أركان الصلاة وبعض الأخطاء فيها

أركان الصلاة وبعض الأخطاء فيها

الخطبة الأولى

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، أمرَ بإقام الصلاة ، فقال : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ). وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحق المبين ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله ، أخبرَ أنَّ الصلاةَ عمود الدين ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً . أَمَّا بعدُ :- فاتقوا الله ربكم ، وتعلموا أمور دينكم ، وخصوصاً فيما يتعلق بأحكامَ صلاتِكم ، حتى تؤدُّوها على الوجه المشروع ، وتجنَّبوا المُبْتَدَعَ فيها والممنوعَ ، لتكونَ صحيحةً مقبولة . فإنَّ تعلُّم فقه الصلاة وتطبيقه فيها هو من إقامتها .

عباد الله : الصلاةُ عبادة عظيمة تشتملُ على أقوالٍ وأفعال ، تتكون منها صفتها الكاملة ، وهذه الأفعالُ والأقوال تنقسم إلى ثلاثة أقسام : أركانٍ وواجباتٍ وسُننٍ . فالأركانُ ، إذا تَرَكَ المُصَلِّي منها شيئاً سهواً أو عمداً ، بَطَلَتِ الصلاة بتركه . والواجبات ، إذا ترك منها شيئاً عمداً بطلت الصلاةُ بتركه ، وإن تركَه سهواً لم تبطُلِ الصلاةُ ، ويجبرُهُ بسجودِ السهو . والسننُ ، لا تبطُلُ الصلاةُ بتركها عمداً ولا سهواً ، لكنها تنقص هيئتها الكاملة ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم ، صلَّى صلاةً كاملة بجميعِ أركانها وواجباتها وسُنَنِها ، وقال : " صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي " . وأركانُ الصلاة أربعةَ عشر : فالركنُ الأولُ : القيامُ في صلاة الفريضة معَ القدرةِ . فلا تَصِحُّ صلاةُ الفريضةِ من جالسٍ ، وهو يقدِرُ على القيام بالإِجماع ، قالَ سبحانَهُ : ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238] ، وأخرجَ البخاريُّ منْ حديثِ عمرانَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ : « صلِّ قائمًا ، فإنْ لمْ تستطعْ فقاعدًا ، فإنْ لمْ تستطعْ فعلَى جنبٍ » . فالقيام في صلاة الفريضة ركنٌ من أركان الصلاة لا يسقط إلا بالعجز عنه . ومن الخطأ ، أنَّ منَ الناس منْ يتساهلُ فِي ذلك فيصلي جالسًا ، أو علَى الكرسيِّ ونحوِه ، وهوَ مستطيعٌ للقيامِ ولو معتمدًا على عصا ، أو على عمودٍ ، أو على جدارٍ ، ما لَـم يشقَّ ذلك عليه مشقةً شديدةً ، بلْ بعضهمْ يستطيعُ أنْ يقومَ بعضَ الصلاةِ وإنْ كانَ لَا يستطيعُ أنْ يقومَ الصلاةَ كلهَا ، ومعَ ذلكَ يبتدئُ الصلاةَ جالسًا ، والواجبُ علَى مثلِ هذَا فِي صلاةِ الفرضِ أنْ يُصلِّيَ قائمًا علَى قدرِ استطاعتِه ، ثمَّ بعدَ ذلكَ يجلسُ إذَا كانَ لَا يستطيعُ أنْ يستمرَّ قائمًا .

الركن الثاني : تكبيرةُ الإِحرام ، بأن يقول وهو قائمٌ مستقبلَ القبلة : الله أكبر . لقول النبي عليه الصلاة والسلام : " ثم استقبل القبلة وكبِّـر " ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : " تـحريـمُها التكبير " . ومن الخطأ ، أن بعض الناس إذا جاءَ إلَى الصلاةِ متأخرًا ووجد الإمامُ راكعٌ ، يُكبر تكبيرة الإحرام وهوَ راكعٌ ، ومَن كبرهَا راكعًا لمْ تُقبلْ منهُ ولمْ تصحَّ ، لأنَّه يجبُ أنْ يُكبِّرَ تكبيرةَ الإحرامِ قائمًا .

الركنُ الثالثُ : قراءةُ الفاتحةِ في كل ركعة ، لحديث : " لا صلاةَ لِمَنْ لَمْ يقرأْ بفاتحةِ الكتاب " . فيجب على الإِمام والمنفردِ قراءتُها ، والأحوطُ أنَّ المأموم يقرؤها في الصلاة السرية ، وفي سكتات الإِمام في الصلاة الجهرية . ومن الخطأ ، أن بعض المصلين يخطئ في الفاتحة خطأ يغير المعنى ، وبالتالي لا تجزئ قراءته ولا تصح صلاته . فمن الأخطاء قوله : ( الحمد لله رب العالِمِين ) بكسر اللام ، والصحيح فتحها ، لأن العالَمين هو كل من سِوى الله فهو عالَم ، والعالِمِين هم العلماء . وكذلك قوله : ( أَهدنا الصراط المستقيم ) بفتح الهمزة ، والصحيح كسرها ، لأن ( إِهدنا ) معناها دلَّنا وأرشدنا ، أم ( أَهدنا ) فمعناها أعطنا هدية . وكذلك قوله : ( أنعمتُ عليهم ) بضم التاء ، والصحيح فتحها ، لأنَّ ( أنعمتَ ) معناها أن الله هو الذي أنعم عليهم ، أما ( أنعمتُ ) فمعناها أنه هو الذي أنعم عليهم . فلينتبه لذلك المصلي .

