أحكام البيوت (3)

محمد بن إبراهيم النعيم
1439/02/20 - 2017/11/09 17:09PM

الخطبة الأولى

إن البيوت نعمة من نعم الله عز وجل على عباده، قال تعالى }والله جعل لكم من بيوتكم سكنا{، فالبيت ضرورة لكل حي، وسكن ومستقر، وإذا ما تأملنا أحوال الناس الذين لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ المؤقتة ونحوها عرفنا نعمة البيت.

 فإذا علمنا أن البيوت نعمة؛ فيجب شكر هذه النعمة، وقد تكلمت في خطبتين سابقتين عن بعض أحكام البيوت، وأكمل اليوم بعض هذه الأحكام.

  • فالبيت في الإسلام له خصوصية وحرمة لا يجوز التعدي عليها، فالرجل له الحق في إدخال من شاء وإخراج من شاء في بيته؛ ولذلك لا يجوز للمرأة أن تدخل في بيتها أحدا لا يرضاه زوجها حتى لو كان من قريباتها، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصم المرأة و بعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان و لا تأذن في بيته و هو شاهد إلا بإذنه) متفق عليه.
  • ولذلك فمن أحكام البيوت حرمة الدخول فيها إلا بإذن أصحابها قال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم{ [النور:27-28].                                               

       قال ابن كثير حتى تستأنسوا أي: تستأذنوا قبل الدخول، ولذلك لا يجوز الدخول بيت أحد إلا باستئذان حتى لو كانوا عمّالا أنت كفيلهم أو عزابا أنت صديقهم.  

  • ومن أحكام البيوت حرمة التجسس على البيوت والنظر إلى عوراتهم، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (من اطلع في بيت قوم بغير إذن ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص) رواه أحمد.

   ولذلك شرع لنا عند طرق باب بيت أن لا نستقبل الباب ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر.

  • ومن آداب البيوت أن تقول دعاء دخول البيت حيث روى أبو مالك الأشعري-رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا ولج الرجل بيته فليقل:  اللهم إني أسألك خير المَولَج وخير المخرج باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم يسلم على أهله] رواه أبو داود.

       فكثير من الناس تراه يدخل بيته إما يغني أو يشتم ويزمجر ولا يسلم على أهله وأولاده، وإنما يدخل صامتا كأنه يدخل بيتا مهجورا، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا دخلتم بيتا فسلموا على أهله، فإذا خرجتم فأودعوا أهله بسلام)، والتسليم على الأهل فيه خير وبركة يغفل عنه كثير من الناس، فمن دخل بيته فسلم على أهله كان ضامنا على الله بدخول الجنة لو مات في البيت، أو بكفايته إن عاش، وهذه إحدى علامات حسن الخاتمة التي يجهلها كثير من الناس ولا يفطنوا لها، فعن أبي أمامة t أن رسول الله r قال: (ثلاثة كلهم ضامن على الله؛ إن عاش: رُزق وكُفي، وإن مات: أدخله الله الجنة: من دخل بيته فسلَّم؛ فهو ضامن على الله، ومن خرج إلى المسجد؛ فهو ضامن على الله، ومن خرج في سبيل الله؛ فهو ضامن على الله) رواه أبو داود وابن حبان.

 وقد بوب ابن حبان على هذا الحديث قائلا: دخول الجنة للمُسلِّم على أهله عند دخوله عليهم إن مات، وكفايته ورزقه إن عاش.

  • ومن آداب البيوت أيضا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، فقد سأل شريح بن هانئ عائشة رضي الله عنها قائلا : بأي شيء كان يبدأ النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك. رواه أبو داود.
  • ومن الآداب أيضا أن نقول دعاء عند خروجنا من بيوتنا فعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من بيته قال:  (بسم الله توكلت على الله، اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا) رواه الترمذي.

ومن فوائد الدعاء عند الخروج أنه وقاية من الشيطان فقد وروى  أنس –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا خرج الرجل من بيته فقال:  بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله فيقال له :  حسبك قد هديت وكفيت ووقيت، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر:  كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي)؟ رواه أبو داود والنسائي.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، من توكل عليه كفاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اصطفاه واجتباه، وقرَّبه إليه وأدناه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى وتعلموا الأحكام الشرعية للبيوت والتي منها:

  • أن لا يؤمّ غيره في بيته، ولا يقعد في صدر المجلس أو مكان صاحب البيت إلا بإذنه، فقد روى عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه) رواه الترمذي.

 فإذا كنت في بيت أحد أو في مزرعته فلا يشرع لك أن تأمهم في الصلاة إلا بإذنهم، لأن أولى الناس بالإمامة هو صاحب المكان، وكذلك لا يشرع لك الجلوس في صدر المجلس أو في المكان الذي اعتاد أن يجلس فيه صاحب البيت إلا بإذنه.

  • وهناك بعض الآداب والأحكام الشرعية للبيوت مرتبطة بلغتنا المعاصرة بالأمن والسلامة والتي منها: النهي عن النوم في البيت بمفردك خشية أن تصاب بمكروه أو أن يأتي الأجل ولا يشعر بك أحد، فقد قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- لا يسافرنّ رجل وحده ولا ينامنّ في بيت وحده.

وأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن لا ننام وفي البيت نار تشتعل كترك الدفايات؛ حيث روى جابر –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (أغلقوا أبوابكم و خمروا آنيتكم و أطفئوا سرجكم وأوكئوا أسقيتكم فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ولا يكشف غطاء ولا يحل وكاء وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله) رواه مسلم.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» رواه مسلم.

لذلك نرى الأمراض تزداد كل عام بسبب اهمال الناس على مستوى العالم لهذه السنة المحمدية!

 

  • ومن آداب البيوت أن لا نجعل دورات المياه تستقبل القبلة أو تستدبرها احتراما للقبلة، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: " فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ؟ رواه مسلم

وروى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: (من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنه ومحي عنه سيئة) رواه الطبراني، لذلك ينبغي لمن أراد بناء بيت أن ينتبه في تصميم مخططه إلى هذا الأمر ليتجنب النهي وليكسب الحسنات الكثيرات.

هذه بعض الأحكام، وللحديث بقية عن أحكام البيوت أدعها في خطبة قادمة بإذن الله.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر،اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين.... اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته...، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 2/10/1429هـ

المشاهدات 1157 | التعليقات 0