أَحْيَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ بعْدَ مِائِةِ عَامٍ ( 2 ) 21/7/1442هـ
خالد محمد القرعاوي
1442/07/18 - 2021/03/02 20:44PM
أَحْيَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ بعْدَ مِائِةِ عَامٍ ( 2 ) 21/7/1442ه
الحمدُ للهِ أَحقَّ الْحَقَّ وَنَزَّلَهُ، وَأَمْهَلَ الظَّالِمَ ومَا أَهمَلَهُ،َ خَوَّفَ عِبَادَهُ بِالْآيَاتِ، وَذَكَّرَهُمْ بِالمَثُلاتِ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَرْجُوا بِهَا الْنَّجَاةَ مِنَ الهَلَكَاتِ، وأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ بِالآيَاتِ البَيِّنَاتِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَابَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ المماتِ. أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ، اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ، فالْخَيرُ في طاعتِهِ، فَمن أَحسَنَ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أسَاءَ فَعَليها، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .أيُّها المسلمونَ: سمعتم طَرَفَاً مِن قِصَّةٍ مُذْهِلَةٍ بِحَقٍّ! فِي سُورَةٍ قَالَ عَنْها نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. هذَهِ القِصَّةُ تُبَيِّنُ عَظَمَةَ اللهِ وَقُدْرَتَهُ! حِينَ قَالَ اللهُ تَعَالى:(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)! فَقَدْ مَرَّ عُزَيرٌ عَلَيهِ السَّلامُ على تِلكَ القَرْيَةِ فَهَالَهُ مَا رَأَى مِنْ خَرابِهَا! فَقَدْ قَدِمَ مُمْتَطِيَاً ظَهْرَ حِمَارِهِ, مَعَهُ قَلِيلٌ مِن التَّمْرِ, وَشَيءٌ مِن التِّينِ, وَشَرَابٌ مِن عَصِيرِ الِعنَبِ! فَحِينَمَا رَأَى القَرْيَةَ المُبَادَةَ المُسَوَّاةَ بِالأَرْضِ قَالَ فِي دَهْشَةٍ:(أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)؟! مُسْتَعْجِلا وَمُتَمَنِّياً ذَلِكَ. (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ) مَوتًا حَقِيقِاً! وَأَمَاتَ مَعَهُ حِمَارَهُ. وَأبْقَى عَصِيرَهُ وَتِينَهُ عِنْدَهُ! وَذَلِكَ فِي وَقْتِ الضُّحَى, وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلِكِ فَارِسَ: أَنْ يُعَمِّرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِيلِيَاءَ حَتَّى عَادَ أَعْمَرَ مَا كَانَ. ثُمَّ بَعَثَهُ بَعْدَ مَوتِهِ: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). قَالَ ذَلِكَ: لأنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي جِسْمِهِ ولا طَعَامِهِ تَغَيُّرَاً! فاللهُ جَلَّ وَعَلا أمَاتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعَثَهُ آخِرَ النَّهَارِ! وَعُزَيرٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي نَفْسِ يَومِهِ! فَقَالَ لَهُ:(بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)! فَتَمْرُكَ وَتِينُكَ وَعَصِيرُكَ لَمْ يُنْتِنْ! وَكَأنِّي بالرَّجُلِ يَتَفَقَّدُ أغْرَاضَهُ, وَيَبْحَثُ عَنْ حِمَارِهِ؟ فَإذا هُوَ قَد تَفَرَّقَتْ عِظَامُهُ يَمِينَاً وَشِمَالاً, فَقَالَ اللهُ لَهُ:(وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) انْظُرْ كَيفَ كَانَ؟ ثُمَّ دَقِّقِ النَّظَرَ مَاذَا سَيَحْدُثُ لَهُ الآنَ! فَسَنَجْعَلُهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَعِبْرَةً, فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا جَمَعَتْ عِظَامَ حِمَارِهِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ تِلْكَ الْمَحِلَّةِ، ثُمَّ رَكَّبَ كُلَّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى صَارَ حِمَارًا قَائِمًا مِنْ عِظَامٍ فَقَطْ! يَا اللهُ يَرىَ حِمَارَهُ هَيْكَلٌ عَظْمِيٌّ فَقَطْ! فَكَادَ قَلْبُهُ أنْ يَطِيرَ فَرَقَاً مِنْ عَظَمَةِ المَشْهَدِ! حَقَّاً كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:"خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ". أَقُولُ مَا سمعتمْ وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِسائِرِ المُسلمينَ فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ/ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ والْمُرسَلِينَ، نَبِيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آله وأصحابِه أجمعينَ. أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ، القائِلُ :(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا). فَبَعْدَ أنْ رُكِّبَتِ العِظَامُ: إذْ بِالَّلحْمِ يَكْسُو العِظَامَ وَهُوَ يَرَى! وَإذْ بِالعَصَبِ والعُرُوقِ تَنْمُو وَهُو يَرَى, وَإذْ بِالجِلْدِ يَنْتَشِرُ وَهُو يَرَى! وَإذْ بِالرُّوحِ تُنفَخُ فِي حِمَارِهْ وَهُو يَرَى! فَيَنْهَقُ الحِمَارُ وَيَستَعِيدُ حَياتَهُ وَكَأَنَّ شَيئَاً لَمْ يَكُنْ! كُلُّ تِلْكَ المَشَاهِدِ فِي لَحَظَاتٍ يَسِيرَةٍ! فَمَا كَانَ مِنْهُ إلَّا إذْعَانٌ وَتَوحيدٌ للهِ تَعَالى فَصَرَخَ قَائِلاً:(أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فَلَيسَ شَيءٌ بِمُسْتَحِيلٍ عَلى اللهِ تعَالى الذي لا يُعْجِزُهُ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ! عِبَادَ اللهِ: جَاءَتْ هَذِهِ الآيَاتِ لِتُؤَكِّدَ الإيمانَ بِاللهِ تَعَالى أَنَّهُ يُحْي وَيُمِيتُ, وَيُبْدِئُ وَيُعِيدُ! وَأَنَّ قُدْرَتَهُ سُبْحَانَهُ لا يَحُدُّهَا حَدٌّ وَلَيس لَها عَن أَحَدٍ مِن خَلْقِهِ رَدٌّ! مَنِ الذي عَادَهُ سُبْحَانَهُ فَلمْ يُذلُّ؟ وَمَنْ حَارَبَهُ فَلَمْ يُهزمْ؟ وَمَنِ الذي نَازَعَهُ كِبريَائَهُ فلم يُقصَمْ؟ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد . عبادَ اللهِ: فِي قِصَّةِ أَهْلِ القَرْيَةِ دَرْسٌ عَقَدِيٌّ, وَسُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ, أَنَّهُ سُبحانَهُ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، وأَنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ، وأنَّ الكَفَرَةَ مَهمَا أُوتوا لو شَاءَ اللهُ لأَفنَاهُم، إنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حكيمٌ. جَاءَتِ القِصَّةُ لِتُؤَكِّدَ أنَّ انْتَشَارَ المَعَاصِيَ, وَعَدَمَ الاسْتِمَاعَ للنَّاصِحِ أنَّها سَبَبُ الهلاكِ والعَذَابِ! وَحِينَ سُئِلَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». رَواهُ البُخَارِيُّ قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ عليهِ رَحْمَةُ اللهِ مِنْ فَوائِدِ القِصَّةِ: قُصُورُ نَظَرِ الإنْسَانِ، وَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلى الأُمُورِ بِمعيَارِ الْمُشَاهَدِ لَدَيهِ؛ فَلا تَسْتَبْعِدْ أَنَّ اللهَ يُزِيلُ هَذا التَّغَيُّيرَ؛ وَكَمْ مِنْ أَشْيَاءَ ظَنَّهَا أُنَاسٌ أَنَّهَا لَنْ تَزُولَ، ثُمَّ تَزُولَ؛ فَأُنَاسٌ أَمَّلُوا دَوَامَ الغِنَى وَالأَمْنِ وَالسُّرُورِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ ضِدَّ ذَلِكَ؛ وَأُنَاسٌ كَانُوا عَلى شِدَّةٍ مِن العَيشِ، وَالخَوفِ، وَالْهُمُومِ، ثُمَّ أَبْدَلَهُم بِضِدِّ ذَلِكَ. فَالَّلهُمَّ انفعنا وارْفَعْنَا بِالقُرآنِ الكريمِ, فَالَّلهُمَّ زِدْنَا مِن الإيمَانِ وَلا تَنْقُصْنَا, وَأَكْرِمْنَا بِطَاعَتِكَ وَلا تُهِنَّا, ولا تُؤاخِذْنا بِما كَسَبْنَا ولا بِمَا فَعَل السُّفَهاءُ مِنَّا, الَّلهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن البَلاءِ وَالوَبَاءِ وَالزِّنَا, وَالزَّلازِلِ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنْ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
