أحكام المسح
تركي بن عبدالله الميمان
الخُطْبَةُ الأُولى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.
عِبَادَ الله: مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيْعَةِ الإِسْلَامِيَّة، أَنَّها مَبْنِيَّةٌ على التَّيْسِيرِ، وَرَفْعِ الحَرَجِ والمَشَقَّة.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: الرُّخْصَةُ في المَسْحِ على الخُفَّيْن، وَيُلْحَقُ بِهِ: المَسْحُ على الجَوَارِب.
وَقَدْ تَواتَرَتِ الأَحَادِيثُ عن النبيِّ ﷺ في ثُبُوتِ المَسحِ على الخُفَّيْن، وَيُقَاسُ عليه: المَسْحُ على الجَوَارِب.
وَيُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ ثَلاثَةُ شُرُوط:
الشَّرْطُ الأَوَّلُ: أَنْ يَكُوْنَ لُبْسُهُمَا على طَهَارِةٍ؛ لِحَدِيْثِ المُغِيْرَةِ بن شُعبة t قال: (كُنْتُ معَ النبيِّ ﷺ في سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ) فقال: (دَعْهُمَا، فإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)؛ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا[1].
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يكونَ المَسْحُ في الحَدَثِ الأَصْغَرِ: أَمَّا الحَدَثُ الأَكْبَر؛ فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ المسح: (كالجَنَابَةِ والحَيضِ والنِّفَاسِ)[2].
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُوْنَ المَسْحُ في الوَقْتِ المُحَدَّدِ شَرْعًا: وَهُوَ (يومٌ وليلةٌ) للمُقِيم. و(ثَلَاثَةُ أَيّامٍ بِلَيَالِيَها) لِلْمُسَافِر: أَيْ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً لِلْمُقِيم، وثِنْتَانِ وسَبْعُوْنَ سَاعَةً للمُسَافِر[3].
وَتَبْدَأُ مُدَّةُ المَسْحِ: مِنْ أَوَّلِ مَسْحَةٍ بَعْدَ الحَدَثِ، وَلَيْسَ مِنْ أَوَّلِ اللُّبْس[4].
وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَام؛ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيْم. وَإِذَا مَسَحَ مُقِيْمًا ثُمَّ سَافَرَ: فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسَحَ مُسَافِر[5].
وَمَنْ أَحْدَثَ وَهُوَ مُقِيمٌ، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ؛ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ المَسْحَ في الحَضَرِ، وَإِنَّما ابْتَدَأَهُ في السَّفَرِ[6].
وَإِذَا تَمَّتِ المُدَّةُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَة: فَالأَصْلُ: بَقَاءُ الطَّهَارَةِ.
وَصِفَةُ المَسْحِ على الجَوَارِبِ: هِيَ أَنْ يَبُلَّ المُتَوَضِّئُ يَدَيْهِ بالماء، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا على ظَاهِرِ قَدَمَيْهِ: يَبْدَأُ مِنْ أَصَابعِ القَدَمِ، حَتَّى أَوَّل السَّاقِ، ويَمْسَحُ (مَرَّةً وَاحِدَةً) فَقَط[7]، ولا يَمْسَحُ أَسْفَلَ الجَوْرَبَيْنِ وَلا العَقِبَيْن؛ قال علي t: (لو كانَ الدِّيْنُ بالرَّأْي؛ لَكَانَ أَسْفَلَ الخُفِّ أَوْلَى بالمَسْحِ مِنْ أَعْلَاه، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَمْسَحُ على ظَاهِرِ خُفَّيْهِ)[8].
وَإِذَا كانَ الجَوْرَبُ شَفَّافًا، أو مُخَرَّقًا؛ جَازَ المَسْحُ عَلَيْهِ: مَا دَامَ اسْمُهُ بَاقِيًا، والمَشْي بِهِ مُمْكِنًا[9].
وَإِذَا كانَ الجَوْرَبُ لا يُغَطِّي الكَعْبَيْن؛ فَالأَحْوَط أَلَّا تَمْسَحَ عَلَيْه[10].
وَإِذَا مَسَحَ على الجَوْرَبِ، ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهِ جَوْرَبًا آخَر، وَهُوَ على طَهَارَةٍ؛ جَازَ المَسْحُ على الفَوْقَاني، لَكِنْ تُحْسَبُ المُدَّةُ مِنَ المَسحِ على التَّحْتَاني[11]. قال ابنُ عُثَيْمِين: (وَعَلى هَذَا، فَلَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الجَوَارِبِ، ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْها جَوَارِبَ أُخْرَى، أو كَنَادِرَ لا تَسْتُرُ الكَعْب، وَمَسَحَ الأَعْلَى؛ فَلَا بَأْسَ)[12].
أَمَّا لَوْ لَبِسَ الفَوْقَانِيَّ (وهو مُحْدِثٌ) فَإِنَّهُ لا يَمْسَحُ عليه؛ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ عَلَى غَيرِ طَهَارَةٍ[13].
وَإِذَا لَبِسَ الفَوْقَانِيَّ (على طَهَارَةٍ)، ثُمَّ خَلَعَهُ بَعْدَ مَسْحِهِ؛ جَازَ أَنْ يَمْسَحَ التَّحْتَانِي[14].
