أحب الأعمال إلى الله

د. عبدالله بن حسن الحبجر
1444/10/05 - 2023/04/25 14:29PM

أحب الأعمال إلى الله

8 / 10 / 1444

------------------------------

الحمد لله ذي الجلال والجمال والكمال ، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الكبير المتعال ، وأشهد أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، وعلى التابعينَ وَمَنْ تبعَهم بإحسان إلى يوم المآل ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:
"فـــ" ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ :

عباد الله :
ههنا وصف قليل للأعمال لكنه مبارك، يُبقِي على الحسناتِ ويفتح أبوابًا مِن الخيراتِ، به يُدرَك السابقون ويُسبَق اللاحقون، إنه سلامةٌ عاصمةٌ للعبدِ بأمرِ اللهِ مِن الزيغِ والضلالِ، وهدايةُ إلى حسنِ الختامِ، والبشارةُ بالوصولِ ووراثةِ الجنانِ، وفوق ذلك هو أحب الْأَعْمَالِ إلى الله عز وجل، وأحبها إلى رسول الله ﷺ .

إنه يا عباد الله:
(المداومة على العمل الصالح وإن قل)
خيرٌ غَدِقٌ مباركٌ؛ وحبلٌ متينٌ موصولٌ باللهِ لا يَنْفَصِمُ أبدا .

عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: قال رَسُول اللهِ  -صلى الله عليه وسلم-:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ،   وَإِنْ قَلَّ))
وقال مسروق -رحمه الله-: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَيُّ العَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَتْ: الدَّائِمُ.
وكانَ عَمَلُهُ ﷺ دِيمَةً
وكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.
وبِهَذَا المَنهَجِ النَّبَوِيِّ الكَرِيمِ، أَخَذَ الصحابة والسَّلَفِ الصَّالِحِ، فَكَانَ أَحَدُهُم له ورد من عمل صالح لا يَترُكُهُ وَلا يُفرِّطُ فِيهِ عُمره كُلّه وهم في ذلك بين مقل ومستكثر.
فمن داوم على عمل صالح ولو كان يسيرا اجتمع له فيه كونه أحب عمل لله ولرسوله وعليه الصحابة والسلف.
عباد الله:
حرصا منه ﷺ على ما يعين على ثبات العمل وديمومته حث على التسديد والمقاربة وحدد بعض الأوقات بالذكر تيسيرا فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ:
(إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشيء مِنَ الدُّلْجَةِ)  رواه البخاري ومسلم
فقوله ﷺ (واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة)
فهذه الأوقات الثلاثة -أول النهار وآخره وشيء من الليل- كما أنها سبب لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية، مع راحة المسافر، وراحة راحلته، ووصوله براحة وسهولة، فهي سبب لقطع السفر الأخروي،
فطوبى لمن أثبت له ورد من عمل صالح لا يقطعه في هذه الأوقات ولو كان يسيرا.
عباد الله:
إن مما يرغب في المداومة على العمل الصالح أن العبد إن كان مداوما على عمل صالح ثم عرض له عذر من مرضٍ أو سفر، كُتِب له ما كان يعمل حال صحته وإقامته، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، قَالَ ﷺ:
((إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
هذا في حق من كان يعمل طاعةً فمُنِع منها، وكانت نيَّتُه لولا المانع أن يدوم عليها.
وعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
((مَا مِنَ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلَّا كَتَبَ  اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ )).
وهذا الفضل من الله تعالى، إنما يكون فيمن كان له وردٌ يحافظ عليه، وعملٌ يداوم عليه.
وتمام الأمر بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة أقعده التسويف، ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له فاته خير كثير. فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل مقام شريف وحال كامل ولهذا جاء في دعاء النبي ﷺ:
((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ)).
 .فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ....

الخـطبة الـثانيـة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد:
فيا عباد الله:
لا شيء أحب إلى الله من أن يداوم العبد على أداء الفرائض قال الله في الحديثِ القُدسيِّ:
"وما تقرَّبَ إليَّ عبدِي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افتَرضتُه عليه "
ونبينا ﷺ حين كان يوصي أصحابه كانت وصيته مربوطة بالمداومة على الأعمال وإن كانت قليلة ومن ذلك:
قول أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" متفق عليه.
وعند ابن خزيمة بلفظ:
"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لست بتاركهن: ألا أنام إلا على وتر، وألا أدع ركعتي الضحى فإنها صلاة الأوابين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر".
فهذه ثلاثة أعمال يسيرة مباركة من وفق للمداومة عليها حصل خيرا كثيرا.
ومما ينبغي للمسلم المداومة عليه ورد من القرآن في ليله ونهاره لا يخرمه أبدا.
وأذكار الصباح والمساء عمل صالح يغفل عنه الكثير.
وقال بعض أهل العلم:
من واظب على الأذكار المأثورة صباحًا ومساءً، في الأوقات والأحوال المختلفة ليلًا ونهارًا؛ كان من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
وأبواب الخير كثيرة متنوعة وفضل الله واسع فالله الله يا عبد الله بأي عمل صالح تجد في نفسك حبا للمداومة عليه وإن كان قليلا، فهو أحب إلى الله.
ورد يومي من القرآن الكريم.

ورد دائم من استغفار أو تسبيح وتهليل،

ورد من الصلاة على النبي ﷺ

لحظات تكون فيها وحيدا تناجي ربك وتناديه، تبث إليه حاجاتك وشكواك، ليست لحظة ، بل لحظات تتحرى فيها أوقات إجابة الدعاء موقنا بأنه سبحانه لايرد سائلاً ، فأبشر حينها ثم أبشر فوالله لن تعود خائبا .
ليكن لك نوافل عبادات ترتقي بها الى محبة الله
نشر الخير بأي طريق كان.
إعانة القريب أو المحتاج بأي وسيلة مادية أو معنوية، ولا تحقرن من المعروف شيئا ،  وسر إلى الله سيرا جميلا متواصلا غير منقطع،
فقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا:
(إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تُبَغِّض إلى نفسك (عبادة الله؛ فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى)
ثم صلوا وسلموا

 

المشاهدات 881 | التعليقات 0