أثر سنن الفطرة في حياة المسلم
عايد القزلان التميمي
1445/07/21 - 2024/02/02 08:33AM
الحمد لله الذي فطر عباده على معرفته ومحبته، ونشكره عز وجل أمرنا بالطهارة والنظافة لصحة الأبدان والأرواح وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله r وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن.
أيها المؤمنون : لقد دلت آيات الكتاب والأحاديث النبوية على أن الفطرة نوعان، باطنة وظاهرة، فالفطرة الباطنة هي التوحيد والبراءة من الشرك والإيمان بالله التي قال فيها الحق سبحانه
: )) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى
فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ))
وأما الفطرة الظاهرة فهي ما يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته ، والتي يكمُل المرء بها حتى يكون على أفضل الصفات وأجمل الهيئات . وقد ورد ذكرها في أحاديث نبوية مُتعددة منها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( الفطرة خمسٌ : الختانُ ، والاستحدادُ ، وقصُّ الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الآباطِ )) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (( عشرٌ من الفطرة : قصُّ الشارب ، وإعفاءُ اللحية ، والسِّواك ، والاستنشاقُ بالماء ، وقصّ الأظفار ، وغسل البراجِم ، ونتفُ الإبط ، وحلقُ العانة ، وانتقاص الماء " يعني الاستنجاء بالماء . قال الراوي: ونسيت العاشرة ؛ إلا أن تكون المضمضة )) رواه أبو داود .
و عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إن من الفطرة : المضمضة ، والاستنشاق )) رواه أبو داود .
عباد الله ومن مجموع هذه الأحاديث النبوية وغيرها يتبيّن أن سُنن الفطرة ليست محصورةً في عددٍ مُعينٍ ، وأنها أكثرُ من أن تُحصر ، إلا أن من أبرزها كما جاء في بعض كتب أهل العلم ، ما يلي : قص الشارب ، إعفاء اللحية ، السواك ، استنشاق الماء ، قص الأظفار ، غسل البراجم ، نتف الإبطين ، حلق العانة ( الاستحداد ) ، الاستنجاء ( انتقاص الماء ) ، المضمضة ، الختان ، عدم نتف الشيب ، خِضَابُ الشيب ، ترجيل الشعر .
وهي من محاسن الدين الإسلامي إذ هي كلها تنظيف للأعضاء فقص الشارب هو أخذ الشعر الزائد عن الشَّفَةِ، وإعفاء اللحية تركها على ما هي عليه من دون حلاقة أو تقصير وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والسواك وقص الأظافر معروف، واستنشاق الماء هو إدخال الماء إلى أعلى الأنفين، وغسل البراجم هو غسل الأماكن التي تتجمع فيها الأوساخ في الجسد وقيل هي الفروض التي بين مفاصل الأصابع لأنها قد تجمع أوساخا فمن الفطرة تعاهدها وغسلها ، ونتف الإبط وحلق العانة هو إزالة الشعر عن هذين الموضعين بالنتف للإبط والحلق للعانة، وهي المنطقة التي تعلو الفرج، وانتقاص الماء، وهو الاستنجاء بالماء لإزالة النجاسة العالقة بالقبل والدبر، وهو من جملة آداب قضاء الحاجة، ويكون بالماء أو بالحجارة وما يقوم مقامهما.
ومعنى أن هذه الخصال العشر من الفطرة أي أنها من سنن جميع الأنبياء حتى كأنها صارت خِلْقَةً وأمراً جِبلياً فُطروا عليه، ولقد أُمرنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأُمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهدي الأنبياء من قبله فقال تعالى (( أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ)) ولقد أخبرنا الله تعالى أن هارون عليه السلام كان ذا لحية فقال تعالى(( قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى ))
واعلم يا عبدالله أن هذه السنن للرجل والمرأة سواء، وقد روى الإمام مسلم في صحيحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( وُقِّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة )). قال الإمام النووي في هذا الحديث: "ليس المعنى أن يتركها أربعين ليلة، وإنما المعنى أنه لا يتركها أكثر من أربعين ليلة، وهذه أوضح،
لأن من هذه السنن ما يفعله المسلم يوميًا، ومنها ما يحتاج إليه بعد أسبوع، أو خمسة عشر يومًا،
ولذلك حددت الشريعة أجلاً أقصى لها، ولم تحدد الأجل الأدنى. عباد الله وهنا يمكن ملاحظة أن جميع هذه السنن تُعنى بمظهر الإنسان المسلم وجمال هيئته .
وفيها الامتثال والإتباع ؛ ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )) بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي فطر الخلق على ما تستحسنه العقول، وأيد ذلك بما أنزله على الرسول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
ومن سار على نهجهم القويم وسلم تسليما.
أما بعد فيا عباد الله قال الله تعالى : )) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )) وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه أنه قال : قلت : يا رسول الله ! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك . قال صلى الله عليه وسلم (( قل آمنتُ بالله ، ثم استقم " ( رواه مسلم ،
والمعنى أن الاستقامة لا تتحقق إلا بالفقه والعلم الشرعي ومعرفة أمور الدين معرفةً صحيحةً ، والإحاطة بتعاليمه وتوجيهاته وتطبيقها في واقع الحياة ليُصبح الإنسان المسلم بذلك قدوةً صالحةً وأسوةً حسنةً .
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
المرفقات
1706852660_خطبة أثر سنن الفطرة في حياة المسلم.docx
1706852660_خطبة أثر سنن الفطرة في حياة المسلم.pdf