الحمدُ للهِ أَحقَّ الْحَقَّ وَنَزَّلَهُ، وَأَمْهَلَ الظَّالِمَ ومَا أَهمَلَهُ،َ خَوَّفَ عِبَادَهُ بِالْآيَاتِ، وَذَكَّرَهُمْ بِالمَثُلاتِ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَرْجُوا بِهَا الْنَّجَاةَ مِنَ الهَلَكَاتِ، وأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ بِالآيَاتِ البَيِّنَاتِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَابَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ المماتِ. أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ، اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ، فالْخَيرُ في طاعتِهِ، فَمن أَحسَنَ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أسَاءَ فَعَليها، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا .أيُّها المسلمونَ: سمعتم طَرَفَاً مِن قِصَّةٍ مُذْهِلَةٍ بِحَقٍّ! فِي سُورَةٍ قَالَ عَنْها نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. هذَهِ القِصَّةُ تُبَيِّنُ عَظَمَةَ اللهِ وَقُدْرَتَهُ! حِينَ قَالَ اللهُ تَعَالى:(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)! فَقَدْ مَرَّ عُزَيرٌ عَلَيهِ السَّلامُ على تِلكَ القَرْيَةِ فَهَالَهُ مَا رَأَى مِنْ خَرابِهَا! فَقَدْ قَدِمَ مُمْتَطِيَاً ظَهْرَ حِمَارِهِ, مَعَهُ قَلِيلٌ مِن التَّمْرِ, وَشَيءٌ مِن التِّينِ, وَشَرَابٌ مِن عَصِيرِ الِعنَبِ! فَحِينَمَا رَأَى القَرْيَةَ المُبَادَةَ المُسَوَّاةَ بِالأَرْضِ قَالَ فِي دَهْشَةٍ:(أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)؟! مُسْتَعْجِلا وَمُتَمَنِّياً ذَلِكَ. (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ) مَوتًا حَقِيقِاً! وَأَمَاتَ مَعَهُ حِمَارَهُ. وَأبْقَى عَصِيرَهُ وَتِينَهُ عِنْدَهُ! وَذَلِكَ فِي وَقْتِ الضُّحَى, وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلِكِ فَارِسَ: أَنْ يُعَمِّرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِيلِيَاءَ حَتَّى عَادَ أَعْمَرَ مَا كَانَ. ثُمَّ بَعَثَهُ بَعْدَ مَوتِهِ: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). قَالَ ذَلِكَ: لأنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي جِسْمِهِ ولا طَعَامِهِ تَغَيُّرَاً! فاللهُ جَلَّ وَعَلا أمَاتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعَثَهُ آخِرَ النَّهَارِ! وَعُزَيرٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي نَفْسِ يَومِهِ! فَقَالَ لَهُ:(بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)! فَتَمْرُكَ وَتِينُكَ وَعَصِيرُكَ لَمْ يُنْتِنْ! وَكَأنِّي بالرَّجُلِ يَتَفَقَّدُ أغْرَاضَهُ, وَيَبْحَثُ عَنْ حِمَارِهِ؟ فَإذا هُوَ قَد تَفَرَّقَتْ عِظَامُهُ يَمِينَاً وَشِمَالاً, فَقَالَ اللهُ لَهُ:(وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) انْظُرْ كَيفَ كَانَ؟ ثُمَّ دَقِّقِ النَّظَرَ مَاذَا سَيَحْدُثُ لَهُ الآنَ! فَسَنَجْعَلُهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَعِبْرَةً, فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا جَمَعَتْ عِظَامَ حِمَارِهِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ تِلْكَ الْمَحِلَّةِ، ثُمَّ رَكَّبَ كُلَّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى صَارَ حِمَارًا قَائِمًا مِنْ عِظَامٍ فَقَطْ! يَا اللهُ يَرىَ حِمَارَهُ هَيْكَلٌ عَظْمِيٌّ فَقَطْ! فَكَادَ قَلْبُهُ أنْ يَطِيرَ فَرَقَاً مِنْ عَظَمَةِ المَشْهَدِ! حَقَّاً كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:"خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ". أَقُولُ مَا سمعتمْ وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِسائِرِ المُسلمينَ فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبةُ الثانيةُ/ الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ والْمُرسَلِينَ، نَبِيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آله وأصحابِه أجمعينَ. أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ، القائِلُ :(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا). فَبَعْدَ أنْ رُكِّبَتِ العِظَامُ: إذْ بِالَّلحْمِ يَكْسُو العِظَامَ وَهُوَ يَرَى! وَإذْ بِالعَصَبِ والعُرُوقِ تَنْمُو وَهُو يَرَى, وَإذْ بِالجِلْدِ يَنْتَشِرُ وَهُو يَرَى! وَإذْ بِالرُّوحِ تُنفَخُ فِي حِمَارِهْ وَهُو يَرَى! فَيَنْهَقُ الحِمَارُ وَيَستَعِيدُ حَياتَهُ وَكَأَنَّ شَيئَاً لَمْ يَكُنْ! كُلُّ تِلْكَ المَشَاهِدِ فِي لَحَظَاتٍ يَسِيرَةٍ! فَمَا كَانَ مِنْهُ إلَّا إذْعَانٌ وَتَوحيدٌ للهِ تَعَالى فَصَرَخَ قَائِلاً:(أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فَلَيسَ شَيءٌ بِمُسْتَحِيلٍ عَلى اللهِ تعَالى الذي لا يُعْجِزُهُ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ! عِبَادَ اللهِ: جَاءَتْ هَذِهِ الآيَاتِ لِتُؤَكِّدَ الإيمانَ بِاللهِ تَعَالى أَنَّهُ يُحْي وَيُمِيتُ, وَيُبْدِئُ وَيُعِيدُ! وَأَنَّ قُدْرَتَهُ سُبْحَانَهُ لا يَحُدُّهَا حَدٌّ وَلَيس لَها عَن أَحَدٍ مِن خَلْقِهِ رَدٌّ! مَنِ الذي عَادَهُ سُبْحَانَهُ فَلمْ يُذلُّ؟ وَمَنْ حَارَبَهُ فَلَمْ يُهزمْ؟ وَمَنِ الذي نَازَعَهُ كِبريَائَهُ فلم يُقصَمْ؟ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد . عبادَ اللهِ: فِي قِصَّةِ أَهْلِ القَرْيَةِ دَرْسٌ عَقَدِيٌّ, وَسُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ, أَنَّهُ سُبحانَهُ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، وأَنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ، وأنَّ الكَفَرَةَ مَهمَا أُوتوا لو شَاءَ اللهُ لأَفنَاهُم، إنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حكيمٌ. جَاءَتِ القِصَّةُ لِتُؤَكِّدَ أنَّ انْتَشَارَ المَعَاصِيَ, وَعَدَمَ الاسْتِمَاعَ للنَّاصِحِ أنَّها سَبَبُ الهلاكِ والعَذَابِ! وَحِينَ سُئِلَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». رَواهُ البُخَارِيُّ قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ عليهِ رَحْمَةُ اللهِ مِنْ فَوائِدِ القِصَّةِ: قُصُورُ نَظَرِ الإنْسَانِ، وَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلى الأُمُورِ بِمعيَارِ الْمُشَاهَدِ لَدَيهِ؛ فَلا تَسْتَبْعِدْ أَنَّ اللهَ يُزِيلُ هَذا التَّغَيُّيرَ؛ وَكَمْ مِنْ أَشْيَاءَ ظَنَّهَا أُنَاسٌ أَنَّهَا لَنْ تَزُولَ، ثُمَّ تَزُولَ؛ فَأُنَاسٌ أَمَّلُوا دَوَامَ الغِنَى وَالأَمْنِ وَالسُّرُورِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ ضِدَّ ذَلِكَ؛ وَأُنَاسٌ كَانُوا عَلى شِدَّةٍ مِن العَيشِ، وَالخَوفِ، وَالْهُمُومِ، ثُمَّ أَبْدَلَهُم بِضِدِّ ذَلِكَ. فَالَّلهُمَّ انفعنا وارْفَعْنَا بِالقُرآنِ الكريمِ, فَالَّلهُمَّ زِدْنَا مِن الإيمَانِ وَلا تَنْقُصْنَا, وَأَكْرِمْنَا بِطَاعَتِكَ وَلا تُهِنَّا, ولا تُؤاخِذْنا بِما كَسَبْنَا ولا بِمَا فَعَل السُّفَهاءُ مِنَّا, الَّلهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن البَلاءِ وَالوَبَاءِ وَالزِّنَا, وَالزَّلازِلِ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنْ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق