أَدْرِكْ بَيْتَكَ يَا مُسْلِم 28 جماد الثانية 1439هـ
محمد بن مبارك الشرافي
أَدْرِكْ بَيْتَكَ يَا مُسْلِم 28 جماد الثانية 1439هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الرَّحْمَةَ بَيْنَ الزّوْاجَينِ وَرَغَّبَ فِي بِنَاءِ الأُسْرَةِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَة، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الْقَائِلُ (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة), وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى اللهِ بِالْحِكْمَةِ، وَكَانَ بِأَفْعَالِهِ أَفْضَلَ قُدْوَةٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ خَيْرِ آلٍ وَأُسْوَةٍ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَن، وَحَافِظُوا عَلَى طَاعَتِهِ وَاحْذَرُوا مَعْصِيتَهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَنْ مِنَّا لا يَتَمَنَّى حَيَاةً سَعِيدَةً وَسُمْعَةً حَمِيدَةً؟ مَنْ مِنَّا لا يَطْمَحُ فِي بَيْتٍ مُبَارَكٍ طَيِّبٍ؟ وَمَنْ مِنَّا لا يُرَاوِدُهُ الْأَمَلُ فِي تَكْوِينِ أُسْرَةٍ مُتَرَابِطَةٍ، يَسُودُهَا الْاحْتِرَامِ وَيَغْمُرُهَا التَّعَاوُنُ، وَتَفْشُو الْمَحَبَّةُ ؟ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا يَتَمَنَّى أَنْ يَجِدَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي بَيْتِهِ، وَيُحِبُّ السَّعَادَةَ لِأَفْرَادِ أُسْرَتِهِ، وَيَنْتَظِرُ الْيَوْمَ الذِي لا تُوجَدُ الْمَشَاكِلُ أَوِ الْخِلَافَاتُ دَاخِلَ مُجْتَمَعِهِ الصَّغِيرِ، دَاخِلَ مَمْلَكَتِهِ الْخَاصَّةِ، دَاخِلَ بَيْتِهِ وَأُسْرَتِهِ.
إِنَّ وَاقِعَ النَّاسِ الْيَوْمَ خِلَافَ ذَلِكَ، إِلَّا مَا نَدَرَ، إِنَّ الْبُيُوتَ تَعُجُّ بِالْمَشَاكِلِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ، إِنَّهَا تَكْثُرُ الْخِلَافَاتُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فِي حَيَاةِ الْوَالِدَيْنِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ ! إِنَّهَا تُوجَدُ الْمُشَاحَنَاتُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَأَقَارَبِ الزَّوْجِ, وَخَاصَّةً أُمُّهُ وَأَخَوَاتُه ! وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لا نُبَالِغَ, فَيُوجَدُ كَثِيرٌ مِنَ الْأُسَرِ, وَأَعْدَادٌ لَيْسَتْ قَلِيلَةً مِنَ الْعَوَائِلِ تَقِلُّ فِيهِمُ الْخلَافَاتِ أَوْ تَنْعَدِمُ، وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
أَيُّهَا الْفُضَلاءُ: إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَوْفَ نَقِفُ بِإِذْنِ اللهِ ثَلَاثَ وَقَفَاتٍ مُهَمَّةٍ, تَكُونُ بِإِذْنِ اللهِ كَفِيلَةً بِإِزَاحَةِ هَذَا الْغُبَارِ وَتِلْكَ الْأَتْرَبِةِ عَنْ سَمَاءِ أُسْرَتِكَ وَعَنْ أَرْضِ بَيْتِكَ.
(أَوَّلَا) اعْلِمْ أَنَّ تَعَامُلَكَ فِي بَيْتِكَ عِبَادَة ٌتَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ أُجِرْتَ وَإِنْ أَسَأْتَ حُوسِبْتَ، إِنَّكَ مُطَالَبٌ مِنَ اللهِ بِوِقَايَةِ أَهْلِكَ النَّارَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ, عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، إِنَّكَ مُطَالَبٌ بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهَذَا يَشْمَلُ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَشُرُوطٍ لا تَصَحُّ إِلَّا بِهَا، كَصَلاتِهَا فِي الْوَقْتِ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحُهُ الْأَلْبَانِيّ.
وَهَكَذَا فَمُعَامَلَتُكَ لِزَوْجَتِكَ عِبَادَةٌ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ.
إِنَّ نَفَقَتِكَ عَلَى أَهْلِكَ، سَوَاءً أَكَانَتْ فِي الْمَأْكَلِ أَوْ الْمَشْرَبِ أَوِ السَّكَنِ أَوْ اللِّبَاسِ أَوْ غَيْرِهِ، إِنَّهَا عِبَادَةٌ وَأَجْرٌ وَصَدَقَةٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ؛ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا؛ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، بَلْ اسْمِعْ هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَتَضَجَّرَ مِنْ نَفَقَةِ أَهْلِكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ: دِينَارًا أَعْطَيْتَهُ مِسْكِينًا، وَدِينَارًا أَعْطَيْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارًا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارًا أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَفْضَلُهَا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(ثَانِيَاً) أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: اعْلِمْ أَنَّكَ مَهْمَا بَحَثْتَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ امْرَأَةً خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَلَنْ تُحَصِّلَ امْرَأَةً تُنَاسِبَكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِذَلِكَ فَكُنْ وَاقِعِيَّاً وَتَصَرَّفْ بِمَا يُصْلِحْ بَيْتَكَ، وَلا تَطْلُبِ الْمُسْتَحِيلَ، وَلا تُنَكِدْ حَيَاتَكَ بِالنَّظَرِ فِي عُيُوبِ زَوْجِتَكَ، فَهَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ الْمَرْأَة.
