أحكام الأيمان

سالم بن محمد الغيلي
1441/05/24 - 2020/01/19 21:53PM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً , اشهد الا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن نبينا وحبيبنا محمدٌ عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
  • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[ 

عباد الله:

قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ... الحديث) صحيح البخاري, يعلمه الأحكام ويدله على علمها وتعلمها ومعرفتها, وإن من الامور المهمة والقضايا الحساسة التي يجب على المسلم أن يكون على بصيرة منها وعلى علم بها: أحكام الأيمان أحكام الحلف .

الأيمان التي نكثر منها في حياتنا فنحلف على الصغيرة والكبيرة ونتلفظ بألفاظ مختلفة وبنيات متفاوتة , والله جل جلاله يحلف ويقسم بما شاء يحلف بمخلوقاته , أقسم بالوقت فقال سبحانه: }وَالضُّحَىٰ { ]سورة الضحى:1[, }وَالْفَجْرِ , وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ ]سور الفجر:1,2[ , } وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ , وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ{ ]سورة الليل: 1,2[ , وأقسم بالشمس والقمر والنهار والنفس التي سواها , أما المخلوقين فيحرم عليه , يحرم عليه أن يحلف بغير الله حتى ولو كان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أو بأحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو حتى بجبريل عليه السلام لايجوز لا يحل للمسلم أن يحلف بغير الله , لا تحلف بالنبي لا تقل والنبي  , لا تحلف بالأمانة , لاتحلف بالشرف لا تحلف بالطلاق وما أكثر من يحلف بالطلاق إذا طلق صدقوه وامضوا يمينه يقفون عن الجدال ويستسلمون وإذا حلف بالله تهاونوا فيه واستصغروه ولم يصدقوه , عَجَبِي لهؤلاء الجهال الضلال المشركين , أين الإسلام أين الإيمان أين التفقه في الدين؟ يطلق امرأته في كل صغيرة وكبيرة وفي الصباح وفي المساء طلاق طلاق وبعد الطلاق يذهب يستفتي ويسافر ويتسكع عند أبواب المحاكم , وقد كان في سعة من أمره, ماهذا الجهل؟ ما هذه الجرأة؟ ما هذا العمى؟ .

هؤلاء الذين يحلفون بغير الله ما عظموا الله ولا عظموا حدوده ولا حفظوا أيمانهم, والأخطر منه الذي يحلف بأمه يقول: مثل أمي , أو يقول لزوجته: أنت عليّ مثل أمي أو كظهر امي , ويدخل نفسه في كفارة الظِهار وأحكام الظِهار, والأخطر من ذلك من يقسم بآيات الله يقول : قسماً بآيات الله , وكل مافي الكون آيات الله , السماوات والجبال والاشجار والبهائم كلها من آيات الله , فلماذا يُقسم بها ويحلف بها من غير الله؟

إن الأمر أيها الأحبة خطير وتساهل فيه جهال الناس واقول جهال الناس لأن من لديه علم ومعرفة وتقوى يتجنب الخلل في عقيدته ودينه ويعظم الله تعالى ويقف عند حدوده, وما انتشرت وكثرت الأيمان بين الناس إلا لنقص في دينهم ولجهلهم وانعدام الثقة بينهم , قال صلى الله عليه وسلم : (من حلفَ بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ ) اخرجه ابو داود , والترمذي واللفظ له , واحمد , وصححه الالباني في إرواء الغليل, فقد كفر أو اشرك م حلف بغير الله , وقال صلى الله عليه وسلم: (أنَّهُ أدْرَكَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ في رَكْبٍ وهو يَحْلِفُ بأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ألَا، إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، فمَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ، وإلَّا فَلْيَصْمُتْ) صحيح البخاري من حديث عبدالله بن عمر.

إن اليمين تكون على شيء قد مضى او على شيء لم يحصل بعد, إذا حلفت على شيء قد مضى على أمرقد وقع على أمر قد حكم فيه أو ارث تم توزيعه وغيرها وغيرها امر قد انتهى ومضى زمنه وفصل فيه وحكم فيه واتفق عليه وبُت فيه , فإذا صدقت في هذا اليمين فلا بأس ولا إثم أما إذا حلفت فاجراً فالويل ثم الويل لمن حلف فاجرًا , قال صلى الله عليه وسلم : (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ: المَنَّانُ الذي لا يُعْطِي شيئًا إلَّا مَنَّهُ، والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الفاجِرِ، والْمُسْبِلُ إزارَهُ. وفي رواية: ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ولا يَنْظُرُ إليهِم ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ.) صحيح مسلم ,وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بهَا مَالًا وهو فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَانُ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذلكَ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] فَقَرَأَ إلى {عَذَابٌ ألِيمٌ} [آل عمران: 77]... الحديث) صحيح البخاري .

