أحبُّ الاعمال الى الله .. بِرُّ الوالدين (1)

أحمد عبدالله صالح
1440/01/28 - 2018/10/08 08:55AM
خطبــة جمعـــة بعنـــوان         
[ أحبُّ الاعمال الى الله .. بِرُّ الوالدين ] ( ١ )
        السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
                         الخطبه {{ 16 }} 
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/ 
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب . 
ألقيت في  5 أكتوبر 2018 م
الموافق  24 محرم 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ 
ايها الأحباب الكرام :
لا زالت سلسلتنا المباركه الطيبه المثمره لأحب الاعمال الى الله مليئةٌ بالأعمال والطاعات والأخلاق التى يحبها الله جل وعلا ..
وكنت قد تحدثت معكم قبل حلول عشر ذي الحجه 
عن عمل من الاعمال التى يحبها الله عزوجل لثلاث جمع متتاليه وهي الصلاه كما ورد ذلك في الحديث الذي في الصحيحين من حديث أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه قَالَ :
سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
 أَيُّ اْلأَعْمَالِ أَحَبُّ إَلىَ اللهِ تَعَالىٰ ؟
قَالَ {الصَّلاَةُ عَلىٰ وَقْتِهَا ))
واكمالاً لهذا الحديث يقول عبدالله بن مسعود :
ثُمَّ أَي ؟
اي ثم ماذا بعد الصلاه من عمل يحبه الله؟
 فقَالَ عليه الصلاة والسلام :  بِرُّ اْلوَالِدَيْنِ )
البَر بفتح الباء : هو خلاف البحر وهو التوسع في اللغه..
ويصف الله عزوجل ( إنّه هو البَرُ الرحيم )..
ويصف به العبد ( هذا بَرٌ بأمه )..
والبِـر بكسر الباء يكون في القول والاعتقاد 
قال تعالى : ﴿ ليسَ البرَّ أن تُوَلُّوا وجوهَكُم قِبَلَ المشرقِ والمغرِبِ ولكنَّ البِرَّ مَن ءامَنَ باللهِ واليومِ الآخِر والملائكةِ والكتابِ والنبيِّينَ ﴾
فالبِر هو اسم جامع لكل خير.! والابرار جمع بار. ومن أراد ان يكون من الابرار لابد عليه ان يفعل البِر ..
وقد جاء في القران ما يبين جزاء هؤلاء الابرار فقال سبحانه في محكم الآيات والتنزيل :
" إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا" ﴿٥ الانسان﴾
" إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ " ﴿١٣ الإنفطار﴾
" كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿ ٨المطففين﴾
" رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ " ﴿١٩٣ آل عمران﴾
" نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ" 
﴿١٩٨ آل عمران﴾
ولذلكم يا كرام بِرُّ الوالدين :              
طاعةٌ من الطاعات الكريمه وعبادةٌ من العبادات الفاضله وهي فرضٌ على كل مسلم ومسلمه ..
قدمها الله عزوجل على الجهاد في سبيله لان
بر الوالدين فرض عين واذا قصرت في برهما فمن ذا الذي سيبرهما ؟؟
اما الجهاد فهو فرض كفايه قد يقوم به غيرك
واذا قام به البعض سقط عن الآخرين ..
ولذلكم أُخّرَ الجهاد وقُدم بر الوالدين عليه ..
ومن اجل ذلكم كان بر الوالدين من أعظم شعائر الدين قضى به ربنا عزوجل، وثنى به، 
وقرنها بعبادته وتوحيده وذلك لبيان حقهما على الولد إذ أنهما السبب الظاهر والمباشر في وجوده قال الله تعالى :
 ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ..
وقال تعالى :
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ..
كما قرن سبحانه شكرهما بشكره فقال :
( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )([188]) .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
ثلاث آيات نزلت مقرونةً بثلاث لا تُقْبَل منها واحدة بغير قرينتها :
إحداها: قوله تعالى :
 ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )
 فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
الثانية : قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فمن صلى ولم يزَّكِ لم يُقبل منه.
الثالثة: قوله تعالى ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ )
 فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يُقبل منه .
ولاجل ذلك كان بِرُّ الوالدين منقبةٌ من مناقب الانبياء وصفةٌ بارزةٌ لاوليائه ورسله ..
وربنا جل جلاله لما حكى مآثر النبيين ومناقب المرسلين، ذكر من ذلك برهم بآبائهم وأمهاتهم :
= فهذا قدوتنا ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول أبي الطفيل رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْجِعِرَّانَةِ يُقسّمُ لحمًا؛
إذ أقبلت امرأة فبسط لها ردائه عليه الصلاة والسلام الذي يستر به نصفه الأعلى خلعه وبسطه فجلست عليه تلك المرأة، فقلت: من هذه؟ قالوا: "أمُّهُ التي أرضعته" حليمة السعدية رضي الله عنها التي شرّفها الله بأن تكون مرضعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبسط لها ردائه من أجل أن تجلس عليه ..
