أزمة المثقف مع خطبة الجمعة(رب خطبة صارت خطبة مرارا !!)

أبو عبد الرحمن
1430/10/22 - 2009/10/11 10:35AM
أزمة المثقف مع خطبة الجمعة






الموضوع:قضية للنقاش



د/مصطفى بن حموش (1)


من حكمة الجمعة أن وضعها الإسلام مناسبة أسبوعية للمسلمين ليتجدد إيمانهموارتباطهم بالوحي، ثم التحرر و لو لوقت قصير عن جواذب الحياة الدنيا و إكراهاتهاأحيانا، ثم الالتقاء بالآخرين الذين يشاركونهم الحياة المدنية و سماع أخبار المجتمع .



و لأهمية هذه المناسبة التعبدية فقد شرع واجب الإصغاء إلى الإمام إصغاء مطلقا لايجوز تكديره حتى بمس الحصى أو خيوط الحصير أو السجاد الذي يجلس المصلي عليه . و ماذلك الحرص إلا لاستيعاب خطبة الجمعة و تعاليمها و تسجيل الحضور الكلي فيها.



و لعل عملية حسابية بسيطة تبين لنا قيمة الجمعة كمؤسسة دينية معتبرة في حياتنا. فالمصلى الذي يرتاد الجمعة في مسجد قريته أو حيّه السكني يكون قد حضر خلال عشرسنوات ما يقرب من خمسمائة جمعة أو ما يعدل مائتين و خمسين إلى خمسمائة ساعة بحسب طول الخطبتين و الصلاة، و هو ما يضاهي حضور تكوين مكثف في تخصص علمي أو مهني أو حتى شرعي معين. و إذا حدث أن أهدر هذا الوقت الذهبي الذي يكون المسلم فيه متفرغا و على أتم الاستعداد للتلقي و التعلم فستكون إذن خسارة معتبرة في حياته و حياة مجتمعه.



و من هذا المدخل فإن الكثير منا بحكم إقامته و سكنه يكون من نصيبه أو قدره أن يداوم على إمام واحد طيلة سنوات، يسمع كل خطبه، و يتلقى منه كل معارفه و اطلاعه،حتى لا يبقى في جعبة الخطيب شيء.


و لنا أن نتصور ما قد يعاني منه المثقف مع خطبةالجمعة في هذا الإطار الذي قد يكون فيه الإمام قد استهلك كل أوراقه و خطبه، أو حين يكون أصلا أدنى مستوى من حاضريه.



و الواقع أنه في كثير من الأحيان تكون خطبة الجمعة إسقاطا مباشرا لشخصية الإمام و تكوينه و سعته الفكرية و العلمية. فكما يقال أن كلا ينفق مما عنده، سواء من العلم أو الحلم أو الثقافة. و لذلك فإن سماع المصلي المثقف للخطيب الأقل منه مستوى سيجعله متحرجا في جلسته خلال الخطبتين، اللهم إلا إن كان كلام الخطيب يدور في المواعظ والتذظير .



كثيرا ما تكون الخطب مع تعاقب الأيام و عودة المناسبات و الأعياد على الإمام مكررة و مستخرجة من الأرشيف الخاص بالإمام أو وزارة الشؤون الدينية أحيانا، و يصدق عليها قول أبي العلاء المعري في اللحد: رب خطبة صارت خطبة مرارا. و رغم ما في التذكرة من فوائد إلا أن إلقاء نفس الخطبة و قراءتها تكرارا من نفس الورقة كثيرا مايدخل السأم في نفس المتلقي.


و أذكر أنني كنت أسكن في قرية كان الإمام يحتفظ بحزمة من أوراق الخطب في بيته و من كثرة ما كررها علينا و نحن صغار فقد حفظنا مواضيعها ،و استرجعناها في خواطرنا بمجرد ما يصعد الإمام المنبر و يبدأ بالكلمات الأولى منها.




و من طرائف تلك الخطب أن بعضها كان ينتهي دائما بالدعاء لعساكر الموحدين، و كنت دائما أتساءل عن كنه هذا الدعاء إلى أن نبهني أبي حينذاك أنها تعود إلى عصرالموحدين الذين حكموا شمال إفريقيا والأندلس حوالي القرن الحادي عشر الميلادي.



و في كثير من الأحيان يكون الإمام ذا مستوى علمي متواضع حيث يكون قد توقف في الابتدائي أو الثانوي أو حتى الجامعي الناقص. فمن حيث الإلقاء تكون الرداءة في اللغة و النقص في البلاغة و الركاكة في الخطابة. فقد تحدث الأخطاء اللغوية أضرارا بليغة في أذن السامع خاصة إن كان أستاذ لغة -كما هو حال بعض زملائي- مما يفقدهم لذةالاستماع و المتابعة، و تجعل منهم شرطة لاصطيادها و تصحيحها أحيانا جهرا دون شعور! و علينا أن نتغاضى هنا عن أخطاء القراءة أثناء الصلاة حيث لا يجهل الكثير من الأئمةأحكام القراءة الأساسية ناهيك عن التفريق بين القراءات.



و قد تكون الخطبة أحيانا خارج نسقها الزماني أو المكاني عندما يعاني الإمام من نقص في الوعي بالمحيط السياسي و الاجتماعي و ا لدولي . و قد يمتد هذا النقص إلى الأدعية حيث يختم البعض من الأئمة خطبهم بالدعاء على الكفار و الملحدين منا لأمريكان و الشيوعيين! دون أن يعلموا أن الشيوعية قد زالت منذ أن سقط جدار برلين في بداية التسعينات، و يا ليتهم يعودون حتى يتنوع الكفر فيفترق!



و عند مجاراة الساحة السياسية كثيرا ما يقحم الخطيب نفسه في تحليلات ساذجة تعكس اطلاعه البسيط و منطقه الساذج الذي تطفل على مجال بعيد عنه أو يعكس مستواه الأولي. فيضطر السامع أن يتابعه و لا يقاطعه حاملا في ذهنه ضغطا لا ينتهي إلا عند توقف الخطيب و نزوله من المنبر. و لولا أن تكون من قواعد استماع الخطبة الإنصات والامتناع عن الكلام، لسمع الإمام تعقيبات لا يمكن أن يحصيها حين يوجد في جموع الحاضرين من يحسن ذلك الموضوع أكثر منه.