وَقَدْ جَاءَتْ شَرِيعَةُ اللهِ بِتَوْجِيهَاتٍ رَبَّانِيَّةٍ عَظِيمَةٍ فِي النَّظَرِ لِلْمَرْأَةِ وَأَوْصَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (... وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمَهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ (فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا). فَلَا تَطْلُبِ الْكَمَالَ فِي الْمَرْأَةِ أَوْ تَتَوَقَعَ بَيْتَاً خَالِيَاً مِنَ الْمَشَاكِلِ.
ثُمَّ إِيَّاكَ أَيُّهَا الزَّوْجُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِنْدَكَ هُوَ الْحَلَّ، لِأَنَّهُ كَسْرٌ لِزَوْجَتِكَ وَكَسْرٌ لِأَهْلِهَا وَكَسْرٌ لِأَطْفَالِكَ، بَلْ خَسَارَةٌ تَحْدُثٌ لَكَ أَنْتَ مِمَّا دَفَعْتَ مِنَ الْمَهْرِ، وَمَا أَسْوَأَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ رَافِعَاً سَيْفَ الطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَيَنْسَى قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا)، ثُمَّ إِنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ وُمَجَانِبَةِ الْعَدْلِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى عُيُوبِهَا وَلا تَنْظُرْ إِلَى عُيُوبِ نَفْسِكَ، وَأَيْضَاً تَنْسَى الْجَوَانِبَ الطَّيِّبَةَ التِي تُوجُدُ فِي امْرَأَتِكَ، وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ وَالْوَاقِعِ، وَاسْمَعْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ هُنَاكَ مَشْرُوعَاً جَمِيلاً مُفِيدَاً هُوَ مِنْ أَسْبَابِ صَلَاحِ الْبُيُوتِ وَالْأُسَرِ, وَلَا سِيَّمَا لِحَدِيثِي الزَّوَاجٍ, وَعَنْ طَرِيقِهِ يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ حُقُوقَ الآخَرِ وَكَيْفَ يُعُامِلُهُ، قَدْ أَثْبَتَ نَجَاحَهُ وَللهِ الحَمْدُ ، إِنَّهُ مَشْرِوعٌ تَدْرِيبِيٌّ لِلرَّاغِبِينَ فِي الزَّوَاجِ، تَقُومُ بِهِ الْجَمْعِيَاتُ الْخَيْرِيَّةُ فِي الْمُحَافَظَات, فَيَتَقَدَّمُ الرَّاغِبُ فِي الزَّوَاجِ لِدُخُولِ هَذَا البَرْنَامَجِ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ أَوْ أَقَلَّ, وَيُعْطَى تَوْجٍيهَاتٍ وَأَحْكَامٍ وُطُرقٍ لِمُعَامَلةٍ الزَوْجَةِ وَكَيْفَ يُسَيِّرُ بَيْتَهُ، ثُمَّ بَعْدَ البَرْنَامَجِ تُدْفَعُ مُسَاعَدَاتٌ مَالِيَّةٌ لِمَنْ يُتِمُّ الْحُضَورَ لِهَذِهِ الدَّوْرَاتِ، وَقَدْ أَثْبَتَ هَذَا الْبِرْنَامِجُ نَجَاحَهُ، وَقَلَّ مَنْ دَخَلَهُ إِلَّا وَنَجَحَ فِي حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ، بَيْنَمَا يَفْشَلُ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ بِالْمِائَةِ مِنَ الزَّوَاجَاتِ التِي يَدْخُلُ فِيهَا الزَّوْجَانِ وَكُلَاهُمَا لا يَعْرِفُ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ، وَتَنْتَهِي فِي الْغَالِبِ باِلطَّلَاقِ، أَوْ تَبْقَى حَيَاةً نَكِدَةً وَعِيشَةً تَعِيسَةً، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
وَهُنَا وَصِيَّةٌ مُهِمَّةٌ لِكُلِّ زَوْجٍ وَلا سِيَّمَا الْمُقْبِلُونَ عَلَى الْعُرْسِ، أَبْعِدْ كَلِمَةَ الطَّلَاقِ مِنْ لِسَانِكَ، سَوَاءً لِعِلَاجِ مَشَاكِلِ الْمَرْأَةِ وَالْبَيْتِ أو حَتَّى فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فَإِنَّكَ قَدْ تَهْدِمُ بَيْتَكَ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، فَعَوِّدْ نَفْسَكَ عَلَى حَلِّ مَشَاكِلِ الْبَيْتِ بِالْهُدُوءِ وَالتَأَنِّي، وَلا تَجْعَلْ عَاطِفَتَكَ تَغْلِبُ عَقْلَكَ، ثُمَّ إِنَّكَ تُنْصَحُ نَصِيحَةً مُجَرَّبَةً : لا تَتَصَرَّفْ وَأَنْتَ غَضْبَان، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَنْدَمُ حِينَ تَخْرُجُ مِنْهُ تَصَرَّفَاتٌ أَوْ كَلِمَاتٌ وَهُوَ فِي حَالَةٍ عَصَبِيَّةٍ، فَانْتَظِرْ وَفَكِّرْ فِي الْعَوَاقِبِ وَدَعِ التَّصَرُّفَ النِّهَائِيَّ لِوَقْتٍ آخَر، وَمِنَ الْحُلُولِ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى تَهْدَأَ وَيَذْهَبَ عَنْكَ الْغَضَبُ.
