به البلاد وتنفع به العباد . اللهم أسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق "

{ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }

عِبَادَ اللهِ : اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .

المرفقات

1732198344_أسباب انشراح الصدر.docx

المشاهدات 843 | التعليقات 0