و قد يأتي هذا التطفل من الأئمة على مجالات أخرى غير السياسة فيخوضون في مواضيعا لطب و الاقتصاد و التكنولوجيا أحيانا لإبراز أهمية الدين و أزليته و تغلغله في كل شيء. ففي محاولة لإقناع الحاضرين بفائدة الدين الصحية و دفعه للأمراض التي تظهر في المجتمعات الأخرى كثيرا ما يسترسل الأئمة في تخصصات أجهزة الجسم و علم الأنسجة والخلايا و أسماء الأمراض مما يجعل الإنسان يتحرج إن يعلم أن في الحاضرين طبيب أوجراح أو حتى بيطري. و كان من الأفيد إن كان و لا بد من التطرق لتلك المواضيع الجلوس إلى أهلها قبل الولوج فيها.



في أحيانا أخرى يعاني السامع خاصة إن كان مثقفا و ذي توجه علمي من الخطب ذات الصبغة الميتافيزيقية ، تستند إلى غيبيات يصعب تصديقها. ............................. إن كثيرا من الأئمة بحكم تكونهم في معاهد دينية و بعدهم عن تطورالعلوم الكونية الهائلة في مختلف مجالات الهندسة و الطب و الفلك و التكنولوجيا يضعون الإسلام في وضع حرج في عقول السامعين للخطب.



و لعل أكثر ما يشترك فيه الخطباء كذلك هو رفع أصواتهم أثناء الخطبة بدافع الحماسة و الحرص لإسماع حتى من لا يسمع، فيبدو الخطيب و كأنه منذر للعرب من شر قداقترب. أو يوشك أن يقع على المصلين. و مما يجعلهم بفعل أسلوب التقريع و كأنهم مذنبون أمامه . و قد يزداد جرأة و هو يخطب فيهم من فوق المنبر كما يفعل المعلم بالأولاد في المدارس. و كأني بذلك الخطيب الذي يضع نفسه زاجرا و ناهيا لا يدرك أن من المصلين من هو أفقه منه و أعلم منه و أثقف منه و أكبر منه سنا و اعتبارا.



من المؤكد أنه لا يجوز ترك الجمعة، حتى و إن كانت فيها ركاكة، و من المؤكد عدم جوا ز الاشتغال بغير الإنصات حتى و لو كان في ذكر القرءان و تحصيل العلوم الأخرى ،لكن ذلك لا يمنعنا من التفكير في إنشاء مؤسسة لخطبة الجمعة تستثمر وقت مجتمعاتنا وتراعي عقول السامعين و ترفع من قيمة كل من يتصدر خطبة الجمعة و صلاتها إلى متوسط ثقافة الحاضرين فلا يكون أدنى منهم على الأقل.



(1) جامعة البحرين




المشاهدات 6455 | التعليقات 8

أساليب لتطوير خطبة الجمعة


بقلم / عمر مناصرية


تابعت باهتمام مقال الأستاذ الدكتور مصطفى بن حموش حول خطبة الجمعة ، ولاشك أن للخطبة من الأهمية ما لا يسعنا إدراكه ، ويجمع الكل على أن خطب الجمع وما أكثرها ، قد فقدت قدرتها على التأثير ، وصارت غير ذات نفع ، إذ سرعان ما يتلاشى تأثيرها ، هذا إن كان لها تأثير أصلا في النفوس .وتتميز الجمع لدينا بالتكرار الممل كما وصف الأستاذ وكثير من الإخوة الأفاضل بردودهم، كما تتميز بالانغماس في المناسباتية الرديئة ، وكل هذا صحيح ، والسؤال هو كيف نعيد للجمعة هيبتها وتأثيرها.

أولا : العلاقة بين الإمام والجمهور
يكاد يكون الإمام متماهيا مع الخطبة نفسها ، فهو ذو دور رمزي يضفيه عليه الدين ، والناس عادة ما يضفون عليه مسحة من العصمة والأسطورية ، إذ لا يجب عليه أن يقع في الخطأ أبدا، وإذ وقع فيه ، كان النقد شديدا له ، وعندما لا يلبي طموحنا من الخطبة ، فإنه يرتد بسرعة كبيرة إلى شخص غير مرغوب فيه ، والكثير من الجمهور ممن نعرفهم ، يحملون للإمام إذا لم يلبي رغبتهم من الخطبة أشياء مشينة ، كما يحملون له بغضا وكرها .
وسبب هذا خاصية أساسية في الجمهور أو الجماعة وصفها غوستاف لوبون وصفا دقيقا رغم الانتقادات التي وجهت له ، فهو يقول في كتابه "روح الاجتماع" بعد أن يتحدث عن أهمية اللاشعور لدى الفرد : " هذه الصفات العامة في الطباع اللاشعورية الموجودة في جميع أفراد كل أمة بدرجة واحدة تقريبا هي التي لها المقام الأول في حركة الجماعات فتختفي مقدرة الأفراد العقلية في روح الجماعة وتنزوي بذلك شخصيتهم وبعبارة أخرى تبتلع الخواص المتشابهة تلك الخواص المتغايرة وتسود الصفات اللاشعورية . ولكن الجماعات إنما تعمل متأثرة بتلك الصفات الاعتيادية يتبين لنا السر في عدم قدرتها على الإتيان بأعمال تقتضي فكرا عاليا وعقلا رجيحا حتى أنك لا تجد فرقا كبيرا فيما يقرره جمع من نخبة الرجال وذوي الكفاءات المختلفة وما يقرره جمع كله من البلداء " (1) .
كما يقول في موضع آخر " وغني عن البيان عدم قدرة الجماعات على التعقل الصحيح ، يذهب منها بملكة النقد أي يجعلها غير قادرة على تمييز الخطأ من الصواب في أمر ما. أما الأفكار التي تقبلها فهي الأفكار التي تلقى إليها لا التي تناقش فيها " (2)
رغم هذا الوصف للجماعة ، ورغم الانتقاد الكثير الذي وجه له ، فإن الخاصية الأساسية للجماعة وهي طغيان اللاشعور هي التي تبقى نافذة لديها بشكل كبير ، وبذلك تصير مطالب الجماعة ، حين الاجتماع مطالب غير عقلية وغير واعية ، وهكذا نجد أن من الناس من يعتمد على الجمعة بشكل كامل في إحياء المسلمين وبعثهم من جديد ، أو أن يقلب وضعا كاملا رأسا على عقب ، وهذه مطالب غير واقعية وغير عقلية ، أضف إلى ذلك الأوضاع المزرية ، والتي تحاول أن تجد لها متنفسا في من خلال الخطبة أو الدرس ، وإذا لم يؤدي الإمام هذا الدور الرمزي في التنفيس ، يصبح مثار قلق وغضب ، بل يصبح مثار استهجان .
فالحالة السائدة في خطب الجمعة إذن ، هي حالة تفرضها المطالب اللاشعورية للحشد ، في ظل عدم تمكن الإمام من إرضاء هذه المطالب.
إن الإمام في ظل هذا الوضع ، إما أن يلبي مطالب الجمهور ، فيعد خطبا في هذا الاتجاه ، فيثير اللاشعور بشكل كبير حتى يصل إلى حد الهيستيريا وهو الحل الذي يقترحه غوستاف لوبون ، إذ على الخطيب أن لا يحاول مناقشة الجمهور أو إثبات شيء له بالدليل المادي ، بل إن عليه أن يثير الخيال بشدة ، ويلقي بالكلمات التي غالبا ما لا يفهم منها أي شيء ، كالديمقراطية والجمهورية وغيرها ، وإما أن يكون على الإمام أن يقمع هذه المطالب ، فيصير متحدثا عن أشياء بعيدة كل البعد ، لا تمت للجمهور بصلة .

