أحكام تتعلق بالشتاء، والوصية بحفظ الرعية 3-5-1445

د عبدالعزيز التويجري
1445/05/02 - 2023/11/16 17:17PM

الخطبة الأولى : أحكام تتعلق بالشتاء، والوصية بحفظ الرعية 3/5/1445ه
الحمد لله على جميل إنعامه وإفضاله، وأشكره على جليل إحسانه ونواله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق العلي الكبير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد بن عبدالله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وازواجه وسلم تسليما مزيدا أما بعد
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ}
ألقى الشتاءُ علينا بكلله، وأحل بنا أثقاله ، فليس في الجو اعتدال .. هو حرٌ ثم قرٌ.. هو حالٌ ثم حال {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا * لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا} فسبحان من يُداول الأيام في بني الإنسان ..
نهارٌ مشرقٌ وظلام ليلٍ ** كأنهما معاً فرسا رهان
يقودان العباد إلى المنايا ** بلا رسنٍ تراه ولا عنان
وتقلب الأجواء عبٌر ومدكر، ونفع للبر والبحر ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.
وشريعة الإسلام شملت جميع الأنام والأيام ، ففي كل حال لها أحكام {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} وفي صحيح مسلم قال حُذَيْفَةُ، قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلَّا حَدَّثَ بِهِ»، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.
ومن أجل الأحكام القلبية ما تتعلق بالعقيدة والإيمان .. وتتأكد عند التطلع لنزول الغيث وهطول الامطار، فتتعلق بعض القلوب الضعيفة لتخرصات الأرصاد والأفلاك، ويبنى عليها الأحوال والأسفار، وتقلب الليل والنهار، ومن خلق الكون وأجرى الرياح وأنطق الأرواح قال {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا هذه الآية.
ولما صَلَّى النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ "
فلا يعلم وقت نزول الغيث ومقداره ومكانِه إلا اللهُ جل جلاله {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ}.
ثم مما يتبع ذلك الحاجة لمعرفة الأحكام العملية لأعظم الفروض وأجل الطاعات الصلاة الصلاة .. صلاةً في وقتها لايشغل عنها غيثٌ نازل ، أو لهو باطل {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}،{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}
صلاةً تؤدى بوقتها وخشوعها {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
ومما يلتبس على الكثير الخلط بين المسافر السائر والمسافر النازل ، فالمسافر إذا نزل ببلد وجب عليه حضور الجمعة والجماعة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "ويقال بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَهَؤُلَاءِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} وَنَحْوِهَا يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إلَّا مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ وَهَؤُلَاءِ قَادِرُونَ عَلَيْهَا؛ لَكِنْ الْمُسَافِرُونَ لَا يَعْقِدُونَ جُمُعَةً لَكِنْ إذَا عَقَدَهَا أَهْلُ الْمِصْرِ صَلَّوْا مَعَهُمْ . ويندرج في ذلك أصحاب المتنزهات والمخيمات القريبة من باب أولى.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :"يظن كثير من العامة أن المسافر لا تلزمه صلاة الجماعة وهذا ليس بصحيح، فالمسافر تلزمه صلاة الجماعة، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة من غير استثناء، ولأن الله سبحانه وتعالى أوجب على المؤمنين المقاتلين أن يصلوا جماعة، فإذا أوجب الله على المقاتلين في السفر صلاة الجماعة فالمسافرون الذين لا يقاتلون من باب أولى، نعم لو كان الإنسان في محل بعيد عن المسجد فإنه يعذر وله أن يصلي في رحله.
وبوابة الصلاة الطهارة وحسن الوضوء، ومن فروضه المسح على الخفين لمن أدخلهما طاهرتين . فيَمْسَحُ المُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، ويجب أن تكون الجوارب والخفاف ساترةً لمحل الفرض، وأما ما انتشر من الجوارب التي تحت تبدأ من أسفل الكعب فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ، فَذَاكَ لَيْسَ بِخُفٍّ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ" انتهى.
ويُتجنب ما كان فيها خروق أو فتوق أبرأ للذمة وخروجا من الخلاف .
وإذا مسح في السفر ثم قدم بلده فإنه يمسح مسح مقيم يوماً وليلة لأن رخص السفر قد انتهت بالوصول إلى البلد.. وإذا مسح المقيم ثم سافر فإنه يمسح مسح مسافر ثلاثة أيام لأن رخص السفر قد حلت له،.. وإذا لبس جورباً على طهارة ومسح عليه، ثم لبس عليه جورباً آخر فيمسح عليه إن كان لبسه على طهارة وتكون المدة في المسح متعلقة بالجورب الفوقاني؛ وإن لبس الفوقاني على حدث فلا يجوز له أن يمسح على الفوقاني .
هذه مجمل واهم ما يحتاج الناس إلى العلم به ومعرفته خلال هذه الأيام، لنعبد الله على بصيرة ، ونتقيه في العلانية والسريرة . ونستغفره سبحانه ونتوب إليه إنه كان للاوابين غفورا

الخطبة الثانية :الحمدلله على الفضل والعطاء ، وله الشكر ملئ الأرض والسماء . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد
فالتقوا ربكم الذي أطعمكم من جوع ، وآمنكم من خوف ، فاطعموا الجائع ، واكسوا العاري، واحفظوا حدود الله ورعوا أوامره ونواهيه ، فمع الفرح بالخيرات وغمرة النعم والخروج للمتنزهات ، تتأكد صيانة الرعية، وحفظ الوصية ، فلا نكون ِإمعةً نهب لكل تجمع وتجمهر لايُبالى عندها بسقوط الحياء وتدينس لباس العفة ، وأرض الله واسعة، وغيثه عم أرضنا وما حولنا، فالبنيان المتماسك لا يسقط إلا بعد تزلزل جدرانه، واختلالِ أركانهِ ، وجدرانُ بيوتنا هن القوارير المحصنات، والفتيات العفيفات ، فارعوهن حق رعايتهن، واسترو عليهن من شياطين الإنس والجان .. «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَواتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، وَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ، وفي لفظ فأدَّبهُن، وزَوَّجَهُنَّ، إلا دَخَلَ الْجَنَّةَ»أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
"ومَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ " أخرجه مسلم .
ومِنْ حفْظ الأنفس إخماد النار عن النوم أو الارتحال ففي الصحيحن عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ»
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وأعراضنا، ومن أراد بنا سوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره .. اللهم اهد قلوبنا، وأخلص نياتنا، وأصلح ذرياتنا.. اللهم ىمن في دورنا واصلح ولاة امورنا .. اللهم أنتصر للمسلمين في غزة وفي كل مكان الله كف عنهم بأس اليهود والنصارى ..
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ..

المرفقات

1700144358_أحكام_تتعلق_بالشتاء،_والوصية_بحفظ_الرعية.docx

1700144398_أحكام_تتعلق_بالشتاء،_والوصية_بحفظ_الرعية.pdf

المشاهدات 650 | التعليقات 0