أحوال عمرو رضي الله عنهم دروس وهدايات

شايع بن محمد الغبيشي
1444/11/04 - 2023/05/24 19:09PM

أحوال عمرو رضي الله عنهم دروس وهدايات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:

 عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }. ([1])  

عباد الله دعونا ننصت إلى قصة عجيبة لآخر اللحظات في حياة رجل من العظماء الذين سطر التاريخ سيرتهم بمداد من ذهب، نتعرف في هذه القصة على أطوار حياته هذا الرجل العظيم كما يصفها هو، فتعالوا عباد الله نستمع إلى ابْنِ شَمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ يحدثنا عن تلكم الأطوار والأحوال العجيبة فيقول: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِى سِيَاقَةِ الْمَوْتِ. فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ. فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِنِّى قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنِّى وَلاَ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِى قَلْبِى أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ - قَالَ - فَقَبَضْتُ يَدِى. قَالَ « مَا لَكَ يَا عَمْرُو ». قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ « تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ». قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِى. قَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ». وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ أَجَلَّ فِى عَيْنِى مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَىَّ مِنْهُ إِجْلاَلاً لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّى لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَىَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِى مَا حَالِى فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلاَ تَصْحَبْنِى نَائِحَةٌ وَلاَ نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِى فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى) رواه مسلم

وذكر ابنه عبد الله بن عمرو حاله والده رضي الله عنهما عند الموت وأنه كان يكرر: «‌اللَّهُمَّ ‌أَمَرْتَنَا ‌فَتَرَكْنَا، ‌وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ» وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ حَتَّى مَاتَ. رواه أحمد ([2])

 وفي القصة دروس عظيمة منها:

أولاً: فضل الشهادتين وأنهما أعظمُ ذخرٍ وعدةٍ للعبد عند لقاء ربه وأن توحيد الله عز وجل والسلامة من الشرك أعظم أسباب نجاة العبد يوم القيامة.

ثانياً: شدة خشية عمرو بن العاص رضي الله عنه لربه وخوفه مما يَقْدُم عليه من أمر الآخرة وبكاؤه رضي الله يفعل ذلك وهو صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رضي الله عنه، يفعل ذلك ومناقبه عظيمة، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم « يَا عَمْرُو اشْدُدْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، وَثِيَابَكَ، وَأْتِنِي " فَفَعَلْتُ فَجِئْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، ‌فَصَعَّدَ ‌فِيَّ ‌الْبَصَرَ ‌وَصَوَّبَهُ، وَقَالَ: " يَا عَمْرُو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ وَجْهًا، فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَزعَبُ([3]) لَكَ مِنَ الْمَالِ زَعبَةً صَالِحَةً» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْجِهَادِ، وَالْكَيْنُونَةِ مَعَكَ، قَالَ: « يَا عَمْرُو، نَعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالِحِ، لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» رواه أحمد ([4])  ومدحه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ » رواه الترمذي ([5])  وعَقَدَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعمرو رضي الله عنه اللواء في غزوة ذات السلاسل وفي الجيش أبو بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً، وبعثه إلى عمان، وجعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميراً على فلسطين، ثمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مِصْرَ، فَسَارَ إِلَيْهَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ، فَفَتَحَ مِصْرَ، وَولَّاهُ عُمَرُ مِصْرَ إِلَى أَنْ مَاتَ. نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ أَمِيْراً ([6]) وصفه جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال: صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين قرآناً ولا أكرم خلقاً ولا أشبه سريرة بعلانية منه.  وقال عنه الإمام الذهبي في ترجمته: وكان من رجال قريش رأياً ودهاء وحزماً وكفاءة، وبصيراً بالحروب، ومن أشراف ملوك العرب، ومن أعيان المهاجرين. ([7])

عباد الله ومع كل هذه المناقب العظيمة التي ذكرنا بعضها وغيرها الكثير والكثير، تأملوا خوفه من ربه جل وعلا وشدة بكاءه وخشيته لله تأملوا ودعاءه الذي كرره حتى مات: «‌اللَّهُمَّ ‌أَمَرْتَنَا ‌فَتَرَكْنَا، ‌وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ» ما أصدق عبارة السلف حين قالوا: من كان بالله أعرف كان منه أخوف.