والحل الذي جاء به الإسلام ومن أجله أرسى الجمعة يمكن في إخراج مطالب الجمهور ، من اللاوعي المظلم إلى ساحة الوعي المنيرة ، فيقوم بشرح هذه المطالب ، وترتبيها وإثرائها ، بما يساهم في التنفيس عنها بصورة منطقية من جهة ، وقيادتها في اتجاه التحقق على أرض الواقع من جهة أخرى، وكم كان قسنطين ستانسلافيسكي محقا ، حينما شبه عمل الممثل بعمل المهندس ، إذ يحول المهندس القوى اللاواعية في الطبيعة ، إلى قوى واعية، وهكذا يستخدم الرياح والشمس والكهرباء والمغناطيسية ، ويحولها ، إلى قوى واعية تخدم الإنسان ، وبنفس الصورة ، يقوم الممثل ،على خشبة المسرح ، بإخراج القوى اللاواعية الكامنة فيه ، ويحولها إلى قوى واعية تساهم في تربية الجمهور فهو يقول في جواب عن سؤال حول اعتماد العقل الباطن على العقل الواعي " إن ذلك يبدو طبيعيا بالقياس إلى أن استعمال البخار والكهرباء والريح والماء وسائر قوى الطبيعة غير الإرادية يتوقف على ذكاء المهندس ، كذلك الأمر في عقلنا الباطن ، فهو لا يستطيع أن يعمل بدون مهندسه الخاص الذي هو مهارة العقل الواعي الفنية " (3)


لا نبالغ ، حين نقول إن عمل الإمام يكمن في قيادة رغبات المستمعين والجمهور اللاوعية وهو يخطب في اتجاه عقلي واعي.




ولا نبالغ ، حين نقول إن عمل الإمام هو في نفس هذا الاتجاه ، إذ عليه أن يقود رغبات المستمعين والجمهور اللاوعية وهو يخطب في اتجاه عقلي واعي، حيث يصبح أمامهم هدف محدد المعالم يسيرون نحوه ، وليس عليه أن يتركهم في مهب الريح ، لا يعون شيئا مما يقال ويكرر.




ثانيا / بعض الأساليب




إن فهم هذه العلاقة الوثيقة بين الجمهور أو الجماعة وبين الإمام والخطيب يؤدي إلى تحديث بعض الأساليب ، ومنها :

- مخرج الجمعة :