وَإِذَا خَلَعَ الجَوْرَبَ (وَهُوَ على طَهَارَةٍ)؛ فَإِنَّ وُضُوْءَهُ لا يَنْتَقِض، لَكِنْ لَوْ أَعَادَ لُبْسَ الجَوْرَب؛ فَلَا يَمْسَح عَلَيْهِ حَتَّى يَخْلَعَهُ وَيَتَوَضَّأ، ثُمَّ يَلْبَسهُ على طَهَارَة.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِبادَ الله: مَنْ كانَ (لابِسًا لِلْجَوْرَبِ)؛ فالأَفْضَل أَنْ يَمْسَحَ عليها.
وَمَنْ كانَتْ قَدَمُهُ (مَكْشُوَفَةً)؛ فَالأَفْضَل أنْ يَغْسِلَهَا؛ لأَنَّ النبيَّ ﷺ لَمْ يَتَكَلَّفْ ضِدَّ حَالِهِ الَّتِي عَلَيْهَا قَدَمَاه[15].
وَيَجُوزُ المَسْحُ على الجَبِيْرَةِ، ونَحْوِهَا مِنَ اللَّفَائِفِ وَاللَّوَاصِقِ الَّتِي تُوْضَعُ على الجُرُوْحِ والكُسُورِ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلْبَسَهَا على طَهَارَةٍ، وَلَيْسَ لِلْمَسْحِ عَلَيْهَا مُدَّة، وَيَجُوزُ المَسْحُ عَلَيْهَا في الحَدَثِ الأَصْغَرِ وَالأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ مَسْحَهَا ضَرُوْرَة، وَالضَّرُوْرَةُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا[16].
وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ في أَحَدِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ؛ فَإِنَّهُ يَغْسِلهُ بِالمَاءِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ: مَسَحَهُ بِالمَاءِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ: تَيَمَّمَ عَنْه[17].
وَيُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ على الجَبِيْرَةِ، وَنَحْوِهَا: أَلَّا تَتَجَاوَزَ قَدْرَ الحَاجَةِ؛ فَإِنْ أَمْكَنَ نَزْعُ (الزَّائِدِ) بِلَا ضَرَرٍ: وَجَبَ ذلك، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَى الجَمِيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كانَ يَتَضَرَّرُ بِنَزْعِ الزَّائِدِ: صَارَ الجَمِيعُ بِمَنْزِلَةِ الجَبِيرَةِ[18].
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
إعداد: قناة الخطب الوجيزة
https://t.me/alkhutab
[1] أخرجه الترمذي (3535)، وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
[2] لِحَدِيْثِ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ t قال: (كانَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا -إِذَا كُنَّا سَفْرًا-: أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهنَّ، إلَّا مِنْ جَنَابةٍ، ولَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ). رواه مسلم (276).
[3] قال عليُّ بن أبي طالب t: (جَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ). رواه مسلم (276).
[4] انظر: المجموع، النووي (1/512)، الشرح الممتع، ابن عثيمين (1/186).
[5] مَا لَمْ تَنْتَهِ (مُدَّةُ الحَضَرِ) قَبْلَ سَفَرِهِ. انظر: الشرح الممتع، ابن عثيمين (1/253).
[6] انظر: المصدر السابق (1/253).
[7] لأن القاعدة عند الفقهاء: (أنَّ كُلَّ شَيءٍ مَمْسُوح، فَإِنَّهُ لا يُسَنُّ تَكْرَارُ المَسْحِ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ طهارته مخفّفة، فينبغي أن يكون مخفَّفًا في الكيف، ومخفَّفًا في الكم. نور على الدرب (ابن عثيمين).
[8] انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (11/191). قال ابنُ عُثَيْمِين: (قد يكون باطن الخف أولى بالمسح؛ لأنه هو الذي باشر التراب والأوساخ، لكن عند التأمل: نَجِدُ أنَّ مسحَ أعلى الخف هو الأولى، وهو الذي يدل عليه العقل؛ لأن هذا المسح لا يُرَادُ به التنظيف والتنقية، وإنما يُرَادُ به التعبُّد، ولو أننا مسحنا أسفل الخف؛ لكان ذلك تلويثًا له). الشرح الممتع (1/213). باختصار
[9] انظر: المصدر السابق (11/176).
[10] اتفقت المذاهب الأربعة على أنَّ مِنْ شَرطِ المسح على الخفين: أنْ يكون (ساترًا للكعبين) مع القدم، وأجاز بعض العلماء: المسح على الخف (ولو دون الكعبين) وهو قول ابن حزم وابن تيمية، وذهب الشيخ ابن عثيمين إلى الاحتياط؛ تَبَعًا لقول الجمهور. انظر: اللقاء الشهري، ابن عثيمين (68).
[11] انظر: زاد المعاد، ابن القيم (1/192).
[12] مجموع فتاوى ابن عثيمين (11/176)، لقاء الباب المفتوح (16/114). بتصرف
[13] انظر: الشرح الممتع (1/257-258).
[14] انظر: المصدر السابق (1/258).
[15] انظر: زاد المعاد، ابن القيم (1/192).
[16] انظر: فتاوى نور على الدرب (ابن عثيمين).
[17] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (24/408)، لقاء الباب المفتوح، ابن عثيمين (9/44).
[18] انظر: الشرح الممتع، ابن عثيمين (1/243).
المرفقات
1703646360_(أحكام المسح) نسخة مختصرة.pdf
1703646361_(أحكام المسح) نسخة للطباعة.pdf
1703646361_(أحكام المسح) خط كبير.pdf
1703646365_(أحكام المسح) نسخة مختصرة.docx
1703646366_(أحكام المسح) نسخة للطباعة.docx
1703646368_(أحكام المسح) خط كبير.docx