أخطاء المصلين
د. محمود بن أحمد الدوسري
1440/11/06 - 2019/07/09 15:19PM
أخطاء المصلين
د. محمود بن أحمد الدوسري
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» رواه البخاري. وهذا يدل على أنَّ مَن لم يتفقه في الدين فقد فاته خير كثير, ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» رواه البخاري. وكثير من المصلين - في عصرنا - لم يطبقوا هذا الأمر النبوي الكريم على تمامه؛ بسبب كثرة أخطائهم في الصلاة, وأخطاءُ المصلين كثيرة ومتنوعة قبل الصلاة, وأثناء الصلاة, وبعد الصلاة, وبعضها في الأفعال, وبعضها في الأقوال, فمن أخطاء المصلين في الوضوء:
1- يظن الكثير أنه إذا نسي التسمية في الوضوء فعليه أن يعيده: والصحيح: أن من نسِيَ التَّسمِية، فوضوؤُه صحيح، فإنْ تذكَّرَها في أثناء الوضوء سمَّى، وليْس عليْه أن يُعيد الوضوء.
2- تكرار المسح على الرأس: فلا يُشرع تثليث مسح الرأس, والسُّنة أن يكون مسح الرأس مرة واحدة, ولا يُشرع تكرار المسح؛ لأنه بالتكرار يصير غسلاً, والمسح مبني على التخفيف, والتكرار لا تخفيف معه.
3- الغفلة عن غسل الأعقاب: قال صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. رواه البخاري ومسلم. فتوعدها بالنار؛ لعدم طهارتها.
4- عدم تخليل الأصابع: وهذا أمر يغفل عنه الكثيرون, وهو من إسباغ الوضوء وتمامه، فيُسن في الوضوء تخليل أصابع اليدين والرجلين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ, وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ» صحيح - رواه أبو داود والترمذي.
5- الوضوء أكثر من ثلاث مرات: ولمَّا توضَّأ النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً؛ قال بعد ذلك: «هَكَذَا الْوُضُوءُ, فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ؛ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» صحيح - رواه أبو داود. قال ابنُ المبارك - رحِمَه الله: (لا آمَنُ على مَن زاد على الثَّلاث أنْ يأثم).
أيها الإخوة الكرام .. ومن أخطاء المصلين قبل الصلاة:
6- تشبيك الأصابع: وتلك مخالفة يقع فيها البعض؛ سواء كان في طريقهم إلى المسجد أو في انتظارهم للصلاة, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «إذا تَوَضَّأَ أحَدُكم في بيتِه ثم أتى المَسْجِدَ؛ كان في صَلاةٍ حتى يَرْجِعَ, فلا يَقُلْ هكذا: وشبَّكَ بين أصابِعِه» صحيح – رواه الحاكم.
7- الإسراع في الخطى إلى المسجد: لاسيما إذا كان الإمام قبيل الركوع، أو ركع, فينطلق مُسرعاً؛ ليدرك الركعةَ مع الإمام، وهذا الإسراع منهي عنه؛ كما في وصيَّته صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاَةِ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ, وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ, فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا, وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ؛ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ» رواه مسلم.
8- التنفل عند إقامة الصلاة: بعض المصلين تفوته تكبيرة الإحرام, وربما فاتته الركعةُ الأُولى؛ بسبب استمراره في أداء النافلة, وكان الأَولى به أن يقطع النافلة، أو يُتمَّها بسرعة, ويُبادل في أداء الفريضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ؛ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ» رواه البخاري ومسلم.
9- عدم تسوية الصف, وترك سد الفُرج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ, أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» رواه البخاري ومسلم. وقال أيضاً: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ, وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ, وَسُدُّوا الْخَلَلَ, وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ, وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ, وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ, وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» صحيح - رواه أبو داود.
9- عدم تسوية الصف, وترك سد الفُرج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ, أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» رواه البخاري ومسلم. وقال أيضاً: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ, وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ, وَسُدُّوا الْخَلَلَ, وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ, وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ, وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ, وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» صحيح - رواه أبو داود.
عباد الله .. ومن أخطاء المصلين في الصلاة:
10- عدم الطمأنينة في الصلاة: وهو من الأخطاء التي تبطل الصلاة، فلا يطمئن في القيام, ولا في الركوع, ولا في السجود, ولا في الجلوس؛ بل ينقرها نقراً، ولا يذكر اللهَ إلاَّ قليلاً. والطمأنينةُ ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلاَّ به، وهل يرضيك - أخي الكريم - أن يصرف الله نظره عنك وأنت تصلي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَنْظُرُ اللهُ إلى عَبْدٍ لا يُقِيمُ صُلْبَه بين رُكوعِهِ وسُجُودِهِ» صحيح لغيره - رواه أحمد في المسند.
11- الجلوس مع القدرة على القيام: هناك مَنْ يصلي جالساً لمرض أو غيره، لكن مَن استطاع القيام - وكان عاجزاً عن الركوع والسجود - لا يسقط عنه القيام، فيجب عليه القيام, ثم يومئ للركوع, ويسجد إيماءً، لأنَّ القيام - مع القدرة - ركن من أركان الصلاة، فلا يجوز لأحدٍ أن يصلي قاعداً, وهو يستطيع الوقوف.