واليمين الفاجرة التي أُخِذَ بها حق الناس لا كفارة فيها لا تقبل فيها الكفارة , تغمس صاحبها في الذنب , تغمس صاحبها في النار –والعياذ بالله- والمخرج منها التوبة ورد مظالم الناس.

أما الحلف على أمر مستقبلي لم يحدث بعد فإن هذه اليمين تسمى اليمين المنعقدة وهي التي فيها كفارة إذا حنث فيها , وهي أن يحلف عازمًا على فعل شيء أو عدم فعله , فإذا حلف على فعل شيء ولم يفعله فقد حنث في يمينه , وكذلك إذا حلف على عدم فعل شيء وفعله , فإذا حلفت أن تفعل شيء فافعله إذا هو من الأمور المباحة, والحنث في اليمين قد يكون واجبًا وقد يكون مستحباً وقد يكون مكروهاً وقد يكون محرمًا وقد يكون مباحًا , والحنث المحرم في اليمين لمن حلف على فعل امر واجب أو ترك فعل محرم فهذا يجب عليه وجوبًا أن يلتزم بيمينه كمثل الذي يحلف أن يحافظ على صلاة الجماعة أو حلف بأن يترك شرب الشمة والدخان  فلا يجوز له أن يحنث في يمينه.

أما الحنث المكروه فهو لمن حلف على فعل أمر مستحب أو ترك أمر مكروه مثل من يحلف بأن يزور اليوم فلانًا أو لا يزوره , أو حلف على ترك, فهذه اليمين يكره الحنث عليها.

أما الحنث المستحب فهو لمن حلف على فعل أمر مكروه أو ترك أمر مستحب مثل من حلف الاّ يتصدق على فلان وهو فقير مستحق فنقول له يستحب أن يحنث في يمينه ويتصدق .

أما الحنث الواجب فهو لمن حلف على ترك واجب أو ارتكاب محرم, فلا يجوز له الإلتزام بهذه اليمين بل يجب عليه أن يحنث فيها .

وأخيرًا الحنث المباح لمن يحلف على فعل أو ترك أمر مباح كمن حلف الا يفطر أو يتغدى فهو بالخيار اما أن يمضي في يمينه أو يحنث.

ايها الناس ومن حنث في يمينه المنعقدة على أمر مستقبلي وجبت عليه الكفارة.

نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين وأن يجعلنا ممن يعظم شعائره ويقف عند حدوده.

أقول ماتسمعون....

الخطبة الثانية

الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى

عباد الله:

قال صلى الله عليه وسلم : (..إذا حَلَفْتَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَكَفِّرْ عن يَمِينِكَ وأْتِ الذي هو خَيْرٌ) صحيح البخاري من حديث عبدالرحمن بن سمرة, ويقول صلى الله عليه وسلم : (...إنِّي واللَّهِ - إنْ شاءَ اللَّهُ - لا أحْلِفُ علَى يَمِينٍ، فأرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، إلَّا أتَيْتُ الذي هو خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُها.) اخرجه البخاري واللفظ له, ومسلم , فما بال أقوام يحلفون على فعل أمور محرمه من قطيعة أو ترك واجب أو ارتكاب محرم ثم يلتزمون بأيمانهم ؟ لماذا لا يحنثون ويكفرون؟ كما كان يفعل قدوتنا صلى الله عليه وسلم؟ ومن حنث في يمينه فعليه الكفارة , وهي على الترتيب النالي:

  • إطعام عشرة مساكين او كسوتهم أو تحرير رقبة , والمكفِّر مخير بين هذه الأمور الثلاثة.
  • فإن لم يستطع أي واحدة منها ... صام ثلاثة أيام, كما قال الله تعالى في الآية: } لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { ]سور المائدة:89[

والاستثناء في اليمين عند نطقها جائز كأن يحلف المسلم فيقول: والله أن أفعل هذا الأمر إن شاءالله, فإن فعله وهو جائز فلا بأس, وإن لم يفعله فإنه لا يحنث ولا كفارة عليه بسبب أنه استثنى في يمينه أثناء حلفه.

الله الله أيها المسلمون لا تحلفوا الإ بالله , عظموا أيمانكم , لا تحلفوا اليمين الفاجرة فإنه لا كفارة فيها , وإذا حنثتم في أيمانكم المنعقدة فكفروا عنها .

اللهم احفظ علينا ديننا وزدنا إيمانًا وتقوى وقربة وطاعة يا أرحم الراحمين.

وصلوا وسلموا..

والله اعلم

جامع القو 1439/8/18هـ

جامع النور 1441/5/15هـ

المشاهدات 1147 | التعليقات 0