أدواء الجرمان في شهر الغفران

شايع بن محمد الغبيشي
1444/09/07 - 2023/03/29 20:00PM

أدواء الجرمان في شهر الغفران

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:

 عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران : 102].

إخوة الإيمان خلق الإنسان من ضعف، لا يخلو من الخطأ والزلل، فابن آدم مذنب خطاء، وتراكم الذنوب والخطايا يورث نفسه ضيقاً وشقاءً، وكلما زاد حمل الذنوب زاد معه ضيق الحياة، إلا أن الله الرحيم الرحمن فتح له باب التوبة، وجعل له فرصاً يعظُم فيها الغفران، ليخفف عنه تلك الأحمال ويعيد للنفس راحتها وأمنها واستقرارها

ومن أعظم فرص الغفران بلوغ شهر رمضان والتوفيق فيه للطاعة والإحسان، والحرمان كل الحرمان أن يحرم العبد المغفرة في شهر رمضان، صعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ ذات مرةٍ فقال: (آمين آمين آمين ) قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدتَ المنبر قلت: آمين آمين آمين! قال: ( إنَّ جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفَر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين ) رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني

جبريل عليه السلام يدعو عليه بالبعد ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمن على دعوته فيؤمن أي خسارة وأي حرمان أعظم من ذلك؟

ترى ما الذي يجعل العبد يخسر كل الخسارة في موسم أكثر الناس فيه رابح؟ إنه موسم الأرباح والمتاجرة مع الله، تأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن رمضان :( وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة " رواه الترمذي وصححه الألباني

علينا عباد الله أن نتوقف لنعرف أسباب الحرمان في شهر الغفران التي من أبرزها:

أولاً : ضعف تعظيم حرمة الشهر وإجلاله ومن صور انتهاك حرمة الشهر :

1/ الافطار في نهار رمضان متعمداً دون عذر شرعي بالشرب أو الكل أو الجماع أو سائر المفطرات، تأمل هذا الوعيد المترتب على انتهاك حرمة الشهر عن أبو أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا لي : اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا أنا بصوت شديد فقتل : ما هذه الأصوات ؟ قال : هذا عواء أهل النار ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم... ) رواه ابن حبان و صححه الألباني،

 2/ التفريط في الصلاة والنوم عنها وتضييع أوقاتها مشهد محزن في نهار رمضان يسهر الليل كله إلى الفجر، ثم يواصل باللهو الغفلة حتى قرب الظهر فينام ليضيع صلاة الظهر والعصر وربما صلاة المغرب، وكيف يرجو مغفرة ورحمة وربحاً من كان هذا حال {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} إذا لم نعظم أمر الصلاة في رمضان فمتى نعظمه؟ الصلاة صلة العبد بربه جلا وعلا فإن ضيعاها قطع صلته بربه فخسر الدنيا والآخرة.

3/ العكوف على وسائل اللهو المحرم والمواقع والتطبيقات التي تشغل العبد بالتفاهات في شهر المكرمات

4/ التمادي في المحرمات فترى البعض يصومون عن الطعام والشراب لكن لا تصوم جوارحهم عما حرم الله لم ينهه صيامه عن الكلام الغيبة والخوض في الأعراض، ولم ينهه صومه عن النظر الى المحرمات عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري

5/ الإسراف والتبذير في شهر يربينا على تذكر نعم الله علينا وعلى وجوب شكر نعمة الطعام والشراب ومع ذلك يحزنك حالنا مع نعم الله والله إننا لنخاف من مغبة كفران النعم، مخيف جداً أن ترى صنوف الأطعمة ترمى بجوار حاوية النفايات فإين تعظيم نعم الله؟ وأين تعظيم حرمة الشهر؟ {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

ثانياً: التكاسل عن أداء العبادات والطاعات وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل...» رواه البخاري. والتكاسل سر الخيبة والخسار قال القنوجي: من دام كسله خاب أمله، من صور التكاسل عن الطاعات في رمضان:

1/ التكاسل عن أداء صلاة التراويح أو إتمامها وقد ينشط العبد في أول الشهر ثم يدب إليه داء التكاسل فيضع الأرباح والغنائم وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» رواه الترمذي وصححه الألباني. فيكف لعاقل أن يضيع هذه الغنيمة؟

2/ التكاسل عن قراءة القرآن وحفظه وتدبره ورمضان شهر القرآن قد كان السلف الصالح ينافسون على تلاوته وختمه، فأي خسارة أعظم من أن تنقضي ليالي رمضان وما زال البعض هاجراً لكتاب الله وكيف الجواب حين يشتكي رسول الله هاجر القرآن يوم القيامة؟ قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} كان الزهري رحمه الله: اذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن حمد عبده ورسوله أما بعد:

عباد الله ومن أدواء الحرمان:

ثالثاً: التسويف في العمل داء خطير عاقبته الندامة بعد الفوات، وأوصى ثمامة بن بجاد السلمي قومه، فقال: أي قوم، أنذرتكم سوف أعمل، سوف أصلي، سوف أصوم.[1] وكان بعض السلف يقول: "أُنذركم سوف"، فإنها أكبر جنود إبليس[2]
وما أجمل قول الإمام ابن القيم: كم جَاءَ الثَّوَاب يسْعَى إِلَيْك فَوقف بِالْبَابِ فَرده بواب سَوف وَلَعَلَّ وَعَسَى كَيفَ الْفَلاح.[3]

1/ التسويف في التوبة والإقلاع عن الذنوب والخطايا.

2/ التسويف في الإقلاع عن التدخين والشيشة ورمضان فرصة فالعبد يمتنع عن كل ما يشتهيه يوماً كاملاً أفلا يعزم على التخلص من هذا الداء وكم من أناس كان رمضان بداية الإقلاع عن التدخين إلى غير رجعة.

4/ التسويف في صلة الأقارب والأرحام، والعفو والصفح ورمضان هو شهر الصلة والعفو، إذا لم تصل رحمك في رمضان فمتى تصلهم وإذا لم تعفو عنهم في شهر العفو فمتى تعفو وتصفح.

عبد الله دونك رمضان لا تكن من المحرومين المفرطين بل استقبله بالفرع والسرور والعزيمة على الرشد والطمع في هبات الكريم ونوال المنعم المتفضل جل وعلا، وقل في مقدم الشهر:



[1] آفات على الطريق (3/ 85)
[2] / تلبيس إبليس (ص: 356)
[3] / الفوائد لابن القيم (ص: 63)

المرفقات

1710454385_أدواء الحرمان في شهر الغفران.pdf

1710454396_بين فتح أبواب وغلق أخرى.docx

المشاهدات 791 | التعليقات 0