أخطر وكلاء الفتنة عبد العظيم عرنوس

أخطر وكلاء الفتنة - عبد العظيم عرنوس
هل يمكن لعاقل أن يشك في خطر اللسان ، وأنه هو المعبر عما في القلب من مكنونات ، على حد قول الخبير النفسي يحيى بن معاذ : القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم، فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من حلو وحامض وعذب وأجاج، يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه .. وإذا ذهبنا إلى من خاض غمار الحروب نسائله عن خطر اللسان لأجابنا بما تشيب له الولدان حيث يقول هتلر : كل الأحداث العظام التي هزت العالم لم تحدثها المادة المكتوبة بل الكلمة المنطوقة .

هذا اللسان الضئيل الحجم الضعيف البنية كما قد يخيل لنا ، إذا به يُحدث تغييرات هائلة في الوجود على حد تعبير إف إل لوكاس: رغم أن اللسان لا عظام فيه، لكنه يحطم ملايين منها .
هذا اللسان إما أن يرفعك لمقامات لا يعلم علوها إلا الله ، وإما أن يهوي بك إلى دركات لا يعلم سفولها إلا الله .. البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ .

وخطباء الفتن المسرعون في الشرور وإضرام نيرانها والإيقاد عليها المؤيدون للسلاطين والزعماء الطغاة المبررون لجرائمهم بحد ألسنتهم هم أخطر وكلاء الفتنة ، وسل الخبير بمسالك الشر وطرقه الخبيثة الملتوية حذيفة بن اليمان البارز بين الصحابة والفريد في هذا الفن يشفي غليلك بقوله : إن الفتنة وكلت بثلاث: بالحاد النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده ,, فالخطيب صاحب سيف بتار في الفتنة ، ففيما يؤثر عن ابن عباس رضي الله عنهما ( إن سيفه لسانه )

وما لنا نذهب بعيدا ؟ ألم يبين النبي صلى الله عليه وسلم سيما أولئك حتى لكأنا نراهم رأي العين يلوون ألسنتهم لتزييف الحقائق .. ففي صحيح ابن حبان ابن حبان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ: أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعدي لا يَهتَدونَ بِهَدْيِي، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي. وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُونَ عَلَيَّ حَوْضِي. والسفهاء هم المسرعون في الشر .

بعد كل هذا ندرك أن البوطي الهالك داعية فتنة بامتياز ، وقائل زور وشاهد زور من الدرجة الأولى لا يباريه فيه مبار .. وقول وشهادة الزور من أكبر الكبائر .. البخاري عن أَبِي بَكْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ. فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لا يَسْكُتُ .

وإذا كان قول الزور وشهادة الزور من أكبر الكبائر ، فقول الزور وشهادة الزور وتزييف الحقائق على المنبر أكبر جرما وأعظم إثما .

وإذا كانت الكلمة من سخط الله تهوي بقائلها في جهنم ، فقولها على المنبر أشد هويا به فيها .
وإذا كان التحريض على قتل الآمنين وانتهاك الأعراض وتدمير المدن وتأييد الظالم في كل ذلك منكر عظيم فهو على المنبر أشد نكرا .

وإذا كان الكذب شنيعا وقبيحا ، فالكذب على الملأ الذي يبلغ الآفاق من فوق المنبر أشد شناعة وقبحا ، وجزاء مقترفه ليس كجزاء من يكذب في غير هذا الموطن .. روى البخاري: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه ... قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقَّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى. قلت: سبحان الله ما هذان؟ قالا: فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق

الكُّلوب: حديدة معوجة الرأس - يشرشر: يقطع ويشقق - شدقه: جانب الفم - الآفاق: نواحي الأرض .
ألا إنا لا نتألى على الله عز وجل ونقول فلان في الجنة أو في النار إنما نحن نقرر حقائق ونشهد بما علمنا وما كنا للغيب حافظين ، ونشهد بما علمنا ، ونكل الحكم على البوطي وأمثاله لرب العالمين الذي يقضي بالحق وهو أحكم الحاكمين ، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم .

وقد ورد عن ابن عباس أنه قال : من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله . وقال ميمون بن مهران: الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء . وقال الحسن: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يُعصَى اللهُ في أرضه .
البوطي أصبح في دار الحق ؛ لكن ما قد يترتب من فتن بمقتله يتحمل وزرها ميتا ، لأنه بمواقفه المؤيدة للعصابة فتح باب الفتن على مصراعيه.
المرفقات

3544.doc

3545.doc

المشاهدات 1239 | التعليقات 0