إن الإمام كما قلنا هو مجسد لفكرة محددة ، أو ممثل بالتعبير الحديث ، وغالبا ما يأتي إلى المنبر بلا تحضير مسبق، فيلقي جزافا بأي كلام، ثم سرعان ما يحيد عنه ، فتراه يدخل إلى موضوع آخر ، بلا رابط منطقي في أحيان كثيرة ، وكل هذا هو من تأثير اللاشعور فيه ، إذ تساهم رغبات الجمهور في خلق الحديث والكلام ، وبالتالي فإنه يصبح غير قادر على التحكم في هذه الرغبات ، ويصبح فريسة لها .
ويمكن حل هذه المعضلة بابتكار مخرج الجمعة ، كما هو الحال في المسرح ، أو الفيلم ، وعمل المخرج ، يكون في اتجاه تدريب الخطيب على الأداء الجسدي ، خاصة من الناحية الحركية أو التمثيلية ، كالإلتفاتات والإيماءات ومختلف الوضعيات، فالكثير من الحركات التي يقوم بها الأئمة ، حركات خالية من أي نية أو هدف . ولذلك فإن المستمعين ، لا يدركون قيمتها الحقيقية ، فقد يرفع الإمام يده عاليا ، أو يلتفت إلى جهة في المسجد ، أو غيرها من الحركات ، ولكنها تأتي ارتجالية ، غير ذات هدف ، وبالتالي يضيع الهدف منها .
وينبغي دراسة كل حركة تقريبا، ثم موضعتها في سياق الخطبة ، فقد تصلح حركات الإثارة التي يستعملها الإمام ، مع الخطب التي تهدف إلى نصرة القضية الفلسطينية مثلا، وقد تصلح حركات الرزانة والهدوء في مواضيع أخرى ، وهكذا .. ويمكن قول نفس الشيء عن الإيماءات بالأعين ، أو التأكيدات الجسدية ، وغيرها .
أما بالنسبة للفظة ، فإن عليها أن تدرس بعناية فائقة ، نظرا لأنها تأخذ نصيبا وافرا من أداء الإمام. ولذا لابد أن تبنى بناء في سياق محدد الأهداف ، وقد نستغرب مثل هذا الكلام ، إذ أن الخطاب غالبا ما يأتي حماسيا ، ثائرا ، لا يهدف إلا إلى تحقيق مطالب الإيمام في تحقيق الرضا عن نفسه ، أو تحقيق مطالب الجمهور ، غير أن اللفظة حين تبنى في سياق محدد ، ستكون لها فائدة عظيمة ، إن عبارات الحماس تختلف عن العبارات التي يراد منها التوضيح ، وعبارات طلب العاطفة واستجدائها من نوفس المستمعين ، تختلف عن عبارات التفنيد لقضية أو الرد عن فعل من الأفعال ، وكذا سائر العبارات ، يضاف إلى ذلك نبرة الصوت ن وهي نبرة واحدة لدى الأئمة ، لا تتغير ولا تتبدل ، مع أن لها فعلا سحريا ، ولهذا فإن الخطبة حين يتحدد موضوعها ، فيجب أن تستقطب سائر الألفاظ التي تعين على الهدف ، كما عليها أن تستقطب نبرات صوتية معينة ، يتدرب عليها الإمام ، يساعده في ذلك مخرج الجمعة .
تخطيط الخطبة :
إن على الخطيب أن يضع خطة لخطبته، ويقصد بالخطة ، أن يحدد الهدف منها أولا ، ثم يحدد العبارات والمحتوى الذي سيؤدي إلى إحداث التأثير المرغوب فيه ، وعليه أيضا أن يخلق في ذهن السامع بناء متكاملا للخطبة ، وهذا ما نشاهده في الصحافة المرئية ، إذ نسمع عبارات متكررة ، في كل المواضيع ، كلفظة من "جهة أخرى" حين الرغبة في الانتقال من موضوع إلى آخر ، أو عبارة " في سياق آخر" أو " يذكر أن " ، وهي عبارات قارة في الخطاب الصحفي . كما أن التعبير الصحافي المرئي ، يخضع إلى أقل الكلمات ذات الدلالة ، ويبتعد عن الحشو ، وغيره ، ولذا على الإمام أن يضع لخطبته عبارات تتكرر دائما ، في أثناء الخطبة ، تساعد المستمع على إدراك التحول الذي يحدث في الموضوع أو الخطبة ، وإذا تكرر هذا كثيرا ، صارت الخطبة واضحة البناء في ذهن السامع . ويمكن تنويع هذا البناء، بتنويع أساليب إحداث التحول في الموضوع، حيث يتجدد في كل مرة ، آخذا صيغة التطور . ويمكن عندئذ للإمام أن يضيف إليها ما يشاء ، مستندا إلى الهدف الذي يحدده في كل مرة . وهذا ما نلاحظه لدى الشركات المنتجة ، إذ تطور صيغ سلعها في كل مرة ، حتى صارت لديها موضات متجددة ، مما يؤدي بالزبون إلى إخراج ماله من جيبه في كل مرة .
وهكذا الخطبة أيضا ، إنها تنتج أفكارا ، وعلى الإمام أن لا يترك مستمعيه حيارى ، مشغولين عنه ، لولا قليلا مما تبقى من حرمة الجمعة.

- الحفظ :

الحفظ يحفظ الإمام من كل تأثير للاشعور ، فلا يفتح له مجالا للدخول ، وهو ما يحدث كثيرا لدى الخطباء والأئمة .



من الأساليب الأخرى التي تساعد الإمام في خطبته ، الحفظ . ولكن لماذا الحفظ ؟ لأنه يحفظ الإمام من كل تأثير للاشعور ، فلا يفتح له مجالا للدخول ، وهو ما يحدث كثيرا لدى الخطباء والأئمة ، إذ قد تؤدي لفظة معينة إلى استدعاء لفظة أخرى ، وهذا يستدعي بدوره موضوعا بأكمله ، فينحرف الإمام عن موضوعه الأصلي ، ولذا كان الهدف من عملية الاستدعاء الحر التي ابتكرها " سيجموند فرويد" هي الدخول إلى اللاشعور ومختزناته عبر الحديث الحر والتداعي ، ويقع الإمام في حالة التداعي الحر للأفكار والكلام بنفس الطريقة ، فإنه يعبر عن حالة لاشعورية جماعية ، يكون هو في مركزها ، فيصبح بالتالي ممارسا لتداعي حر ولكنه جماعي ، ممارسا لاستدعاء كافة مختزنات اللاشعور لدى الجماعة ولدى نفسه في نفس الوقت .


ولا يعني الحفظ حفظ كل الخطبة ، بل يعني وضع مخطط لها ، يبين له مساره أثناءها ، باستعمال كلمات دالة تشبه كثيرا معالم لفظية أساسية، تؤدي إلى إدراك التحول ، سواء لدى الإمام أو لدى المستمع ، ويمكن شحن المنطقة المتبقية ، وهي فارغة ، بكل ما يلزم لتحقيق الهدف ، كالأحاديث المناسبة والآيات والدلائل العلمية والمنطقية ، والأمر شبيه جدا ، بعمل المهندس الذي يضع مخططا ومسارا للمشروع، بينما يكون على العمال تنفيذه وشحنه فعليا ، أو بالمنزل ، وهو جديد ، فأركانه واضحة لا تتغير ، بينما يمكن لساكنه ، شغله بما يحتاجه من أثاث ومرافق .

