أخذ الزينة للصلاة ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد )

صالح عبد الرحمن
1446/08/21 - 2025/02/20 08:29AM

خطبة عن أخذ الزينة للصلاة

الخطبة الأولى: 

الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عظيم في ربوبيته، عظيم في أولوهيته، عظيم في أسمائه وصفاته،  وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون …

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r، قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا) ليس بقعةٌ أحبَ إلى الله من بيوتِه ، وليس روادٌ أكرمَ من روادها ..

منارات الهدى، وأعلام الدين ، هناك في المساجد التي يغشاها المؤمنون الركع منهم والساجد, ويتزاحم فيها العابد والتائب, ليرتفعوا  عند ربهم في أعلى المراتب، مخلفين الدنيا وراء المناكب..

المساجد ملتقى القريبِ والبعيد, والغنيِ والفقير ، تراهم سواسيةً امام عظمة الله يركعون ويسجدون وبحمده يسبحون,  يُذكر فيها اسمه، ويَجزُل فيها قسمه {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}

   يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا          الله أكبر  في شوق وفي جذلِ

  أرواحهم خشعت لله في أدبٍ                قلوبهم من جلال الله في وجلِ

  نجواهم: ربنا جئناك طائعـــــــــةً             نفوسنا ، وعصينا خادع الأملِ

 هم الرجال فلا يلهيهم لعــــبُ                 عن الصلاة ، ولا أكذوبةُ الكسلِ

بيوت الله هي محالّ البركات، ومواطن العبادات، ومصاعد الكلمُ الطيب والعمل الصالح، وأسواق الآخرة التي يوجب فيها المشترون صفقة البيع الرابح ..

المساجد ملتقى المؤمنين.. بها تتعلق قلوبُهم، وفيها تسموا ارواحُهم وتتوحد صفوفهُم، فيها يؤدون صلاتَهم ويعظمون ربَهم، فيها يجسدون وِحدتَهم..

من المسجد انطلق المصلون من الصحابة والتابعين فأضاؤوا الدنيا عدلا ونورا..

منائرها دوّت بكلمةِ التوحيد، وعليها نودي بالصلاة والفلاح ومن محرابها تليت آيات الله غضةً طريا ، ومن منابرها شاعت أنوار الهداية والصلاح  ..

المساجد مجمع المتقين, ومأوى أفئدةِ المصلين {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}

  المشيُ الى المساجد يرفع الله به الدرجات, ويمحو به الخطيئات, ويضاعف به الحسنات, قال عليه الصلاة والسلام: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)  فما أجملَ مساجدَنا وما أعظمَ صلاتَنا ، وما أبهى روادَها

صلاةُ الجماعة شعار الوحدة والتوحد, وفي اقامة صفوفِها وتراصِها نيلُ ثواب رب العالمين {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}

السعيد من عمرها وحافظ على اداء الفرائض فيها.. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "المساجد بيوت الله في الارض, والمصلي فيها زائر لله, وحق على المزور ان يكرم زائره".

«مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ» متفق عليه

فما أكرمَ بيوتَ الله وما أكرمَ عُمّارها ، " مَنْ بَنَى للَّه مَسْجِدًا وَلَوْ كَمِفْحَصِ قَطَاةٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ " وما أعزَ من اعتنى بها نظافةً وصيانة ، في صحيح مسلم "أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ r ، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: مَاتَت، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا ،فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا.

إن على كل مسلم أن يرعى للمساجد حرمتها ، وللصلاة قيمتها ، ففيها يقام أعظمُ معالمِ الدين الحنيف ودعائِمه العظام ، وأعظمُ شعائرِه وأنفع ذخائره..

الصلاةُ طاعةٌ تشرقُ بالأملِ في لجةِ الظلمات، وتنجي المتردّي في دَربِ الضلالات، وتأخذُ بيد البائس من قعر بؤسه واليائسِ من دركِ يأسهِ إلى طريق السعادةِ والنجاة، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}

أستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إن ربنا لغفور شكور

الخطبة الثانية : 

الحمد لله رب العالمين يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعامين وآله وصحبه أجمعين .. ..

تعظيمُ قدر الصلاةِ عنوانُ صدقِ الإيمان، وحق بيوت الله وحق فريضته وحق عباده المصلين أن يأتي إليها المسلم بأجمل حلة وأبهى نظره ..{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

رأَى ابنُ عُمرَ رضي الله عنه غلاماً لُه يُصَلِّي في ثَوبِ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ: (أَلَمْ أَكْسِكَ ثَوْبَيْنِ؟)، قَالَ: بَلَى، قَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى فُلَانٍ أَكُنْتَ ذَاهِبًا فِي هَذَا الثَّوْبِ؟)، قَالَ: لَا، قَالَ: (فاللَّهُ أَحَقُّ مَنْ تَزَيَّنُ لَهُ)

وكان سعيد بن المسيّب يلبس الحلّة بألف درهم ويدخل المسجد ويقول: أجالس ربّي. 

وكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْمسّجِدِ لَيُحَدِّثَ تَوَضَّأَ وضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابَه وَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً، وَمَشَطَ لِحْيَتَهُ"

فما بال أناس لا يقدرون للصلاة قدرها، ولا للمساجد مكانتها ، يأتي أحدهم مرتدياً ثياب مهنته وقميص نومه ، مما لا يفعله بمناسبات فرحه، ومقابلة وجهائه،  وآخرون يأتونها بملابس تشمئزُ النفوس من رؤيتها ويستقبح العقلاء من ارتدائها ، وأدهى من ذلك من يأتي للصلاة ببنطال قصير قد بدت ركبتاه ، وإذا جلس للصلاة انحسر فخذاه {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ}

ومن حق المساجد والمصلين أن يعتني المرء بنظافته ورائحته ..في الصحيحين «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»، ويدخل فيه كل رائحة كريهة تؤذي المصلين كرائحةِ الدُخان وغيرها. 

فعلى المسلم المبارك أن يستعد لصلاته بالطيب والسواك قال رسول ﷺ : ( لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ). 

فمن حافظ على هذه الصلواتِ الخمس “فأَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ؛ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ”.

اللهم أحي قلوبنا بطاعتك واغفر زللنا وإسرافنا في امرنا  .

 

المشاهدات 201 | التعليقات 0