أزمة السودان توجيهات ووقفات
شايع بن محمد الغبيشي
أزمة السودان توجيهات ووقفات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }. ([1])
إخوة الإيمان حديثنا اليوم عن بلد عظيم، بلدٍ يتخلل نهر من أنهار الجنة، يمد أرضه بالخيرات والبركات، وهبه الله الكثير من الكنوز كالبترول والذهب واليورانيوم والصمغ العربي والثروة الحيوانية والزراعية حتى سمي منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي بأنّه سلة غذاء العالم مما جعله محط الأنظار وموقع الاهتمام.
إنه السودان وما أدراك ما السودان؟! بلد العلم والثقافة، نشر العلم في كثير من بلدان العالم العربي بإتقان وتميز منذ سنين في شتى العلوم وفي جميع مراحل التعليم.
السودان شعب يحب العمل والعطاء انتشروا في كثير من البلدان يساهمون في تشيدها ونمائها في الطب والهندسة والبناء والتشييد والإدارة والمحاسبة.
السودان شعب طيب يحب الإسلام وأهله يزينه الكرم الفطري والرقي الخلقي والعفة والأنفة والشجاعة والإقدام، والتعاون والتكاتف وصدق الإخاء، وجميل الصفح وغيرها ممن معالي الأخلاق والشيم.
السودان وأهله علاقتهم بالمملكة العربية السعودية قوية متينة، لم تعكر صفوها فتن الزمان وتقلباته بل تزداد قوة ومتانة مع مر الليالي والأيام.
عباد الله السودان هذا البلد العزيز على قلوبنا يمر هذه الأيام بفتنة عظيمة راح ضحيتها الكثير من الأروح ونتج عن ذلك بعض التخريب والدمار وتعطيل مصالح الناس، اسأل الله الحي القيوم أن يعيد إلى السودان أمنه واستقراره ويهيئ له من أمر رشداً. ولنا عباد الله مع هذا المحنة وقفات وتوجيهات منها:
أولاً: أن ما يجرى على الأمم والشعوب من مصائب وابتلاءات كل ذلك بتقدير الله عز وجل ولا يقدر الله لعبده إلا خيراً فكل الأحداث التي نظن أنها شر كبير قد تكون خيراً لنا ورحمة بنا فذلك تدبير الله الذي بيده ملكوت كل شيء وصدق الله: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ([2]) وقال سبحانه: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) } ([3]) فلرسالتنا لإخواننا في السودان أن يقوى صلتهم بالله عز وجل ويستبشروا خيراً ويطلبوا منه سبحانه العون والمدد ويعلموا أن أعظم سبب لزوال غمهم وتفريجهم كربهم وكشف همهم توحيد الله عز وجل والإقبال عليه والإنابة إليه مع بذل ما يملكون من أسباب {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} ([4])
ثانياً: التأكيد على حرمة الاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ » رواه مسلم فكل ما يجري من سفك الدماء والتخريب والدمار والاعتداء على الممتلكات العامة جرم عظيم ومن أعظم الموبقات يرفضه الشرع والعقل.
ثالثاً: الفرقة والخلاف شر وبلاء يزعزع الأمن ويشتت الشمل ويقود إلى الفشل والخراب {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ([5]) { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}([6]) وقد نجح الأعداء في إذكاء روح التفرق والخلاف في كثير من بلاد المسلمين فلنكن إخوة متحابين ولنحذر كل الحذر من الخلاف والفرقة والشقاق.
اللهم يا حي يا قيوم يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ابسط على أرض السودان أمنك وانشر لهم من رحمتكم واحفظ عليهم دماءهم واجمع شملهم على الحق يا مجيب الدعاء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن حمد عبده ورسوله أما بعد:
عباد الله ومن الوقفات والتوجيهات مع أزمة إخواننا في السودان:
رابعاً: إن واجب الإخوة الإيمانية الوقوف مع إخواننا في أزمتهم التي يمرون بها وقد كان لبلدنا المملكة العربية السعودية وولاة أمرنا وفقهم الله مواقف مشرفة مع أخونهم في السودان من ذلك رعاية الزائرين والمعتمرين وتمديد إقامتهم والاسهام في إجلاء الرعايا والمتضررين وتقديم قوافل المساعدات لإخوانهم والسعي الحثيث لإنهاء الأزمة واحتوائها.
خامساً: المسلمون جسد واحد يألم المسلم لمصاب أخيه فعن النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله لى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم، وتعاطفهم، وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوٌ منه تداعى له سائره بالحمى والسهر" رواه مسلم، فيسعى المسلم إلى مد يد العون لأخيه فرحاً مغتبطاً بذلك يغمره بحبه ومودته وعطفه ورحمته ويجهد لتفريج كربته وزوال همه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، » رواه مسلم وقد دعا ولاة أمرنا وفقهم الله لما يحب ويرضى إلى تنظيم حملة شعبية عبر منصة ( ساهم ) لدعم إخواننا في السودان وتخفيف معناتهم فبادروا عباد الله بالمساهمة في التخفيف عن إخوانكم وتنفيس كربتهم فقد قال صلى الله عليه وسلم:" أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً..." رواه الطبراني وحسنه الألباني
سادساً: علينا أن نلهج بالدعاء والضراعة إلى الله عز وجل فهو أعظم سلاح المؤمن في الأزمات والملمات { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ([7]) فالله جل وعلا هو الذي نجي عباده ويرفع عنهم البساء والضراء { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)} ([8]) عباد الله علينا أن نلجأ إلى الله بالضراعة أن يفرج عن إخواننا في السودان ويرفع عنهم البلاء ويدلهم بعد خوفهم أمنا وبعد فرقتهم اجتماعاً وسلماً.
اللهمَّ إنَّا نستَودعُكَ السُّودانَ وأَهلَهُ، اللهمَّ احفظْ بِلادَهم مِنْ شَرِّ الأَشرارِ، وكَيدِ الفُّجَّارِ، وَشَرِّ طَوارقِ اللَّيلِ والنَّهارِ، اللهمَّ احفظ بِلادَهم مِنْ عَبَثِ العَابثينَ، وكَيدِ الكَائدينَ، وعُدوانِ المُعتدينَ، اللهمَّ احقِنْ دِماءَهم، وألِّفْ بينَ قُلوبِهم، وأصلحْ ذَاتَ بينِهم، واهدِهم سُبلَ السَّلامِ، اللهمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَهم وبِلادَنا وبِلادَ المُسلمينَ بِسوءٍ فَأشغلهُ فِي نَفسِهِ، وَرُدَّ كَيدَهُ في نَحرِهِ، واجعلْ تَدبيرَه تَدميراً عَليهِ، يَا سَميعَ الدعاء
وصلوا عباد الله وسلموا على نبينا محمدٍ كما أمركم الله بقوله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} ([9]) اللهم صلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وولي عهده، ووفقهما لما تحب وترضى يا سميع الدعاء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تَحْرِمْنا، وآثرنا ولا تُؤْثِر علينا، وأرضنا وارض عنا يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
([1]) ـ [آل عمران : 102].
([2]) ـ [البقرة: 216]
([3]) ـ [النساء: 19]
([4]) ـ [الأنبياء: 87، 88]
([5]) ـ [الأنفال: 46]
([6]) ـ [آل عمران: 103]
([7]) ـ [الأنعام:42ـ 43]
([8]) ـ [الأنعام: 63، 64]
([9]) ـ [الأحزاب: 56]
المرفقات
1683813075_أزمة السودان توجيهات ووقفات.pdf