والقراءة من الورقة كما يحدث كثيرا لا يؤدي إلى تحقيق الهدف من الخطبة ، إذ أنها ، أي الورقة ، تخلق تشتتا في مصدر الرسالة ، وهذا من المعوقات التي تعترض عملية الاتصال كثيرا ، ولذا فإن الاعتماد على خطة لمسار الجمعة هو الحل المناسب لزيادة التأثير . أضف إلى ذلك أن الورقة تقتل روح الخطاب ، إذ يصبح وكأنه تكرار لشيء قد حدث سابقا ، أو محاولة إعادة إحساس مر ، وهذا أسلوب غير محبذ ، وربما هو ما أدى بغوستاف لبون إلى التشنيع على أولئك الذين يقرأون خطبهم من الأوراق .
تحليل أوضاع الجمهور النفسية والاجتماعية :
وهذا من أكبر المهام التي على الإمام أن يضعها في تصوره ، فإن العلاقة التي تحكم المستمع والجمهور بالإمام علاقة معقدة جدا ، وكما رأينا فإنها تختزن الكثير من المطالب ، كالأوضاع الراهنة السائدة ، بما تحمله من آلام وانكسارات ، وبمخزونها التراثي التاريخي ، والجمهور يأتي إلى الجمعة ، ليس لأنها واجب ديني فحسب ، بل يأتي أيضا لإرضاء مطالبه اللاشعورية ، خاصة ، في الوقت الراهن الذي كثرت فيه المشكلات والأزمات ، ويعني هذا أن الجمهور يمد الخطيب أو غيره ممن يقف لمواجهته بقواه الهائلة ، ومخزوناته التي لا تنضب ، وهي قوى فطرية لم تمس ، وعليه أن يستعمل هذه القوى بما يتيح لها التحول إلى قوى ذات نفع وهدف ، غير أن الإمام غالبا ما يدرك هذه القوى كآلام فقط ، فيلعب دور المسكن فحسب ، فتراه يسرد الأحاديث التي تتحدث عن الصبر والبلاء وغيرها ، مما يؤدي بالمستمع إلى التخفيف من حدة مشكلاته، ولكن الإمام وهو يفعل هذا ، فإنه كما قلنا يصبح معبرا لاشعوريا عن الآلام ، وقد ينجح قليلا أو كثيرا في التخفيف من حدة مطالبها . وفهم العلاقة بين الجمهور والإمام على هذا النحو ، أي على أنها قوى فطرية ، ستؤدي إلى إدراك مطالب الجمهور ، وإثرائها ، بحيث تصبح مساهمة في العلاج وليس التسكين . وذلك عبر الأساليب السابقة ، حيث تخرج الخطبة من دائرة اللاشعور إلى دائرة الشعور.
ثالثا / صعوبات
ولكن قد يعترض معترض عن هذه الأساليب، إذ أن جعل مخرج للجمعة هو أمر مستحدث ، كما أن التدريب على الخطبة ، هو أمر مفتعل ، والحق أن الهدف من ذلك ، هو جعل الخطبة ذات هدف ، وفرق شاسع بين حركات وألفاظ تؤدى اعتباطا ، وبين حركة ولفظة مخطط لها وذات قصد، وهذا ما يساهم في إخراج الخطبة من براثن اللاشعور إلى واقع العقل ، وبتدريب الإمام على إعداد الجمعة ، حركيا ولفظيا ، سيكتسب مزيدا من التقنيات التي لا يزال جاهلا لها . وهذا كله سيؤدي إلى وضع المستمع في وضع المتسائل ، وبالتالي إدراك أن شيئا جديدا يحدث ، وأن كل ما يقوم به الإمام الآن ، له هدف معين ، سواء كان حركة أو إيماءة أو لفظة ، وكلنا يعلم عن حالة التساؤل التي تسود المسرح ، نظرا لإدراك الجمهور بأن كل ما هو على الخشبة مخطط له سلفا ، ولذا فيجب عليه الانتباه إلى كل ما يقال ويحدث ، وهكذا إذا عرف جمهور المسجد بأن كل ما يحدث أمامه هو ذو هدف ونية ، فإن وضعه سينقلب نهائيا .
وفائدة أخرى ، وهو أن التدريب الحركي واللفظي ، سيقطع الجمهور عن حالة الارتهان التي يقع فيها أثناء الخطبة ، إذ أنه وهو يستمع ، يكون متصلا ومرتهنا بالماضي والتراث ، مقدسا له ، بسبب أن الإمام كما قلنا هو مجسد لفكرة دينية ورمز لها ، وحينما يقابل الجمهور ، فإن الجمهور يضفي عليه سائر ما اختزنه من تراث وتاريخية ، كما يصبح متصلا بكل ما يقال عن لزمن الماضي ، متخيلا له ، وتأمل حال الخطيب حين يتحدث عن السيرة ، أو الصحابة وبعض الأشخاص الذين لديهم رمزية في التاريخ ، إن الخطيب يسترسل في الحديث ، وترى الجماعة في المسجد تتبع ذلك باهتمام بالغ ، وسبب ذلك أن الخطيب في هذه الحالة يخاطب الخيال لدى الجماعة فيثيره ، فيصبح منفعلا أكثر ، مصورا المشاهد والأشخاص ، متخيلا إياهم . فيصبح سلبيا أكثر من أي وقت مضى ، كما يصبح متلقي فحسب ، ويضاف إلى ذلك أن الإمام حين لا يجسد هذا الدور التاريخي والتراثي ، فإنه لا يلقى إلا الإهمال من جانب الجمهور ، والتدريب المسرحي للإمام سيخرج الخطبة من هذا الحالة ، وسيقلع بها في آفاق رحبة ، حيث سيكون فاعلا ، كما يصبح الجمهور مستجيبا وفاعلا أيضا .
إن الإعتراض الآخر ، هو في إدخال تقنيات المسرح والمونودراما إلى المنبر ، وهذا مما لاشك فيه يثير التساؤل ، خاصة وأن المساحة التي يحتلها الإمام في المنبر هي مساحة ضئيلة جدا ، ولا تكفي للقيام بكل الحركات.
إلا أنه علينا الاختيار بين خطبة ذات هدف ونية ، وبين خطبة مرتجلة متحمسة لا هدف لها ولا قصد ، وإذا اخترنا الخطبة الثانية ، فإنه يصبح علينا القبول بكثير مما طوره الإنسان في مجال التأثير ، ولا يتنافى ذلك مع المصلحة الشرعية ، ما دام يحقق فائدة عظيمة . وليس أدل على هذا مما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ كان كلامه سليما من أي شائبة ، سواء من حيث المعنى أو اللفظ ، فقد أوتي مجامع الكلم ، ويعني هذا أنه حين يكون على ا لمنبر أو خطيبا ، فإنه يؤثر كما يريد هو ، فلا أخطاء ولا أي شيء ، و الإمام لا يستطيع القيام بهذا دون تدريب.


