أخلاق الصّائم 2 -

[font="] الخطبة الأولى - أخلاق الصّائم (2)[/font][font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله الذي هدانا لطرق العبادة، و وعد الصّائمين الصادقين الحسنى وزيادة.. أحمده أن شرّفنا بإتّباع سيّد الكائنات، و شرع لنا من الدين ما فيه صلاحُ المعاش و المعاد.. و أشكره تعالى على نعمه الوافرة، و آلائه المتكاثرة، شكر المؤمنين الطاهرين الصالحين الأوفياء، القائمين بحدوده من المقرّبين و الأولياء.. [/font]
[font="]و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، بها يكون للعبادة معناها، و ينبلج نورها و يلمع سناها، ثبّت الله عليها اللسان و الفؤاد، عند النزع و يوم ينادي المناد..[/font]
[font="]و أشهد أنّ سيّدنا محمدا عبدك و رسولك، وحبيبك الذي اصطفيته من بين الخلائق مبلّغا أمينا، و أحللته مكانا رفيعا و مكينا.. اللهم فصلّ و سلّم و بارك على سيّدنا محمد الصائم القائم، و على آله و أصحابه الأكارم و أولي المكارم، ما تعاقب الجديدان أو تكرّرت المواسم، و على التابعين لهم بإحسان في الأقوال و الأفعال و الإعتقاد.. [/font]
[font="]أمّا بعد، فقد استلهمنا الجمعة الماضية من مدرسة محمّد صلى الله عليه و سلم، قسم الصيام، أخلاق المسلم الصائم، و أخلاق الصائم أربعة : الأخلاق القلبية، الأخلاق القولية، الأخلاق العملية و الأخلاق التربوية.. و بعد أن تعرّفنا على الفصل الأول من الأخلاق القلبية وهو الخوف من الله و مراقبة النفس، نتوقف اليوم عند أهم فصل من أخلاق الصائم على الإطلاق، وهو الصبر باعتبار أنّه نصف الإيمان، فلا عبادة بدون صبر..[/font]
[font="]و كما أنّ الصيام طريق التقوى و المراقبة، فإنّه أيضا مضمار للتربّي على خلق الصبر، وهو خلق يتخلّق به الصائم، يصبر عن الطعام و الشراب و كلّ ما يفطر من المفطرات، لا يلين أمام هذه الشهوات بل تقوى إرادته وتنمو عزيمته، فيصبر على طاعة الله تعالى و اجتناب ما نهى عنه :" و بشّر الصابرين " ..[/font]
[font="]و لقد اختُصّ رمضان بأنّه شهر الصبر لما فيه من حبس النفس عن شهواتها خلال شهر كامل.. و كأنّ المسلم قد التحق بدورة تدريبية في كيفية الصبر، يتخرّج بعدها و قد حصل على شهادة الصبر من مدرسة شهر رمضان..[/font]
[font="]و الصبر ضرورة حياتية لكل عمل سواء كان دنيويا أم أخرويا.. و لهذا احتاج كل عامل في هذه الحياة الدنيا إلى خلق الصبر، إذ به تسير حياته بصورة مطمئنّة واثقة، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه له خير و ليس ذلك لأحد إلاّ المؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، و إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له " [/font][font="]أخرجه مسلم في صحيحه..[/font]
[font="]و الصبر من عناصر الرجولة الناضجة، فإنّ أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، و أعباء الرسالة المحمّدية لا يطيقها الضعاف، و لا يؤدّي حقّها المتهالكون، إنّما يرفع شأنها و يعلي كلمتها الأبطال الصابرون..[/font]
[font="]و الصائم صابر لله و بالله و في الله و مع الله تبارك وتعالى، فلا يتأفّف من طول وقت النهار، و لا يضجر من شدّة الجوع، بل تجده صابرا محتسبا يتقبّل الصيام بنفس رضية، مهيمن على نفسه و مالك لزمامها، فهو الذي يسعد بالصيام و يفرح بالعبادة مهما كانت شاقة و قاسية، لأنّه عرف محبوبه و امتلأ قلبه بنوره..[/font]
[font="]عباد الرحمان، ما دمنا نحلّق و نتنقّل في جولة أخلاقية بين مختلف أقسام مدرسة محمد، بل قل جامعة محمد صلى الله عليه و سلم، فلنقطف من زهور الأخلاق ونجمع من هذه الجامعة أشجار المعرفة في دوحة من الخير و الإيمان.. و اعلموا أنّ الورع لا يقلّ قيمة عن الصبر، بل يلتقي معه في مسلك واحد، و إن كان الصبر يعطي للنفس القوة على الثبات، فإنّ الورع يطهّر دنس القلب ممّا علّق به من أدران الحياة الدنيا و زينتها، وهو أوّل طريق إلى الزهد، فقّهه أبو الدرداء رضي الله عنه فقال:" تمام التقوى أن يتّقي العبد الله حتّى يتّقيه في مثقال ذرّة حيث يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما "..[/font]
[font="]فلا تحقرنّ شيئا من الشرّ أن تتّقيه، و لا شيئا من الخير أن تفعله. و الصيام ليس عبارة عن عبادة شكلية مجرّدة، هي ترك الطعام و الشراب [/font]!!![font="] [/font][font="]لا، و إنّما الصيام عبادة كاملة تامة قلبا و قالبا، شكلا و مضمونا، فشكلها و قالبها هو ترك المفطرات الحسّية المادية كالأكل و الشرب، و مضمونها و معناها هو القدرة على التخلّص من كل ما يغضب الله تعالى، و الابتعاد عن كلّ ما يخدش الصيام، و الابتعاد عن كلّ ما نهى عنه الحقّ تبارك و تعالى، سواء في شهر رمضان أو في غير شهر رمضان، و استمع إلى الإرشاد النبوي حول هذا المعنى عندما قال صلى الله عليه وسلم:" كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ الظمأ وكم من قائم ليس له من قيامه إلاّ السهر " [/font][font="]أخرجه الدارمي بإسناد جيّد[/font][font="] .. [/font]
[font="]و عليه فلا يتوقّف قبول العبادة على الشكل الخارجي و المظهر العام، إنّما توجد هناك أمور معنوية تكمل ذلك بعد الصبر، من إخلاص و تقوى و ورع، و لهذا فالصائم تراه بعيدا كل البعد عن المحرّمات، بل يترك كثيرا من المباحات حرصا على صيانة نفسه من الوقوع في الحرام، و لا سيما إذا كان ذلك المباح متردّدا بين الحلال و الحرام، قال تعالى:" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي حلقكم و الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون " فهي الغاية من العبادات جميعا..[/font]
[font="]أقول ما تسمعون و استغفر الله لي و لكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم..[/font]
[font="] [/font]
[font="] الشيخ محمد الشاذلي شلبي الإمام الخطيب [/font]
[font="] بجامع الإمام ابن عرفة بالتحرير
[/font]

[font="] تــونس [/font][font="][/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
المشاهدات 4347 | التعليقات 0