 وليسمع هذا الكلام أناس ، الواحد منهم إذا علا كعبه، وعَظُمَ قدره، وتسمن من المناصب مكانًا رفيعًا، أو فتح اللهُ عليه من المال شيئًا كثيرًا،
فإنه لربما يترفع عن بر أبيه وأمه ..
لربما يترفع عن الخضوع لهما والذل بين أيديهما..
= وهذا نبي الله يحيى بن زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسلام يثني عليه ربه جل جلاله فيقول: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) [مريم: 14].
= واطرى الله على عيسى عليه السلام الذي اعترف بفضل امه وخفض الجناح لها حينما نطق في المهد فقال: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) [مريم: 30- 32].
= وهذا نبي الله نوح عليه السلام يدعوا لوالديه فيقول :
( ربِّ اغفِرْ لِي وَلِوالديّ ولمِنْ دَخَلَ بيتيَ وَلِلمؤمنين والمؤمنات ) ..
= وهذا الخليلُ ابراهيم عليه السلام يدعو أباه إلى الله ، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر في عبارة قشيبةٍ وأدبٍ رفيع بكلمة ( يا ابتِ ) التى تُشعر بالخضوع والبر وتوحي بالرحمه والموده لوالده :
(يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا *...
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا *....
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا *...
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) [مريم:42- 45].
فكان أبوه قاسيًا فظًّا غليظًا يقول ربنا على لسانه:
(قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [مريم:46]
ومع ذلك لا يقابل الخليل إساءة أبيه بمثلها،
ولا يقابل الفظاظة بمثلها، ولا الغلظة بمثلها بل يقول له بإدبٍ لامثيل له :
(سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) [مريم: 47].
 فماذا كان جزاء هذا البر بأبيه المشرك ؟؟
 كان جزاؤه في الدنيا أن رزقه الله عزوجل غلامًا تقيًّا عابدًا زكيًّا مؤدبًا مهذبًا مطيعًا حتى في حال الموت يقول لأبيه :
(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102].                                            
هكذا كان أنبياء الله في برهم لآباءهم المشركين الذين قسوا عليهم وتوعدوهم بالقتل ان استمروا في دعوتهم وعدم طاعاتهم ..
هكذا عاملوهم باللطف والإحسان، والصلة، والمحبة، والكلام الليّن، وتجنب الكلام الغليظ، ورفع الصوت، ومناداتهم بأحب الألفاظ، كيا أمي، ويا أبي وياابتي ، ومعاشرتهم بالمعروف، ولاسبّ
ولا إيذاء ولاقسوة ولالعن ولاكراهيه..
روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"ما من مسلم يكون له والدان يصبح إليهما محتسبًا إلا فتح الله له بابين إلى الجنة، وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه"
 فقيل له: يا ابن عباس "وإن ظلماه"؟
 ألا فاسمعوا هذا الكلام،
فإن شبابًا يشكو الواحد منهم أن أباه يظلمه،
وإن فتاة تشكو أن أمها تظلمها، ربما قست عليها، ربما قست عليها بلسانها تقول ظلمتني، يقول الشاب ظلمني أبي..
يابن عباس ( وإن ظلماه .؟؟)
فقال : "وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه"
وإن تكرر الظلم مرة بعد مرة، وإن لم ينفق عليك أبوك فبرّه واجب، وإن أساءت إليك أمك فبرها واجب.
 هذا الذي يأمرنا به شرع الله، وهذا الذي يفتي به من تفقهوا في دين الله، وهذا هو السبيل الذي يسلكه من أراد رضوان الله.
فهؤلاء هم أنبياء الله وأوليائه ورسله ..         
اما سلفنا الصالح من الصحابه والتابعين وتابعيهم فلما علموا بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام :-
- فهذا الصحابي الجليل والإمام العلامة 
أبو هريرة رضي الله عنه كان إذا أصبح يأتي فيقف على باب أمه ويقول لها:
"السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته"
فتقول له: "وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته"
فيقول لها: "رحمك الله كما ربيتني صغيرًا"، فتقول له: "رحمك الله كما بررتني كبيرة".
- وهذا محمد بن سيرين كان إذا كلم أمه كأنه يتضرع ..
