«أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» 5 / 9 /1445هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى: «أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» 5 – 9 -1445هـ
الحمد لله ذي المنة والفضل، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له وهو للحمد أهل، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}.
في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r «أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ r حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».
هُوَ اليَمُّ مِنْ أَي النَّواحي أتيتَهُ ** فلُجَّتُه المعروفُ والجُودُ سَاحِلُهْ
تعوَّدَ بسط الكفِّ حتى لو أنَّه ** ثناها لقبضٍ لمْ تُجبــــهُ أنامِلُـــــــهْ
ولو لم يكنْ في كفِهِ غيرُ روحِهِ ** لجادَ بها ، فليتقِ اللهَ سائلُهْ
كَانَ r أَجْوَدَ النَّاسِ، أَجْوَد بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.. يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، ومَا سُئِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ "
كَريمٌ إِذا ما جِئتَ طالِبَ فَضلِهِ ... حَباكَ بِما تَحوي عَلَيهِ أَنامِلُه
الجواد: هو من كان مسرورا ببذله، متبرعا بعطائه، لا يلتمس عرض دنيا فيحبط عمله، ولا طلب مكافأة فيسقط شكره {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
الجود: من جاد من قلّة، وصان وجه السائل عن المذلّة.
إنّ الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياّ وهو مجهـــود
بِثّ النّـــوالَ ولا تمنعـــك قلّتــــــه ... فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود
الجود: التبرّع بالمال، والعطّية قبل السؤال .
وما الجود من يعطي إذا ما سألته ... ولكنّ من يعطي بغير سؤال
الجودٌ أن تبذلَ ما تجودُ نصرةً لضعيفٍ أو كفالةً ليتيمٍ أو سعيًا على أرملةٍ ومسكين أو إطعامًا لجائعٍ ورعاية لفقير. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}
قال عليه الصلاة والسلام لسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ»
منع الجود، سوء ظنّ بالمعبود {وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}
الجودٌ أن تدفع الزكاةَ بطيبِ نفسٍ وبشاشةٍ وجهٍ، دون أن تكون من قومٍ يرون في الزكاة مغرمًا، وفي الصدقة نقصًا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}...
الزكاةُ فرضُ وركن من أركان الإسلام قال أبو بكر رضي الله عنه «وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ r لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ» متفق عليه
{وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}
الزكاةُ لا تصح إلا بصرفها في مصارفها التي حددها الله في القرآن، وعبر المصارف الموثوقة والمعتبرة شرعاً ونظاماً ، فلا تبرأ الذمة أن تُعْطى كل متسول أو سائل لم يُتَثبت من حاله.
الزكاةُ حقُ في كل مالٍ بلغَ النصابَ وحال عليه الحول ، ففي الأوراق النقدية التي يتداولها الناس نصابها هذه الأيام ألفُ وسبعُمائةِ ريال ، فمن كان عنده هذا المبلغ وحال عليه الحول وجب أن يزكيه ولو كانت مرصودة في البنوك ، فتجب فيها ربع العشر ، تقسم على اربعين فما خرج فهو الزكاة.
وفي المحلات التجارية وعروض التجارة تُقَيم قيمة البضائع كل حول، فيُخرج منها ربع العشر.
ومن له أرضٌ أو عقارٌ يرجو ربحه والتكسب فيه فيُخرجُ زكاتَه إذا بلغ الحول من قيمته ربع العشر. وتجب الزكاة في التمر إذا بلغت ثلاثمائة صاع في التمر، والصاع يقدر بكيلوا ونصف تقريبا مع مراعات اختلاف انواع التمر، ويقدرها أهل الخبرة بتسع نخلات متوسطات.
وكذا تجب في الأنعام والحبوب . ومن ملك شيئًا لنفسه ولخدمته كسيارة وبيت يسكنه وأثاث يستعمله فلا زكاة فيه، واختلف في زكاة الحلي المُعَدُ للاستعمال.
