أحداث سوريا المؤلمة
أبو المقداد الأثري
1438/03/16 - 2016/12/15 17:09PM
أحداث سوريا المؤلمة
الخطبة الأولى:ـــــــــــــــ
الحمد لله الذي يبتلي عباده بالسَّراء والضَّراء، ويختبرهم في المنع والعطاء، وله الحكمة فيما قدَّر وقضى، وكل عبد إلى ما قدَّره عليه وقضاه صائر، وهو سبحانه أرحم بالعبد من والدته وسائر أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تُرفع الشكوى إلا إليه، ولا يكشف البلوى إلا هو، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله المجتبى، أوذي في الله بالقول والفعل، حتى سُعي في قتله فأنجاه الله، وأُخْرِج من بلده وأهله، فاللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا يترى إلى قيام الساعة.
أما بعد، أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى حق تقواه، وكونوا لنعمائه شاكرين، ولابتلائه صابرين محتسبين، تائبين مستغفرين منيبين، فإن الله – جلَّ وعلا – قد قضى أنْ يبتلى عباده المؤمنين فيما يُحبون ويكرهون، وفي أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم، وديارهم، لينظر كيف يعملون؟ أيصبرون أم يجزعون، وهل يتوبون من ذنوبهم ويستغفرون أم يستمرون في غيِّهم ويزيدون؟
فقال – جلَّ وعلا -: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
وقال – عزَّ من قائل -: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }.
فأخبر سبحانه بأنه سيبتلي عباده بشيء من هذه الخمس المذكورات، ووعد الصابرين على هذا الابتلاء بالرحمة، ووصفهم بالهداية، وأتمَّ النعمة بصلواته عليهم، فله الحكمة التامة، والرحمة السابغة، في تقديره المصيبات، وفي تنوع الشِدَّات، والزيادة لبعض دون بعض، وسكان بلد دون آخرين، وأهل زمان دون زمان.
فيا من أصابته آلامٌ وجروح، وحلَّت به مِحَنٌ وكروب، ودهمته حروبٌ ومجازر، وحصلت له فتنٌ وشرور، وأُجْلِيَ من بلده وشُرِّد، واعترته أمراض في عقله أو بدنه أو أهله، وضربه الجوع والفاقة بعد الغنى والشِّبع، وجاءه الخوف بعد الأمن، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (( مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ )).
أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )).
أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم الثابت: (( مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ )).
أيها المسلمون:
إنكم لتعلمون ما يجري هذه الأيام على إخوانكم مِن أهل السُّنة في سوريا: من ظلم واعتداء، وتدمير وإهلاك، وتجويع وتمزيق، وتخويف وإرهاب، وقتل وإبادة، وإجلاء وتشريد، وحصار وخنق، من غير رحمة ولا هوادة، بل بقسوة وشراسة، وتَعَطُّش وبشاعة، قلَّ أمثالها في التاريخ، لم يسلم منها شيخ كبير، ولا امرأة عجوز، ولا طفل رضيع، ولا أم حُبلى، ولا شابّ وشابَّة، ولا مريض، ولا مُقعد، ولا منزل، ولا مسجد، ولا مدرسة، ولا مستشفى، ولا طريق، يجري ذلك بأيدي النصيريين الحاقدين، وجنود إيران المجرمين، وحزب شيعة لبنان الغادرين، وحشود شيعة العراق الفاجرين، وخوارج داعش والنصرة المارقين، وجند دولة الكفر والشر روسيا، ومع ذلك فلا نقول في هذا المُصاب الجَلَل، والحُزن العظيم المؤلم إلا ما يرضي الله عنَّا: “فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرنا في مصيبتنا، وأخْلِف لنا خيرًا منها".
ونقول لإخواننا في سوريا: “إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُ شيءٍ عنده بأجل مُسمَّى، فلتصبروا ولتحتسبوا".
