أحسن الحسنات

موسى بن عبدالله الموسى
1442/05/02 - 2020/12/17 22:06PM

أحسن الحسنات

أيها المؤمنون: لما خلق الله آدم –عليه السلام-، وتناسلت منه ذريته بقوا عشرة قرون لا يعرفون إلا عبادة الله، ولم يكونوا يُشركوا به شيئًا، فكانوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)﴾ [الأعراف: 172-173].

ولقد جاء في صحيح مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله –تبارك وتعالى-: «وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»().

أيُّها المؤمنون: على التوحيد فُطرت القلوب، وجبلت النفوس، وأمر الله به العباد، ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].

كلمة التوحيد هي أجل الكلام وأطيبه، وأفضل الأعمال وأكملها، وهي أعلى شعب الإيمان وسنامه.

أثقل شيء في الميزان، وخير ما يُعد العبد للقاء ربه العظيم ، هي علامة الإيمان، ووصية الأنبياء لقومهم، ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 132].

وقد روى ابن حبان في صححيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلِمَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»().

«وإن أسعد الناس بشفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»(). كما رواه البخاري.

قال ابن القيم –رحمه الله-: "وكلما كان توحيد العبد أعظم كانت مغفرة الله له أتم".

وفي صحيح مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله –تبارك وتعالى-: «وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً»().

أحسن الحسنات لا إله إلا الله، ومن أجلها أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وخلق ناره وجنته، هي أصل الشرائع وخير المقاصد، ما كُفّرت الذنوب بمثلها، ولا ارتفعت الدرجات إلا بها، ومن قالها خالصًا من قلبه دخل الجنة.

«فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»()؛ كما جاء في الصحيحين.

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»() متفق عليه.

قال النووي –رحمه الله-: "وظاهر الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه؛ سواء قاله متوالية، أو متفرقة في مجالس، أو بعضها في أول النهار وبعضها في آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزًا له في جميع نهاره" انتهى كلامه.

هي أعظم العواصم لدم صاحبها، ولما قتل أسامة بن زيد حب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وابن حبه، لما قاتل الرجل الذي كان مع المشركين بعد أن قالها ظانًا أنه إنما قالها فرارًا من السيف، وهو قد أوجع في المسلمين، وقتل عددًا من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- فحين بلغ الأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال لأسامة منكرًا وموبخًا: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»().

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: 24- 25].

الخطبة الثانية:

أمَّا بعد...

أيُّها المؤمنون: فإن كلمة التوحيد لا إله إلا الله التي بها إعلان عبادة الله وحده، والبراءة من كل معبود سواه، هي أعلى النعم، وخير العمل، تنشرح بها الصدور، وتُزال بها الكروب، وتضاعف بها الأجور.

قال سفيان بن عيينة –رحمه الله-: "وما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرَّفهم بلا إله إلا الله".

وقال سفيان الثوري –رحمه الله-: "ليس شيء أقطع لظهر إبليس من لا إله إلا الله".

وقد جاء في الصحيحين في حديث الشفاعة العظيم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»().

أيُّها المؤمنون: احمدوا الله الذي هداكم لهذه الكلمة، واحمدوا الله الذي أحياكم عليها واشكره، وتعاهدوا أنفسكم على تحقيق مقتضاها، ربوا عليها ولقّنوا عليها أولادكم، املأوا بها قلوبكم، ورطبوا بها أنفسكم، وزيّنوا بها مجالسكم، وثقّلوا بها صحف أعمالكم، واعلموا أن من أحب شيئًا أكثر منه، ومن أدمن شيئًا مات عليه.

فاللهم أحينا عليها، وتوفنا عليها، واجعلها ذخرنا وشفيعنا بين يديك.

المشاهدات 1494 | التعليقات 1

لله درك يافضيلة الشيخ ع هذه الخطبة المميزة