الركن الرابع : الركوعُ في كل ركعة ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، والركوعُ المشروع أن ينحنيَ حتى تصل كفَّاه ركبتيه ، ويمد ظهره مستوياً ، ويجعل رأسَه محاذياً ظهره لا يرفعُه ولا يخفضه ، ومن الخطأ ، أن بعض المصلين يُخِلُّ بهذا ، فتراه رافعاً رأسه في الركوع أو مدلّياً له إلى أسفلُ .

الركنُ الخامسُ : الرفعُ منَ الركوعِ . والاعتدالُ منَه . فيرفع من الركوع ويعتدل واقفاً كحاله قبل الركوع ، لقولِه صلى الله عليه وسلم : " ثم ارفع حتى تعتدلَ قائماً " ، ومن الخطأ أن بعض المصلين لا يعتدل واقفاً بعد الركوع ، بل يرفع قليلا ثم يسجد ، وهذا يبطل الصلاة ، لأنه ترك ركن وهو الاعتدال واقفاً .

الركنُ السادسُ : السجود على الأعضاء السبعة ، وهي الجبهة مع الأنف ، واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين . فاتقوا الله عبادَ الله واهتمُّوا بأداءِ صلاتكم على الوجه المشروع . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .  

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين ، جَعَلَ الصلاة كتاباً موقوتاً على المؤمنين ، وأشهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له مُخلصينَ له الدين ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله الصادق الناصح الأمين ، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً . أما بعدُ :-

فالدليل على السجود ، قوله صلى الله عليه وسلم : " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ : الْجَبْهَةِ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ ، وَالْيَدَيْنِ ، والركبتينِ ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ " متفق عليه . فمنْ لمْ يسجدْ علَى هذهِ السبعةِ فإنَّ صلاتَهُ لَا تصحُّ ، وبعضُ الناسِ يسجدُ ثمَّ يرفعُ إحدَى قدميهِ ، ومنْ فعلَ ذلكَ واستمرَّ حتَّى تنتهيَ سجدتَه فإنَّ سجدتَهُ هذهِ لَا تصحُّ ، وتبطلُ صلاتهُ ، فلذَا يجبُ السجودُ علَى الأعظمِ السبعةِ التَّي تقدمُ ذكرُها .

الركنُ السابعُ : الرفعُ من السجود . الركنُ الثامنُ : الجلوسُ بينَ السجدتينِ . لقول عائشةَ رضي الله عنها : " كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رَفَعَ رأسه من السجود لم يسجُدْ حتى يستويَ قاعداً " [رواه مسلم] . ومن الخطأ أن بعض المصلين يرفع من السجود قليلا ثم يسجد السجدة الثانية دون أن يستوي قاعداً بين السجدتين ، وهذا قد أخلَّ في صلاته وترك ركناً من أركان الصلاة ، فلينتبه لذلك المصلي .

 الركنُ التاسعُ : الطمأنينةُ في جميع أفعال الصلاة ، وهي السكون بقدر ما يأتي بالذكر الواجب ، ويستقرّ كل عضو مكانه ، ومَا أكثرَ المصلينَ الذينَ يُضيعونَ ركنَ الطمأنينةِ ، وهذَا الركنُ هوَ الذِي ضيَّعهُ المسيءُ فِي صلاتهِ . وقد دل الكتاب والسنة على أن من لا يطمئن في صلاته ، لا يكون مصليا ، ويؤمر بإعادتها . وقد رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لا يُتِمُّ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ ، قالَ : « ما صَلَّيْتَ ولو مُتَّ مُتَّ علَى غيرِ الفِطْرَةِ الَّتي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلَيْهَا » .

الركنُ العاشرُ : التشهدُ الأخير . وهو قراءة التحيات . الركنُ الحادِي عشرَ : الجلوسُ للتشهدِ الأخير ، لقولِه صلى الله عليه وسلم : " إذا قَعَدَ أحدكم في صلاته – أي : جلس للتشهد - ، فليقُل : التحياتُ لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله ، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله " [متفق عليه] . ومن الخطأ أن بعض المصلين إذا جلس للتشهد الأخير لا يقرأ التحيات ، وإنما يقرأ الصلاة على النبي ، ويقول بأني قرأت التحيات في التشهد الأول ، وفعله هذا يبطل الصلاة لتركه قراءة التحيات .

الركنُ الثانِي عشرَ : الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير . وهي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .... إلى آخره .

الركنُ الثالثَ عشرَ : الترتيب بين أركان الصلاة . على الصفة التي كان يُصليها النبي صلى الله عليه وسلم ، لقولِهِ صلى الله عليه وسلم : " صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي " . وقدْ أجمعَ العلماءُ علَى أنَّ الترتيبَ فِي الصلاةِ ركنٌ منْ أركانِهَا .

الركنُ الرابعَ عشرَ : التسليمتان . بأن يقولَ عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره كذلك ، وهو ختامُ الصلاة ، وعلامة الخروج منها ، لقولهِ صلى الله عليه وسلم : " وتحليلُها التسليم " ..  فالله الله في الاهتمام بأمر الصلاة ، فإنها الصلة التي بينك وبين الله ، فاتقوا الله عباد الله ، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح لهم بطانتهم ، واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام . اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . وأقم الصلاة .

 

( خطبة الجمعة 19/2/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

 

المرفقات

1724306464_أركان الصلاة وبعض الأخطاء فيها.docx

المشاهدات 459 | التعليقات 0