ويقول عنه ابن عوف:
دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئاً؟
قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
- وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين،
وكان كثير البر بأمه حتى قيل له:
 إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
- وهذا حيوة بن شريح، وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
هذا غيض من فيض مما ذكره التأريخ لهذه النماذج من بر السلف لآبائهم وأمهاتهم، وحريٌ بنا ان نقتدي ونتأسى بهؤلاء الذين قال الله عنهم وأمر بالاقتداء بهم :
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ )
الإنعام - ٩٠
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ 
ايها الأحباب الكرام :                                  
إنّ موضوعًا تحدث عنه القرآن، وتواترت به النصوص لابد من طرقه، والتذكير به في هذه الأيام ..
هذه الأيام التي عظُمت فيها الفتن وتتابعت على الناس فيها المحن، وانبهمت المقاصد على كثير من الشباب، فقدموا ما حقه التأخير وأخّروا ما حقه التقديم، وغابت عنهم كثير من التعاليم والمفاهيم ومن هذه المواضيع المهمه بمكان والتى تعتبر من احب الاعمال الى الله عزوجل :
               " بر الوالدين "
ومن الوفاء أن لا ينسى الإنسان المعروف ولا يجحد الفضل .!
وفضل الوالدين على الأبناء عظيم ولذلك لم تكتف آيات الإسراء بالأمر بالإحسان إلى الوالدين في الدنيا فحسب بل بعد موتهما أيضاً :
 ( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ..
وقد بينت السنة المطهرة الطرق التي يستطيع الإنسان أن يبرّ والديه بعد موتهما من خلالها، 
فحدّث مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من الأنصار فقال :
 يا رسول الله هل بقي عليّ من برّ أبويّ شيء بعد موتهما أبرّهما به ؟ قال : نعم خصال أربع :
 الصلاة عليهما،والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلةُ الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك بعد موتهما} .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
{ترفع للميت بعد موته درجته فيقول:
أي ربي أي شيء هذا؟ فيقول له:
ولدك استغفر لك} 
وفي الحديث:«إن الرجلَ ليرتفعُ في الجنةِ، فيقولُ: أَنَّى لي هذا؟ فيقال: باستغفارِ ولدِك لك». 
فاستغفر لوالديك أو لمن مات منهما وردد قائلاً:
( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ )  
( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )
وأكثر من الدعاء لهما فلقد انقطع عملهما من الدنيا إلا من ثلاثة ، وأنت واحدٌ منها .
 قال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  {إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له} .
فلا تبخل أُخيّ على والديك بعد موتهما بالدعاء لهما والاستغفار، واستمطار الرحمة عليهما والرضوان، وتحرى أوقات الاستجابة والغفران.
ثم عليك أيضاً إنفاذ وصيتهما والصدقة عنهما، عن ابن عباس رضي الله عنهماأن رجلاً قال :
إن أمي توفيت ولم توص أفينفعها أن أتصدق عنها؟ {قال : نعم}.
وعن سعد بن عبادة قال: {قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت:
فأي صدقة أفضل ؟ قال: سقي الماء} ..
ولا يتوقف اخوتي الكرام البر بالوالدين عند الدعاء والاستغفار والصدقة بل يمتدّ أيضاً ليشمل أموراً أخرى كثيرة منها:
- قضاء النذر عنهما فلقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال: {اقضه عنها} ..
- ومنها قضاء الصوم عنهما، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من مات وعليه صوم صام عنه وليه} ..
وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ 
قال: {نعم فدين الله أحق أن يقضى} .
- ومن ذلك أيضاً الحج عنهما فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفحج عنها؟ قال: {حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا دين الله ، فالله أحق بالوفاء} ..
- ومن ذلك صلة أصدقائهما فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه} ..
فمن قصر في بر والديه في حياتهما وندم على ما فرط في حقهما وخاف عاقبة العقوق فلا ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته، وليعلم أن باب الإحسان إليهما مفتوح على مصراعيه، فليدخل منه داعياً ومستغفراً لهما، وصائماً عنهما وحاجاً لهما وواصلاً أهل ودّهما، وإنما يتقبل الله من المتقين.
ولا يظنُّ من وفَّقَه اللهُ في القيامِ ببعضِ الحقوقِ أنه قد قامَ بما عليه،وقد جزى والديه حقَّهُما، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا يجزي ولدٌ والِدَه، إلا أنْ يجِدْه مملوكاً فيشترِيه، فيعتقه» .
ورأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يمانيًّا بالبيت، قد حمل أمَّه وراءَ ظهرِه، وهو يقول :
إنِّي لها بعيرُها المذلَّلُ  
                         إنْ أذْعَرَتْ رِكابُها لم أُذعَرُ
ثم قال: يا ابنَ عمرَ، أتراني جزيتُها ؟
قال: لا، ولا بزفرةٍ واحدةٍ؛ أي: عندَ الولادةِ.
