أريد أن أعيش حياتي
د.عبدالحميد المحيمد
الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللَّهم صلَّ على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللَّهم بارك على محمدٍ وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد .
عباد اللّه ، أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أيها الأحبة في اللَّه، هناك عبارة انتشرت، وكم حطمت من بيوت، وكم فرّقت بين أزواج وزوجات، وكم دفعت شبابًا إلى أن يُسوِّفوا، وكم أثّرت في طاقات الشباب، وكم أخّرت من توبات، حتى أتى الموتُ على حين غِرّة، فلم يُمهِلْهم وقتًا للمآب والتوبة والرجوع .
” أريد أن أعيش حياتي “ هذه العبارة اليوم تُصَدّر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ثقافةٍ تُفرَض في بيوت المسلمين وبين الأزواج والزوجات، فتتخلّى هذه الزوجة عن مسؤولياتها وتسعى للطلاق والخلاص من زوجها بحجّة أنها تريد أن تقول:” أريد أن أعيش حياتي “
وهل هذه الدنيا هي حياتُنا؟! وهل هذه الدنيا هي دارُ القرار ؟! أم أنها دارُ ممرّ ؟! أم أنها دارُ ضعنٍ وزيارة ؟! واللَّه سبحانه وتعالى يقول مُخبرًا عن الكافر
( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) [ الفجر : 24 ]
أدركْ أن الآخرة هي الحياةُ الحقيقية، وأدركْ أن هناك الجنةَ، وهناك النار، وأما الدنيا فهذه حياةٌ قليلةٌ وأيامٌ معدودة.
فكيف لهذه المرأة المسلمة التي رُبِّيَت في بيت والديها على الطاعة، وعلى الطُهر، وعلى التقوى، تريد اليوم أن تتخلص من هذه العلاقة الزوجية، وتريد أن تعيش حياتها كما تقول!
قال رسولُ اللَّه - صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّم - : ( أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها طلاقَها في غيرِ ما بَأْسٍ ؛ فحرامٌ عليها رائِحَةُ الجنةِ )
حرامٌ عليها رائحةُ الجنة، ليس فقط دخولُ الجنة، حتى رائحةُ الجنة لا تجدُها، ورائحةُ الجنة — كما في بعض الروايات — على بُعد خمسمائة عام. لماذا؟ لأنَّ الطلاق ليس انفصالًا بين الزوج والزوجة، ولكنه هدمٌ لأسرة، وضياعٌ للأبناء، وضياعٌ للبنات. وعندما ينتشر في المجتمع الطلاقُ ينتشر الضياع، فتُبتلى الأمَّةُ بأبناءٍ كثيرٍ منهم بلا تربيةٍ ولا أخلاق؛ بعضُهم يقع في الممنوعات، وبعضُهم يقع في السفاهات، لأنّه لا وجودَ لأبٍ وأمٍّ يربّونهم ويشرفون عليهم.
”أريد أن أعيش حياتي “ يقولها بعضُ الأزواج حتى يطيب له السفرُ والترحال، والسهرُ، والجلوسُ على اللهو واللعب بلا مسؤوليات.
ألا يتقِ اللَّه عز وجل ويعلَمْ أنه مسؤولٌ عن هذه الأمانة؟
عن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ .
” أريد أن أعيش حياتي “ هذه العبارةُ يقولها بعضُ مَن يأكل الحرامَ والرِّبا، يقول:”دعني أعيش حياتي “ يتعامل بالربا ويأكل بالربا، ويقول: إذا حان موعدُ الممات فإني أتوب. وهل يُمهِلُك الموتُ حتى تتوب؟! كم من إنسانٍ نام فلم يوقظه أهله، إنما أيقظه المَلَكانِ يقولان: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومَن نبيُّك؟
”أريد أن أعيش حياتي “ يقولها بعضُ الشباب الطائش؛ يترك الصلاة، ويعصي اللَّه علانية، ويقول: أريد أن أعيش حياتي! أيُّ حياةٍ هذه؟
ألم تسمع عن أهل الكهف الذين ذكر القرآن قصتهم لأنهم يبحثون عن حياة الآخرة:
( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) [ الكهف : 13 ]
الشباب هو وقت الإيمان، هو وقت الصلاة، هو وقت الدعوة. لا تؤخِّر ذلك حتى ينحني ظهرك، ولا تستطيع أن تركع أو تسجد أو تحفظ القرآن، بل ابدأ من الآن.