إن المنبر والخطبة ، يكادان يكونان الشكل المغاير للمسرح لدى اليونان ، فوقوف الإمام أمام الحاضرين ، وتحدثه ، يؤدي إلى إضفاء أهمية كبرى عليه ، حيث تصبح سائر أفعاله من حركات وإيماءات وكلام ذات تأثير مغاير ، مراقب بشدة ، ولا يتعلق بشخصيته ، بل بالجمع الذي يشاهده ، إنه يصبح فعلا جماعيا ، ويصبح الإمام في شراكة حقيقية مع المصلين ، وهذه هي العلاقة التي تحكم الممثلين في المسرح ، بالمشاهدين ، أو في أي رسالة لها طرفين .


(1) غوستاف لوبون . روح الاجتماع . ترجمة أحمد فتحي زغلول باشا .موفم للنشر .1988 ص 29 (2) المرجع السابق ص 71 (3) قسنطين ستانسلافيسكي . إعداد الممثل . ترجمة د/ محمد زكي العشماوي و محمود مرسي .دار النهضة العربية بيروت لبنان 1981 .ص 20



http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2037


Quote:


ولنا أن نتصور ما قد يعاني منه المثقف مع خطبة الجمعة في هذا الإطار الذي قد يكون فيه الإمام قد استهلك كل أوراقه و خطبه، أو حين يكون أصلا أدنى مستوى من حاضريه .

ما أتي كثير من الناس ولا قلت استفادتهم وضعفت استجابتهم إلا من هذا المدخل الشيطاني ، حيث يوهمهم العدو اللدود أنهم أكثر ثقافة من الإمام وقد يكونون كذلك فعلاً ، فيوحي إليهم : أن لا استجابة ونحن أكثر ثقافة من إمامنا ، وود الشيطان لو ظفر منا بهذه وحدها ، لصدنا عن السبيل ، فإنه ما من إمام إلا وفي جامعه من هو أكثر منه علمًا ولو في جانب ما ، وعلى هذا فلن يستفيد أحد من أحد ، ولذا فمن الخير أن يكون شأننا : أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، وقد استفاد أبو هريرة من الشيطان لما صدق .



Quote:
و الواقع أنه في كثير من الأحيان تكون خطبة الجمعة إسقاطا مباشرا لشخصية الإمام و تكوينه و سعته الفكرية و العلمية. فكما يقال أن كلا ينفق مما عنده، سواء من العلم أو الحلم أو الثقافة. و لذلك فإن سماع المصلي المثقف للخطيب الأقل منه مستوى سيجعله متحرجا في جلسته خلال الخطبتين، اللهم إلا إن كان كلام الخطيب يدور في المواعظ والتذظير .
فلسلفة فكرية فارغة .


Quote:
كثيرا ما تكون الخطب مع تعاقب الأيام و عودة المناسبات و الأعياد على الإمام مكررة و مستخرجة من الأرشيف الخاص بالإمام أو وزارة الشؤون الدينية أحيانا، و يصدق عليها قول أبي العلاء المعري في اللحد: رب خطبة صارت خطبة مرارا. و رغم ما في التذكرة من فوائد إلا أن إلقاء نفس الخطبة و قراءتها تكرارا من نفس الورقة كثيرا مايدخل السأم في نفس المتلقي.
لا شك أن الإمام مطالب بالتجديد والتغيير ورفع مستواه قدر الإمكان .



Quote:
و في كثير من الأحيان يكون الإمام ذا مستوى علمي متواضع حيث يكون قد توقف في الابتدائي أو الثانوي أو حتى الجامعي الناقص. فمن حيث الإلقاء تكون الرداءة في اللغة و النقص في البلاغة و الركاكة في الخطابة. فقد تحدث الأخطاء اللغوية أضرارا بليغة في أذن السامع خاصة إن كان أستاذ لغة -كما هو حال بعض زملائي- مما يفقدهم لذةالاستماع و المتابعة، و تجعل منهم شرطة لاصطيادها و تصحيحها أحيانا جهرا دون شعور! و علينا أن نتغاضى هنا عن أخطاء القراءة أثناء الصلاة حيث لا يجهل الكثير من الأئمةأحكام القراءة الأساسية ناهيك عن التفريق بين القراءات.

Quote:

هذه مسؤولية وزارات الشؤون الإسلامية والجهات المسؤولة عن الخطباء بشكل مباشر ، ثم يأتي دور الجامعات والمعاهد ، حيث يجب أن يكون هناك تخصصات تخرج خطباء ذوي قدرة على الإمساك بزمام المنبر ونفع الناس من خلاله .


Quote:
و قد تكون الخطبة أحيانا خارج نسقها الزماني أو المكاني عندما يعاني الإمام من نقص في الوعي بالمحيط السياسي و الاجتماعي و ا لدولي . و قد يمتد هذا النقص إلى الأدعية حيث يختم البعض من الأئمة خطبهم بالدعاء على الكفار و الملحدين منا لأمريكان و الشيوعيين! دون أن يعلموا أن الشيوعية قد زالت منذ أن سقط جدار برلين في بداية التسعينات، و يا ليتهم يعودون حتى يتنوع الكفر فيفترق!


ولا يدري الخطيب هل يأخذ بهذا الرأي أم برأي إخواننا الذين يرون أن الاهتمام بمثل هذه الأمور ليس من السنة ولا من هدي السلف ، فأعان الله الخطباء على النقد الذي ينفس به كل واحد ما في نفسه على هؤلاء المبتلين .



Quote:
و عند مجاراة الساحة السياسية كثيرا ما يقحم الخطيب نفسه في تحليلات ساذجة تعكس اطلاعه البسيط و منطقه الساذج الذي تطفل على مجال بعيد عنه أو يعكس مستواه الأولي. فيضطر السامع أن يتابعه و لا يقاطعه حاملا في ذهنه ضغطا لا ينتهي إلا عند توقف الخطيب و نزوله من المنبر. و لولا أن تكون من قواعد استماع الخطبة الإنصات والامتناع عن الكلام، لسمع الإمام تعقيبات لا يمكن أن يحصيها حين يوجد في جموع الحاضرين من يحسن ذلك الموضوع أكثر منه.