أما زكاة الديون ومن عليه دين فقال الإمام ابن باز رحمه الله (إذا كانت لك ديون على أملياء متى طلبتها أخذتها فعليك أن تزكيها كل عام، أما إن كانت الديون عند أناس معسرين أو مماطلين لا يحصلون المال إلا بتعب كبير، فإنه لا تجب الزكاة في هذه الأموال؛ لأنها ليست في قبضتك، فإذا قبضتها أديت عنها الزكاة إذا حال عليها الحول بعد قبضك إياها.
وأما من عليه دين فالواجب عليه أن يزكي والدين يبقى في الذمة ولا يمنع الزكاة، ولكن عليه أن يزكي الأموال التي في يده والله يوفي عنه ، لكن لو أراد أن يسدد الدين فلا مانع أن يخرج الدين قبل وجوب الزكاة، قبل ميعاد الزكاة، يوفي الدين ثم يزكي الباقي).
هذا مجمل القول في الزكاة.
ومن جحد وجوب الزكاة فقد كفر ، لأنه كذب بالقرآن والسنة ، وما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة .. ومن تهاون في إخراجها بخلا وتكاسلا فإنه فاسق ترد شهادته ، وله في الآخرة عذابٌ عظيم ، قال أبو هُرَيْرَة رضي الله عنه، سمعت رَسُولُ اللهِ r يقول: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» ومثله قال في الإبل والبقر والغنم . أخرجه مسلم
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.
الخطبة الثانية الحمدلله على فضله وعطائه والشكر له على جميل إحسانه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أما بعد :
إذا عز الجود بالنفس أو بالمال، وقلّت ذات يدك ، فجد بما مواهبك في خدمة أمتك ، إن كنت من أهل القرآن فجد بمقدرتك على حلقة تحييها.
وإن كنت من أهل الجاه والمكانة فجد بجاهك في خدمة إخوانك واشفعوا تؤجروا.
وإن كنت طالب علم فجد بعلمك وابذله لمن يسأله، ومن صعب عليه الجود بماله فليجد بالصبر والاحتمال والإغضاء قال r : « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ».
وإن عز هذا وذاك فليكن جودك بتركك ما في أيدي الناس عليهم، فلا تلتفت إليه ولا تستشرف له بقلبك، ولا تتعرض له بحالك ولا لسانك وقد قال ابن المبارك، سخاء النفس عما في أيدي الناس أفضل من سخاء النفس بالبذل.
وفي صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر «إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» قَالَ سَالِمٌ: «فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ»،
ومن الجود أن تجود بنفسك في الطاعات ولا تستثقل أوقات تنفقها في الخير قراءةً وصلاةً وذكراً وعبادة .
ومن الجود أن لا تجود على أجهزة ورياضةٍ تسرق وقتك ، وتنهب مالك، وتلهيك عن ذكر الله وعن الصلاة ..
ومن الجود أن تجود على أسرتك بالنفقة والرعاية والصيانة وحسن القوامه "وخَيْرُكُمْ خيركم لِأَهْلِهِ".
وليس من الجود في شيء صُنعُ الطعامِ فوق الحاجه، والاسرافُ مباهاة وزينة ، إنما الجود أن تمنح جيرانك وتطعم من حولك قال عليه الصلاة والسلام لأَبِي ذَرٍّ : «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ»
وأخير : كان rأجود الناس في الدعاء للمسلمين ورفع أكف الضراعة إلى الله بأن يهدي هذا وينصر ذاك ، وينجي هذا ويفك أسر ذاك.. فهو القائل : اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ.. والقائل: اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ.. والقائل: اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ..
فجودوا فربكم جوادٌ كريمٌ يستحيي مِنْ عبدِه إذا رَفعَ يَدَيهِ إليه أن يَرُدهما صِفْراَ ، ونبيكم r أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ..
اللهم انصر من نصر الدين وانصر عبادك المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم في غزة وفلسطين على اليهود المعتدين ..
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا وانصر المرابطين في سبيلك على ثغور بلادنا وبلاجد المسلمين..
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
المرفقات
1710412134_«أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ».docx
1710412206_«أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ».pdf