”أريد أن أعيش حياتي “ هذه العبارة لم تأتِنا من كُتب السنة ولا من القرآن، ولا من أقوال الناصحين، وإنما هي من همزات الشيطان، وإنما هي من وسائل التواصل الملوَّثة التي تريد أن تدمر العقول. الحياةُ الحقيقية أن تلتزم بما أمر اللَّه.
بعض البنات تصل إلى سنِّ التكليف وترفض الحجاب في المدرسة، أو في البيت، أو في الطريق، أو في السوق، ويقولون:"دعوها تعيش حياتها، دعوها تُظهر جمالها." أين هذا الجمال؟! إنما هو إظهارٌ للعورة لمن لا يَحِلّ له أن ينظر إليها، واللَّه عز وجل يقول:
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) [ الأحزاب : 59 ]
يُعرَفن بالعفّة، المحجَّبةُ التي تستر نفسَها، لا يتجرّأ عليها أحد، معروفةٌ بالعفّة، وأنها خرجت من بيتٍ طاهر، ومن بيتٍ عفيف.
إذن فالحياةُ الحقيقيةُ — إخواني — في طاعةِ اللَّه، في امتثالِ أمرِ اللَّه.
وإنما أُهبِطَ آدمُ عليه السلام إلى الدنيا لأنه خالف أمرَ اللَّه، فنحن في اختبار، ونحن في ابتلاء، ونحن في دار ممرٍّ لا مقرّ، ونحن في دارٍ نحن منها ضاعنون.
فنسألُ اللَّه أن يُحسِن خِتامَنا، وأن يردّنا إليه ردًّا جميلًا.
أقول ما تسمعون، وأستغفرُ اللَّه.
الخطبة الثانية
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
لا تعش حياتك عبثًا، وإنما عش حياتك وعندك هدف، وأنت تعلم أنك ستقف بين يدي اللَّه عز وجل، فالمظالم والحرام كلها
توضع في كفة أعمالك يوم القيامة.
أحدهم يقول: كان لي جار مؤذي، وكان قويًّا، يؤذي كل من حوله. قال: فانتقلت من البيت ذات يوم، وأخبروني أن فلانًا
في المستشفى، وقد نزل به بلاء، ومرض من الأمراض التي قلّما يتعافى منها المرء. قال: فقمت مسرعًا لأزوره في المستشفى.
قال: فلما دخلت عليه، وجدته متحرجًا، وإذا به صار صغيرًا كالفرخ، وقد تساقط شعره من رأسه ووجهه. قال: فلما رأيته
اشفقت عليه، وإذا يقول بصوت خافت:”يا أبا فلان، حلّلني واعفُ عني “ قلت له: لا تكمل، فإني قد سامحتك، فهذا ليس وقت
الكلام. قال: فلما ارتاح قال:”لكن يا شيخ، حقوق الناس؟ كيف الناس يحللوني؟ أنا أذيت كثيرًا من الخلق،
ولا أعلم الآن كيف يحللوني ، بعضهم مات ، و بعضهم متمسّك بحقه. “
فنتذكّر هذه اللحظة ، هناك الحياة الآخرة، هناك الميزان، هناك الصراط، هناك كتاب لا يغادر صغيره أو كبيره إلا أحصاه.
نتوب اليوم، نرد المظالم، قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار.
اللَّهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتوفنا مسلمين، وأحسن ختامنا يا رحمن يا رحيم.
اللَّهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين ، اللَّهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين ، اللَّهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين .
اللَّهم اغث البلاد والعباد، اللَّهم اغث البلاد والعباد، اللَّهم اغث البلاد والعباد، اللَّهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، تحيي بها الزرع، وتدر بها الضرع، وتجعلها رحمةً لنا يا رحمن يا رحيم.
اللَّهم اغثنا، اللَّهم اغثنا، اللَّهم اغثنا.
وصلى اللَّه على نبينا محمد.
د. عبد الحميد المحيمد
المرفقات
1765076404_أريد أن أعيش حياتي.docx