تناقض .



Quote:
و قد يأتي هذا التطفل من الأئمة على مجالات أخرى غير السياسة فيخوضون في مواضيعا لطب و الاقتصاد و التكنولوجيا أحيانا لإبراز أهمية الدين و أزليته و تغلغله في كل شيء. ففي محاولة لإقناع الحاضرين بفائدة الدين الصحية و دفعه للأمراض التي تظهر في المجتمعات الأخرى كثيرا ما يسترسل الأئمة في تخصصات أجهزة الجسم و علم الأنسجة والخلايا و أسماء الأمراض مما يجعل الإنسان يتحرج إن يعلم أن في الحاضرين طبيب أوجراح أو حتى بيطري. و كان من الأفيد إن كان و لا بد من التطرق لتلك المواضيع الجلوس إلى أهلها قبل الولوج فيها.


حل جيد يحسن بالخطباء الأخذ به .




Quote:
في أحيانا أخرى يعاني السامع خاصة إن كان مثقفا و ذي توجه علمي من الخطب ذات الصبغة الميتافيزيقية ، تستند إلى غيبيات يصعب تصديقها. ............................. إن كثيرا من الأئمة بحكم تكونهم في معاهد دينية و بعدهم عن تطورالعلوم الكونية الهائلة في مختلف مجالات الهندسة و الطب و الفلك و التكنولوجيا يضعون الإسلام في وضع حرج في عقول السامعين للخطب.
لا أدري ما المقصود بهذه ؟!
ولكن الإيمان بالغيب أحد أركان الإيمان الستة ، وهو أول صفات المتقين " الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ... "


وإذا لم يكن الأئمة تخرجوا من معاهد دينية ــ كما يقول صاحبنا ــ فمن أين يتخرجون ؟! وهل البعد عن التطور في العلوم يغير من الإيمان بالغيب شيئًا ؟!
وأما وضع الإسلام في وضع حرج فما لهذه مطار ــ كما يقال ــ وما كان شيء مما جاء في كتاب الله وصح في سنة رسوله من الغيبيات بمتروك لئلا يقال : سيستنكره الناس ويحرجون الإسلام ... ما أكبرهذه وما أشدها !

Quote:
و لعل أكثر ما يشترك فيه الخطباء كذلك هو رفع أصواتهم أثناء الخطبة بدافع الحماسة و الحرص لإسماع حتى من لا يسمع، فيبدو الخطيب و كأنه منذر للعرب من شر قداقترب. أو يوشك أن يقع على المصلين. و مما يجعلهم بفعل أسلوب التقريع و كأنهم مذنبون أمامه . و قد يزداد جرأة و هو يخطب فيهم من فوق المنبر كما يفعل المعلم بالأولاد في المدارس. و كأني بذلك الخطيب الذي يضع نفسه زاجرا و ناهيا لا يدرك أن من المصلين من هو أفقه منه و أعلم منه و أثقف منه و أكبر منه سنا و اعتبارا.

رفع الصوت في الخطبة سنة ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ، كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ...
فماذا ننقم على خطيب هذا شأنه ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم !!
ووجود من هو أكبر من الخطيب سنًّا أو اعتبارًا أو أعلم منه لا يمنعه من بذل جهده واتباع ما يراه سنة ، وعلى مقياس أخينا فهناك أيضًا من هم أقل منه علمًا وأصغر سنًّا وقدرًا .



Quote:
من المؤكد أنه لا يجوز ترك الجمعة، حتى و إن كانت فيها ركاكة، و من المؤكد عدم جوا ز الاشتغال بغير الإنصات حتى و لو كان في ذكر القرءان و تحصيل العلوم الأخرى ،لكن ذلك لا يمنعنا من التفكير في إنشاء مؤسسة لخطبة الجمعة تستثمر وقت مجتمعاتنا وتراعي عقول السامعين و ترفع من قيمة كل من يتصدر خطبة الجمعة و صلاتها إلى متوسط ثقافة الحاضرين فلا يكون أدنى منهم على الأقل.

نتمنى ذلك .


هذا الكلام حذفه أبو عبد الرحمن احتراماً لذائقتنا الشرعية .
وبه يمكن تفهم المراد يا شيخ عبد الله .


(في أحيانا (هكذا) أخرى يعاني السامع خاصة إن كان مثقفا و ذي توجه علمي من الخطب ذات الصبغة الميتافيزيقية ، تستند إلى غيبيات يصعب تصديقها.
ففي إحدى الخطب التي سمعتها كان الخطيب يؤكد أن الشمس تذهب كل مساء لتسجد إلى ربها ثم تعود في الصباح إلى مكانها، و قد اقتربت من الخطيب بعد انتهاء الصلاة فاستفسرت عن ذلك فقال لي أن هذا ثابت بالحديث، فقلت له أن ذلك قد يكون من باب التأويل أن الشمس تعبد الله بما وضع فيها من قوانين و لو تحركت الشمس مكانها كما يعتقد لماتت المخلوقات كلها على الأرض احتراقا بنارها أو تجمدا بغيابها من نظامنا الكوني. فأصر على أن الشمس تذهب و تعود و لم يأبه لقولي. إن كثيرا من الأئمة بحكم تكونهم في معاهد دينية و بعدهم عن تطور العلوم الكونية الهائلة في مختلف مجالات الهندسة و الطب و الفلك و التكنولوجيا يضعون الإسلام في وضع حرج في عقول السامعين للخطب).


نسيت أشكر أبا عبد الرحمن على هذه النقول.
والحق يقال، أننا نستفيد منها كثيرا، ولو كان فيها ملاحظات .
فالموقع للخطباء وهم طلبة علم، ولا يخفى عليهم ما في بعض المقالات من ملاحظات.
وهذه فتحت لنا أفقاً وسيرى النور قريباً ، وهو الرصد الإعلامي لكل ما يتعلق بخطبة الجمعة من كتابات في الصحف والمواقع.
لأن المعلومات لها أهمية بالغة في الخطط الاستراتيجية التي يقوم بها الخطباء الجادون لخطابهم الدعوي.