ولا تستهينوا يا إخوتاه بالصبر وفضله وعاقبته فإن الله سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر في الدنيا، وإهلاك عدوهم، وأخبر أنه إنما أنالهم ذلك بالصبر، فقال – عزّ وجلَّ -: { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ }.
وثبت: (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأُمِّ عَمَّارٍ وَهُمَا يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: «اصْبِرُوا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ» )).
ونقول لهؤلاء الظالمين المجرمين الذين تكالبوا عليهم:
انتظروا بأس الله وعقوبته، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } )).
واعلموا أن دماء وأموال وأعراض المسلمين ليست بهينة ولا رخيصة عند ربهم، بل قد جعل لها موعدًا للمحاسبة الدقيقة والمقاصة، والتي لا يَسْلم منها حتى البهيمة المعتدية على أختها، ومقاصة وعقوبة الآخرة أشد وأنكى، أخزى وأبكى، أمَرُّ وأبأس وأطول، إذ هي عذاب ونكال في أشد وأعظم نار، إنها نار جهنم، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ )).
أيها المسلمون:
يا مَن ابتليتم بشيء من الكوارث والكروب، ونزلت بكم وبأرضكم بعض الفتن والخُطوب، أوصيكم ونفسي بهذه الأمور:
أولًا: بالتضرع إلى الله تعالى في دفع ما حَلَّ بكم، فإنه من أجَلِّ حِكم الابتلاء بالبأساء والضراء، حيث قال سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ }.
بل إنه تعالى قد ذمَّ ووبَّخ أقوامًا لم يتضرعوا إليه حين ابتلاهم، فقال – عزَّ وجلَّ -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }.
وثانيًا: أن تُنزلوا شكواكم بالله وحده، لا بالخلق، فإنه لا رَبَّ لكم غيره تقصدونه وتدعونه، ولا إله لكم سواه تؤمِّلونه وترجونه، ولا حول ولا قوة لكم إلا به، وهو سبحانه نعم المولى، ونعم النصير، الذي يتولى عباده المؤمنين، ويوصل إليهم مصالحهم، وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية، والذي ينصرهم، فيدفع عنهم كيد الفجار، وتكالب الأشرار، ومكر أهل الإجرام، ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عِزَّ له، ولا قائمة له، وإن كان بيده المال والعتاد والرجال، ولتكن لهم أسوة بنبي الله وعبده يعقوب – عليه السلام – حين مصابه، حيث قال: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }، وقال لمن آلموه: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }.
ولتكونوا على يقين أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، بهذا قضى الله سبحانه وحكم.
وثالثًا: أن تكثروا من العبادات من صلاة وصيام ودعاء واستغفار وقراءة قرآن وذكر لله تعالى، وغيرها، فإن ذلك سلاح من أشد أسلحة النصر على الأعداء، وباب من أوسع أبواب الفرج، ولا يدري الإنسان أيكون أجله في هذه الغارة أو يكون ممن يُمدد له في العمر.
ولما تجمعت قريش وغطفان وقبائل العرب بتحريض من اليهود والمنافقين على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في غزوة الأحزاب، قال حذيفة – رضي الله عنه -: (( رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى )).
وصحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أمته بالإكثار من العبادات، وأخبرهم بعظيم الأجر عليها، زمن الهرج، أيْ: وقت حصول القتل والاقتتال، فقال صلى الله عليه وسلم: (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ )).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:ـــــــــــــــ
الحمد لله الحميد في وصفه وفعله، الحكيم في خلقه وأمره، الرحيم في عطائه ومنعه، المحمود في خفضه ورفعه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد أفضل مرسل من عنده، وعلى آله وصحبه، ومن والاهم إلى ساعة أجله.
أما بعد، أيها المسلمون:
إن من الأمور القبيحة والمُؤَثِّمَة شرعًا عند حلول المصائب، وحصول النكبات، ووقوع المحن على هذه الأمة المحمدية:
ما يصدر عن بعض الناس مِن سبٍّ ولعن وتحريض على ولاة أمر المسلمين أو رميهم بالخيانة والعمالة للأعداء عند سماع نشرات الأخبار أو المراسلين أو المحللين السياسيين أو الخطباء والوعاظ وما يذكرونه حول الولاة والدول وما حصل لبعض المسلمين من قتل وتجويع وتشريد.
ولا ريب أن لسان المؤمن عفيف، وليس بفاحش، ولا بذيء، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفى هذه الخِلال عن المؤمن، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الفَاحِشِ، وَلَا البَذِيءِ )).
وثبت عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: (( نَهَانَا كُبْرَاؤُنا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَنَا: لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ، وَلَا تَغْشَوْهُمْ، وَلَا تَعْصُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ )).
والمؤمن مدرك أنه مُحَاسب على ما ينطق به لسانه في حق حاكم أو غير حاكم، ومَن يُحب ومَن يكره، لا يغيب عنه قول ربه سبحانه: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.
أيها المسلمون:
إن ما جرى على أهل سوريا وغيرهم من حروب وويلات، ودمار وتدمير، وتقتيل وتشريد، وتفرُّق وانقسام، وذهاب أمْن، وحصول جوع، كان من أعظم أسبابه المظاهرات التي أنتجت لنا الثورات، وقد تسبب في حصول هذه المظاهرات والثورات قنوات فضائية، وإعلاميون ومحللون سياسيون، ومراسلون ومذيعون، وصحف ومجلات، ومواقع إلكترونية، ودعاة وخطباء منتمون لبعض الجماعات، وزعماء ورموز أحزاب لبرالية وعلمانية وشيوعية وأخرى تصف نفسها بالإسلامية، وشباب على الفيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع التواصل بين الناس، فينبغي للناس أن لا ينسوا ذلك، ولا للتاريخ أن يُغفل جرمهم هذا في حق الأمة، حتى لا يُلدغ المؤمنون من هذا الجُحر مرة أخرى، وينبغي لهؤلاء أن يشتغلوا بما يُخلِّصهم عند ربهم، ويقبلوا على شأنهم، فإن عليهم إثم بكل دم أريق، ومال دُمِّر، ونفس أصيبت، وطفل يُتِّم، وامرأة رُمِّلت، وخوف حصل، ونزوح وقع، وفساد عريض حصل.
أيها المسلمون:
إن من الأمور المقررة في نصوص القرآن العظيم والسنة النبوية، والمسلمات عند كل مسلم قارئ أو سامع للقرآن والسنة، أنه ما سُلط علينا أعداؤنا من أهل الكفر أو أهل البدع والضلال، ولا حلَّت في ديارنا الحروب، وكثر القتل في صفوفنا، وتوسعت آلامنا، وزادت نكباتنا، واشتدت محننا، وضعفت قوانا، وهُنَّا على الناس، إلا بسبب ذنوبنا وآثامنا ومعاصينا، إلا بسبب ما يقع مِن أمور شركية وبدع ومعاص، وصدق الله، وكذب المحللون المتخرصون، حيث قال – جلَّ وعزًّ -: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.
وقال رسوله صلى الله عليه وسلم في شأن أمته: (( وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَأْخُذُ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ إِلَّا جَعَلَ بِأَسَهُمْ بَيْنَهُمْ )).
ألا فلا يغب عن أذهاننا هذا الأصل، ولا نتناساه أو نغفل عنه أو نُضَلل، لا سيما مع كثرة سماع نشرات الأخبار، وسماع البرامج السياسية، وسماع المحللين السياسيين والمراسلين، والقراءة للصحفيين.
واعلموا أن المصائب والكروب، والآلام والجروح، والنكبات والمحن، والخطوب والمعكرات، لا تدفع بالتضلع في السياسة، وسماع أهلها، ولا بالسيئات والآثام، ولا بالقبائح والمذمات، ولا بالصراخ والعويل واللغط، ولا بالمظاهرات، ولا برمي الحكام بالظنون، ولا بإطلاق العنان للسان، وإنما تدفع بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله والخضوع له، والتضرع إليه والالتجاء به، والإقلاع عن الذنوب، والبعد عن أماكنها، والإقبال على الطاعات، والمسارعة إليها والإكثار، { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا بديع السماوات والأرض، يا حي يا قيوم، ارفع الضر عن إخواننا المسلمين في سوريا، وسلِّم أنفسهم وأهليهم وأموالهم وديارهم من النصيرين ومن ساندهم.
اللهم ادفع عنهم هذا البلاء الذي لا يدفعه سواك، اللهم إنا لا نستعين بغيرك ولا نرجو إلا إياك في كشف ضرهم وبلواهم ومصابهم، اللهم إنهم فقراء إليك عاجزون محتاجون إلى دفعك ودفاعك عنهم.
اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم وجرحاهم، واربط على قلوبهم صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً فلا يقولوا إلا ما يرضيك، ولا يفعلوا إلا ما تحب، اللهم اجبر مصيبة من أصيب منهم بشيء في بدنه أو أهله أو ماله، وتفضل عليه بالخلف العاجل، والخير المدرار، اللهم قاتل النصيرين والخوارج ومن ساندهم والذين يؤذون عبادك المسلمين في سوريا، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، وأنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم رد كيدهم وغلهم وحقدهم إلى نحورهم، واجعل أسلحتهم مهلكة لهم، واجعل تخطيطهم عليهم، ومزق صفوفهم، ونكل بهم، وشردهم في الأرض، اللهم ومَن أمدهم بسلاح أو مال أو تدريب أو تخطيط فألحقه بهم في الهلاك والنكال، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما تحب وترضى، وخذ بأيديهم إلى الخير والرشد، وأعنهم وقوهم على نصرة إخوانهم المسلمين في سوريا، بكل ما يرضيك، ويقر أعين المؤمنين، ويكبت نفوس الكافرين والشانئين، إنك يا ربنا سميع مجيب.
منقوله من موقع الشيخ عبدالقادر جنيد جزاه الله خيرا
الخطبة الأولى:ـــــــــــــــ
الحمد لله الذي يبتلي عباده بالسَّراء والضَّراء، ويختبرهم في المنع والعطاء، وله الحكمة فيما قدَّر وقضى، وكل عبد إلى ما قدَّره عليه وقضاه صائر، وهو سبحانه أرحم بالعبد من والدته وسائر أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تُرفع الشكوى إلا إليه، ولا يكشف البلوى إلا هو، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله المجتبى، أوذي في الله بالقول والفعل، حتى سُعي في قتله فأنجاه الله، وأُخْرِج من بلده وأهله، فاللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا يترى إلى قيام الساعة.
أما بعد، أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى حق تقواه، وكونوا لنعمائه شاكرين، ولابتلائه صابرين محتسبين، تائبين مستغفرين منيبين، فإن الله – جلَّ وعلا – قد قضى أنْ يبتلى عباده المؤمنين فيما يُحبون ويكرهون، وفي أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم، وديارهم، لينظر كيف يعملون؟ أيصبرون أم يجزعون، وهل يتوبون من ذنوبهم ويستغفرون أم يستمرون في غيِّهم ويزيدون؟
فقال – جلَّ وعلا -: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
وقال – عزَّ من قائل -: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }.
فأخبر سبحانه بأنه سيبتلي عباده بشيء من هذه الخمس المذكورات، ووعد الصابرين على هذا الابتلاء بالرحمة، ووصفهم بالهداية، وأتمَّ النعمة بصلواته عليهم، فله الحكمة التامة، والرحمة السابغة، في تقديره المصيبات، وفي تنوع الشِدَّات، والزيادة لبعض دون بعض، وسكان بلد دون آخرين، وأهل زمان دون زمان.
فيا من أصابته آلامٌ وجروح، وحلَّت به مِحَنٌ وكروب، ودهمته حروبٌ ومجازر، وحصلت له فتنٌ وشرور، وأُجْلِيَ من بلده وشُرِّد، واعترته أمراض في عقله أو بدنه أو أهله، وضربه الجوع والفاقة بعد الغنى والشِّبع، وجاءه الخوف بعد الأمن، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (( مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ )).
أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )).
أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم الثابت: (( مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ )).
أيها المسلمون:
إنكم لتعلمون ما يجري هذه الأيام على إخوانكم مِن أهل السُّنة في سوريا: من ظلم واعتداء، وتدمير وإهلاك، وتجويع وتمزيق، وتخويف وإرهاب، وقتل وإبادة، وإجلاء وتشريد، وحصار وخنق، من غير رحمة ولا هوادة، بل بقسوة وشراسة، وتَعَطُّش وبشاعة، قلَّ أمثالها في التاريخ، لم يسلم منها شيخ كبير، ولا امرأة عجوز، ولا طفل رضيع، ولا أم حُبلى، ولا شابّ وشابَّة، ولا مريض، ولا مُقعد، ولا منزل، ولا مسجد، ولا مدرسة، ولا مستشفى، ولا طريق، يجري ذلك بأيدي النصيريين الحاقدين، وجنود إيران المجرمين، وحزب شيعة لبنان الغادرين، وحشود شيعة العراق الفاجرين، وخوارج داعش والنصرة المارقين، وجند دولة الكفر والشر روسيا، ومع ذلك فلا نقول في هذا المُصاب الجَلَل، والحُزن العظيم المؤلم إلا ما يرضي الله عنَّا: “فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرنا في مصيبتنا، وأخْلِف لنا خيرًا منها".
ونقول لإخواننا في سوريا: “إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُ شيءٍ عنده بأجل مُسمَّى، فلتصبروا ولتحتسبوا".
ولا تستهينوا يا إخوتاه بالصبر وفضله وعاقبته فإن الله سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر في الدنيا، وإهلاك عدوهم، وأخبر أنه إنما أنالهم ذلك بالصبر، فقال – عزّ وجلَّ -: { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ }.
وثبت: (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأُمِّ عَمَّارٍ وَهُمَا يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: «اصْبِرُوا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ» )).
ونقول لهؤلاء الظالمين المجرمين الذين تكالبوا عليهم:
انتظروا بأس الله وعقوبته، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } )).
واعلموا أن دماء وأموال وأعراض المسلمين ليست بهينة ولا رخيصة عند ربهم، بل قد جعل لها موعدًا للمحاسبة الدقيقة والمقاصة، والتي لا يَسْلم منها حتى البهيمة المعتدية على أختها، ومقاصة وعقوبة الآخرة أشد وأنكى، أخزى وأبكى، أمَرُّ وأبأس وأطول، إذ هي عذاب ونكال في أشد وأعظم نار، إنها نار جهنم، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ )).
أيها المسلمون:
يا مَن ابتليتم بشيء من الكوارث والكروب، ونزلت بكم وبأرضكم بعض الفتن والخُطوب، أوصيكم ونفسي بهذه الأمور:
أولًا: بالتضرع إلى الله تعالى في دفع ما حَلَّ بكم، فإنه من أجَلِّ حِكم الابتلاء بالبأساء والضراء، حيث قال سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ }.
بل إنه تعالى قد ذمَّ ووبَّخ أقوامًا لم يتضرعوا إليه حين ابتلاهم، فقال – عزَّ وجلَّ -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }.
وثانيًا: أن تُنزلوا شكواكم بالله وحده، لا بالخلق، فإنه لا رَبَّ لكم غيره تقصدونه وتدعونه، ولا إله لكم سواه تؤمِّلونه وترجونه، ولا حول ولا قوة لكم إلا به، وهو سبحانه نعم المولى، ونعم النصير، الذي يتولى عباده المؤمنين، ويوصل إليهم مصالحهم، وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية، والذي ينصرهم، فيدفع عنهم كيد الفجار، وتكالب الأشرار، ومكر أهل الإجرام، ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عِزَّ له، ولا قائمة له، وإن كان بيده المال والعتاد والرجال، ولتكن لهم أسوة بنبي الله وعبده يعقوب – عليه السلام – حين مصابه، حيث قال: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ }، وقال لمن آلموه: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }.
ولتكونوا على يقين أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، بهذا قضى الله سبحانه وحكم.
وثالثًا: أن تكثروا من العبادات من صلاة وصيام ودعاء واستغفار وقراءة قرآن وذكر لله تعالى، وغيرها، فإن ذلك سلاح من أشد أسلحة النصر على الأعداء، وباب من أوسع أبواب الفرج، ولا يدري الإنسان أيكون أجله في هذه الغارة أو يكون ممن يُمدد له في العمر.
ولما تجمعت قريش وغطفان وقبائل العرب بتحريض من اليهود والمنافقين على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في غزوة الأحزاب، قال حذيفة – رضي الله عنه -: (( رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى )).
وصحَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أمته بالإكثار من العبادات، وأخبرهم بعظيم الأجر عليها، زمن الهرج، أيْ: وقت حصول القتل والاقتتال، فقال صلى الله عليه وسلم: (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ )).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:ـــــــــــــــ
الحمد لله الحميد في وصفه وفعله، الحكيم في خلقه وأمره، الرحيم في عطائه ومنعه، المحمود في خفضه ورفعه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد أفضل مرسل من عنده، وعلى آله وصحبه، ومن والاهم إلى ساعة أجله.
أما بعد، أيها المسلمون:
إن من الأمور القبيحة والمُؤَثِّمَة شرعًا عند حلول المصائب، وحصول النكبات، ووقوع المحن على هذه الأمة المحمدية:
ما يصدر عن بعض الناس مِن سبٍّ ولعن وتحريض على ولاة أمر المسلمين أو رميهم بالخيانة والعمالة للأعداء عند سماع نشرات الأخبار أو المراسلين أو المحللين السياسيين أو الخطباء والوعاظ وما يذكرونه حول الولاة والدول وما حصل لبعض المسلمين من قتل وتجويع وتشريد.
ولا ريب أن لسان المؤمن عفيف، وليس بفاحش، ولا بذيء، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفى هذه الخِلال عن المؤمن، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الفَاحِشِ، وَلَا البَذِيءِ )).
وثبت عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: (( نَهَانَا كُبْرَاؤُنا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَنَا: لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ، وَلَا تَغْشَوْهُمْ، وَلَا تَعْصُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ )).
والمؤمن مدرك أنه مُحَاسب على ما ينطق به لسانه في حق حاكم أو غير حاكم، ومَن يُحب ومَن يكره، لا يغيب عنه قول ربه سبحانه: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.
أيها المسلمون:
إن ما جرى على أهل سوريا وغيرهم من حروب وويلات، ودمار وتدمير، وتقتيل وتشريد، وتفرُّق وانقسام، وذهاب أمْن، وحصول جوع، كان من أعظم أسبابه المظاهرات التي أنتجت لنا الثورات، وقد تسبب في حصول هذه المظاهرات والثورات قنوات فضائية، وإعلاميون ومحللون سياسيون، ومراسلون ومذيعون، وصحف ومجلات، ومواقع إلكترونية، ودعاة وخطباء منتمون لبعض الجماعات، وزعماء ورموز أحزاب لبرالية وعلمانية وشيوعية وأخرى تصف نفسها بالإسلامية، وشباب على الفيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع التواصل بين الناس، فينبغي للناس أن لا ينسوا ذلك، ولا للتاريخ أن يُغفل جرمهم هذا في حق الأمة، حتى لا يُلدغ المؤمنون من هذا الجُحر مرة أخرى، وينبغي لهؤلاء أن يشتغلوا بما يُخلِّصهم عند ربهم، ويقبلوا على شأنهم، فإن عليهم إثم بكل دم أريق، ومال دُمِّر، ونفس أصيبت، وطفل يُتِّم، وامرأة رُمِّلت، وخوف حصل، ونزوح وقع، وفساد عريض حصل.
أيها المسلمون:
إن من الأمور المقررة في نصوص القرآن العظيم والسنة النبوية، والمسلمات عند كل مسلم قارئ أو سامع للقرآن والسنة، أنه ما سُلط علينا أعداؤنا من أهل الكفر أو أهل البدع والضلال، ولا حلَّت في ديارنا الحروب، وكثر القتل في صفوفنا، وتوسعت آلامنا، وزادت نكباتنا، واشتدت محننا، وضعفت قوانا، وهُنَّا على الناس، إلا بسبب ذنوبنا وآثامنا ومعاصينا، إلا بسبب ما يقع مِن أمور شركية وبدع ومعاص، وصدق الله، وكذب المحللون المتخرصون، حيث قال – جلَّ وعزًّ -: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.
وقال رسوله صلى الله عليه وسلم في شأن أمته: (( وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَأْخُذُ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ إِلَّا جَعَلَ بِأَسَهُمْ بَيْنَهُمْ )).
ألا فلا يغب عن أذهاننا هذا الأصل، ولا نتناساه أو نغفل عنه أو نُضَلل، لا سيما مع كثرة سماع نشرات الأخبار، وسماع البرامج السياسية، وسماع المحللين السياسيين والمراسلين، والقراءة للصحفيين.
واعلموا أن المصائب والكروب، والآلام والجروح، والنكبات والمحن، والخطوب والمعكرات، لا تدفع بالتضلع في السياسة، وسماع أهلها، ولا بالسيئات والآثام، ولا بالقبائح والمذمات، ولا بالصراخ والعويل واللغط، ولا بالمظاهرات، ولا برمي الحكام بالظنون، ولا بإطلاق العنان للسان، وإنما تدفع بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله والخضوع له، والتضرع إليه والالتجاء به، والإقلاع عن الذنوب، والبعد عن أماكنها، والإقبال على الطاعات، والمسارعة إليها والإكثار، { فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا بديع السماوات والأرض، يا حي يا قيوم، ارفع الضر عن إخواننا المسلمين في سوريا، وسلِّم أنفسهم وأهليهم وأموالهم وديارهم من النصيرين ومن ساندهم.
اللهم ادفع عنهم هذا البلاء الذي لا يدفعه سواك، اللهم إنا لا نستعين بغيرك ولا نرجو إلا إياك في كشف ضرهم وبلواهم ومصابهم، اللهم إنهم فقراء إليك عاجزون محتاجون إلى دفعك ودفاعك عنهم.
اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم وجرحاهم، واربط على قلوبهم صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً فلا يقولوا إلا ما يرضيك، ولا يفعلوا إلا ما تحب، اللهم اجبر مصيبة من أصيب منهم بشيء في بدنه أو أهله أو ماله، وتفضل عليه بالخلف العاجل، والخير المدرار، اللهم قاتل النصيرين والخوارج ومن ساندهم والذين يؤذون عبادك المسلمين في سوريا، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، وأنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم رد كيدهم وغلهم وحقدهم إلى نحورهم، واجعل أسلحتهم مهلكة لهم، واجعل تخطيطهم عليهم، ومزق صفوفهم، ونكل بهم، وشردهم في الأرض، اللهم ومَن أمدهم بسلاح أو مال أو تدريب أو تخطيط فألحقه بهم في الهلاك والنكال، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما تحب وترضى، وخذ بأيديهم إلى الخير والرشد، وأعنهم وقوهم على نصرة إخوانهم المسلمين في سوريا، بكل ما يرضيك، ويقر أعين المؤمنين، ويكبت نفوس الكافرين والشانئين، إنك يا ربنا سميع مجيب.
منقوله من موقع الشيخ عبدالقادر جنيد جزاه الله خيرا
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك في قلمك ونفع بك وسددك الله شيخنا أبا المقداد الأثري وزادك الله من فضله وعلمه !
هلا أفصح الشيخ أبو المقداد عن اسمه حتى يغير وصفه من صديق الخطباء إلى خطيب ؟
تعديل التعليق