أَحُكَّامٌ وَتَوْجِيهَاتُ الرِّحْلَاتِ الْبَرِّيَّةِ

سعود المغيص
1444/04/27 - 2022/11/21 11:24AM

الخطبة الأولى:

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، 

أَمَّا بَعْدُ عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ واعلموا أنه يَكْثُرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خُرُوجُ النَّاسِ إِلَى الْبَرَارِي لِلتَّنَزُّهِ وَالْفُرْجَةِ, وَهَذِهِ وقفات وأَحْكَامٌ وَتَوْجِيهَاتٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا

أولاً : أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَهْتَمَّ بِأَهْلِ بَيْتِهِ كما يهتم بالخروج مع أَصْدِقَائِهِ , فَيَذْهَبُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانَاً مِنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلادٍ وَوَالِدَيْنِ لِيُفْرِحَهُمْ وَيُسْعِدَهُمْ وَيَكُونَ مَعَهُمْ , فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ مَنْ وَصَلَ إِحْسَانُهُ وَخَيْرُهُ لْأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ , قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) .

ثَانِيَاً:  يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلنُّزْهَةِ أَنْ يَنَتَبِهَ لِمَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ , فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَاءٌ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ فِي الْمَكَانِ الذِي سَيَذْهَبُ إِلَيْهِ , وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ مَاءً لِلْوُضُوءِ ،وَإن لَمْ يَسْتَطِعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، إِمَّا بِسَبَبِ شِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ لِفَقْدِهِ مَعَ بُعْدِ مَكَانِ وُجُودِهِ ، أَوْ لِلْمَرَضِ, فَإِنَّهُ هُنَا يَعْدِلُ إِلَى التَّيَمُّمِ  

ثالثاً: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ الذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ يَبْعُدُ مِنْ بَلَدِهِ 80 كم أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَحْكَامَ السَّفَرِ, وَالْمُرَادُ بِالْمَسَافَةِ مِنْ آخِرِ بِنَايَاتِ الْبَلَدِ الذِي خَرَجَ مِنْهُ , وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ بَيْتِهِ هُوَ , فَإِذَا خَرَجَ دَعَا بِدُعَاءِ السَّفَرِ الْمَعْرُوفِ, وَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ السَّفَرِ مِنَ الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ لِلرُّبَاعِيَّةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الشَّرَّابِ 3 أَيَّامٍ بِلَيَالِيْهَا وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ حَتَّى يَرْجِعَ .

وَأَيْضَا فَإِنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِالتَّأْمِيرِ فِي السَّفَرِ , وَذِلَكَ أَنَّ يَجْعَلُوا أَحَدَهُمْ أَمِيراً عَلَيْهِمْ يَرْجِعُونَ إِلَى رَأْيِهِ , ضَبْطاً الْأُمُورِ وَمَنْعَاً لِلْخِلَافِ وَالنِّزَاعِ , فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ) .

رابعاً:  انه إِذَا نَزَلُوا فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ فِي ذَلِكَ, فعن خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ) .  

خامساً:  أنه إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ أَذَّنُوا , فَإِنْ تَشَاحُّوا  الأَذَانَ كُلٌّ يُرِيدُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَإِنَّهُمْ يَسْتَهِمُونَ , وَالأَذَانُ فَضْلُهُ عَظِيمٌ , فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ : إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ ( لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) 

سادساً:  الصلاة في النعال , فَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ ) وَوُجُودُ الْإِنْسَانِ فِي الْبَرِّ فُرْصَةٌ لِتَطْبِيقِ هَذِهِ السُّنَّةِ . 

سابعاً : أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عِنْدَ السُّجُودِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ فَإِنِ احْتَاجَ فَعَلَ وَاحِدَةً وَلَمْ يَزِدْ , قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً ) .

ثامناً: أَنَّهَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلا تَجُوزُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ, وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلكَ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ : أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ (نَعَمْ) قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ (لَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . فَلا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَبَارِكِ الِإِبِلِ مَعَ أَنَّ أَبْوَالَهَا طَاهِرَةٌ .

 

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ , وَاللهُ الْمُوَفِقُّ وَالْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ .

 

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ على فضلِهِ وإِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ على توفيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رِضْوَانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .

أَمَّا بَعْدُ عباد الله:

تاسعاً : أَنَّ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَإِنَّهُ لا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي المَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثَاً خَارِجَ الْإِنَاءِ , قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) .

عاشراً:  أَنَّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لا تَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرْهَا, بَلْ خَالِفِ اتِجَّاهَهَا , فعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ .

الحادي عشر:  أَنَّهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَإِنَّهُ يُطْفِئُ النَّارَ , هَذَا عَامٌ سَوَاءً كَانَ في الْبُيُوتِ أَوِ الْبَرِّيَّةِ , وَخَاصَّةً فِي الْخِيَامِ , فَإِنْ تَرْكَهَا تَشْتَعِلُ ، فهذا خَطَرٌ عَلَى الإِنْسَانِ وَعَلَى رِفَاقِهِ , فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ( إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ) .

وأخيراً:  أَنَّ مَنْ خَرَجُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِذَا أَرَادُوا مُغَادَرَةَ الْمَكَانِ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَهُ نَظِيفاً , فيَضَعُونَ مَا تَرَكُوا مِنَ الْمُخَلَّفَاتِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَيَسَّرَ أَنْ يَضَعُوهَا فِي كِيسٍ وَيَرْبِطُونَهُ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ , فَإِنْ كَانَ طَعَامَاً فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَهُ فَوْقَ شُجَيْرَةٍ أَوْ عَلَى كَرْتُونٍ وَلا يَتْرُكُونَهُ فِي التُّرَابِ, إِكْرَامَاً لَهُ وَيَأْتِي حَيَوانَاتٍ فَتَأْكُلَ هَذَا الْبَاقِي مِنَ الطَّعَامِ .

اللهم علمنا ماينفعنا ..

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك المسلمين وفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه خير البلاد والعباد،

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين،

اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل،

اللهم اسقِ بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت،

اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد،

اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا،

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يَصِفون، وسَلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين

 

المشاهدات 476 | التعليقات 0