جزاكم الله خيرا على النقل والرصد ومن ثم الرد
ان هذا الحراك مفيد ونافع للخطيب فيستفيد من النقد
كما يعطيه بعدا في معرفة نظرة بعض النخب ومن يتاثر بهم للخطبة والخطيب ..
وهذا على حد ق
ول القائل :
عداتي لهم فضل علي ومنة *** فلا أبعد الرحمن عنّي الأعاديا
هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها *** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا


لا ريب أن الخطيب الجاد يستفيد من النقد أنى كانت وجهة قائله أو هدفه .

ولكن ،، أيحسن بأحدنا أن ينقل كلامًا فيه ما فيه دون أن يعلق عليه ولو بكلمة واحدة تبرئ ساحته ؟!

لا أظن ذلك سائغًا حتى ولو كان جل من يدخل هذا المنتدى من الخطباء وطلاب العلم .

لأن بعض المشاركات قد تترك دون رد من أحد ، فربما قرأها غير الخطباء ممن لا يعون ما فيها فتأثروا بها ، لأنهم قد يفهمون تركها دون رد من باب تأييدها . ونحن لا نضمن أن يدخل المنتدى من فئات المجتمع العالمي كل أطيافه وفئاته .

وهذا الذي حذفه أبو عبدالرحمن من ذلك المقال كلام خطير فعلاً ، وله مؤيدون ممن أعمى الله بصائرهم ، فحسبوا أن ما توصل إليه العلم التجريبي هو كل شيء ، فراحوا يعارضون القرآن وكلام أعلم الخلق بربه بما وعته عقولهم من هذا العلم المبني على التجربة ، والذي ثبت في وقائع منه كثيرة أن ما يصححه اليوم قد يخطئه غدًا ، وما يخطئه اليوم قد يصححه بعد حين ، بناء على أسباب ليس هذا مجال بسطها .

والمسألة التي أشير إليها في ذلك الكلام الذي لاخطام له ولا زمام هي ما رواه الترمذي عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس ، فقال : " يا أبا ذر ، أتدري أين تذهب هذه ؟ " قال : قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها " قال : ثم قرأ " وذلك مستقر لها " قال الألباني : صحيح .

وسبيل المؤمن الموحد هو التصديق بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ومنه هذا المذكور دون أدنى شك ، وإذا لم يستوعبه عقله فيكل العلم به وتأويله إلى الله ليسلم له دينه ، أما أن يرده لأن قائلاً قال : إن الأرض هي التي تدور حول الشمس ، والشمس ثابته لا تتحرك ، و ... و ... ، فهذا جهل ذريع بالله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

ثم إنه قد أثبت العلم الحديث أن الشمس ومجرتها تدور أيضًا في أفلاك أخرى ، فسبحان القائل : " وكل في فلك يسبحون "

فالدكتور ـ هداه الله ـ وقع فيما وصم به بعض الخطباء من عدم وعي ما حولهم ، فهو أيضًا نقد كلام الخطيب بناء على ما كان من سابق علمه الذي ثبت خطؤه .

فالسلامة هي في الإيمان والتصديق .
" ومن أصدق من الله قيلاً " " ومن أصدق من الله حديثًا " " ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "

ورضي الله عن ابن مسعود حين قال وهو يحدث بمثل هذا : حدثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق المصدوق ... إلخ .

وهذا منهج عظيم يجب على كل مسلم أن يأخذ به ، فيعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صادق فيما يحدث به ، مصدوق من ربه لا يُكذبُ .

ولا نمنع أحدًا من إعمال عقله والتفكير ، بل ذلك مطلوب ومرغب فيه وممدوح به أولو الألباب ، لكن صريح العقل لا يمكن أن يخالف صحيح النقل كما هو معلوم لدى من أنار الله بصيرته ، ومن خالف عقله صحيح النقل فليتهم عقله وليتريث ، وليضاعف البحث ، ليعلم بعدُ الحقيقة ، وإن لم يصل إليها فليقل : ربنا ما خلقت هذا باطلا ، وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلا " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "

نعوذ بالله من الكبر والعجب .

وصلى الله وسلم على من قال :

" إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد "

فحري بكل مثقف ومتعلم ومتخصص مهما وصل إليه من علم أن يتواضع إذا جلس أمام خطيب جامعه ، لئلا يقع في ظلمه والبغي عليه دون علم كما فعل صاحبنا .



Quote:
ففي إحدى الخطب التي سمعتها كان الخطيب يؤكد أن الشمس تذهب كل مساء لتسجد إلى ربها ثم تعود في الصباح إلى مكانها، و قد اقتربت من الخطيب بعد انتهاء الصلاة فاستفسرت عن ذلك فقال لي أن هذا ثابت بالحديث، فقلت له أن ذلك قد يكون من باب التأويل أن الشمس تعبد الله بما وضع فيها من قوانين و لو تحركت الشمس مكانها كما يعتقد لماتت المخلوقات كلها على الأرض احتراقا بنارها أو تجمدا بغيابها من نظامنا الكوني. فأصر على أن الشمس تذهب و تعود و لم يأبه لقولي.


مسكين هذا الدكتور !!

ولو كنت مكان ذلك الخطيب لم أتركه يذهب وفي صدره مثل هذا الشك ...

سأشرح له معنى الشهادتين وأبين له نواقضهما ...

وأنا من هنا أتمنى أن يكون هناك خطبة في هذا الموضوع وهو :

هل يخالف صريح العقل صحيح النقل ؟

وإذا ثبت في الحديث أمر وخالفته الاكتشافات فماذا نعمل ؟


أظن أن هذا الموضوع جدير بالطرق ...


[align=center]
تعليق نفيس من الشيخ عبد الله البصري فإمرار الخطأ بدون الرد عليه فيه صورة إقرار .. أعيذ أبا عبد الرحمن من هذا , ولكن المقصد من يدلف للملتقى ممن لا يتقن الصنعة .

ولا يفوتني شكر أبي عبد الرحمن على جهوده البارة التي تذكر فتشكر
[/align]