12- مسابقة الإمام: وهو من المخالفات الفاحشة؛ لذا ورد النهي الشديد عن مسابقة الإمام في الركوع أو السجود أو نحوِ ذلك؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ؛ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ, أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» رواه البخاري. ولا خلاف بين أهل العلم بأن المأموم إذا كبَّر تكبيرة الإحرام قبل الإمام؛ فإن صلاته باطلة, وعليه إعادة التكبير بعد تكبيرة الإمام.
والمشروع هو متابعة الإمام، فإنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تسبقه, ولا توافقه, ولا تتأخر عنه؛ بل تُتابعه. قال الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رضي الله عنه: «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ» رواه البخاري ومسلم.
13- عدم المبادرة إلى الدخول في الصلاة حال سجود الإمام: بعضهم يُدرك الإمامَ - وهو ساجد أو جالس - فيبقى واقفاً ينتظره حتى يقوم. والمشروع هو المبادرة إلى الدخول في الصلاة. وجاء في بعض الأحاديث: «إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا, وَلاَ تَعُدُّوهَا شَيْئًا» صحيح - رواه أبو داود.
14- ترك رفع اليدين في مواضع الرفع: ومواضع رفع اليدين أربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند الرفع من التشهد الأول. وبعضهم يرفع اليدين بعد الركوع مثل هيئة الدعاء! والصواب: أن ترفع حذو المنكب أو الأُذن.
15- عدم السجود على الأعضاء السبعة: وعدم تمكين الجبهة والأنف وأطراف القدمين في السجود. وجاء في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا «سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ, وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ, وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» وكان «يُمَكِّنُ رُكْبَتَيه وأَطْرافَ قَدَمَيه» صحيح - رواه أبو داود والترمذي.
16- قراءة القرآن في الركوع والسجود: وهو منهي عنه؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعاً أَوْ سَاجِداً، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِـَنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) رواه مسلم.
17- رفع الصوت بالأذكار أو بقراءة القرآن: وأسوأ منه رفع الصوت بالأحاديث الجانبية التي تُشغل الناس, وتشوش عليهم صلاتهم وقراءتهم, قال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ, فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» صحيح - رواه أبو داود.
18- قيام المسبوق - قبل تسليم الإمام التسليمة الثانية: وهي مخالفة منتشرة بين الناس؛ فما أن يُسلِّم الإمامُ التسليمةَ الأُولى - وقبل أن يتمها - بادر الناس بالقيام لقضاء ما فاتهم قبل أن يُكمل الإمامُ السلام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي إِمَامُكُمْ فَلاَ تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ, وَلاَ بِالسُّجُودِ, وَلاَ بِالْقِيَامِ, وَلاَ بِالاِنْصِرَافِ» رواه مسلم. والمراد بالانصراف: السلام.
قال الإمام الشافعي - رحمه الله: (ومَنْ سبقه الإمام بشيء من الصلاة؛ لم يقمْ لقضاء ما عليه إلاَّ بعد فراغ الإمام من التَّسليمتين).
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى, وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى, وبعد:
عباد الله .. ننتقل الآن إلى بعض أخطاء المصلين في صلاة الجمعة, ومن أهمها:
19- ترك الاغتسال يوم الجمعة: بعض المصلين يتهاون في شأن الاغتسال، ولا يُعطي أهميةً خاصة ليوم الجمعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» رواه البخاري. وقال أيضاً: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» رواه مسلم.
20- ترك التبكير لصلاة الجمعة: وربما تأخر بعضهم حتى تُقام الصلاة, وهو حِرمان كبير؛ لأنَّ حضور الخطبة والإنصات لما يقول الخطيب من أعظم مقاصد الجمعة, والتبكير إلى صلاة الجمعة فيه أجور عظيمة؛ لذا حث النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ, وَغَدَا وَابْتَكَرَ, وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا» صحيح - رواه النسائي.
21- الجلوس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأمامية: مع أن السنة هو القرب من الإمام ما أمكن؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم - لمَّا رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا - قَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي, وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ, لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ» رواه مسلم.
22- تقديم متابعة الأذان, وتأخير تحية المسجد إلى ابتداء الخطبة: والصواب: هو أن يبدأ بتحية المسجد؛ ليتفرغ لسماع الخطبة، لأن متابعة المؤذن سُنة, واستماع الخطبة واجب, والواجب مُقدَّم على السنة.
23- الكلام أثناء الخطبة: وعدم الإنصات إلى ما يقول الخطيب. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ - وَالإِمَامُ يَخْطُبُ - فَقَدْ لَغَوْتَ» رواه البخاري ومسلم. أي: بطلت جُمعتُك وصارت ظُهراً.
24- رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة: وهذا لا يشرع إلاَّ في حالة واحدة, وهي إذا استسقى الإمام في الخطبة, ورَفَع يديه, فالسُّنة الرفع للجميع.
25- إذا فاته الركوعُ في الركعة الثانية أتمها ركعتين على أنها صلاة جمعة: وهذا خطأ فادح, ونقص في أداء الفريضة, والصواب: أن يُتمها أربعاً ظهراً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ» صحيح - رواه النسائي. ومفهومه: إذا لم يُدرك ركعةً, فإنه لم يُدرِك الجمعة, فيُتِمَّها ظهراً أربعَ ركَعَات.
المرفقات
المصلين
المصلين