فالمؤمن لا تفارقه خشية الله ولو عمل من الصالحات ما عمل، كما قال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} ([8]) ما أحوجنا عباد الله إلى خشية والخوف منه سبحانه والتوبة إليه والطمع في عفوه ومغفرته.

ثالثاً: الحرص على مغفرة الذنوب فهذا عمرو رضي الله عنه يشترط أن يغفره له ما سلف. وهو درس عظيم أن نحرص على مغفرة الذنوب بالتوبة والاستغفار فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ ‌تَسُرَّهُ ‌صَحِيفَتُهُ، فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ " رواه البيهقي وحسنه الألباني. ونتزود من الأعمار المكفرة للذنوب وهي كثيرة كالوضوء والصلاة والحج وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والعفو والصفح عن الناس.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن حمد عبده ورسوله أما بعد:  

عباد الله ومن الدروس والهدايات في قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه:

رابعاً: إجلال عمرو رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه و سلم وعظيم محبته له فها هو يقول رضي الله عنه: « وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ أَجَلَّ فِى عَيْنِى مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَىَّ مِنْهُ إِجْلاَلاً لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّى لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَىَّ مِنْهُ» وهو درس لنا في محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره والشوق إليه واتباع سنته.

خامساً: فضل الحج إلى بيت الله الحرام وأنه يهدم ما كان قبله من الذنوب والمعاصي بل يعود الحاج كيوم ولدته أمه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه

سادساً: استحباب تنبيه المحتضر على احسان ظنه بالله سبحانه وتعالى وذكر آيات الرجاء وأحاديث العفو عنده وتبشيره بما أعده الله تعالى للمحسنين وذكر أحسن أعماله عنده، ليحسن ظنه بالله عند موته فجابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، قبل وفاته بثلاث، يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن» رواه مسلم، ولهذا قال ابن عمرو لأبيه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه و سلم بكذا .

سابعاً: إثبات فتنة القبر، وسؤال الملكين، تأمل قول عمرو رضي الله عنه: «وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى » والعبد أحوج ما يكون في هذا الحال إلى تثبيت الله له بالقول الثابت قال تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } ([9])  وعَنِ ‌الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ، ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللهُ ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌بِالْقَوْلِ ‌الثَّابِتِ}» رواه البخاري.

ثامناً: مشروعية الوقوف عند قبر الميت بعد دفنه والاستغفار له وسؤال الثبات له، فذلك أعظم ما يقدمه له من يتبع جنازته فعَنْ ‌عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «‌اسْتَغْفِرُوا ‌لِأَخِيكُمْ، وَاسْأَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» قَالَ ‌أَبُو دَاوُدَ ([10])  قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أنه كان إذا دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل فيستحب إذا دفن الميت أن يقف الإنسان على قبره ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له ...نسأل الله تعالى أن تثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

عباد الله ما أحوجنا إلى الاطلاع على سير الصحابة رضي الله عنهم ومعرفة أخبراهم ومحبتهم والتتلمذ في مدرستهم والتأسي والاقتداء بهم والسير على طريقهم والشوق إلى لقائهم ففي ذلك حياة القلوب وزيادة الإيمان وأنس النفوس وصلاح الأعمال والمسارعة في الخيرات، فلله ما أروع سيرهم وأخبارهم:        

كرِّر عليَّ حديثهم يا حادي         فحديثهم يجلي الفؤاد الصادي

اللهم اجمعنا بهم واحشرنا في زمرتهم وارزقنا محبتهم والتأسي بهم والسير على طريقهم ومنهاهم يا حي يا قيوم

 



([1]) ـ [آل عمران : 102].
([2]) ـ وصححه شعيب الأرنؤوط
([3]) ـ أي: أعطيك دُفْعَةً من المال
([4]) ـ ورواه ابن حبان وصححه الألباني.
([5]) ـ صحيحه الألباني
([6]) ـ تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ155
([7]) ـ سير أعلام النبلاء ـ تح الأرنؤوط (3/ 59)
([8]) ـ [المؤمنون: 60].
([9]) ـ [إبراهيم: 27]
([10]) ـ وصححه الألباني

المرفقات

1684944572_أحوال عمرو رضي الله عنهم دروس وهدايات.pdf

المشاهدات 611 | التعليقات 0