أثر الدعاء لصلاح الأبناء

أثر الدعاء في صلاح الأبناء

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين جعل الأولاد الصالحين قرة أعين لآبائهم الصالحين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء والمرسلين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماَ كثيرا . أما بعد:-

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فهي وصيته سبحانه لعباده الأولين والآخرين ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } .

خطبتنا اليوم عن ( أثر الدعاء في صلاح الأبناء ) .

عباد الله : إن الأولاد مسؤولية ثقيلة في أعناق والديهم ، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدعون الله بصلاح الذرية قبل حصولها ، لأنهم أدركوا دور الدعاء في صلاح الأبناء واستقامتهم ، وعلاج عيوبهم ، قال إبراهيم الخليل عليه السلام :     ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ ) [الصافات:100] ، ونبيُّ الله زكريا عليه السلام دعا بالذرية الصالحة قال تعالى : ﴿ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَب لي مِن لَدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ ﴾. [آل عمران:38] ، وقال : ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5، 6] . ومعنى : ﴿ رَضِيًّا ﴾ ، أي : مرضيًا عندك وعند خلقك تحبه ، وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه . أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فله مع الدعاء للأبناء شأن كبير، فسيرته العطرة تزخر بدعوات طيبات لأبنائه وأبناء أصحابه ، فمن ذلك أنه كان يعتنق الحسن ويقول : « اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه » حديث صحيح . وكان يأخذ أسامة بن زيد فيقعده على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه الآخر ثم يضمهما ثم يقول : « اللهم ارحمهما فإني أرحمهما » ، صحيح البخاري . ودعا لابن عباس رضي الله عنه وهو صغير: « اللهم فقهه في الدين » صحيح البخاري . فهؤلاء الأنبياء كان من سنتهم الدعاءُ لذرياتهم ونحن مأمورون بالاقتداء بهم ، قال تعالى : ﴿ أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه ﴾ . فالدعاء للأبناء سنة نبوية ، ودعاء الوالدين لأولادهم له منزلة ومزية ، إذ هو دعاء مستجاب ، جاء في " سنن ابن ماجة " قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهنَّ ، دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد لولده » . ثم إن الأولاد يحصلون بين الزوجين ، فمن أعظم مقاصد الزواج إنجاب الذرية الصالحة ، ولذلك عند الخِطبة يجب على الزوج أن يختار الزوجة الصالحة ، قال صلى الله عليه وسلم : { فاظفر بذات الدين تربت يداك } ، وقال عليه الصلاة والسلام : { إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته - وفي رواية - وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير } ، فالخاطب لا ينظر إلى منصب المرأة ونسبها فقط ، ولا ينظر إلى جمالها ومالها ، وإنما ينظر إلى صلاحها ودينها ، لأنه الركيزة للذرية الصالحة ، وهي الحرث للزوج يضع فيها ذريته ، تكون منبتاً صالحاً ولا تكون منبتاً سيئاً . ولهذا كان من المواضع التي يغفلُ عنها الناسُ في الدعاء لأولادهم الدعاءَ عند إتيان الأهل ، قال النبي ﷺ :    " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ : " بِاسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا . فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ". متفق عليه . وكذلك يشرع الدعاءُ للأولاد بما يُحصِّنهم ويحفظُهم من الشرور فقد كان النبيُّ ﷺ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رضي الله عنهما فيقول : " أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ " ، كل هذا محافظة على المولود ، وعلى تنشأته على الصلاح  والاستقامة ، حتى يكون قرة عين لوالديه . ويدعو لوالديه إذا كان صالحاً . كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

أيها الأخوة في الله : دعوة الوالدين لها دور كبير في صلاح الأبناء وتوفيقهم واستقامتهم على الطاعة ، فلنحرص دائمًا بالدعاء لأبنائنا ، ولنعلم أن الدعاء لهم يصلح أحوالهم ، ويجبر كسرهم ، ويعالج أخطاءهم ، ويحميهم من الشرور والفتن .  فربَّ دعوة صادقة من أب أو أم ردَّت شاردًا ، أو أصلحت فاسدًا ، أو هدت ضالًّا ، أو قرَّبت بعيدًا . ودعاؤك لأبنائك أيها الأب لا ينفعهم فقط ، بل إذا بارك الله دعواتك ، فهي تمتد إلى أولادك وأحفادك ، وأجيالهم المتعاقبة . ويا حبذا لو أسمعت ولدك بعض دعائك له ، مثل أن تقول : " الله يهديك ، الله يصلح حالك ، الله يرضى عنك " ، فإن هذا الكلام يسري في روحه ، ويملأ قلبه بمحبتك ، لِما يرى من حرصك عليه  وحبك له ، ويشجعه أن يكون أهلًا لدعائك ، وأن يعمل لتحقيق ذلك . اللهم كما أنعمت علينا بالذرية فأتم النعمة بصلاحهم واستقامتهم على ما يرضيك . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلى فضله وإحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيراً . أما بعد :-

فاحذروا أيها الآباء من الدعاء على أولادكم مهما أساؤوا وأخطأوا ، فرُبَّ دعوة أفسدته أو أهلكته ، ثم يكون الندم بعد ذلك ، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فعَن جَابرٍ رضي الله عنه قال : قَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ : { لا تَدعُوا عَلى أَنْفُسِكُم ، وَلا تدْعُوا عَلى أَولادِكُم ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُم ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسأَلُ فِيهَا عَطاءً ، فيَسْتَجيبَ لَكُم } رواه مسلم . فكم من دعوة خرجت من أب أو أمٍّ على أحد الأبناء ، فصادفت ساعة إجابة ، فكانت سببًا في ضلال ، أو ضياع ، أو عقوق ، أو حتى موت هذا الإبن . فقد جاء رجل إلى عبدالله بن المبارك يشكو عقوق ولده ، فقال له ابن المبارك : أكنت تدعو عليه ؟ قال : نعم ، قال : أنت أفسدته . فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب . وكم من الآباء اليوم من يشتكون من مشاكل أبنائهم من انحراف وسوء خُلق ، وضعف دين ، وعدم توفيق في العمل والدراسة إلى غير ذلك من الأمور ، وإذا قيل له : هل تدعو لهم أم تدعو عليهم ؟ قال : أدعو عليهم . وتصور معي : بنت صغيرة كسرت كأسًا فتقول لها أمها : الله يكسر قلبك أو كسر الله قلبك ، ماذا لو وافقت ساعة استجابة ، هل الكأس تعدل قلب البنت . أو أب يقول لولده الذي كسر شيئًا من حاجات البيت : الله يأخذ عمرك ، وهل هذه الحاجة تساوي أخذة ابنه . فكيف يريد مثل هذا الأب ، أو تلك الأم السعادة والهناء والتوفيق والصلاح للأبناء وهم يدعون عليهم ، ألا فليتق الله أولئك الآباء والأمهات الذين لا تفتر ألسنتهم من الدعاء على أبنائهم ، وليعلموا أنهم سبب من أسباب ضياع أبنائهم ، وسبب لفسادهم ، وسبب لانتكاستهم ، بل ربما كانوا سببًا في سوء خاتمتهم والعياذ بالله . ومن أقبح الدعاء على الأولاد لعنهم ، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله . لماذا لا نستبدل هذا الدعاء على الأولاد بدعوات طيبة ، مثل : الله يهديك ، الله يصلحك ، الله يوفقك . الله ييسر أمرك ، وهكذا .

عباد الله : ومما يجب على الآباء تجاه أبناءهم أن يغرسوا فيهم القيم الطيبة ، كحب الوطن والأسرة ووحدة المجتمع ، وأن يُحَذّرُوهم أشد التحذير من الانحرافات الفكرية مثل التطرف ، أو الانضمام إلى الفرق والجماعات المتطرفة . كما يجب على الآباء تحذير أبناءهم من السلوكيات المنحرفة ، مثل المخدرات والمسكرات ، وبيان خطرها وتأثيرها على الفرد والمجتمع . كما يجب عليهم أن يحافظوا على الممتلكات العامة كالحدائق والمنتزهات والطرق وغيرها . وعدم العبث بها بشكل من الأشكال . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أبنائنا وبناتنا ، وأن يرزقنا برهم ، ونجاحهم وفلاحهم ، واستقامتهم وصلاحهم ، اللهم جنبهم رفقاء السوء ، اللهم اجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين . هذا وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم  كما أمركم بذلك ربكم فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك وأيدهم بتأييدك وأعز بهم دينك ياذا الجلال والإكرام . اللهم وفقْهُم لهُدَاكَ واجعلْ عمَلَهُم في رضاكَ ، اللهم وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُهُم على الخيرِ وتعينهم عليه . اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . ( اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، الغنيُّ ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا . اللهم أسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أسقِ عبادَك وبهائمك ، وانشُرْ رحمتك وأحيِ بلدَك الميتَ ، اللهم أغثنا غيثاً مغيثا ، هنيئاً مريئا ، نافعًا غير ضار ، عاجلاً غير آجل ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالأمطار )     { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . وأقم الصلاة .

 

( خطبة الجمعة 17/4/1444هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

المرفقات

1725387300_أثر الدعاء في صلاح الأبناء.docx

المشاهدات 397 | التعليقات 0