وَمَنِ الوَصَايَا الْمُهِمَّةِ: أَنَّ عَلَيْكَ أَنْ تُوَفَّقَ بَيْنَ زَوْجَتِكَ وَبَقِيَةِ أَهْلِكَ مِنْ أُمٍّ وَأَخَوَاتٍ وَغَيْرِهِنَّ, وَالعَاقِلُ يَسْعَى لِلتَّقْرِيبَ وَلَا يَمِيلُ إِلَى أَحَدٍ, وَيَعْمَلُ لَلإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ, فَوَطَّنْ نَفْسَكَ عَلَى التَّحَمُّلِ, وَحَلِّ الخِلَافَاتِ بِرَوِيَّةٍ وَتُؤَدَة, وَلَا تَظُنَّ أَنَّ بَيْتاً يَخْلُو مِنْ مَشَاكِل. أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بُيُوتَنَا وَأُسَرَنَا وَأَهَالِينَا، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغِفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَلْيَسْعَ كُلٌّ مِنَّا فِي إِصْلَاحِ بَيْتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَلِنَعْلَمَ أَنَّنَا مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ إِنَّ الْخَاسِرَ أَوِ الرَّابِحَ هُوَ أَنْتَ أَيُّهَا الزَّوُجُ أَيُّهَا الْأَبُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا (الوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ) فَاعْلَمْ أَيُّهَا الزَّوْجُ أَنَّ زَوْجَتَكَ وَأَهْلَكَ مُحْتَاجُونَ إِلَيْكَ وَإِلَى بَقَائِكَ مَعَهُمْ وَرِعَايَتِكَ لَهُمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ، فَعَوِّدْ نَفْسَكَ عَلَى الْبَقَاءِ فِي بَيْتِكَ، وَالْقُرْبِ مِنْ أَوْلَادِكَ وَزَوْجَتِكَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، فَجَاءَهُ فَقَالَ (يَا عُثْمَانُ! آرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي؟ ) قَالَ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أطْلُبُ! قَالَ (فَاتَّقِ اللهَ يَا عُثْمَان! فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأُسْرَةَ السَّعِيدَةَ تَبْدَأُ مِنَ الْخُطُوَاتِ الْأُولَى لِلنِّكَاحِ فِي النِّيَّةِ الْحَسَنَةِ فِي الزَّوَاجِ مِنْ تَحْصِينِ نَفْسِكَ وَتَحْصِينِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ التِي تَتَزَوَّجُهَا، وَمِنْ تَكْثِيرِ الْأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضَاً أَنَّكَ فِي الْبِدَايَةِ قَدْ تَتْعَبُ قَلِيلاً لَكِنَّكَ بِإِذْنِ اللهِ سَوْفَ تَرْتَاحُ كَثِيرَاً، فَمَنْ عَوَّدَ ابْنَهُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ صُغْرِهِ سَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهَا فِي كِبَرِهِ، وَلِذَلِكَ التَّرْبِيَةُ فِي الصِّغَرِ لَهَا أَثَرٌ كَبِيرٌ، وَفِي الْمَثَلِ الْمَعْرُوفِ : الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ، وَأَيْضَاً فَإِنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ [الدَّفْعَ أَهْوَنُ مِنَ الرَّفْعِ] وَالْمَعْنَى : أَنَّ حِرْصَكَ عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلادِكَ وَزَوْجَتِكَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبُعْدِ عَنِ الشَّرِّ أَنْفَعُ بِكَثِيرٍ مِنْ تَرْكِكَ لَهُمْ فَإِذَا وَقَعُوا فِي الْأَخْطَاءِ صِرْتَ تُعَالِجُهَا، لِأَنَّهُمْ قَدْ لا يَتَأَثَّرُونَ بِالتَّأْدِيبِ الْمُتَأَخِّرِ, لِأَنَّ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةَ سَبَقَتْ، وَلِذَلِكَ فِي الْمَثَلِ الآخَرِ [دِرْهَمُ وِقَايَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِنْطَارِ عِلَاج]
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَر، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي اَلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
المرفقات
بَيْتَكَ-يَا-مُسْلِم-28-جماد-الثانية-1439هـ
بَيْتَكَ-يَا-مُسْلِم-28-جماد-الثانية-1439هـ
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق