أحب البلاد إلى الله

شايع بن محمد الغبيشي
1446/05/05 - 2024/11/07 14:25PM

أحب البلاد إلى الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ([1]) 

 المساجد بيوت الله عز وجل قال عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ‌أَحَبُّ ‌الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا » رواه مسلم، "لأنَّها بيوت طاعته وكفاها شرفًا أنها بيوت الله تضاف إليه ولأنها محل أوليائه وأحبابه وإليها تنزل ملائكته ومنها بالأعمال الصالحات تصعد إلى سماواته" ([2])

ومن عظمة المساجد أنها مأوى الملائكة، تأوي إليها ملائكة الرحمن تحف أهلها وتدعو وتستغفر لهم،  فما أعظم منزلة من يأوي إليها ويمكث فيها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "...فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: ‌اللَّهُمَّ ‌اغْفِرْ ‌لَهُ، ‌اللَّهُمَّ ‌ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ" رواه البخاري عباد الله من عظم مساجد الله وآوى إليها وأحبها نال نصيبه من محبة الله عز وجل، فقد أعلى الله من شأنها وشأن أهلها فقال سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ([3])

عبادة الله ومن عظمة المساجد أنها خير البلاد؛ وهي محل الطمأنينة، ومحل الذكر، ومحل الصلاة، ومحل تلاوة القرآن" فمن تعلق قلبه بالمساجد كان يوم القيامة في ظل عرش الرحمن قال صلى الله عليه وسلم: "سبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: "رجل قلبه معلق بالمساجد" متفق عليه

عباد الله يا فوز من عظم بيوت الله وأحبها في أي مكان من الأرض، يا فوز من تردد عليها فإن الله يعد له ضيافة في الجنة ونزلاً فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» رواه البخاري.

ومن عظمة المساجد أن قراءة القرآن وتدارسه فيها ثمرات عظيمة بينها النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه أبو داود وحسنه الألباني. ومن ذلك فتح حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتدارسه وتدبره

عباد الله إن المساجد بيوت الله جل وعلا فينبغي أن نجلها ونعظمها يكفي أن نعلم أنها بيوت الله جل وعلا ومن أعظم الطاعات وأعظم سبل الفوز بمحبة الله عز وجل تعظيمها وإعلاء شأنها.

عباد الله ومن إجلال بيوت الله وتعظيمها عدم الاعتداء على أرضها ومرافقها ومنافعها واستغلالها لغير ما خصصت له لأنها وقف لا يجوز العدوان عليه، وقد نصتْ فتوى اللجنةِ الدائمةِ للإفتاء على [ أن ما كان داخلَ أسوارِ المسجدِ سواءً كان مَسقوفاً أو غيرَ مسقوفٍ، وأسطحَها و مناراتِها والساحاتِ المهيأة للصلاة بجوارها لا ينبغي استغلالُها في غيرِ العبادة من صلاةٍ و حلقاتِ علمٍ أو تحفيظ] اللهم اجعلنا من عمار بيوتك المعظمين لها يا حي يا قيوم .

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان حمد عبده ورسوله أما بعد:

عباد الله ومن أعظم القربات عمارة المساجد ببنائها وتشيدها فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: « مَنْ بَنَى ‌لِلَّهِ ‌مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ » رواه أحمد وصححه الألباني. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فالمساجد أحب البقاع إلى الله لأنها محل ذكره وعبادته وقراءة شرعه ... ولهذا كان بذل المال فيها من أفضل أنواع البذل والبذل فيها من الصدقة الجارية... كل المسلمين ينتفعون بها المصلون والدارسون والمتعلمون والمعلمون" ([4])  

ومن عمارة بيوت الله العناية بنظافتها وطهارتها، وتطيبها فهي وظيفة الأنبياء والصالحين قال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} ([5]) وقال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}([6])  وكانت امرأة تقم مسجد رسول الله وتعتني بنظافته فافتقدها النبي صلى الله عليه وسلم فماذا فعل عليه الصلاة والصلام يخبرنا بذلك أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ - أَوْ شَابًّا - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا - أَوْ عَنْهُ - فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا - أَوْ أَمْرَهُ - فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ» رواه مسلم

اللهم اجعلنا من عمار بيوتك يا حي يا قيوم، اللهم تقبل من كل من بنى لك مسجداً وأخلف عليه بركة في عمره وماله وأهله وابني له بيتاً في الجنة يا حي يا قيوم

 

 



([1]) ـ [آل عمران : 102].
([2]) ـ «التنوير شرح الجامع الصغير» (1/ 391):
([3]) ـ [النور: 36 ـــ 38]
([4]) ـ شرح رياض الصالحين لابن عثيمين» (6/ 657)
([5]) ـ [البقرة: 125]
([6]) ـ [الحج: 26]

 

المرفقات

1730978697_أحب البلاد إلى الله م.docx

1730978703_أحب البلاد إلى الله م.pdf

المشاهدات 764 | التعليقات 0