أخوة الإسلام
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر آل شبنان المعاوي
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأنعم علينا بالإيمان، وكرّه إلينا الكفرَ والفسوق والعصيان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهمّ فاحرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين...
ثم أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون وكونوا عباد الله إخوانًا...
حينما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة كان من أوائل عمله ﷺ أن آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانت بينهم في الأخوة مواقف خالدة كما فعل سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف؛ حين قال: أنا من أكثر أهل المدينة مالاً فاقسم مالي نصفين وخذ نصفه، ولي زوجتان، فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها...
عباد الله:
إن الله يحب من عباده الرفيق الشقيق اللين الذي يألف ويؤلف صاحب القلب السليم الذي لا يحمل في قلبه على مؤمن غلاً أبداً، أيَّ مؤمن كان قريبا أو بعيدا عربياً كان أو أعجمياً " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "
إنه بمجرد انتماء المؤمن إلى الإسلام فقد أصبح فردًا في تلك الأسرة الكبيرة، وأصبح أخًا حقيقًا لمجموع إخوانه المؤمنين ...
حقيقة الأخوة في الله:
أن تفرح لفرح أخيك المسلم في كل مكان وأن تحزن لحزنه وأن لا تظلمه ولا تعين على ظلمه ولا تسلمه، الأخوة الحقة أن تقف معه في مصابه وكأنه مصابك وإن كان يبعد عنك بُعد المشرقين.. قال الحبيب ﷺ " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ "
( لا يظلمه ) فإن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه حتى عرضه يا عباد الله حرام ، لا تُحَمِّل نفسك ظلمه فيكون عليك مغبته يوم أن تلقى ربك، إن لم تُعنه بقول وإلا فالسكوت خيراً لك ...
وقوله: " ولا يسلمه " أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه بالعمل أو بالكلم، يدفع عن إخوانه كلام المنافقين وتشويش الغاوين وقد قال ربنا عن قوم استمعوا لأراجيف المنافقين وأصبحوا سمَّاعون لهم " إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ "
هذه أخوة الإسلام الحقَّة التي يجب أن نكون عليها ..
ويا سَعْدَ من أهمَّه أمر إخوانه المؤمنين وضجَّ بدعائه صباحه ومساءه بأن يفرج الله الهم ويدفع الكرب ويرفع البلاء ويدحر الأعداء فهذا هو هدي الحبيب ﷺ ...
في السنة الرابعة من الهجرة جاء رجل من نجد اسمه عامر بن مالك إلى رسول الله فَدُعِيَ إلى الإسلام فلم يُسلِم، وقال: يا محمد، لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك، فإني أرجو أن يستجيبوا لك، فقال ﷺ: « إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ » فقال عامر: أنا جارٌ لهم،فبعث رسول الله سبعين رجلاً من خيرة الصحابة، وكانوا يُعرفون بالقراء، يقرءون القرآن ويتدارسونه ليل نهار..
فنزلوا عند بئر يقال له بئر معونة وبعثوا الصحابي حَرَام بن مِلْحان برسالة من الرسول ﷺ إلى عامر بن الطفيل سيد أهل نجد يدعوه إلى الإسلام ، فلم ينظر في رسالة رسول الله بل أوصى أحد حرّاسه أن يأتي من خلفه ويطعنه في ظهره - والرسل لا تُقتل -، فجاء الحارس من خلفه وطعنه بحربة كبيرة من خلفه فخرجت من بطنه، فأخذ حرام الدم الذي يسيل من جسده ودهن به وجهه وهو يقول: «فزتُ وربِّ الكعبة» واستنهض عامر بن الطفيل قومه بني عامر على الصحابة، فأبوا لجوار عامر بن مالك إياهم، فاستنهض بني سُليم فنهضت منهم عُصيَّة ورِعل وذَكوان، وأحاطوا بالصحابة عند بئر معونة وقتلوهم عن آخرهم، إلا كعب بن زيد فقد أصيب بجروحٍ وظنوه قد قتل...
فحزن المصطفى ﷺ على إخوانه حزناً ما رؤي مثله قط حتى يوم أحد وظل يقنت شهراً كاملاً يدعو على ابن الطفيل وعلى عصية ورعل وذكوان في كل صلواته حتى الصلوات السرية حتى أتاه الوحي من الله بقرآن نسخ وفيه " ألَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، بأنَّا قدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وأَرْضَانَا " فسكن غضبه ﷺ وكذا صحابته...
وقد صدق عليه الصلاة والسلام حين قال: " ما من امرئ يخذل مسلما عند موطن تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته "
اللهم فانصر إخواننا المسلمين في كل مكان كن لهم عونا ونصيرا وظهيرا ومعينا
أستفغر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :
الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطنا، وصلى الله وسلم على أعظم من أحب في الله ونابذ العدا، اللهم فاجعلنا ممن تمسك بسنته واهتدى... ثم أما بعد:
أخوة المؤمنين أيها المؤمنون كلّ لا يتجزأ؛ يتألم جميعًا، وينعم جميعًا، يحبون لله ويبغضون لله وهم يدٌ على من سواهم ..
قال المصطفى ﷺ " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبَّك بين أصابعه، ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"
هذه حال أهل الإيمان رحماء بينهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ...
في عام الرمادة كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أميره على مصر كتب الرسالة التالية "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاص سلامًا عليك، أما بعد: فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي، فيا غوثًا ثم يا غوثًا"
فكتب إليه عمرو "أما بعد، فيا لبيك ثم يا لبيك، وقد بعثت إليك بِعِيرٍ أولها عندك وآخرها عندي والسلام"
كانت رسالة عمر رضي الله عنه غاضبة؛ لأنه ما كان لعمرو أن ينتظر حتى تأتيه رسالة عمر؛ لأنه لا يليق بمؤمن أن ينتظر صيحات الاستغاثة من إخوانه في شرق الأرض وغربها، هذا تبلد في الإحساس ولا يكون هذا في مؤمن أبداً ...
بل واجب الأخوة أن يفرح الأخ لفرح أخيه وأن يحزن لحزنه وأن يعينه ولو أن يلهج لسانه بالدعاء وأنعم بسلاح الدعاء، وأن يكون المؤمن لأخيه يداً على الأعداء وعلى المنافقين الذين يرجون للمسلمين المشقة والفرقة والعنت والذين يبثون كل حين الشبه ويدغدغون العواطف في سبيل ثني المؤمنين حتى عن الدعاء لإخوانهم المسلمين...
اللهم فأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان
اللهم فارج الهم وكاشف الغم
فرج هم المهمومين من المسلمين إنك أنت السميع العليم
المرفقات
1767098167_أخوة الإسلام.docx