وجاء رجلٌ إلى أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه ، فقال:
 إن لي أمًّا قد بلغ منها الكبرُ، أنها لا تقضي حوائجَها، إلا وظهْري لها مَطِيةٌ، فهل أدَّيتُ حقَّها؟ 
فقال الفاروقُ المحدَّثُ  رضي الله عنه :
"لا؛ لأنها كانت تصنعُ بك ذلك، وهي تتمنَّى بقاءَك، وأنت تصنعُه، وأنت تتمنَّى فراقَها"
ولكنك محسنٌ، واللهُ يجزي المحسنين على القليل الكثير. 
وختاماً ومن هنا من منبر رسولنا الكريم أدعوكم جميعاً أيها الحاضرون والحاضرات أن لا تخرجوا من هذا المسجد المبارك إلا وقد عاهدتم الله أنه من كان بينه وبين والديه شنآن أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم ..
ومن كان مقصراً في بر والديه فليتب ويعاهد الله من هذا المكان أن يبذل وسعه في بر والديه.
فهي دعوه أوجهها في هذه الجمعه لمعشر الشباب والفتيات  والأبناء والبنات :-
من أراد بحبوحة الجنة ..!
من أراد رضوان الله عزوجل ..!
من أراد شفاعة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!
من أراد سعادة الدنيا والآخرة فعليه ببر والديه كليهما أحياءً وأمواتًا..
فلا تصحب إلا من يأمرك ببر والديك..
 إلا من يحضك على طاعتهما ..
إلا من يزين لك الإحسان إليهما..
وأما أنت أيها العاق فاعلم أنك مجزي بعملك في الدنيا والآخرة ..
ولو لم يكن في عقوقِ الوالدين وتركِ برِّهِما،
إلا أنه غصصٌ وأنكادٌ يتجرَّعُها مَن لم يألُ جَهْداً في الإحسانِ إليك، لكان كافياً لصاحبه على تركِه.. يقول العلماء :
 كل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يُعجّلُ له في الدنيا، وكما تدين تدان.
بل واسمع معي وخذها مني حزن الوالدين عقوق:
فعن عليَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من أحزن والديه فقد عقها} ..
وبكاء الوالدين عقوق :
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {بكاء الوالدين من العقوق}
وتعمدك إحزانهما وإبكائهما عقوق ..
وعواقب عقوق الوالدين او شتمهما او إيذائهما وخيمةٌ وعظيمة :
ففي الحديث المشهور ليله الاسراء بالرسول الى السموات العلى يقول عليه الصلاة والسلام :
" رأيت ليلة اسري بي اقواماً في النار معلقين في جذوعٍ من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟؟
قال : هؤلاء الذين يشتمون آباءهم وامهاتهم في الدنيا ."
بل وروى انه من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمرٌ من نار بعدد كل قطر من السماء الى الارض.
وها هو رسول الله  يدعو على من أدرك أبويه
أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، فيقول كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :
 ((رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)).
اللهم أعنا على بر والدينا،اللهم أعنا على الإحسان إليهما،اللهم أعنا على طاعتهما..
اللهم اجعلنا عاملين في مرضاتهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين..
اللهم جازهم على كل ليله سهروا فيها من اجلنا..
وعلى كل لحظه تعبوا فيها من اجلنا...
وعلى ألم عانوه من اجلنا..
وعلى كل شدةٍ وضيقٍ ذاقوه بسببنا..
اللهم وفق الأحياء منهما، وعمّر قلوبهما بطاعتك،
ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا ..
اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم، فنوّر قبره، واغفر خطأه ومعصيته ..
اللهم اجزهما عنا خيراً، اللهم اجزهما عنا خيراً، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك ودار كرامتك، اللهم اجعلنا وإياهم على سرر متقابلين يسقون فيها من رحيق مختوم ختامه مسك.
اللهم قد قصرنا في ذلك وأخطأنا في حقهما، اللهم فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسرفنا وما أعلنا، واملأ قلبيهما بمحبتنا، وألسنتهما بالدعاء لنا، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ونستعيذك من شر استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون..
اللهم انا نسألك خير المسأله وخير الدعاء وخير العمل وخير الثواب ، ثبتنا وثقل موازيننا ويمن كتابنا ويسر حسابنا ورقق قلوبنا وارفع درجاتنا وثبت على الصراط أقدامنا ونجنا من كربات القيامه ..
هذا وصلوا وسلموا على رسولنا الكريم واعلموا
أن الله تبارك وتعالى قال قولاً كريمًا تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا:
(إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة والقرابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين ..
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين
المشاهدات 1305 | التعليقات 0